يلعب القطاع الخاص دورا محوريا فى توطين الصناعة، مما يدعم الاقتصاد المحلى ويقلل الاعتماد على الاستيراد من الخارج، وتعوّل الدولة على دور أكبر للقطاع الخاص فى المشروعات الصناعية ضمن خطة الدولة لتوطين الصناعة، لذلك تولى الحكومة اهتماما بالقطاع الخاص من خلال اتخاذ مزيد من الإجراءات التى تهدف إلى تحسين دور القطاع الخاص فى الاقتصاد الوطنى، وتشجيعه على التوسع فى استثماراته وتهيئة الفرص المتاحة لذلك، بما يعزز قدرته على النمو والتطور وزيادة استثماراته.
وتعد استراتيجية توطين الصناعة خطة وطنية شاملة، تهدف إلى تعزيز نقل وتطوير القدرات الإنتاجية الصناعية بالاعتماد على الموارد المحلية لتقليل الاعتماد على الخارج، وخلق فرص عمل، ودعم الاقتصاد الوطنى، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية، ويلعب القطاع الخاص دورا محوريا فى توطين الصناعة محليا من خلال الاستثمار والتطوير والابتكار، مما يعزز القدرة على الإنتاج المحلى، كما يرتكز دور القطاع الخاص على توجيه جهوده نحو الصناعات الواعدة والمعتمدة على موارد محلية، لتقليل الاعتماد على الخارج وتعزيز القدرة التنافسية على المستويين المحلى والعالمى، وتعمل المبادرات الحكومية مثل مبادرة «ابدأ»، على تعزيز هذه الشراكة وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار فى الصناعات الواعدة، وإنشاء مدن صناعية متخصصة مثل مدينة الجلود والدواء، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى، وزيادة تنافسية المنتج المحلى، وخلق فرص عمل جديدة.
وفى هذا السياق، أكد عدد من خبراء الاقتصاد، أن الحكومة تبذل جهودا كبيرة فى سبيل تحقيق دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة توطين الصناعة المتقدمة والعمل على تطوير الصناعة المصرية وتعميق التصنيع المحلى بهدف تقليل فاتورة الاستيراد والاعتماد على المنتج المصرى، ومن بينها قطاع الغزل والنسيج حيث يعد من أهم القطاعات الصناعية التى تساهم بدور بارز فى الاقتصاد القومى، وهناك جهود تعكس رؤية الدولة نحو توطين الصناعة، وتعزيز تنافسية القطاع النسيجى عالميا.
كما لفت الخبراء إلى جاهزية مصر للتحول إلى المركز الإقليمى لتصنيع وتداول منتجات كافة الصناعات النسيجية خاصة بعد التطور الهائل فى البنية التحتية، والانخفاض الملحوظ فى مدة الإجراءات الحكومية فيما يتعلق بالمناطق الحرة والمنافذ الجمركية.
وفى هذا السياق، قال محمد المرشدى، رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، إن «قطاع الصناعات النسيجية يعد من أهم القطاعات الصناعية فى مصر وكثيفة العمالة، ومن أكثر القطاعات التى يمكن أن تراهن عليها الدولة فى زيادة الصادرات خلال الفترة المقبلة، لذلك لابد من مساندتها بحل المشكلات التى تواجهها لزيادة قدرتها التنافسية محليا وعالميا».
«المرشدي»، أشاد بتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى حيث تبنى قطاع الصناعة وطالب بتوطين الصناعة وتقليل الواردات من الخارج مع زيادة الصادرات لزيادة العملة الأجنبية، وما تبذله الحكومة جهود قوية لتوطين الصناعة؛ حيث تسعى الدولة إلى أن يغطى القطاع الصناعى احتياجات السوق المصرى من مختلف المنتجات، فضلا عن توطين مختلف الصناعات محليا، وتعميق الصناعة، وذلك بمشاركة القطاع الخاص الذى تعوّل عليه الدولة خلال المرحلة الراهنة، باعتباره شريكا أساسيا فى المشروعات التنموية.
