قضية فلسطين كانت دائمًا غطاء جماعة الإرهاب
لكن الاعترافات أمام المحققين، خاصة اعترافات سيد قطب أكدت أن كل شيء تم بموافقة وإذن المرشد العام حسن الهضيبى وقتها، وهكذا فإن قادة الجماعة الآن سواء منهم الذين يقبعون فى إسطنبول أو فى أعضاء المخابرات البريطانية بلندن يبدون بعيدًا عن أو مثل الذين تصدروا المشهد بمنطقة ما بسوريا الشقيقة.
الثانى توقيت بث المشهد يثير تساؤلًا آخر، إذ يرتبط بالاحتفالات المصرية بذكرى ثورة 30 يونيو، هم يريدون أو يتصورون أن بإمكانهم إفساد الفرحة، وكأنهم يقولون ما زلنا نتجهز، ونحن لم يفتنا يوم أنهم مثل الزمار الذى يموت وأصابعه تتحرك، هم كذلك سيبقون إرهابيين، لا يجيدون ولا يعرفون غير ذلك النهج.
الثالث.. يأتى ذلك الفيديو المليء بالتهديد بعد أسابيع من فشل محاولة سابقة لاقتحام الحدود المصرية، بزعم مساندة أهل غزة، تحت مسمى «قافلة الصمود»، التى أطلقنا عليها «قافلة نتنياهو»، وقد منعها المشير خليفة حفتر من دخول مصراتة، ولما فشلت المحاولة، تكشفت الخبايا والأسرار، تبين أنها محاولة إرهابية من الجماعة، ممولة بعناصرها وأموالها، المعنى هنا أن جماعة البنا لم تكف ولن تكف يومًا عن محاولة تهديد وترويع المصريين، نظامًا ودولة وشعبًا.
الرابع.. أن هذا المشهد جرى تصويره فى منطقة ما بسوريا، غالبًا قريبة من اللاذقية، والمعروف أن سلطة الحكم الجديدة فى سوريا لم تترسخ بعد فى الساحل السورى كله، وأن جماعات الإرهاب تعيش هناك، وارتكبوا مذابح فى الساحل السورى بحق المواطنين السوريين من العلويين ومن المسيحيين، حيث إن الأوضاع فى سوريا كما نراها، ونشاط جماعات الإرهاب بها، يمكن أن تتحول إلى مصدر تهديد وخطر يهدد دول المنطقة بأكملها فى المخطط الإرهابى الذى ضبط بالمملكة الأردنية وكانت تقوم به جماعة حسن البنا أيضًا، تبين أن هناك عناصر عديدة شاركت من خارج الأردن.
الجو العام فى المنطقة منذ أحداث السابع من أكتوبر يتسم بقدر من العنف والإحباط، فضلًا عن الفوضى فى عدة بلدان، سوريا وما جرى فيها العام الماضى.. جنوب لبنان والتدمير الذى تعرض له، غزة والنيران المشتعلة بها، وأخيرًا ما جرى فى إيران الشهر الماضى، بالنسبة لنا فى مصر يمكن أن نضيف إلى ما سبق، الحرب الأهلية فى السودان والاضطرابات فى ليبيا، هذا هو المناخ الذى يناسب جماعة حسن البنا لتضرب يمينًا وشمالًا، وفيما يخص مصر فإن شعورهم نحونا هو الثأر وهو الكراهية المطلقة، للدولة ولمؤسساتها الوطنية.
ولن نمل من تكرار القول إن قضية فلسطين كانت دائمًا الغطاء للجماعة، تتحرك به، لإسقاط الدولة الوطنية، خاصة الدولة المصرية، وقد حاولوا ذلك مرارًا وفشلوا، لكنهم لن يتوقفوا عن المحاولة، طالما وجدوا مَن يقدم لهم التمويل والسلاح ومَن سيستفيد من إرهابهم، والمؤكد أن هناك أطرافًا عديدة تريد هز الدولة المصرية والنيل من قوتها واستقرارها، أطرافاً نعرفها جميعًا ولا يخفون نواياهم ورغباتهم.
باسم القضية الفلسطينية اغتالوا رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى سنة 1948، رغم أنه هو الذى رفض الطلب الأمريكى وقتها بتهجير الفلسطينيين إلى مصر، مقابل أن تساند أمريكا الطلب المصرى بالجلاء البريطانى التام عن أراضيها، وباسم القضية الفلسطينية خططوا لاغتيال الرئيس السادات سنة 1974 وهو فى ذروة انتصاره العسكرى، قضية صالح سرية والفنية العسكرية، ثم اغتالوه فعلًا يوم 6 أكتوبر 1981 أثناء الاحتفال بالنصر، اُغتيل لأنه حرر سيناء من الاحتلال.
وباسم القضية الفلسطينية تعاونوا مع ميليشيات غير مصرية لاقتحام حدودنا يوم 28 يناير 2011 واقتحام السجون وتدمير أقسام الشرطة والمنشآت العامة، بما فيها عدد من المتاحف الوطنية المصرية، متحف الزعيم مصطفى كامل والزعيم محمد فريد بمنطقة القلعة ومحاولة اقتحام المتحف المصرى فى التحرير وعدد من المتاحف المهمة بالمحافظات.
وباسم القضية الفلسطينية جمع حسن البنا التبرعات سنة 1938، عقب الثورة الفلسطينية الكبرى، ولم يرسل منها إلا حوالى 300 جنيه إلى فلسطين والبقية ذهبت إلى حساباته الخاصة، الأمر الذى أحدث انشقاقًا داخل الجماعة وقتها، وكانت فضيحة كبرى، لكن تتميز الجماعة بالجلد السميك.. لا يتأثر بفضيحة ولا تهزه السقطات الأخلاقية والإنسانية.
«القضية الفلسطينية» تجارتهم الرابحة، كانوا يهتفون «شهداء بالملايين على القدس رايحيين»، وساعة الجد هربوا إلى ليبيا عبر الصحراء وإلى السودان جنوبًا، لم يذهبوا إلى القدس ولا إلى فلسطين، لأنها مجرد «سبوبة» فقط لهم.
لكن اليوم يختلف الأمر كثيرًا، أمامنا التجربة السورية، ونرى ملامحها الأساسية، فقد بدأت بذوبان الجيش السورى وترك معسكراته ومخازن السلاح بالكامل لإسرائيل يدمرها فى وضح النهار وأمام الجميع، دون أى محاولة اعتراض ودون حتى بيان احتجاج يصدر من الدولة الجديدة.. ليس الجيش العربى السورى فقط، بل وكذلك جهاز الأمن بكامله، الذى أُذيع فى يوم الثامن من ديسمبر عمدًا.
إلى جوار ذلك هناك درجة من التودد إلى إسرائيل والتفاهم معها، عبر الدول الغربية أولًا ثم مباشرة معها، والتغاضى تقريبًا عن الجولان، التى ضمتها إسرائيل إليها.
أما على مستوى الداخل السورى فهناك عدوان على الوحدة الوطنية، ثم تفجير كنيسة فى قلب دمشق، وجرت مذبحة فى الساحل السورى راح ضحيتها مئات المدنيين، اعتداءات هنا وهناك، على مكونات المجتمع والعبث بطوائفه.. هذا هو النموذج الذى تمتلكه هذه الجماعات، وهو «الكتالوج» الذى يطبقونه فى كل بلد، هو نفسه الذى حاولت جماعة البنا القيام به فى مصر، خلال العام الأسود الذى حكمونا فيه، من 30 يونيو 2012 وحتى 30 يونيو 2013، من المهم أن نتأمل التجربة السورية جيدًا منذ نهاية نوفمبر الماضى وحتى يومنا هذا.. لندرك النموذج الذى يراد لنا أن نكون عليه، وقد أنقذتنا ثورة 30 يونيو، لكن جماعة الإرهاب لا تتوقف ولا تكل، إذ إنها تؤدى دورًا رُسم لها من أيام حسن البنا فى الدوائر الاستعمارية الغربية.
تهديد «حركة حسم» لا ينبغى أن يزعجنا، والمؤكد أن الجهات المسئولة منتبهة جيدًا وتتابع بدقة لكن هذا التهديد رسالة إلى أولئك الذين يريدون منا أن ننسى هذه الجماعة ونعتبرها ولت، ويتصورون أن حديثنا عنها وتحذيرنا من أفكارها وخلاياها النائمة، هو محاولة لصرف الأنظار وإشغال الناس عن مشاكلهم.
المشاكل قائمة، نلمسها وتجرى مواجهتها، ومَن يتابع حركة المجتمع يدرك أن أحدًا لا يخفى رأسه فى الرمال، وأن المشاكل والأزمات تتابعها الجهات المسئولة أولًا بأول، تابعنا الأسابيع الأخيرة جهود الحكومة لتوفير الوقود لمحطات الكهرباء، حتى لا نضطر لتخفيف الأحمال فى الصيف، نرى ما قامت به الدولة تجاه حوادث الطريق الإقليمى فى المنوفية، الاهتمام بدأ من رئيس الدولة نفسه، مرورًا بالوزارات المعنية، حتى إن الرئيس وجه بمنع المرور فى المناطق الخطرة على الطريق وتوفير بدائل إلى أن تنتهى عملية الإصلاح.
القصد أن المشاكل موجودة وهناك اعتراف بها، لا إنكار والعمل على حلها، لكن هذا لا يجب أن يجعلنا نغفل أعيننا عن «العدو الوجودى» للدولة الوطنية المصرية، هذا العدو هو جماعة حسن البنا.
يمكن للجماعة أن تذرف فى وقت ما دموع التماسيح، كما فعل حلمى الجزار قبل شهور، ويمكن أن تطلق نداءات تبدو جيدة، لكن هذا كله لا يكون سوى غطاء ومخدر لأعمال إرهابية يجرى التخطيط لها والعمل على تنفيذها – وحيث إن الشارع والرأى العام المصرى لفظهم بالفعل ولا يسمح لهم بالتحرك، ولا يقبل أى تواجد لهم، فإننا يجب أن نتوقع المخططات من خارج الحدود، على غرار «قافلة نتنياهو» الشهر الماضى، وكما حاولوا فى المملكة الأردنية الهاشمية.
التهديد البذيء من «حسم» لم يكن الأول ولن يكون الأخير، المهم أن لا نغفل عن أن هذه الجماعة «خطر وجودى» يجب أن نتصدى له باستمرار وأن ننتبه لخطورته، قد تكمن الجماعة فترة أو فترات، لكنه أشبه بكمون الثعابين فى برد الشتاء، وقد تتماوت الجماعة، لكنه تماوت «الطريشة» فى الصحراء، ثم تنطلق لتبث السم القاتل فى الحال.
حين كانت الجماعة فى أوج قوتها وتمسكت بالحكم، أزاحها الشعب المصرى يوم 30 يونيو، لكن تبقى فلول الجماعة تمارس الإرهاب، الذى لا تجيد غيره.

