تزخر محافظة أسيوط بالعديد من المساجد الإسلامية الأثرية فى شتى أرجائها، ومن أبرزها مسجد المجاهدين، الذى يُعد شاهدًا على حقبة تاريخية مهمة، تُعبر عن العصر العثمانى، تلك الفترة التى تركت بصمة واضحة المعالم الأثرية، ليس فقط بأسيوط وحدها، ولكن فى ربوع المحروسة كافة، من بناء قناطر للمياه تُستخدم فى أعمال الرى للأراضى الزراعية، ومساجد إسلامية غاية فى الروعة والجمال، ووكالات تجارية تُستخدم فى عمليات البيع والشراء بين البلدان، ومستشفيات، وغيرها من المعالم والكيانات العريقة.
سامح أحمد حسن، مفتش آثار بمنطقة غرب أسيوط، تحدث عن مسجد «المجاهدين»، وقال إن «المسجد يقع بمدينة أسيوط، وتحديدًا منطقة غرب بميدان المجاهدين، وتطل واجهته الرئيسية على شارع 26 يوليو، وأُنشئ على يد محمد بك، أمير اللواء السلطانى فى العصر العثمانى، عام 1708م - 1120ه ، والمُشيد منذ 317 عاما والقائم إلى الآن على ربوة عالية، كما أن الصرح الحالى بُنى على أنقاض مسجد تم بناؤه فى العصر المملوكى، ولم يتبقَّ منه سوى المئذنة فقط، والتى تأخذ الشكل المملوكى من حيث التصميم والمعمار، أما بقية المسجد، فهو على غرار المساجد العثمانية.
وأضاف «سامح» أن «المجاهدين» يُعتبر من أقدم المساجد الأثرية والتاريخية بصعيد مصر، وعبارة عن مساحة شبه مستطيلة تم تقسيمها من الداخل إلى 3 صفوف من الأعمدة الخشبية بكل صف، 4 أعمدة خشبية متعامدة على جدار القبلة الذى يتوسطه «حِنية» المحراب، تجويف نصف دائرى وبجواره المنبر الخشبى، وبه الزخارف الهندسية المميزة، أما عن سقف المسجد فهو خشبى يتوسطة «الشُخشيخة الخشبية»، لضمان التهوية والإضاءة، وبالجدار الشمالى توجد دكة المؤذن أو المُبلغ كما كان يُطلق عليه فى ذلك العصر، والمستطيلة الشكل ومرتكزة على 4 أعمدة خشبية، ويتم الوصول إليها من خلال السلم الخشبى.
وتابع: ويوجد المدخل التذكارى المميز المتوج بالعقد المدائنى، ويعلو المدخل العتب الخشبى، وبه الزخارف الهندسية ولوحة حجرية، كُتب عليها النص التأسيسى للمسجد، وهى عبارة عن 8 صفوف كالآتي: «الله مَنَّ على الصعيد وأهله بمحمد أمير اللواء السلطانى مَن حاز أوصاف الكمال بأسرها عين الأكابر عمدة الأعيان حرم بأسيوط بناه لربه يرجو ثواب الواحد المنان أكرم به من مسجد أرخته تم النتاج به وفاز البانى».
مفتش الآثار، أشار إلى أن «المواد المستخدمة فى بناء المسجد من الطوب الأحمر، وكذلك تم استخدام الطوب المنجور فى الزخارف بالمدخل وبالمحراب، ويتميز المسجد بوفرة العنصر الخشبى، كالأعمدة والسقف ودكة المؤذن أو المُبلغ والمنبر، وكعنصر زخرفى كالإطار الخشبى الموجود بداخل المسجد، وكُتب عليه بعض أبيات من البُردة الخضراء للإمام البصيرى، وكذلك بالمدخل التذكارى وجدت زخارف على الأخشاب، كما يتكون المسجد من مدخل ضخم يعلوه عقد ثلاثى الفصوص، واجهته من الطوب الأسود، ويحيط بحوائط المسجد زخارف خشبية، كما أن المسجد من المساجد المتكاملة، حيث يحتوى على مئذنة رائعة وقبة ضريحية، وكان يوجد سبيل وبئر للمياه وكُتاب، ولكن اندثرت عبر الأزمان».
وأوضح «حسن» أن المئذنة أعلى وأقدم المآذن الأثرية بالصعيد عامة، وهى من المآذن الممشوقة معماريًا ومبنية بالطوب المنجور، وهى عبارة عن قاعدة مربعة ويعلوها 4 طوابق مثمنة، زُخرفت جوانبها بدخلات مستطيلة تنتهى بعقود مدببة، وينتهى كل طابق 3 صفوف من المقرنصات تحمل شُرفة خشبية مثمنة، ثم تنتهى المئذنة بدروة صغيرة، ثم قمة مخروطية الشكل، كما أُلحق بالجامع قبة ضريحية تقع بالجدار الغربى للمسجد من الخارج بداخل حدود الميضأة، وهى عبارة عن مساحة مربعة الشكل تغطيها قبة قطاعها نصف دائرى، وبأرضية الضريح تركيبة خشبية بسيطة، وبالجدار الجنوبى حِنية محراب صغيرة.
مفتش الآثار، انتقل بعد ذلك للحديث عن جهود العناية بالمسجد، موضحًا أنه «تم ترميم المسجد بالكامل، باستثناء المئذنة فى الفترة ما بين 2018-2019، وشمل التطوير ترميم مئذنة المسجد وتجديد الأرضيات والكهرباء ودورات المياه، وإعادة دهان حوائط وأعمدة المسجد، وترميم وإصلاح المنبر، وتجديد البوابة الخارجية الرئيسية، لكى تكون على الطراز الإسلامى الفريد، وتم افتتاحه للمصلين من جميع أرجاء المحافظة ومراكزها، وكذلك للزيارة من قِبل المصريين والعرب والأجانب، كمزار أثرى وتاريخى وثقافى يستحق الزيارة والاهتمام داخل أسيوط كونها محافظة بها العديد من الأماكن الأثرية، كما أنه يتوافد الآلاف من المصلين على مسجد المجاهدين، حيث يلتمس المصلون روحانيات شهر رمضان الكريم وصلاة الجمعة من كل أسبوع، ومن أجل التبرك بالضريح الموجود بالمكان، نظرًا للحب الشديد من المواطن الأسيوطى لمقامات الأولياء والعارفين بالله، والتعلق الشديد بالمساجد وارتباطهم الروحانى بهم».