كما أوضح رئيس «الصناعات النسيجية»، أن صناعة المنسوجات والملابس تعد ثانى أكبر القطاعات الصناعية فى مصر بعد الصناعات الغذائية، كما تلعب دورا رئيسيا فى تشكيل الاقتصاد المصرى، مؤكدا أن زيادة تعميق التصنيع المحلى فى قطاع الصناعات النسيجية والملابس الجاهزة يأتى على رأس الأولويات للحد من الاستيراد وإنتاج المستلزمات فى مصر مما يقلل من الضغط على العملة الصعبة.
كذلك، أكد «المرشدي» أن هناك فرصا كبيرة لنمو وتنمية صناعات الغزل والنسيج والملابس والمفروشات، مما يسهم فى خلق بيئة جاذبة للاستثمار الصناعى، ويعزز من فرص مصر للدخول بصادراتها من الغزل والنسيج كمنافس قوى فى الأسواق العالمية، موضحًا أن «اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبى ومصر تسمح لمصر بتصدير منتجات المنسوجات والملابس إلى دول الاتحاد الأوروبى دون تعريفات جمركية، فمن المرجح أن تزداد الصادرات إلى الاتحاد الأوروبى، وأيضا اتفاقية الكويز للتصدير للولايات المتحدة، كذلك اتفاقية الكوميسا والتى تتيح تصدير منتجاتنا إلى دول إفريقيا بدون جمارك، وهذا يدلل على أهمية الصناعة وما توليه الحكومة من أهمية بالنسبة للصناعة؛ لأن الاتفاقيات التجارية هى السبب فى زيادة الصادرات إلى الاتحاد الأوروبى وأمريكا وإفريقيا».
وأشاد رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، بما تبذله الدولة من مساعٍ دءوبة لاستعادة الريادة لقطاع الصناعات النسيجية، باعتباره مكونا هاما لدعم الاقتصاد الوطنى، فى إطار استراتيجية وطنية يتم السعى من خلالها لتعزيز القدرة التنافسية لصناعة الغزل والنسيج؛ حيث تشمل الاهتمام بجودة محصول القطن وتوفير البيئة المواتية للمزارعين لرفع القدرة الإنتاجية، فضلا عن تطوير المحالج والارتقاء بمراحل الإنتاج المختلفة، وإدخال التكنولوجيا الحديثة.
وأوضح أن مشروع مدينة النسيج بالمنيا والذى يقام على مساحة 5.5 مليون متر مربع، وباستثمارات تتجاوز 12 مليار جنيه يعد واحداً من أكبر قفزات التنمية الصناعية فى مصر وخطوة تعكس التوجه نحو تنمية الصناعات المتخصصة بصعيد مصر، وهو ما يعكس طموح الدولة فى استعادة ريادتها العالمية فى صناعة الغزل والنسيج.
«المرشدي»، أشار إلى أن صناعة النسيج من الصناعات كثيفة العمالة، وتضم بداخلها نحو ست صناعات مترابطة، تبدأ من حلج القطن، مرورا بالغزل والنسيج، ثم الصباغة والطباعة والتجهيز، وصولا إلى صناعة الملابس الجاهزة، وأوضح أن كل مرحلة من هذه المراحل تؤثر مباشرة على ما قبلها وما بعدها، مما يخلق دورة إنتاجية متكاملة قادرة على استيعاب آلاف العمالة وتقديم منتجات قادرة على المنافسة فى الأسواق العالمية، مضيفا أن هذه الرؤية دفعت القيادة السياسية إلى تأسيس منطقة صناعية متخصصة، بما يعزز قدرة مصر على استعادة مكانتها كأحد أهم مراكز صناعة النسيج فى المنطقة والعالم.
على صعيد آخر، عقدت منذ أسبوعين غرفة الصناعات الغذائية بالتنسيق مع نظيرتها غرفة الصناعات الهندسية لقاء لبحث فرص التعاون الصناعى وتلبية احتياجات مصانع الأغذية من المعدات والآلات وقطع الغيار المصنعة محليا، بما يساهم فى الحد من الاعتماد على الواردات وتوفير بدائل وطنية عالية الجودة، وأكد الدكتور محمد الشافعى، عضو مجلس إدارة غرفة الصناعات الغذائية، أهمية هذا التعاون فى تخفيف الضغط على فاتورة الاستيراد، وتوفير بدائل محلية عالية الجودة، مشيرا إلى أن مصانع القطاع الغذائى تعتمد فى كثير من الأحيان على استيراد مكونات بسيطة يمكن تصنيعها داخل مصر، ولكنها قد تتسبب فى توقف خطوط الإنتاج لفترات طويلة نتيجة تأخر وصولها، ومشددًا على ضرورة ربط الصناعة بالبحث العلمى والاعتماد على المكون المحلى، خاصة فى مجالات التصنيع الزراعى، والدواجن، والأسماك.
