رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

العقوبات الأمريكية على «ألبانيز» أمر مخيف


19-7-2025 | 13:14

.

طباعة
بقلـم: نجوان عبداللطيف

لم تنجُ فرانشيسكا ألبانيز من تحالف الشيطان بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، حيث قررت الإدارة الأمريكية مؤخرًا توقيع عقوبات على «ألبانيز»، لأنها قامت بعملها بكل دقة وموضوعية، ودعت لمعاقبة الشركات التى تدعم اقتصاد الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى على يد سلطة الاحتلال الإسرائيلى، كما طالبت بتنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية التى أصدرت مذكرة اعتقال لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، فى نوفمبر من العام الماضى؛ لاتهامهما بارتكاب جرائم ضد الشعب الفلسطينى.

فرانشيسكا ألبانيز اسم يجب أن نتذكره دائمًا عندما نتحدث عن الضمير الإنساني، وعن الجرأة والشجاعة، وعن القدرات العلمية والعملية، وعن التمسك بالمبادئ والدفاع عنها، أيًا كان الثمن.

فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للفلسطينيين، منذ عام 2022، أى منذ 3 سنوات، ولكن علاقتها بالقضية الفلسطينية تمتد لسنوات طويلة من عمرها البالغ 48 عامًا.. فرانشيسكا تؤمن بعدالة القضية وحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة على أراضيهم المحتلة منذ عام 1967، وتمثل تقاريرها التى أعدتها خلال عملها وثيقة ضد انتهاكات إسرائيل للقانون الدولى وحقوق الإنسان، مما عرضها لاتهامات عديدة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بمعاداتها للسامية وانحيازها للفلسطينيين، ووصل الأمر إلى اتهامها بالحصول على أموال من الفلسطينيين.

التقرير الأخير الذى قدمته ألبانيز لمجلس حقوق الإنسان فى الأمم المتحدة أثار ضجة كبيرة، حيث كررت اتهامها لإسرائيل بممارسة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين فى غزة، وشبهت ما يحدث فى غزة بيوم القيامة، كما وصفت عملية توزيع المساعدات التى تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية بالمشاركة مع إسرائيل من خلال ما يطلقون عليها مؤسسة غزة الإنسانية بـ«مصائد الموت»، واتهمت أكثر من 60 شركة عالمية بالمساهمة فى اقتصاد الإبادة، وطالبت بتنفيذ قرار اعتقال نتنياهو.

لماذا تعاقب الولايات المتحدة الأمريكية فرانشيسكا ألبانيز؟ وماذا قالت «ألبانيز» فى تقريرها الأخير؟ ومن هي؟ وماذا يفعل العرب أو المناصرون للقضية الفلسطينية إزاء «ألبانيز» وتقاريرها؟

بعد أسبوع واحد من إصدار ألبانيز تقريرها الأخير عن حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، قررت الولايات المتحدة الأمريكية توقيع عقوبات عليها، حيث أصدر وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو بيانًا بفرض عقوبات عليها وقدمه للأمين العام للأمم المتحدة، وشمل البيان هجوما شرسا على ألبانيز، وقال «روبيو» فى البيان: إن ألبانيز انخرطت بشكل مباشر مع المحكمة الجنائية الدولية فى جهود التحقيق مع مواطنين أمريكيين أو إسرائيليين أو اعتقالهم أو احتجازهم أو مقاضاتهم، دون موافقة هاتين الدولتين.

وعلى منصة «إكس»، وصف روبيو عمل وتقارير «ألبانيز» بأنها جهود غير شرعية ومخزية لحثّ الجنائية الدولية على التحرك ضد مسئولين وشركات ومديرين تنفيذيين أمريكيين وإسرائيليين. وفى تهديد واضح لها قال «روبيو»: «لا تسامح بعد الآن مع ألبانيز من حرب سياسية واقتصادية على الولايات المتحدة وإسرائيل».

وقال روبيو: «سنقف دائمًا مع حق شركائنا (إسرائيل) فى حقها فى الدفاع عن النفس»، كما يزعم.

أعربت الأمم المتحدة عن أسفها للقرار الأمريكى ضد ألبانيز من خلال تصريح لرئيس مجلس حقوق الإنسان يورك لاوبر، الذى قال: «نأسف لقرار واشنطن بفرض عقوبات على خبيرة عيّنتها هذه الهيئة، وبسبب انتقادها للسياسة الأمريكية بشأن غزة، طالب الدول الأعضاء بالتعاون مع المقررين الخاصين والامتناع عن أى أعمال ترهيب أو انتقام ضدهم.

ما التقرير الأخير لـ«ألبانيز» الذى أشعل غضب أمريكا؟

قبل نحو عشرة أيام، قدمت ألبانيز تقريرها الجديد إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وصفت فيه الوضع فى الأراضى الفلسطينية بأنه تجاوز حد الكارثة، واتهمت إسرائيل نصًا بارتكاب «واحدة من أكثر عمليات الإبادة الجماعية وحشية فى التاريخ الحديث»، وطالبت دول العالم بفرض حظر على الأسلحة وقطع العلاقات التجارية والمالية مع إسرائيل.

