تحل اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر ذكرى ميلاد الشاعر الكبير سيد حجاب، الذي يعتبر واحدًا من أهم شعراء العامية في تاريخ الأدب العربي الحديث، وصاحب البصمة الأعمق في تترات الدراما المصرية والعربية، وقد وصفه الموسيقار الراحل عمار الشريعي بأنه "أحد أهم الشعراء خلال القرنين الماضيين"، نظرًا لما قدمه من إبداعات شكلت وجدان الجمهور العربي بأسره.
منذ بداياته، تميز سيد حجاب بقدرته على التعبير عن الواقع المصري والعربي بصدق وبساطة، مستخدمًا لغة قريبة من الناس، لكنها في الوقت ذاته تحمل عمقًا فلسفيًا وفنيًا جعلها تعيش لأجيال طويلة.
وقد استطاع من خلال مؤلفاته الشعرية أن يجعل الكلمة جزءًا لا يتجزأ من العمل الدرامي، حتى أصبحت أشعاره تضاهي في قوتها وتأثيرها المسلسلات نفسها، بل وتفوقت في بعض الأحيان لتصبح أيقونات منفصلة تعيش في ذاكرة الجمهور.
وقد ظهر هذا التأثير بوضوح في عدد من التترات التي ارتبطت بأعمال درامية خالدة، أبرزها تتر مسلسل "المال والبنون"، الذي يُعد حتى اليوم واحدًا من أهم التترات في تاريخ الدراما المصرية والعربية، بما حمله من كلمات تعكس فلسفة عميقة عن معنى المال والبنون والحق والخير، بكلمات مثل: "المال تجيبه الريح وتاخده الهوايل، أما البنون يوم الحساب بيفتونا، مال إيه دا لو كان مال قارون كله زايل، ولا غير عمايل الخير ياهووه انجدونا"، وهي كلمات تجسّد رؤيته للحياة وقيمها.
كما ارتبط اسم سيد حجاب بالمسلسل الأشهر "ليالي الحلمية"، الذي يُعد علامة فارقة في الدراما العربية، وكان تتره بكلماته العميقة جزءًا من نجاحه الساحق، حيث قال: "ومنين بييجي الشجن.. من اختلاف الزمن، ومنين بييجي الهوى.. من ائتلاف الهوى، ومنين بييجي السواد.. من الطمع والعناد، ومنين بييجي الرضا.. من الإيمان بالقضا"، وهي كلمات تختصر رحلة الإنسان وصراعاته في الحياة.
ولم يتوقف إبداع سيد حجاب عند هذا الحد، بل امتد إلى مسلسل "أرابيسك"، الذي جاء تتره كلوحة شعرية متكاملة، بكلمات خلدت فلسفة الزمان والقدر، قائلاً: "وينفلت من بين إيدينا الزمان كأنه سَحبة قوس في أوتار كمان، وتنفطر الأيام.. عقود كهرمان، يتفرفط النور.. والحنان.. والأمان، وينفلت من بين إيدينا الزمان". كلمات عكست بمهارة رؤية فلسفية ممتزجة بالشجن الإنساني.
أما مسلسل "الحقيقة والسراب"، فقدم فيه سيد حجاب خلاصة تأملاته حول الدنيا ومصائر البشر، عبر كلمات مثل: "اللي تقول إن الحياة جاه ومال.. حاسب لا تبني قصور رمال ع الرمال، إيه يفيد المال إذا الدهر مال.. على اللي خسر روحه وطغى وافترى"، وهي كلمات تُجسد مواقف حياتية وحقائق إنسانية صاغها ببساطة شديدة وعمق بالغ.
إلى جانب هذه الأعمال، كتب سيد حجاب أيضًا تترات خالدة مثل "بوابة الحلواني"، الذي وثق من خلاله جزءًا من تاريخ مصر وبناء قناة السويس، وأغنيات وكتابات أخرى تركت بصمتها في وجدان الجمهور. كما قدم قصائد ارتبطت بمناسبات وأحداث كبرى، لتصبح مرجعًا شعريًا وفنيًا وثقافيًا.
شكلت أعمال سيد حجاب مرآة للوجدان المصري، وصوتًا للفن الشعبي الأصيل، حيث امتزجت في كلماته البساطة مع الفلسفة، والموسيقى مع الشعر، ليصنع حالة فريدة ميّزته عن غيره من الشعراء، وتعامله مع كبار الملحنين مثل عمار الشريعي أفرز أعمالًا ستظل محفورة في ذاكرة الدراما والتاريخ الفني لسنوات طويلة.