رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

إسرائيل في مرمى العقوبات الاقتصادية بعد جرائم حرب غزة

9-8-2025 | 10:49

قطاع غزة

طباعة
دار الهلال

في ظل تصاعد حربها الوحشية ضد قطاع غزة، تجد إسرائيل نفسها في مواجهة موجة متنامية من عقوبات اقتصادية وإجراءات عقابية تنوعت بين ضغوط سياسية وتحركات اقتصادية من دول ومؤسسات غربية بارزة كانت على الدوام خير داعم للدولة العبرية .

وأدى قرار المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر باحتلال مدينة غزة إلى اتساع رقعة السخط العالمي ضد إسرائيل وتصاعد موجة الرفض لحربها على قطاع غزة التي أوشكت على أن تكمل العامين ، وأوقعت عشرات الآلاف من الشهداء وتدمير القطاع الذي بات لا يصلح للحياة.

وفي الأسابيع الأخيرة، برز تحول لافت في مواقف عدد من الدول خاصة الأوروبية تجاه إسرائيل، حيث لم تكتف بعض العواصم بالتنديد بالانتهاكات الجسيمة، بل بادرت باتخاذ خطوات عقابية مباشرة ألحقت ضررا سياسيا واقتصاديا واضحا بتل أبيب.

فقد أعلنت العديد من الدول في أوروبا، الواحدة تلو الأخرى، عن تغير واضح في توجهاتها ضد إسرائيل وفيما يتصل بالحرب التي تشنها في قطاع غزة، وطالبت بـ"فتح باب النقاش" حول ما إذا كانت تل أبيب لا تزال ملتزمة بشروط اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وتشكل هذه الاتفاقية الأساس للعلاقات التجارية والتعاون العلمي والعلاقات الدبلوماسية والثقافية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، بما في ذلك التجارة التي تبلغ قيمتها نحو 50 مليار يورو سنويا.

تصدير السلاح

في هذا الإطار ، أوقفت بعض الدول الأوروبية توريد الأسلحة، أو علقت تراخيص التصدير لإسرائيل، ومن بين هذه الدول فرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة، لكن تل أبيب تلقت صدمة كبرى من دولة توصف بأنها الحليف الرئيسي في أوروبا ، وهي ألمانيا ، فقد أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرز ، أن بلاده ستتوقف عن تزويد إسرائيل بأسلحة قد تستخدم في الحرب على قطاع غزة.

وشكل هذا القرار مفاجأة صادمة من ألمانيا التي ساهمت في إفشال العديد من المبادرات التي سعت إلى فرض عقوبات على إسرائيل وفق ما ذكرت صحيفة "جلوبس" الاسرائيلية.

وألمانيا داعم دبلوماسي وعسكري لإسرائيل وثاني أكبر مورد للأسلحة لها، حيث تزودها بنحو 30% من وارداتها العسكرية، وبين عامي 2020 و2024 استحوذت على حوالي ثلث إمدادات الأسلحة الواردة إلى الدولة العبرية ، ومعظمها فرقاطات وطوربيدات

وبرر المستشار الألماني هذه الخطوة بقرار مجلس الوزراء الإسرائيلي بتوسيع نطاق الحرب على غزة، وقال إنه "من الصعب" تصور كيف يسهم هذا القرار في إطلاق سراح الرهائن أو هزيمة حماس. ولذلك، أعلن ميرز أن "الحكومة الألمانية ستوقف فورا تصدير الأسلحة التي قد تستخدم في غزة حتى إشعار آخر".

وحسب بيانات إسرائيلية بلغت قيمة صادرات ألمانيا من الأسلحة إلى إسرائيل في عام 2023، نحو 360 مليون يورو، وشملت قذائف دقيقة ، بالإضافة إلى قطع غيار أساسية للدبابات وناقلات الجند المدرعة، ومتفجرات، وأسلحة صغيرة، ومعدات للسفن.

وتقول صحيفة "جلوبس" ، "ازداد الضغط على الحكومة الألمانية لفرض عقوبات على إسرائيل بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة، عقب تدهور الوضع الإنساني في غزة، وصور المجاعة، وعدم تحرك إسرائيل بحزم لتحسين الوضع، كما وعدت الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي.

على نفس الصعيد ، دعت إسبانيا إلى فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، مع تصاعد العنف في غزة وتعليق فوري لاتفاقية التعاون الأوروبية مع إسرائيل وفرض حظر على شحنات الأسلحة.

وفي بلجيكا ، قيدت السلطات مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، كما شنّت الحكومة حملة من أجل حظر توريد السلاح على مستوى الاتحاد الأوروبي.

أما في هولندا، فقد أمرت إحدى المحاكم الحكومة بوقف توريد أجزاء طائرات مقاتلة من طراز "إف-35" إلى إسرائيل، بسبب مخاوف من حدوث انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي.

وفي مارس الماضي، أفاد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن إسرائيل احتلت المرتبة الـ 15 عالميا كأكبر مستورد للأسلحة على مستوى العالم.

التبادل التجاري

وامتدت العقوبات الغربية ضد إسرائيل بسبب حربها على غزة إلى القطاع التجاري ، وفي 20 مايو الماضي، علقت بريطانيا محادثات التجارة الحرة مع إسرائيل واستدعت سفيرتها، وفرضت عقوبات على مستوطنين بالضفة الغربية، ونددت بتصعيد عسكري إسرائيلي في غزة استهدف المدنيين .

وأشار البيان البريطاني إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تعلق فيها محادثات التجارة لأسباب إنسانية.

وكانت بريطانيا قد أعلنت قبل ذلك التزامها بأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023.

ويرتبط البلدان باتفاقية تجارية أساسية دخلت حيز التنفيذ عند خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في 2021، ولكن على مدار السنوات الثلاث الماضية، جرت محادثات لصياغة اتفاقية جديدة وشاملة.

وتعد المملكة المتحدة رابع أكبر شريك تجاري لإسرائيل في العالم، من حيث صادرات وواردات السلع والخدمات، بعد الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.

وبلغ حجم تجارة السلع والخدمات في عام 2023 حوالي 9 مليارات دولار، وفقا لموقع وزارة الاقتصاد الإسرائيلية.

ومن القرارات التي صدمت إسرائيل أيضا ، دعوة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على خلفية استمرار جيش الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة ومنعه إدخال المساعدات إلى القطاع.

وقد دخلت اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل حيز التنفيذ في يونيو 2000، وتمنح الاتفاقية إسرائيل العديد من الامتيازات في سوق الاتحاد الأوروبي، وبلغ حجم التبادل التجاري 46.8 مليار يورو في عام 2022، مما يجعل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد طالب بالضغط على إسرائيل وإعادة النظر في اتفاقات الشراكة بينها وبين الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن "ما يحدث في قطاع غزة مأساة إنسانية غير مقبولة ومروعة ويجب وقفها".

كما فرضت الحكومة السلوفينية حظرا على استيراد السلع المنتجة في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل.

ويعتبر معظم المجتمع الدولي المستوطنات غير قانونية فيما ترى الحكومة الإسرائيلية المستوطنات قانونية بموجب قوانينها الخاصة.

وفي الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل لتخطى صدمة القرارات الأوروبية السابقة التي أضرت بتجارتها ، جاءت الضربة المدوية من واشنطن ، فقد أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ستفرض رسومًا جمركية بنسبة 15% على الصادرات الإسرائيلية.

وكانت المفاوضات بشأن اتفاق من شأنه أن يتضمن فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على وشك الانتهاء، ولكن بعد ذلك انسحب الأمريكيون.

ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" ، فإنه حتى اللحظات الأخيرة قبل الإعلان ، اعتقدت الحكومة الإسرائيلية أن التعريفة الجمركية على الصادرات الإسرائيلية ستكون 10%؛ بما يتماشى مع التعريفة الجمركية المؤقتة التي فرضت قبل بضعة أشهر، والتي كانت ستمنح إسرائيل أفضلية على الدول الأخرى. لكن هذا الأمل تبدد بين عشية وضحاها.

وأضافت الصحيفة أن المسئولين الإسرائيليين اعتقدوا أن السعر النهائي للرسوم؛ سيكون مرتبطا باستعداد إسرائيل لإنهاء حربها المستمرة منذ قرابة عامين على غزة.