وقالت «ألبانيز» بشأن مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أمريكيًا والتى تقوم على توزيع المعونات الغذائية بالشراكة مع القوات الإسرائيلية: إنها «فخ أو مصائد موت مصممة لقتل أو تهجير الناس». وتستهدف قوات الاحتلال والشركة الأمنية الأمريكية المدنيين الباحثين عن المساعدات بشكل ممنهج، وسط انتقادات وتأكيد دولى لرفض استخدام المساعدات والغذاء سلاحًا، إلا أن ذلك بقى فى إطار بيانات الإدانة، ولم يكن هناك أى عمل إيجابى لوقف قتل الجوعى.

وهاجمت «ألبانيز» فى تقريرها، الدول والشركات والأفراد الذين حققوا أرباحًا من إبادة الفلسطينيين فى غزة. وقالت إن أكثر من 60 شركة دولية دعمت إسرائيل فى عدوانها ضد الفلسطينيين فى غزة وعملياتها وعنف المستوطنين فى الضفة الغربية، مطالبة بمساءلة هذه الشركات قانونيًا لانتهاكها القانون الدولي. وجاء فى التقرير المكون من 27 صفحة أن «الإبادة الجماعية الإسرائيلية مستمرة لأنها مربحة لكثيرين»، مشيرًا إلى ارتباط الشركات المدرجة ماليًا بـ»نظام الفصل العنصرى والعسكرة الإسرائيلي». ودعت «ألبانيز» إلى محاسبة المسئولين التنفيذيين فى تلك الشركات أمام القانون الدولي، ووقف جميع أشكال التعاون التجارى مع الاحتلال الإسرائيلي، وأكدت أن بعض هذه الشركات تزود إسرائيل بأسلحة ومعدات تُستخدم فى تدمير البنية التحتية الفلسطينية، أو تشارك فى نظم المراقبة التى تساهم فى عمليات الإبادة.

وأعلنت إسرائيل رفضها الكامل لهذا التقرير، وهاجمت المقررة «ألبانيز»، وقالت إنها لا ترتكن إلى أسانيد قانونية، وإن تقريرها هو تلويث للحقائق.

وصبّت بعثة الولايات المتحدة الأمريكية فى الأمم المتحدة غضبها على «ألبانيز»، ووصفت ما جاء فى التقرير بالمزاعم الكاذبة، وطالبت الأمين العام أنطونيو جوتيريش بإدانة أنشطة ألبانيز وبإقالتها من منصبها.

منذ تولت ألبانيز منصبها فى الأمم المتحدة وهى تصدر تقارير فاضحة بجرأة وشجاعة لممارسات إسرائيل، لم ترهبها ما تتعرض له من اتهامات بمعاداة السامية ولا بالتهديدات التى تطالها. تقريرها السابق فى أكتوبر الماضى والذى قدمته للجمعية العامة للأمم المتحدة كان شديد اللهجة ومليئا بالحقائق التى تثبت قيام إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين فى غزة، وكان بعنوان «الإبادة الجماعية باعتبارها محوا استعماريًا، وقالت فيه إن ما تقوم به إسرائيل هو حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطينى على كامل الأراضى التى يقيمون عليها تحت الاحتلال تعزيزا لطموحاتها ببسط سيادتها على كامل فلسطين التى كانت تحت الانتداب.

وتتعرض «ألبانيز» لهجوم متواصل من إسرائيل وأمريكا. وقررت إسرائيل العام الماضى منعها من دخول إسرائيل. وفى الولايات المتحدة الأمريكية قام 18 عضوًا من الكونجرس بتقديم طلب بإقالتها وتقدمت الخارجية الأمريكية بالفعل الشهر الماضى بطلب للأمين العام للأمم المتحدة لإقالتها، ورد جوتيريش على الطلب الأمريكى بأن ليس لديه سلطة على مقررى حقوق الإنسان وأنهم يتبعون مجلس حقوق الإنسان مباشرة.

وأخيرًا وليس آخرًا، فرضت الولايات المتحدة العقوبات على ألبانيز التى ردت بكل شجاعة محذرة من هذه السابقة الخطيرة للمدافعين عن حقوق الإنسان، وأنها تواجه الآن تجميد أصولها المالية وقيودًا محتملة على السفر وتأثيرا على المتعاملين معها، وقالت «لم تعد هناك خطوط حمراء، إنه أمر مخيف»، ولكنها أكدت عزمها مواصلة ما كانت تقوم به.

كنت أتصور أو أعتقد أنه من الطبيعى أن يتم الاحتفاء عربيا بما تفعله وتقدمه ألبانيز للقضية الفلسطينية. ولكن يكتفى العرب بتقرير إعلامى هنا أو هناك، ولا أحد يستفيد من تقاريرها المهمة ويبنى عليها دبلوماسيًا.. للأسف لا أحد هنا.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة