رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

قصور مصر المَنْسيَّة


18-7-2025 | 09:33

.

طباعة
بقلـم:يوسف القعيد

هذا كتاب جديد أصدره المركز القومى للترجمة بوزارة الثقافة المصرية ويحمل رقم 3295، أى أن المركز منذ تأسيسه اقترب من الأربعة آلاف كتاب ترجمها من لغات العالم المختلفة. وهذا جهد عظيم يُشكر كل منْ قاموا على هذا المركز المهم، والذى أسسه الدكتور جابر عصفور فى أكتوبر 2006، وتُديره الآن باقتدار علمى ومهنى الدكتورة كرمة سامي.

 
 

والكتاب يتناول قصور مصر المنسيَّة التى هُجِرت مُنذ بنائها. والقصور الملكية التى اختفى الكثير منها، فهى وسيلة أُخرى لسرد تاريخ هذه الأُسر الحاكمة؛ إذ تهمس لنا بطرائق عديدة لا تكشف عن فنون الحُكم. وإنما على ما كانت عليه الحياة فى البلاط الملكى والتقاليد. وتَفرُّد هذه الأسر الملكية سواء فى الشرق أو الغرب وتشى لنا هذه الاختيارات المعمارية والأساس وأيضاً المركبات والقطارات الملكية عن رغبة الحُكَّام فى أن تكون الملكية المصرية مُضاهية للملكيات الأوروبية.

الكتاب من تأليف: كارولين كورخان. وقد عاشت فى مصر فترة؛ حيث عملت مديرة لقسم التراث الثقافى بجامعة سونجور بالإسكندرية. وترجمته نانيس حسن عبد الوهاب المترجمة المعروفة. وقدَّمه جون إيف ماران.

تقول مقدمة الكتاب المهم:

- تزخر أرض مصر بالقصور المتهالكة. وعموما هذا ما كتبه أحد الرحَّالة عام 1910، فما الذى جرى بعد مرور قرنٍ من الزمان؟.

لقد انتظرت هذه الآثار حتى جاء عام 1993 وصدر المرسوم رقم 300 الذى يحظر هدم القصور والفيلات ذات القيمة العالية، وقد صدر المرسوم بعد عمليات هدم وردود أفعال من الأوساط الثقافية والسياسية المصرية.

ومن المعروف أن الحفاظ على هذه الآثار يحتاج إلى أموال، ولهذا بدأت ردود الأفعال تحدُث للحفاظ على هذا التراث المهم. ولكن هذه المحاولات ربما تأخرت. يكفى أن ننظر إلى المصير المُظلِم الذى كان ينتظر كورنيش الإسكندرية الذى طالما كان بمنزلة رمز للتغيرات التى طرأت على الهوية المصرية والتحولات الديمقراطية والثقافية التى شهدتها البلاد. ليُدرِك الجميع أننا أمام الفرصة الأخيرة المتاحة لنا اليوم للحفاظ على هذه الآثار، لم يعد من الممكن تأخير الحفاظ على ذكرى الأزمنة المُعاصرة، وأصبح من الضرورى إنقاذ ما تبقى منها. ورغم أن الحضور الشديد لآثار العصور القديمة فى المشهد المصري، أدى إلى نسيان أو تجاهل أن هذه البلاد صاحبة الحضارة العظيمة تحوى تُراثاً استثنائياً غزيراً بُنى على مدار الألفيتين الأخيرتين.

ومع هذا فكم من سائحٍ سيرى – حتى ولو عن بُعد – أحد القصور التى يعرضها هذا الكتاب. وكم من مصرى سيتعرف على تاريخه فى هذه الإنشاءات التى ترجع إلى القرن التاسع عشر، هناك أكثر من فائدة من وراء ترجمة هذا الكتاب، ومن المؤكد أن قرار الدكتورة كرمة سامى مديرة المركز للترجمة كان صائباً جداً بترجمته؛ لأننا سنعيش حالة من الحنين لذلك العصر الجميل الذى يتجسد من خلال تلك القصور والفيلات الاستثنائية. والتى يزخر الكتاب بمعلومات تاريخية غير معروفة للكثيرين من العامَّة، ونوادر مُختارة بمهارة لتعكس الحياة اليومية التى جرت فى تلك الأماكن التى تعرَّضت بعد بنائها للإهمال.

صاحب مقدمة هذا الكتاب جون إيف ماران يقول:

- إن ترجمته تطلَّبت معرفة جيدة بأسرة محمد علي، حتى نتمكن من فتح أبواب هذه الديار المغلقة منذ فترة طويلة، وهو ما وفَّرته كارولين كورخان.

وهكذا أصبح المصريون أكثر معرفة وعِلماً بتاريخهم الجميل جداً. ولهذا فربما كان من الأفضل أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتدريس مثل هذا الكتاب على الطُلاب فى مناهجهم الدراسية.

وبسبب أهمية هذا الكتاب لابد أن نشكُر المترجمة نانيس حسن عبد الوهاب ابنة جامعة عين شمس، والتى حصلت على دبلوم إدارة المنظمات غير الحكومية فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ولها جهود مهمة جداً فى الترجمة وتعريفنا نحن الأحفاد بزمن عصر محمد على باشا الذى يُعتبر مؤسس مصر الحديثة، رغم أن البعض قد يختلف معى فى هذا الكلام. لكنه فعلاً أسس مصر الحديثة.

ويقول هذا الكتاب إن حُكم محمد على مؤسس الأسرة الحاكمة خلال الفترة من 1805 إلى 1849 لُقِّبَ بنابليون الشرق ورائد الإصلاح فى مصر. أما جيوشه فقد نجح الكولونيل سيف الذى اعتنق الإسلام وغيَّر اسمه إلى سُليمان فى إصلاحات كثيرة، وقاد حملاتها العسكرية بصُحبة أبناء محمد على طوسون وإسماعيل وإبراهيم. وهذا الأخير سجَّل بطولات عظيمة وحملات شملت الجزيرة العربية والسودان واليونان وسوريا، وقد نجح محمد على فى تحقيق إصلاحٍ مُستدامٍ فى مصر، وأرسى دعائم الثورة الحديثة بعد أن أصلح كل القطاعات والأنشطة.

أما مع الاعتراف التام بما قام به محمد على باشا، فإن هذا لا يمنع من شرعية ثورة 1919 التى قادها سعد زغلول باشا، وثورة يوليو التى قادها الزعيم جمال عبد الناصر الذى يُعد مؤسس مصر الحديثة بعد محمد على باشا. وكانت مصر تستحق زعامته وما قدَّمه لها من أدوارٍ سياسية شديدة الأهمية.

هل أدَّعى أن إغلاق هذه القصور فى وجوه العامَّة من المصريين كان ومازال وسيبقى خطأً جسيماً؟ وأنها لابد من افتتاحها أمام المصريين. خصوصاً الأجيال الجديدة الطالعة التى يجب أن تعرف ما جرى فى بلادها ومنْ قام به؟.

هذا الكتاب يُعد حجر الأساس لمعرفة قصور مصر المنسية كما يقول عنوانه بالحرف وأماكنها وما تحتاجه منا من جهدٍ حتى تكون جاهزة لكى تراها الأجيال الجديدة والطالعة. إن آثار مصر ليست زخارف من الماضي، ولكنها شهادات مما جرى لنا من أحداثٍ كثيرة يجب أن نعرفها وأن تدرُسها بعناية الأجيال الطالعة.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة