عالمٌ غيّر الزمن، وجعل للوقت قيمةً أكبر، كان إنجازه في الفيمتوثانية فتحًا علميًا حقيقيًا، حيث أثبت أن النجاح لا يُقاس بحجم الضجيج من حوله، بل بعمق الأثر الذي يتركه، فالعالَم أدرك معنى "الثانية"، لكنه لم يدرك أن في مصر نابغة علمية أدركت أن الزمن ليس ثانيةً فقط، بل أقل من ذلك بكثير. فأي عقلٍ نابغٍ هذا، وأيّ رؤيةٍ عظيمة تلك؟ لرجلٍ مهما بلغت قيمته العلمية، زادت قيمته الإنسانية، لم ينسَ يومًا جذوره، ولم يتعالَ على واقعه، بل سعى لأن يكون للعلم مكانٌ في نهضة الوطن، ورأى ما لا يُرى في عمق الزمن، وظلّ يبحث عن الحقيقة في أدقّ تفاصيل العلوم. امتطى صهوة الفيمتوثانية، تلك التي تمرّ أسرع من طرفة عين، ليكشف أسرار المادة وهي تتنفّس، ويمنح العلم مفتاحًا جديدًا لفهم الحياة على مقياس الذرّة، لم ينسَ وطنه، لكنه عاد لأرضه عالمًا كبيرًا، أتى ليقول لمصر: "ما زلتُ ابنك، وإن علت بي الخطى".. إنه العالم المصري الكبير أحمد زويل.
وُلد أحمد زويل في 26 فبراير 1946 بمدينة دمنهور، ونشأ في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، حصل على بكالوريوس العلوم والماجستير في الكيمياء من جامعة الإسكندرية، ثم سافر إلى الولايات المتحدة عام 1969، حيث نال درجة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا عام 1974.
بعد حصوله على الدكتوراه، أجرى أبحاثًا ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، ثم التحق بهيئة التدريس في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech) عام 1976.
أسّس زويل علم الفيمتوكيمياء، الذي يدرس التفاعلات الكيميائية في زمن قدره فيمتوثانية (جزء من مليون مليار جزء من الثانية)، مستخدمًا تقنيات الليزر فائق السرعة لرصد حركة الذرات أثناء التفاعل الكيميائي، وقد مكّنت أبحاثه العلماء من رؤية التفاعلات الكيميائية في "تصوير بطيء"، مما فتح آفاقًا جديدة في الكيمياء والفيزياء والبيولوجيا.
لاحقًا، اخترع الميكروسكوب الإلكتروني رباعي الأبعاد، الذي يسمح برصد حركة الذرات في المكان والزمان بدقة غير مسبوقة.
الجوائز والتكريمات
حصل زويل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 عن أبحاثه في الفيمتوكيمياء، كما نال وسام النيل، أعلى وسام مصري، في العام نفسه، وتُوّج مسيرته العلمية بأكثر من 100 جائزة دولية ، من أبرزها:
- جائزة الملك فيصل العالمية (1989)
- جائزة وولف في الكيمياء (1993)
- ميدالية ألبرت أينشتاين العالمية (2006)
- ميدالية بريستلي من الجمعية الكيميائية الأمريكية (2011)
كما مُنح دكتوراه فخرية من أكثر من 40 جامعة حول العالم، منها: أكسفورد، كامبريدج، وييل.
الدور السياسي والمجتمعي
- عُيّن عضوًا في مجلس مستشاري الرئيس الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا (PCAST) من عام 2009 إلى 2013.
- اختير كأول مبعوث علمي أمريكي إلى الشرق الأوسط عام 2010.
- أسّس مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا في مصر عام 2000، وأُعيد إطلاقها عام 2011 لتكون مركزًا علميًا عالميًا.
- شارك في دعم التعليم والبحث العلمي في مصر، وكان من أبرز الأصوات الداعية لتطوير منظومة العلم في العالم العربي.
توفي أحمد زويل في 2 أغسطس 2016 بمدينة باسادينا، كاليفورنيا، بعد صراع مع المرض، وأُقيمت له جنازة عسكرية في القاهرة، حضرها كبار المسؤولين المصريين.