وتشير الاحصاءات إلى أن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري يقارب 34 مليار دولار مع إسرائيل. وتحديدا في تجارة السلع، تصدر إسرائيل 20 مليار دولار سنويا إلى الولايات المتحدة، بينما تستورد 13 مليار دولار. وقد سجل المسئولون الأمريكيون عجزا قدره 7 مليارات دولار، ما يمثل خللا بنسبة 35% مقارنة بحجم الصادرات الإسرائيلية.

الاستثمار

في السياق ذاته، أعلن وزير المالية النرويجي ينس ستولتنبرج أن صندوق الثروة السيادية النرويجي، الذي تبلغ قيمته تريليوني دولار والأكبر في العالم، سيعلن عن تغييرات في طريقة تعامله مع استثماراته في إسرائيل وسيقدم تحديثا بشأن هذه الاستثمارات بسبب الحرب على غزة.

وكانت الحكومة النرويجية قد أطلقت مراجعة عاجلة للاستثمارات في إسرائيل بسبب مخاوف أخلاقية مرتبطة بالحرب على غزة والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.

وأعربت أوسلو عن قلقها إزاء استثمار الصندوق في شركة محركات بيت شيمش الإسرائيلية ، والتي ذكرت إحدى وسائل الإعلام المحلية أنها مرتبطة بالحرب في غزة.

وتعرض صندوق الثروة السيادية النرويجي ، الذي يعد أحد أكبر هيئات الاستثمار في العالم لضغوط هائلة من جانب منظمات حقوق الإنسان في النرويج "لبذل المزيد من الجهد" من أجل إظهار التضامن مع الفلسطينيين والانسحاب من الشركات المرتبطة بالأنشطة العسكرية الإسرائيلية

واضطر الصندوق مؤخرا لبيع حصته البالغة 7 ملايين دولار في شركة باز الإسرائيلية لأن "الشركة تمتلك وتدير البنية التحتية التي تزود المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بالوقود"، كما أوقف الصندوق استثماراته في شركات الدفاع الإسرائيلية.

وفي دبلن، صادقت الحكومة الإيرلندية ، على مشروع قانون يحظر استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية التي يعدها المجتمع الدولي "غير قانونية"، لتسجل بذلك سابقة بين دول الاتحاد الأوروبي في هذا المسار.

ويشمل قرار الحكومة الإيرلندية سلعا مثل الفاكهة والخضار والأخشاب، ولا يمتد إلى الخدمات كالسياحة أو تقنية المعلومات.

وتشير الإحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري بين إيرلندا والأراضي التي تحتلها إسرائيل لم يتجاوز مليون يورو بين عامي 2020 و2024.

التكنولوجيا

ومن العقوبات الاقتصادية إلى العلمية، وفي خطوة غير مسبوقة لفرض عقوبات على إسرائيل، أعلن الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي عن الدعوة لتعليق التعاون العلمي مع إسرائيل في برنامج هورايزون جزئيا.

كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن توصية رسمية بطرد إسرائيل من برنامج "هورايزون أوروبا" للبحث العلمي، ضمن سلسلة عقوبات تستهدف شركات إسرائيلية لها صلات مباشرة بالنشاط العسكري في غزة والضفة الغربية.

وبرنامج "هورايزون أوروبا" من أكبر برامج البحث العلمي في العالم، حيث تبلغ ميزانيته نحو 95 مليار يورو، ويهدف إلى دعم الابتكار والنمو الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي والدول الشريكة، وقد انضمت إسرائيل إلى البرنامج عام 2021 بصفة دولة منتسبة.

ويشمل البرنامج الشركات التي تطور الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، ضمن إطار فرعي لبرنامج هورايزون يعطي منحا بحثية وأموالا للتعاون بقيمة مئات الملايين من اليورو.

وما بين الرفض الدولي لسياسات إسرائيل والإجراءات الاقتصادية، تتسع عزلة تل أبيب في ظل ضغوط دولية غير مسبوقة منذ عقود، في وقت لا تزال فيه العمليات العسكرية على غزة مستمرة، وسط تحذيرات من أن استمرار الحرب سيؤدي إلى توسيع دائرة المقاطعة وتفاقم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي، وسط تقديرات بأن تكلفة الحرب الإسرائيلية على القطاع وصلت حتى الآن إلى 300 مليار شيكل (ما يعادل نحو 87.5 مليار دولار) وفقا لوزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش.

الاكثر قراءة