رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

معجم المفردات العادية.. حينما تتحول الكتابة إلى لعبة ممتعة


11-7-2025 | 21:55

.

طباعة
بقلم: أشرف غريب
فى عالم الإبداع الأدبى تكون هناك غالبا مستويات عدة للتلقى، كلٌّ يفهم النص بحسب ما توفر له على مدى حياته من مخزون ثقافى ونضج إدراكى، بل ولا أبالغ إذا قلت أيضا بحسب الحالة المزاجية التى يمر بها المتلقى لحظة تماسه مع النص الأدبى، صحيح أن هناك كُتابا يمكن أن يقرأ لهم العامة بحثًا عن المتعة المباشرة أو التسلية والتسرية عن النفس، دون أن يتعارض ذلك مع عمق الفكرة ومهارة الصنعة على نحو أدب كُتابنا الكبار، أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ومحمد عبدالحليم عبدالله وعبدالحميد جودة السحار، بل وحتى يوسف إدريس فى كثير من الأحيان.

لكن هناك كُتابا آخرين، وبخاصة بين الأصوات الأدبية الشابة، مَن لا يعنيهم ذلك القارئ الباحث عن التسلية أو المتعة اللحظية، فهذا المستوى من التلقى المباشر –فى ظنى- ليس هدفا أساسيا لكتابات هؤلاء الذين أصبحوا يتصدرون المشهد الأدبى حاليا. ومن بين هذه الأصوات الأدبية الجديدة الكاتب الشاب أحمد شوقى على، فى كتابه الثالث الصادر حديثا تحت عنوان «معجم المفردات العادية»، وهو منجزه الأدبى الثالث بعد مجموعته القصصية الأولى «القطط أيضا ترسم الصور» عام 2010، ثم روايته «حكايات الحُسن والحزن» سنة 2015، والحائز على جائزة ساويرس عام 2018.

فهذا العمل الأدبى الجديد لأحمد شوقى على «معجم المفردات العادية» لا يستهدف مَن يريد أن يرخى جفونه بحثا عن النوم كل ليلة، أو تلك التى تنتظر دورها عند مصفف الشعر أو طبيب الأسنان، أو ذلك الباحث عن قتل الوقت فى وسائل المواصلات العامة؛ وإنما هو كتاب يحرض على التفكير والتأمل وإعمال العقل والبحث فيما هو وراء المفردة وتداعياتها وارتباطها بالنص، عنوانا ومتنا ومعنى خافيا بين السطور.. كل شيء فى كتاب أحمد شوقى على يبدو لى مختلفا، فهو مثلا يضع لعمله الأدبى وصفًا غير معتاد هو «كتاب قصصى»، ومن ثمَّ فأنت تحار فى التعامل معه على أنه نص روائى أو مجموعة قصصية ذات رابط أشبه بالحلقات المنفصلة المتصلة فى الدراما التليفزيونية، خاصة أنك لا تجد من بين القصص الست عشرة -على نحو ما هو شائع فى المجموعات القصصية– عملا يحمل عنوان «معجم المفردات العادية» الذى اختاره الكاتب عنوانا عاما لكتابه، ويبدو أنه كان يريد أن يترك للقارئ حرية التعامل مع نصه الأدبى الجديد كما يشاء، حتى إن ساعدنا فى فك مفتاح اللغز حين أورد لنا فى صدر كتابه تلك العبارة المفسرة: «الآل: السراب. وآل الرجل: أهله وعياله، وأتباعه وأنصاره.. المعجم الوسيط»، وكأنه يقول لنا إن هذا الكتاب هو عنه وعن الأقربين له ودائرته المحدودة، فمَن شاء أن يفكك النص ويعتبره مواقف مختزلة ومكثفة فى حياته وحياة آله الأقربين، فهذا له، ومَن شاء أن يعيد تركيب تلك المواقف كى ترسم صورة لعالم ذلك البطل الأدبى مذ كان فى الخامسة من عمره فهذا له أيضا، خاصة أنه يعترف أنه لم يكتب تلك المواقف فى تسلسل زمنى، وإنما أعاد ترتيبها على هذا النحو عند تحرير الكتاب وإعداده للنشر.

غير أن أحمد شوقى على أراد أن يقول لنا أيضًا فى عبارته التى تصدرت الكتاب إن مفرداتنا اللغوية حتى لو توحد جذرها وبدت عادية فى استخداماتنا اليومية، فإنها من الممكن أن تحمل أكثر من معنى، أو هى حمالة أوجه على نحو ما دلل به فى مفردة «آل»، وهو استدلال ذكى أوجز به كل ما أراده من وراء منجزه الأدبى الجديد، ومن هنا فإنك مطالب وأنت تحاول فهم نصوص مواقفه الستة عشر فهم أيضا العلاقة بين العنوان والنص، بل وقد يدفعك التحدى أو التحريض كى تقوم من مكانك لتفتح أحد معاجم اللغة؛ بحثا عن حل اللغز، خذ لذلك مثلا: الموقف الثالث الذى وضعه الكاتب تحت عنوان «أطم»، والمفردة تعنى فى المعجم الوسيط الحصن المرتفع، أو أكل قطعة صغيرة من الرغيف، أو عض اليد ندما، أو تطاول على شخص غضبا منه، أو احتباس البول، أو تضييق فم البئر، فأى المعانى تلك كان يقصد أحمد شوقى على فى موقف يحكى فيه عن حالة عتاب متبادل، بعضه تخيلى أو يدخل فى عداد «الفلاش فوروورد» بلغة السينما بين الابن وكل من الأم والأب؛ لأنهما لم يفعلا ما يجب فعله تجاه زوجته النازفة، وبدلا من ذلك يلومانه على ردة فعله، وهكذا فى بقية المواقف أو القصص كما هو الحال فى «البث» ويعنى فى اللغة إما الحزن الشديد وإما النشر والذيوع، أو كما هو الحال فى «الهدهد» أو «حتة» أو «الأعراف»، بل ويصل الأمر إلى تجاوز الكلمة المفردة إلى تراكيب بعينها على نحو ما رأيناه فى قصة «منزل القمر الذى يخسف فيه» أو قصة «مشى ثقيلا فى أرض لينة»، وهكذا.

وأكاد أجزم أن كاتبنا الشاب بعد أن فطن إلى هذا الاكتشاف اللغوى المثير، بات وهو يكتب مستمتعا بهذه اللعبة التى أجاد أصولها، بل وأجزم أيضا أنه كان أحيانا يطوع نصوصه لخدمة العنوان أو ربما يبحث لنصه عن ذلك العنوان الذى يشبع نهم الفكرة التى من أجلها وضع كتابه تحت هذا العنوان الجامع «معجم المفردات العادية»، وهكذا تصبح الكتابة عند أحمد شوقى على لعبة ممتعة وشغفا عظيما، يستحضر من خلاله عقله المستنفر وثقافته اللغوية الواضحة، بالإضافة طبعا إلى سيطرته على أدواته كقاص وحكاء نابه، فلا عجب إذن بعد ذلك كله أن يكتب عملا يحفز على التفكير، ولا يبحث عن مجرد التسلية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة