حمل المثقفون والفنانون شرارة الوعى حين تصدوا خلال ثورة 30 يونيو لمحاولات طمس الهوية وفرض نمط ثقافى غريب على المجتمع المصرى من قبل جماعة الإخوان الإرهابية.
ومنذ ذلك الحين، أدركت الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى أن الثقافة ليست رفاهية، بل ركيزة أساسية فى بناء الإنسان وتحصين المجتمع، فشهد القطاع الثقافى نهضة غير مسبوقة، تمثلت فى إنشاء مدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وإطلاق مبادرات وطنية لنشر الوعى، ورعاية المواهب، وتوسيع رقعة النشاط الثقافى فى القرى والمناطق النائية، فى مشهد يؤكد أن الجمهورية الجديدة تهتم ببناء الإنسان.
لدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ المعاصر: يقول إن ثورة 30 يونيو بدايتها كانت الصدام بين المثقفين وجماعة الإخوان الإرهابية نتيجة أنهم أرادوا فرض نمط ثقافى ليغيروا فى عادات وثقافات الشعب المصري، وازادت حدة هذا الصدام نتيجة فرض الإخوان لوزير ثقافة محسوب على الجماعة، الذى بدأ يصدر عددا من القرارات سعيا منه لاختيار شخصيات منتمية لجماعة الإخوان بعد مرور أقل من شهر على اختياره وزيرًا للثقافة فى عدد من المناصب المهمة فى الوزارة، وهو ما أدى لاعتصام المثقفين داخل مقر الوزارة.
«عفيفي»، أضاف: دارت العديد من المعارك أمام مقر وزارة الثقافة لرغبة الإخوان من فض الاعتصام، وفى المقابل أقام فنانو الأوبرا عروضا فى الشارع، وأيضا الشعراء والممثلون فهم أرادوا خلق جو ثقافى متحدين الإخوان وما يقومون به، وعندما توحدت طوائف الشعب على 30 يونيو للخروج رفضا لحكم الإخوان، خرج المثقفون المعتصمون من الوزارة بمسيرة حتى ميدان التحرير رافعين لافتات لرموز ورواد الثقافة المصرية فى نوع من أنواع التحدى للإخوان ورغبة الثقافة المصرية بالتحرر والتنوير.
وأكد أستاذ التاريخ المعاصر، أن «الإدارة المصرية أولت اهتمامًا كبيرًا بالثقافة، باعتبارها إحدى ركائز بناء الإنسان، وأداة أساسية فى ترسيخ الهوية الوطنية وتعزيز الوعى المجتمعي، خاصة أن النتاج الذى تقدمه مصر للبشرية هو الثقافة، ولهذا أقول إن مصر بحاجة لمزيد والمزيد من الأنشطة الثقافية ودعم الحركة الثقافية، فنحن بحاجة لأكثر من مدينة ثقافية ودعم لقصور الثقافة ومهرجانات ومؤتمرات أدبية، فالثقافة المصرية لا تنير الإبداع فى دولتنا فقط، وإنما تنيره بالعالم العربى أجمع».
من جانبه، قال الكاتب والناقد صلاح معاطي إن الدولة المصرية تؤمن بأهمية الثقافة ودورها فى ترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية، وسعت الدولة المصرية منذ اللحظة الأولى بعد ثورة الثلاثين من يونيو إلى الاهتمام بالثقافة كأحد العوامل الأساسية لتهيئة المناخ السياسى والاجتماعى وتحقيق الاستقرار. وذلك بإقامة العديد من المشروعات الثقافية الكبرى والتى سيكون لها أكبر الأثر فى تحقيق الانفتاح الثقافى الكبير ليس لمصر وحدها، بل للوطن العربى ككل، فضلا عن معارض الكتاب التى تزين وجه القاهرة فى يناير من كل عام، ثم يجوب المحافظات لعرض الكتب سواء القديمة أو الحديثة، ثم يجوب مصر كلها بما يتضمنه من ندوات ولقاءات ثقافية يتم من خلالها تبادل الأفكار بين الشباب وتواصل الأجيال.
