جاء قرار صندوق النقد الدولى بتأجيل مراجعة الشريحة الخامسة من قرض الصندوق لمصر وضمها مع السادسة فى سبتمبر المقبل، ليكون بمثابة «الاختبار الصعب» الذى تنتظره حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، حيث يطالب الصندوق الحكومة باستكمال بعض السياسات المالية والنقدية المتعلقة بدور الدولة فى الاقتصاد.
الصندوق أشاد بما حققته مصر من تقدم فى خفض معدل التضخم وزيادة احتياطى النقد الأجنبى، لكنه فى الوقت ذاته شدد على ضرورة تعميق الإصلاحات الهيكلية، خاصة فى مجال سياسة ملكية الدولة وبرنامج التخارج من الأصول.. ما يطرح تساؤلات عدة حول ماذا يعنى دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج مصر من صندوق النقد؟، وما الإصلاحات المطلوبة لتوسيع دور القطاع الخاص، وتحقيق بيئة أعمال تنافسية لتعزيز مرونة الاقتصاد المصرى فى مواجهة الأزمات؟.
هناك 8 مطالب أساسية لصندوق النقد الدولى ضمن خطة الإصلاح الاقتصادى التى ينص عليها برنامج التمويل، والتى يجب على الحكومة استكمالها حتى يتم صرف الشرائح المتبقية من قرض الصندوق وعلى رأسها الشريحة الخامسة، ومن أبرزها «التعجيل بالتخارج من الأصول المملوكة للدولة»، «تحرير سعر الطاقة»، «اعتماد استراتيجية شاملة لإدارة الدين»، و«المحافظة على مرونة نظام سعر الصرف»، و«استهداف معدل التضخم، وتوسيع قاعدة الضرائب»، و«تعزيز قدرة القطاع الخاص على المساهمة بشكل أفضل فى النمو الاقتصادى».
ومن جانبها، اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات على مدار قرابة العامين وأحرزت تقدما فى العديد من الملفات المتعلقة بالسياسة المالية والنقدية، والتى تشمل السياسة الضريبية، والإنفاق على مشروعات البنية التحتية، والدعم والحماية الاجتماعية، كما أعلنت إدراج 32 شركة فى وثيقة ملكية الدولة مستهدفة منها التخارج من بعض الحصص المملوكة لها لصالح القطاع الخاص.
وتعد وثيقة سياسة ملكية الدولة للأصول، الوثيقة الأولى من نوعها على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحسب البنك الدولى، وتستهدف زيادة مستويات مساهمة القطاع الخاص فى الاستثمارات المنفذة والناتج المحلى الإجمالى والتشغيل والتصدير، ويصاحب تنفيذ الوثيقة العديد من الإصلاحات الداعمة للقطاع الخاص لاسيما على صعيد تعزيز جاذبية بيئة الأعمال فى مصر وزيادة مستويات تنافسيتها، والالتزام بعدة إصلاحات لدعم المنافسة وضمان الحياد التنافسى.
وواصلت الدولة جهودها لتنفيذ العديد من الإصلاحات الداعمة للقطاع الخاص، حيث بلغ إجمالى الإجراءات الإصلاحية التى تم تنفيذها خلال الفترة من (مايو 2022 ـــ يونيو 2024) نحو «293» إجراء إصلاحيا داعما للقطاع الخاص، تركز جانب كبير منها على كل من دعم الاستثمار وتحسين بيئة الأعمال، وتشجيع القطاع الصناعى، وذلك وفقا لتقرير صادر عن مجلس الوزراء.
كذلك، عملت الحكومة على تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة للأصول، حيث بلغت نسبة تنفيذ المراحل الثلاث المتضمنة فى برنامج الطروحات والممتدة خلال الفترة (مارس 2022 يونيو 2024) بحصيلة قاربت 30 مليار دولار، وتنوعت آليات الطرح ما بين البيع الكلى والجزئى لمستثمر محلى وأجنبى، أو من خلال البيع فى البورصة المصرية، أو زيادة رؤوس أموال بعض الشركات المملوكة للدولة، علاوة على استثمارات معززة للتنمية السياحية فى مصر.
وتخطط الحكومة خلال العام المالى الحالى «2025/2026» لطرح حصص فى 11 شركة مملوكة للدولة فى إطار برنامج الطروحات الحكومية وذلك وفق تقرير لوزارة المالية.
ويتيح اعتماد صندوق النقد المراجعة الخامسة تلقى مصر شريحة جديدة بقيمة 1.227 مليار دولار من قرض الصندوق البالغ 8 مليارات دولار، لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادى، وقد تم صرف الشريحة المستحقة للمراجعة الرابعة بقيمة 1.2 مليار دولار فى أبريل الماضى.
وحول الإصلاحات المطلوبة خلال الفترة المقبلة، وهل يتأثر الاقتصاد بعد تأجيل صرف الشريحة الجديدة من القرض؟، قال الدكتور خالد الشافعى الخبير الاقتصادى، إن«عدم اعتماد المراجعة الخامسة جاء بسبب المناقشات حول تنفيذ بعض الإجراءات الهيكلية، حيث إن اعتماد كل مراجعة يتيح لمصر سحب شريحة جديدة من القرض».
وعن الإجراءات المطلوبة من الحكومة خلال الفترة المقبلة، أوضح «الشافعى» أن «مطالب صندوق النقد ترتبط بملفات السياسات المالية العامة والنقدية وهيكلة الاقتصاد خاصة فيما يتعلق بتنفيذ سياسة وثيقة الدولة للتخارج من الأصول، ودعم منافسة القطاع الخاص ومظلة الحماية الاجتماعية، كما أن من أبرز مطالب الصندوق أيضا تسريع إجراءات التيسيرات الجمركية وتوسيع القاعدة الضريبية، مشيرا إلى أن قرار صندوق النقد الدولى بدمج المراجعتين الخامسة والسادسة جاء بموجب «اتفاق تسهيل الصندوق الممدد» فى مراجعة واحدة بالخريف «شهر سبتمبر المقبل» على برنامج مصر للإصلاح الاقتصادى، وذلك لمنح مزيد من الوقت لمصر لتنفيذ بعض الإجراءات الهيكلية».
وأضاف: إعلان صندوق النقد الدولى دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج مصر لن يؤثر على الاقتصاد المصرى، وهناك تدفقات مالية كبيرة دخلت مصر وأثرت على سعر الصرف خلال الفترة الماضية، ولكن يجب على الحكومة الإسراع فى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة قبل موعد المراجعة القادمة بالخريف المقبل.
«الشافعى»، أشار إلى أن الأوضاع الإقليمية وتداعياتها بالمنطقة، كان لها تأثير واضح على الإصلاحات الهيكلية المتعلقة بوثيقة سياسة ملكية الدولة للأصول وبرنامج الطروحات، لافتًا إلى أن «هذه التحديات لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد المصرى، وهو ما يتطلب الإسراع بوتيرة الإصلاحات خلال الفترة المقبلة، وتعديلات قانون الضريبة على القيمة المضافة الذى أقره مجلس النواب مؤخرا جاء استجابة للتفاهمات مع الصندوق».
كما أكد أن صندوق النقد الدولى يقوم بمراجعات دورية للبرنامج، وقد يتم دمج بعض المراجعات لإعطاء مصر المزيد من الوقت لتحقيق الأهداف الإصلاحية، مشيرا إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادى لمصر يسهم فى عودة الاستقرار لمؤشرات الاقتصاد الكلى، وزيادة مستويات الاحتياطى من النقد الأجنبى، وتلبية الاحتياجات التمويلية اللازمة، وانخفاض مستويات التضخم، وتعافى مؤشرات النمو الاقتصادى.
من جانبه شدد الدكتور إيهاب الدسوقى، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، على ضرورة قيام الحكومة بعمل الإصلاحات الهيكلية المطلوبة منها قبل موعد المراجعة القادمة، خاصة المتعلقة بتسريع وتيرة تمكين القطاع الخاص وإعطاء فرصة أكبر للاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوفير بيئة داعمة لنمو القطاع الخاص وتحسين مناخ الاستثمار، وملف التخارج من بعض الأصول المملوكة للدولة، وتعزيز القاعدة الضريبية ورفع كفاءة التحصيل الضريبى.
«الدسوقى»، فى سياق حديثه، أشار إلى أن تباطؤ الحكومة فى تنفيذ تلك الإصلاحات الهيكلية، ترتب عليه قرار الصندوق بتأجيل مراجعة الشريحة الخامسة من القرض، لافتا إلى أن هذا القرار له تأثيرات تنعكس على الاقتصاد المصرى خاصة أن هذه القرارات مؤثرة فى المجتمع الدولى لما لها من تأثير على تدفقات التمويل الأجنبى، وثقة المستثمرين، والمؤسسات التمويلية الأخرى، لذلك من الضرورى استمرار الحكومة فى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الهادفة لتحقيق استقرار اقتصادى شامل.
وأوضح أن دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج صندوق النقد الدولى يهدف إلى منح مصر وقتا إضافيا لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة، وهذا القرار يعكس اعترافا بالتحديات التى تواجهها مصر فى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، مع التأكيد على أهمية دعم القطاع الخاص بما يضمن تنافسية الاقتصاد وتحسن بيئة الأعمال، مشددا على أن هناك ضرورة للإسراع فى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة خلال الفترة المقبلة.

