تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان عبد المنعم إبراهيم، أحد أبرز مبدعي الكوميديا في تاريخ السينما والمسرح المصري، ذلك الوجه الباسم الذي أضحك الملايين بملامح بسيطة وأداء مختلف وروح ظلّت حاضرة رغم ما تحمله حياته الشخصية من وجع وفقد وصدمات متتالية قلما يستطيع إنسان تجاوزها.
وُلد عبد المنعم إبراهيم في 24 أكتوبر عام 1924 بمحافظة بني سويف، بينما تعود جذوره إلى بلدة ميت بدر حلاوة بمحافظة الغربية. التحق في بداية حياته بدبلوم الصنايع قبل أن يقوده شغفه إلى معهد الفنون المسرحية الذي تخرج فيه عام 1949، لينطلق بعدها في مشوار فني امتد لأكثر من أربعة عقود.
ورغم خفة ظله على الشاشة، فإن حياة عبد المنعم إبراهيم لم تخلُ من الألم. كانت أولى الصدمات الكبرى حين كان يصوّر أحد الأفلام في اليونان، فوصله اتصال يخبره بمرض زوجته وحاجتها إليه. حاول العودة سريعًا، لكن رحلته تعطلت، وبعد وصوله علم من الأطباء أن حالتها ميؤوس منها وأن أمامها أشهرًا قليلة. وبعد رحيلها تركت له أربعة أبناء ليكمل وحده مسؤولية الأسرة. هذه التجربة القاسية قال لاحقًا إنها ساعدته على أداء الأدوار التراجيدية بصدق أكبر لأنها كانت جرحًا لا يندمل.
تتابعت الأزمات في حياته، فبعد عامين فقط فقد والده، ثم رحل شقيقه بعد صراع مع المرض. ومع كل هذا ظل يصعد إلى المسرح ويقف أمام الجمهور محاولًا أن يخفي ألمه بابتسامة، لكن الضربة الأشد كانت وفاة نجله طارق بعد صراع طويل مع السرطان، وهي اللحظة التي وصفها بأنها الأقسى والأصعب في حياته. وبرغم ذلك كله لم يتوقف يومًا عن تقديم البهجة للناس، ولم يسمح للحزن أن يهزم فنه أو يطفئ حضوره.
قدّم عبد المنعم إبراهيم عشرات الأعمال التي رسخت اسمه في ذاكرة الجمهور، من بينها "سر طاقية الإخفاء"، "إشاعة حب"، "الوسادة الخالية"، "أضواء المدينة"، "القبلة الأخيرة"، "الوفاء العظيم"، "نصف عذراء"، و"معًا إلى الأبد"، إلى جانب مشاركاته الشهيرة مع إسماعيل يس في عدد من الأفلام التي لا تزال تُعرض حتى اليوم.
أما على مستوى المسرح فقد انضم لفرقة المسرح الحديث ثم المسرح القومي، قبل أن ينتقل إلى فرقة إسماعيل ياسين، وحقق حضورًا إذاعيًا مميزًا عبر برنامج “ساعة لقلبك”، الذي كان بوابة انطلاق لكثير من نجوم الكوميديا.
لم يكتفِ عبد المنعم إبراهيم بمسؤوليته تجاه أسرته فقط، بل امتدت إنسانيته لتشمل غيرهم؛ إذ تولى رعاية أبناء إحدى زوجاته إلى جانب أبنائه، بل ورعى أبناء شقيقته أيضًا، حتى وصل عدد من يعيلهم إلى 14 طفلًا.
وبرغم حياته المزدحمة بالمسؤوليات لم يفقد بساطته أو دفء روحه، وقد روت ابنته سمية في لقاء تلفزيوني أن والدها كان يرى الحياة سهلة مهما اشتدت عليه، وأنه كان يؤمن بأن الصدمات تُعاش ثم تُترك خلفك، لكن لا يجب أن تنتزع منك ضحكتك أو إنسانيتك.
ظل عبد المنعم إبراهيم حاضرًا على المسرح والشاشة حتى سنواته الأخيرة، محتفظًا بمحبة الجمهور وبقدرته على الإضحاك دون ابتذال. وقبل رحيله أوصى بأن تخرج جنازته من المسرح القومي، المكان الذي شهد أجمل لحظات فنه، وأن يُدفن في مسقط رأسه، وكأنه أراد أن تكون نهايته على الأرض التي بدأ منها حلمه.