رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«سينما يسرى نصر الله» أفلامه تُشكِّل حكايات ترغب فى احتضان العالم


18-8-2025 | 21:16

.

طباعة
بقلـم: يوسف القعيد

تعالَ نتأمل تاريخ ميلاد مُخرجنا. ولد لأسرة مسيحية من الأرستقراطية المصرية فى 26 يوليو 1952، وهو نفس اليوم الذى خرج فيه الملك فاروق من مصر. لتبدأ بعدها مصر سلسلة من التغييرات بكل الأصعدة. فى خلفية أفلام يسرى نصر الله هناك حدث كبير ولحظات تغير تترك أثرها فى شخصياته، عليك أن تعرف كيف تعيش فى ظلال هذه التغييرات.

 

فى السادسة من عمره حين ذهب للسينما للمرة الأولى مع أبيه وأخته لمشاهدة فيلم بسينما كايرو. كان الفيلم بعنوان: رحلة إلى مركز الأرض. يقول الفيلم ليس فى الحب شريعة. فعرف أن السينما أكثر ما يحب فى هذا العالم. لاحقاً شاهد فيلم هيتشكوك: نفوس مُعقَّدة. كان الفيلم للكبار فقط، وكان الأهل والأصدقاء يتحدثون همساً عن الفيلم.

بعدها قرر أن يكون سينمائياً. أحياناً كان يفكر فى سر جمال شخصياته السينمائية المتفردة. ولماذا تداعب وطناً خفياً فى القلب. فاستقر على فكرة الرغبة، شخصيات نصر الله تسعى دائماً وراء ما ترغب فيه.

كان شادى عبد السلام يسكن الطابق الأول من نفس العمارة التى سكنها يسرى نصر الله بالزمالك. كانت علاقته بجاره هى أول اقتراب حميم من حلمه. «شادى» فى الدور الأول و«يسرى» فى الدور الثالث. كانت تلك الفترة التى بدأ فيه وعيه يتشكل تشهد ذروة حركة سينمائية بدأت 1968، ونجحت فى إقامة نادى سينما القاهرة وتأسيس جمعية السينما الجديدة وجمعية النُقَّاد. وانتشرت دعوة تجديد السينما المصرية، ضمت هذه الجماعة شادى عبد السلام، ممدوح شكري، على عبد الخالق، محمد راضي، وعلى بدرخان وغيرهم.

يرى سمير فريد الذى كان هو أيضاً فى قلب هذا الزخم والحراك الثقافى أن أحلام هذا الجيل الذى تفتَّح وعيه على هزيمة يونيو 1967، وأراد أن يغير مصر عن طريق السينما. كان ذلك فى سينما الثمانينيات، وهو العقد الذى شهد باكورة أعمال نصر الله: سرقات صيفية

سنة 1978 ذهب إلى بيروت لعمل فيلم عن الأطفال الفلسطينيين. ذهب إلى لبنان هادئاً جداً. ولكنه حين دخل فى مؤسسة السينما الفلسطينية وجد جنوناً. عمل مدرساً مع أطفال المخيمات فى مدرسة آنى كانيفاني. كان نصر الله قد تعرَّف إلى الناقد السينمائى إبراهيم العريس الذى طلب منه أن يكتب بالقطعة لجريدة السفير. ثم استقال العريس وعمل يسرى مكانه. وبدأ رحلته الفنية فى صناعة الأفلام السينمائية.

ثم قدم سرقات صيفية 1988، ومرسيدس 1994، وصبيان وبنات 1995، والمدينة 1999، باب الشمس 2005، وجنينة الأسماك 2008، واحكى يا شهرزاد 2009، وبعد الموقعة 2012، والماء والخضرة والوجه الحسن 2016، وقصاقيص صور 2022.

وفى كتاب «سينما يسرى نصر الله» للكاتب أحمد عزت عامر، استعراض لكل الأفلام التى قدَّمها، وهى أفلام كثيرة، وبها نُضج فني. ولا أعرف إن كان قد عُرِضت فى القاهرة أم أنه اكتفى بعرضها فى بيروت. وما لا يُعرض فى القاهرة كأنه لم يُعرض أساساً. فستظل مصر صاحبة الصناعة الأولى، ونحن فى مصر نُعانى كثيراً من غيابها، ونحلُم بعودتها مرة أخرى. فقد كانت هى الصناعة الثانية فى النصف الأول من القرن العشرين بعد صناعة القُطن.

والكتاب يُقدِّم مشروع مُخرج كبير لم يوقفه سوى أزمة صناعة السينما التى نمر بها فى مصر الآن وبعض أقطار الوطن العربي. وعندما تعود الأمور إلى ما كانت عليه، أعتقد أنه سينطلق ويصنع سينما حقيقية تُذكِّرنا بأمجاد النصف الأول من القرن العشرين فى مصر.

هذا الكتاب المهم والذى نشرته دار ريشة للنشر والتوزيع، وهى من الدور الجديدة التى أثبتت نفسها بجدارة وسرعة فائقة أحسدها عليها. يبدأ بعبارات لكُتَّابٍ كِبار وجُملٍ من أفلامه. العبارة للروائى التركى أورهان باموق، مأخوذة من روايته: الكتاب الأسود، تقول:

- علىَّ أن أكون نفسى دون أن أعيرهم اهتماماً، أو أن أنتبه إلى أصواتهم وروائحهم ومحبتهم وكراهيتهم، لأننى إن لم أكن نفسى فسأكون ذلك الشخص الذى أرادونى أن أكونه وأنا لا أستطيع احتمال ذلك. وأعتقد أننى لو صرت لا شيء، أو لو لم أعد موجوداً أفضل من أن أكون الشخص الذى أرادونى أن أكونه.

وقائل هذه العبارة هو الروائى التُركي: أورهان باموق فى روايته: الكتاب الأسود. ثم تلى ذلك عبارات لأبطالٍ من أفلام يسرى نصر الله. العبارة الأولى: كم منا يسألون أنفسهم ليس مرة، بل باستمرار وفى أوقاتٍ مختلفة كيف يُمكن أن يحيا المرء؟ كيف يُمكن أن نحيا؟ مقدمة لفلسفة جيل دولوز تورماي. كل الناس بدها تكون قصة. أنا بديش أكون قصة، بدى أكون أنا.

خليل على لسان نهيلة من فيلم: باب الشمس... اعرفنى الأول قبل اسمي. أنا مع مزيكة الحياة محدش بيحكمني.

عمرو من فيلم جنينة الأسماك...

على انت ليه عايز تمثل؟

عارف حضرتك ببقى رايح الشغل الصبح وبشترى علبة سجاير، وفى نفس الوقت بجرى ورا الأتوبيس علشان ما اتأخرش على الشغل بتاعي. وبنت زى القمر معدية عادى ما بشوفش أى حاجة. لما أعمل نفس الحاجات دى وأنا حاطط فى دماغى إنى بمثل ببقى شايف كل حاجة، كل تفصيلة. ببطل أحس إنى لوحدي.

من فيلم المدينة.

يبقى أن اختياراته لموضوعاته لا يقوم بها إلا مخرج كبير. وهذا هو المستقبل الذى أتوقعه ليسرى نصر الله.

أخبار الساعة