وأوضح أن «مصر تُعد منذ فجر التاريخ منارةً للفكر والفن والثقافة، ومهدًا للحضارات التى تركت إرثًا خالدًا للإنسانية جمعاء. ومن هذا الإرث العريق، انطلقت رؤية الدولة المصرية الحديثة نحو ترسيخ مكانتها الثقافية والفنية إقليميًا وعالميًا، من خلال مشروعات عملاقة تعيد إحياء الدور الريادى لمصر. وتأتى مدينة الفنون والثقافة فى قلب العاصمة الإدارية الجديدة تتويجًا لهذا التوجه، حيث تُعد أكبر صرح ثقافى وفنى متكامل فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وتجسيدًا لإيمان القيادة السياسية بأهمية القوة الناعمة لمصر ودورها فى تعزيز الهوية الوطنية وبناء الإنسان المصري».
«صلاح»، أشار إلى أن «مدينة الفنون والثقافة تتميز بتنوع منشآتها التى تلبى احتياجات الحركة الثقافية والفنية فى مصر والمنطقة بأسرها كالأوبرا الجديدة ومسارح متنوعة تضم مسارح درامية وموسيقية ومكشوفة؛ لتناسب كافة أنواع العروض والفعاليات، ومتحفا للفن المعاصر، مكتبة مركزية: توفر مصادر معرفية ضخمة وتستخدم تقنيات حديثة فى الأرشفة والبحث، قاعات عرض ومعارض: مخصصة للفنون التشكيلية والنحت والتصوير، فضلا عن معهد موسيقى: لإعداد وتأهيل الأجيال الجديدة من الفنانين والموسيقيين.
وشدد على أن رسالة مدينة الفنون والثقافة لا تقتصر على الحاضر، بل تمتد إلى الأجيال المقبلة، لتكون منارة للتعليم والتنوير والإبداع، وحاضنة للمواهب الشابة، وبيئة خصبة لاكتشاف المبدعين وصقل قدراتهم، بما يُرسخ الهوية الثقافية ويعزز الانتماء للوطن.
بدورها تحدثت الكاتبة والإعلامية سماح أبو بكر، حول اهتمام الدولة المصرية بالطفل باعتباره نواة المجتمع وأمل المستقبل، موضحة أنه «يتجلى هذا الاهتمام من خلال مبادرات وطنية ومشروعات تنموية تهدف إلى توفير بيئة حاضنة للإبداع، والحماية، والتعليم، والصحة، حيث إنها أدركت أن اكتشاف مزيد من المبدعين وخاصة الأطفال الذين يعدون الثروة الحقيقية لمجتمعنا وأغنى موارده على الإطلاق، فعلى عقولهم وإبداعاتهم واختراعاتهم تنعقد الآمال فى مواجهة التحديات التى تواجه مسيرة التنمية الوطنية».
وأوضحت أنه «لذلك تعد جائزة الدولة للمبدع الصغير بوابة الأمل والتقدم لكافة الأطفال المبدعين على مستوى الجمهورية، وتمنح هذه الجائزة تحت رعاية السيدة الفاضلة إنتصار السيسي، والتى تكون من سن 5 حتى 18 عاما، فى مجالات الثقافة، الإبداع، الآداب، الفنون والابتكارات العلمية، وتصل قيمة الجائزة لـ40 ألف جنيه مصري»، مشيرة إلى أن «وجود بيئة خصبة لرعاية الموهوبين من خلال الاكتشاف المبكر للمواهب الصغيرة، يحفز الطاقة الإبداعية فى عدد من المجالات المختلفة التى تتماشى مع الأهداف الاستراتيجية العامة للدولة، والتى تعمل على بناء الإنسان المصرى وترسيخ هويته من خلال خلق آليات مؤسسية تعمل على تشجيع الأطفال على القراءة والكتابة والإبداع والابتكار، فى سبيل تحقيق الريادة الثقافية لمصر».
«أبو بكر»، انتقلت بعد ذلك للحديث عن مبادرة «حياة كريمة»، وقالت: هذه المبادرة ليست مجرد مشروع لتطوير البنية التحتية، بل هى رؤية متكاملة لبناء الإنسان، وفى القلب منها الطفل المصري، فالمبادرة تهدف إلى النهوض بالمجتمع من جذوره، بدءًا من أصغر مواطن فيه، ولذلك، لم تقتصر الجهود على إنشاء المدارس أو تحسين المرافق، بل امتدت إلى رعاية الطفولة ثقافيًا وتعليميًا ونفسيًا من خلال إنشاء مكتبات، تنظيم ورش فنية وحِكائية، وتقديم حملات توعية صحية وسلوكية، تُظهر «حياة كريمة» أن الاستثمار فى الطفل هو حجر الأساس لبناء قرية واعية ومجتمع سليم.
