إن مهارة مقاتلينا الشجعان فى حرب أكتوبر المجيدة كانت وستظل فخرًا لقواتنا المسلحة جيلًا بعد جيل، يتوارثون أمجادها، ويسيرون على نهجها، ومن حقنا كمصريين أن نروى ملاحمها بفخر، ونحكى عنها بثقة، ونقصّ وقائعها بزهو، ونسرد تفاصيلها باعتزاز، لتكون نبراسًا نهتدى به، وموطن قوة نطمئن إليه، وأساس ردع نحتمى به فى كل الظروف، وعلى مر العصور؛ لأن كل القيم النبيلة، والصفات الحميدة، والمبادئ الأصيلة -تجسدت فى الإنسان المصرى، وفى قواتنا المسلحة الباسلة، البارة بوطنها، من جيل أكتوبر العظيم. وكما يؤكد دائمًا الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلماته أثناء الذكرى العطرة ليوم العبور، أن «هذا الجيل ارتفعت قامته، فوق ارتفاع المحنة، وأثبت مجددًا أن لمصر رجالًا فى كل عصر، يعرفون قدرها العظيم، وقادرون دائمًا بإذن الله على صون الوطن ورفعته».
ويُحسب للمقاتل المصرى فى حرب أكتوبر العظيمة من القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس محمد أنور السادات وحتى أصغر جندى، أنه استحضر كل عوامل الانتصار، وتمسك بجميع ضمانات الفوز، وبحث وفق كل السبل عن نقاط ضعف العدو لشلّ حركته، مع توظيف نقاط القوة فى جيشنا المقدام لتحقيق الهدف المراد، فلم يكن هناك مجال للتجريب، ولا محل للخطأ، ولا منفذ للتقصير، بل إن كل تقديرات الموقف المعدّة مُسبقًا تجسدت على أرض الواقع؛ لأن المهام المختلفة، والأدوار المتنوعة سبقتها «بروفات» متعددة، وجولات متتابعة من التدريب الشاق، والتأهيل الشامل، انتظارًا لساعة الصفر، وقدوم يوم الثأر، فسيطر المقاتل المصرى على أرض المعركة، وصال وجال فى تعليم العدو دروسًا فى فنون القتال، ومهارات الهجوم، وقدرات الدفاع برًا وبحرًا وجوًا، ولن ينسى العدو تلك المعارك الشرسة، وهذه البطولات النادرة؛ لأنه يعلم أن جيش مصر رجال فى كل عصر.
وتحضرنى هنا تلك العبارة المتكاملة من كلمة الرئيس السيسى فى ذكرى ملحمة العبور الـ«50»، عندما قال: «إن فى هذا النصر الفريد ما يستوجب الوقوف أمامه لسنوات، بل لعقود وعقود، للتعلم والتدبر، قيم عندما حضرت حضر النجاح والتفوق، والتخطيط العلمى المحكم الدقيق، الذى لا يترك شيئًا إلا وتحوّط له بما يلزم، والتنسيق المنظم، الذى يستغل جميع القدرات والإمكانات، فيصـل بأداء المنظومـة إلى أعلــى درجاتـها، والتنفيذ المنضبط الراقى فى أدائه، والباهر فى نظامه وترتيبه، والروح الوطنية القتالية، التى استعانت على التحدى الهائل، بالمخزون الحضارى العميق للأمة المصرية من القوة والبأس، والثقة بالذات، وقبل كل ذلك، وبعده، كان الإيمان بالله إيمان الواثقين العارفين بأن نصر الله قريب، يكافئ به المخلصين المجتهدين أصحاب القضايا العادلة»، إنها منظومة النجاح التى لا تعترف بالفشل، ولا ترضى إلا بالانتصار الساحق بالتفاهم التام بين المقاتل المؤهل وسلاحه الرهيب، مثلما الفارس الكفء وجواده المتمرس، ويستمر نسل الأبطال يطرح الشجعان فى كافة فروع قواتنا المسلحة، مصنع الرجال على مر العصور، وتتابع الأزمان.
وحديثنا المتواصل عن بطولات محاربينا السمر الشداد ليس مجرد آراء شخصية ولا انطباعات فردية، بل الحقيقة المؤكدة أن هذه الانتصارات موثقة بالوقائع الميدانية والتحليلات العسكرية، وتدرس وفى المناهج على مدى أكثر من 50 عامًا فى أعتى المراكز الاستراتيجية عالميًّا فى جميع مراحل تلك الحرب التى غيّرت شكل الشرق الأوسط كله، وتتابعت نتائجها وتأثيراتها على المحيطيْن الإقليمى والدولى بكافة أرجائهما، وعلى جميع مستوياتهما، والكتب والدراسات هنا عصية على الحصر، وصعبة على العدّ، وخصوصًا ما يتعلق بالعقيدة القتالية للجندى المصرى، وإصراره على تحدى كل المعوقات، وكسر جميع الحواجز، واقتحام كافة التحصينات من أجل تحرير الأرض، وتطهير تراب الوطن، وفى ذات الوقت الاحتفاظ برباطة الجأش، فلا اندفاع ولا تردد، والتصرف بثبات مع الموازنة بين القلب والعقل، فلا إفراط فى الثقة عند تحقيق النصر فى أى موقعة، ولا تشتيت عند مجابهة الشدائد فى ميدان القتال، مما يؤكد الجدارة فى التأهيل على جميع المستويات، والقدرة الكبيرة فى التدريب رغم صعوبة تلك المرحلة الفاصلة فى عمر الوطن، إنها شيم الرجال الذين دائما على مستوى التحدى فى كل المواقف والظروف.
فقد تدفقت الحشود من جنودنا الأقوياء، يحرصون على الموت من أجل تحرير تراب الوطن من دنس الإسرائيليين كما يحرص جنود العدو على الحياة، فانخلعت قلوب المحتلين، واختلت الأسلحة فى أيديهم، واهتزت الثقة المزعومة فى صفوفهم، عندما شاهدوا جنودنا يعبرون قناة السويس بلا خوف من قنابل النابالم الحارق، ويقيمون السدود لنقل دباباتنا ومعداتنا الحربية إلى شرق القناة، وكأنهم مهندسون من العيار الثقيل، وبناة من طراز رفيع، ثم انقضوا على خط بارليف الحصين يهدمون جنباته بثقة تامة، ويعتلون أطرافه بعزيمة جبارة، مرددين صيحات «الله أكبر..الله أكبر».
وعلى مر أيام القتال توالت البطولات وتزايدت التضحيات، ما أفقد العدو صوابه على الجبهات كافة والاتجاهات جمعاء، ولم تنفعه مخازن الأسلحة المتطورة، ولا المعدات الأمريكية المتدفقة، ولا الدعاية الغربية المغرضة، فقد انكشف كل شيء وبان، وسقطت كل الأبواق المزيّفة عن الأساطير الإسرائيلية بعدما أحاطت بهم شباك المقاتلين المصريين، ووجد جنود الاحتلال أنفسهم بين وابل النيران من الأرض والماء والسماء، فمنهم مَن قُتل ومنهم مَن أُسر ومنهم مَن هرب كالفئران للنجاة فى مذلّة بحياته. إن لمصر رجالًا فى كل عصر، ويمتلكون عقيدة الـ«ردع» جيلًا بعد جيل.
وسأتوقف أمام شهادات العدو بإيجاز شديد فى حق المقاتل المصرى خلال حرب أكتوبر المجيدة؛ لأن مواطن البطولات تحتاج إلى موسوعات ضخمة، ومجلدات متراكمة، ومنها، على سبيل الحصر لا العدّ، الشهادة المتداولة والموثقة بالصوت والصورة للجنرال الوحشى آيرييل شارون، عن المفاجأة المدوية فى حرب أكتوبر من وجهة نظره هى النقلة النوعية فى الكفاءة القتالية للجندى المصرى، فقد اختلف بكل المقاييس العسكرية عن أداء الجنود الذين حاربهم فى معركتى يونيو 1967 و1956، وقد رأى بعينه خلال قيادة سرية من 10 دبابات أثناء أحداث ثغرة الدفرسوار، وتحديدا عند الاتجاه إلى مدينة الإسماعيلية، لكن هذه السرية الإسرائيلية اعترض طريقها 7 مقاتلين من قوات الصاعقة المصرية، ورغم أنه، بالحسابات العسكرية البسيطة، لا مجال للمقارنة، ولا متسع للنجاة لهؤلاء الأبطال، بينما الحقيقة المؤكدة وبشهادة العدو نجح رجالنا الشجعان فى تحطيم الدبابات الإسرائيلية، ودفعوا أرواحهم الطاهرة فى سبيل الوطن، إنهم رجال أقسموا على النصر أو الشهادة لا ثالث لهما، وهم خير سلف لخير خلف، لتظل مصر محروسة برجال القوات المسلحة فى كل عصر.
من أكتوبر 1973 إلى أكتوبر 2025، الجيش المصرى بطولات رجاله متجددة، وفى الجمهورية الجديدة سبقت رؤية الرئيس السيسى الجميع، وأدرك ببصيرة القائد، وتنبه بحكمة الزعيم إلى ضرورة أن تكون خطط تطوير قواتنا المسلحة متواصلة فى كل قطاعاتها، وبرامج تدريباتها محدثة فى جميع أفرعها، مع تعدد مصادر التسليح، والتسريع بوتيرة التصنيع المحلى؛ حتى يكون جيشنا العظيم فى جاهزية تامة، واستعداد مسبق للتحديات كافة والمستجدات جمعاء؛ بهدف ضمان حماية الأمن القومى المصرى على كل الجبهات، ومختلف الاتجاهات الاستراتيجية، مع التأكيد أن جيشنا من أقوى الجيوش فى المنطقة، ولكنه جيش رشيد يحمى ولا يهدد، لكنه بوضوح تام قادر على الدفاع عن أمن مصر القومى داخل وخارج حدود الوطن، كما نبه الرئيس السيسى فى أثناء تفقد الوحدات المقاتلة للقوات الجوية بالمنطقة المركزية العسكرية يونيو 2020، وها هى التطورات المتلاحقة فى إقليم الشرق الأوسط المشتعل، وتلك المنطقة المليئة بالصراعات المدمرة، مع تدخلات خارجية من قوى عدة فى الشئون الداخلية لبلدانها تؤكد أن النهج الرئاسى فى تقوية جيشنا، ورفع قدراته على المستويات كافة -كان ولا يزال ضرورة قومية لصدّ أية عدائيات ضد الدولة المصرية بوحدة الصف الوطنى، مع صلابة مؤسساتنا الوطنية، وقدرة رجالنا فى القوات المسلحة، درع الوطن وسيفه فى كل العصور.
والحقيقة المؤكدة هى «لا أحد يستطيع الاعتداء على مصر»؛ لأن قيادتنا السياسية لديها ثوابت راسخة، ومبادئ ثابتة فى التعامل مع كل الأزمات، على رأسها الاتزان والحكمة، فلا تتعجل فى اتخاذ أى قرار دون تقدير الموقف من كل الزوايا، والتحسب لجميع التطورات، ومعرفة حسابات المكسب والخسارة بدقة مع إعلاء الأمن القومى المصرى فوق جميع الاعتبارات، ولا تفريط فيه قيد أنملة، وبالتالى لن يجرنا أحد إلى معركة عبثية، ولن يفرض علينا شخص موتور مكان وتوقيت المواجهة مع سبق الإصرار والترصد. وكما قال الرئيس السيسى، أثناء زيارته مؤخرا للأكاديمية العسكرية، وتفقده الأنشطة التدريبية التى ينفذها الطلاب: «(التقدير الخاطئ) من أطراف أخرى قاد إلى أوضاع غير جيدة أحيانًا منذ 7 أكتوبر.. ومصر لديها تقديرات وحسابات خاصة بها، يُبنى عليها مصير 120 مليون شخص على الأراضى المصرية، وأى سوء تقدير قد يذهب بنا إلى المجهول».
ولا يبقى إلا التأكيد على حتمية الوعى الشعبى لمواجهة المخططات الهدامة، والمؤامرات المدمرة التى تستهدف كيان الدولة المصرية، وتسعى بكل السبل لخلخلة أركانها بالتنسيق بين الصهيونية العالمية والتنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية، وسأكتفى بعبارة الرئيس بين أبنائه من طلاب الأكاديمية العسكرية ولكل المصريين عبر صفحات الصحف وشاشات القنوات: «إن المطلوب هو استمرار زيادة الوعى لأنه يعطى الدولة ذخيرة وإرادة وقدرة أكبر على التحمل والعمل والحكم على الأوضاع».
حمى الله مصر وشعبها وقيادتها
ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.