من جانبه قال أحمد عتابى، رئيس شعبة المصدرين والمستوردين بالغرفة التجارية، إنه مقارنة بالعام الماضى هناك زيادة فى الصناعة المحلية للمواد الغذائية بنسبة أكثر من 10 فى المائة بسبب التسهيلات فى التراخيص والإجراءات المالية التى كان لها تأثير على تشجيع المستثمرين، وهناك ارتفاع فى معدلات الصناعة والمنتج المحلى وهذا مؤشر ممتاز.
وأكد «عتابي»، أن المنتج المصرى ينافس المنتج الأجنبى مما انعكس على ازدياد معدلات التصدير، وأصبح المنتج المصرى مرغوبا فى الأسواق المحلية والعالمية لأن جودته عالية لا تقل عن المنافسين، وتحتل مصر مكانة جيدة فى قطاع التصدير حيث تسجل زيادة سنوية بنسبة تفوق 10 فى المائة فى حجم الصادرات، ولدينا منتجات قادرة على المنافسة فى الصناعة والزراعة والطاقة وكذلك الصناعات التكاملية. مؤكدا أن الدولة حاليا تشجع المستثمرين سواء محليين أو أجانب لزيادة حجم الاستثمار وتعميق الصناعات وتعزيز القدرات الإنتاجية.
بدوره، قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، إن «توطين الصناعة وتعميق الإنتاج المحلى وتعظيم الصناعة الوطنية أصبح واجبا وضرورة ملحة على الدولة، وذلك من أجل تقليل فاتورة الواردات وزيادة حجم الصادرات، وإحلال المنتج المحلى محل المنتج المستورد، وزيادة حجم الصادرات وزيادة دخل مصر من العملة الصعبة، ولكن هذا يتطلب الكثير من الجهود والخطط والإصرار على تنفيذ هذه الخطط بكل جدية وتقديم كافة التيسيرات والمحفزات».
«غراب»، لفت إلى أن «توطين الصناعة المحلية يتطلب تحديد أهم المنتجات الضرورية التى يتم استيرادها من الخارج وحصرها ودراستها بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص للبدء فى تصنيعها ووقف استيرادها فور تصنيعها محليا، وتقديم الحكومة كافة التيسيرات والمحفزات الاستثمارية والضريبية وإزالة العوائق والعقبات وسرعة إصدار التراخيص للمشروعات الجديدة للقطاع الخاص أو التوسع فى المشروعات القائمة وتوفير الأراضى الصناعية لهم، إضافة إلى الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر ومساعدتهم فى تسويق وترويج منتجاتهم وتصديرها للخارج وتصنيع المنتجات التى يتم استيرادها من الخارج».
وأضاف: لا بد من وضع ملف تعميق التصنيع المحلى فى أولويات العمل الحكومى وخاصة المجموعة الاقتصادية، ويتم الاجتماع بمجتمع المصنعين والمنتجين فى قطاعات الصناعة والزراعة والأغذية والأدوية وغيرها من مصنعى الصناعات التى يتم استيرادها من الخارج لبحث تصنيع هذه المنتجات محليا، وتقديم كافة التمويلات الميسرة لهم بفوائد مخفضة كمبادرة يطرحها البنك المركزى لهذه الصناعات فقط تكون بفائدة قليلة، ولو كانت هذه الصناعات معفاة من الضرائب لعدد من السنوات يكون أفضل حتى يقبل المصنعون على إنتاجها وتوافرها بالفعل.
وتابع أن «توطين الصناعات له العديد من الفوائد التى تعود على الاقتصاد الوطنى منها زيادة عدد وحجم المشروعات وزيادة معدلات النمو وزيادة الإنتاج المحلى وزيادة المعروض بالأسواق وانخفاض سعرها وتوفير العملة الصعبة وزيادة معدلات التشغيل وزيادة العمالة المصرية من الشباب والقضاء على البطالة»، موضحا أنه لتعميق التصنيع المحلى يتطلب من الدولة الاستمرار فى إجراءات حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ما يسهم فى تحفيز دور القطاع الخاص والاستثمار الأجنبى فى كافة الصناعات خاصة فى ظل المنافسة العالمية، وفى ظل التحديات الجسيمة التى تواجه الاقتصاد العالمي.
نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية، أكد أن الحكومة تسعى منذ سنوات مضت إلى زيادة نسبة المكون المحلى فى المنتجات المصنعة والمصدرة للخارج وهى خطوة هامة وضرورية، موضحا أن تعظيم الصناعة الوطنية تزيد الوعى بأهمية الاستقلال الصناعى لضمان الأمن الاقتصادى، وهذا يتطلب من الحكومة توفير التمويل اللازم الذى يعد رأس المال الضرورى للمشروع، إضافة لتوفير التكنولوجيا اللازمة للتصنيع، كما يتطلب أيضا فرض رسوم جمركية على بعض الواردات التى يتم تصنيعها محليا وذلك لحماية الصناعة المحلية، إضافة إلى إعطاء الأولوية للمنتج المحلى فى أى مشتريات حكومية.
ومن جانبه قال خالد الشافعى الخبير الاقتصادي: تعمل الدولة على محور توطين الصناعة الوطنية للوصول بزيادة الصادرات لتصبح 145 مليار دولار وفق استراتيجية الصناعة المصرية 2030، وذلك بالتوازى مع العمل على عدد من الملفات منها مبادرة تحفيز الشراء المحلى للمنتجات الوطنية، وهذا يفتح الباب أمام الاعتماد على الصناعة الوطنية فى ظل توجيهات الرئيس السيسى بضبط الاستيراد وعدم دخول منتجات إلا بمواصفات أوروبية.
«الشافعي»، أكد أن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى كانت مطلبا رئيسيا على مدار السنوات الماضية فى ظل توغل المنتج والمستورد محل المنتج المحلى، مضيفًا أنه «طالما المنتج صناعة وطنية لابد أن نفسح الطريق أمامه عبر تشجيعه فى العقود الحكومية وإطلاق المبادرات التحفيزية»، ومشيرًا إلى أن الرئيس كثيرا ما تطرق إلى تشجيع المنتج المحلى فى السوق المصرى، وتفضيل المنتجات المحلية فى كافة المشروعات، كما تم إصدار القانون رقم 5 لسنة 2015 الخاص بتفضيل المنتجات المحلية فى العقود الحكومية، وهو أحد القوانين التى تهدف بشكل رئيسى إلى تشجيع الصناعة المصرية، عن طريق إلزام الجهات الحكومية بتحقيق نسبة 40 فى المائة مكونا محليا ضمن المنتجات التى يتم التعاقد عليها بالمناقصات والتعاقدات الحكومية، مما يبرهن على أن هناك مساعى لتشجيع الصناعات المختلفة للترويج لمنتجاتها بجانب مبادرات دعم القطاعات الصناعية تمويليا.
كما أشار إلى أن الدولة تبنت عددا من المبادرات التمويلية لقطاع الصناعة بجانب مبادرات دعم المنتج المحلى؛ لتساهم فى زيادة مبيعات المنتجات المصرية، وتوفير منتجات جيدة بسعر مناسب والحد من الاستيراد وتعزيز المنتج المحلى فى مواجهة الاستيراد، هذه النتائج يمكن أن تظهر بقوة فى ظل الاعتماد الكلى على الصناعة الوطنية، وكل هذه القرارات لها انعكاس على المؤشرات الاقتصادية المختلفة؛ حيث يساعد تبنى الدولة لتوطين الصناعة من تمكين القطاع الخاص ومساعدته على تطوير وتحديث الصناعة، مما يعظم مساهمته فى الناتج الإجمالى ويزيد أهمية مشاركته إذا ما ركزت عملية التوطين على الصناعات التصديرية النسبية ليصل المستهدف من الصادرات إلى 140 مليار دولار فى 2030 ، وتتضمن استراتيجية التوطين جذب المزيد من الاستثمارات، وتحسين الإنتاجية، والوصول إلى أسواق جديدة، مما يعزز النمو الاقتصادى ويحفز الاستثمار المحلى والأجنبي.

