«عندما يكون أساسك قويا، فاعلم أنك قادر على مواجهة كافة التحديات»، مقولة طبقتها الدولة المصرية، بكل احترافية وجودة، فمنظومة الكهرباء كانت الشغل الشاغل لدولة 30 يونيو، بل أحد أعقد الملفات منذ عقود، ولكن تم النجاح باقتدار، وتصدينا لهذه الصعوبات، فلم يكن عمل قطاع الكهرباء المصرية على مدار 12 عاماً ماضية، أمرا سهلا أو هينا، ولكن - بفضل الله، ثم إرادة سياسية وإدارة حكومية، أعدنا بناء شبكات الكهرباء من جديد، بدون عشوائية، ولم نترك أمرا للمصادفة، بل من خلال استراتيجية واضحة وخطط طموحة واستثمارات مباشرة وغير مباشرة، وكل ذلك تحت مظلة بنية تشريعية تضبط سوق الكهرباء وتنظم عمله وإدارته.
نجاح قطاع الكهرباء المصرية على مستوى المسارات الثلاثة - إنتاجاً وتوزيعاً ونقلاً، ومصادر الطاقات المتجددة وطاقة نووية وربط كهربائى، على مدار أكثر من عقد زمنى مضى، لكن فى قطاع الطاقة، وعلى مستوى العالم أجمع، التحديات لاتزال مستمرة.
أزمة صيف 2024 فى نقص إمدادات الوقود، لم تكن سوى التحدى الأول، واختبار حقيقى لمنظومة الكهرباء المصرية عقب سنوات من الاستقرار، وجنى ثمار العمل على كافة مستويات قطاع الكهرباء، الأمر لم يستغرق الكثير، حيث تم التعامل بجدية مع الأزمة، ودراستها بشكل علمى دقيق، ليتم طرح حلول وبدائل سريعة، ليست مؤقتة، ولكن لتصبح مساراً جديداً يتم انتهاجه مستقبلاً.
حتى تنجح منظومة الكهرباء فى تجاوز أزمة الصيف، وتحول التحدى والأزمة، إلى نجاح وإنجاز جديد، تم عن طريق إعادة ترتيب الأوراق، وخلق أنماط غير معتادة من أجل التغلب على هذه المعوقات.. فكان عام واحد كافياً على تجاوزه، بعد أن جاء الحل فى استكمال مزيج الطاقة، ودفع مزيد من المشروعات؛ على أن تكون فى مجال الطاقات المتجددة على رأس الأولويات.
أما الخطوة التالية، فكانت تشجيع القطاع الخاص والتوسع فى استثمارات الطاقة، لتشمل الألواح الشمسية والرياح والمياه والهيدروجين الأخضر وبطاريات تخزين الطاقة، وتحول المحطات التقليدية إلى دورات مركبة، وخفض استهلاك الوقود.. وتم تحديث استراتيجية الطاقة، التى كانت أبرز الحلول لقطاع الكهرباء، وتحولت أزمة صيف 2024 إلى انفراجة فى 2025.
12 عاماً من العمل والإنجازات والتحديات تعبر عن حدوتة مصرية آمنت بقدرتها على التغيير منذ 2014م، فاستعانت بإدارة كفء وخبرات علمية وقامات عالمية فى مجالات متعددة، واتسمت بقيادات محترفة بدأت بالدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء السابق، والدكتور محمود عصمت الذى تولى الحقيبة الوزارية فى منتصف أزمة صيف 2024، ونجح «شاكر» و«عصمت»، فى العبور بالمنظومة الكهربائية والتصدى للأزمة، لتتحول إلى بشرى جيدة، ليتحقق «أمن الطاقة» لمصرنا الغالية.
تحول جذرى اتبعته منظومة الكهرباء فى سياسات العمل وتحديث استراتيجية الطاقة لمواجهة نقص إمدادات الوقود، وخفض استهلاكاته عبر ثلاثة مسارات، كما قال منصور عبدالغني، المتحدث الرسمى لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، وتحديداً على مستوى إنتاج الطاقة.
المسار الأول: إنشاء محطات توليد بنظام الدورة المركبة بإجمالى قدرات 15900 ميجاوات، منها محطة توليد كهرباء بنها ذات الدورة المركبة بقدرة 750 ميجاوات، ومحطة توليد كهرباء شمال الجيزة ذات الدورة المركبة بقدرة 2250 ميجاوات، بالإضافة إلى محطات سيمنس العملاقة الثلاث، التى تم تنفيذها بالتعاون مع شركة سيمنس وشركائها المحليين فى بنى سويف، البرلس، العاصمة الإدارية الجديدة، وذلك بقدرات 14400 ميجاوات.
المسار الثانى الذى اتبعته منظومة الكهرباء، تمثل فى خفض استهلاك الوقود، لم يتوقف عند الدورات المركبة الجديدة، ولكن تحويل القديمة للدورات المركبة.. فتم تحويل محطات التوليد الغازية للعمل بنظام الدورة المركبة بقدرة 1840 ميجاوات، وهو ما حدث فى محطة غرب أسيوط الغازية التى تم تحويلها للعمل بنظام الدورة المركبة بقدرات 500 ميجاوات، وتحويل توسيع غرب دمياط الغازية للعمل بنظام الدورة المركبة بقدرات 250 ميجاوات.
أما المسار الأخير، فتم عبر إنشاء وتوسيع محطات توليد غازية بقدرة 4236 ميجاوات، ومحطات توليد بخارية بقدرة 5200 ميجاوات، هو المسار الثالث لخفض حجم استهلاكات الوقود، كمحطة توليد كهرباء جنوب حلوان بقدرة 1950 ميجاوات.
مواجهة نقص إمدادات الوقود لم يقتصر على حل أزمة موسم، ولكن كان استراتيجية يتم تطبيقها لتتحول لأسلوب عمل مستمر، ولهذا كان يلزم إيجاد بديل، فكان القرار فى التوسع فى مشروعات الطاقات الجديدة والمتجددة، أو كما علق «منصور» قائلاً: «التوجه نحو إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة والجديدة أصبح أمرا واقعا ليس مجرد تحقيق مزيج ولكن زيادة معدلات القدرات المتولدة من الطاقات النظيفة لعدد من الاعتبارات، أهمها نقص إمدادات الوقود، والثانى وجود مصادر نظيفة للبيئة تُقلل من الانبعاثات الكربونية».
منظومة الكهرباء حتى عام 2024، نجحت فى تحقيق إجمالى قدرات من الطاقات الجديدة والمتجددة بلغت 6597 ميجاوات، تصدرتها القدرات المتولدة من الطاقات المائية بنحو 2832 ميجاوات تليها طاقات الرياح بنحو 1884 ميجاوات، وتأتى فى المرتبة الأخيرة الطاقة الشمسية بنحو 1881 ميجاوات.
وأضاف منصور عبدالغني: «مع بداية أزمة 2024 وحتى الآن تم العمل على تنمية مصادر الطاقة المتجددة بنظام الشراكة مع القطاع الخاص، فتم عمل خطة عاجلة من أجل تقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة، وإدخال قدرات من الطاقة الجديدة والمتجددة «شمسى- رياح»، وبطاريات تخزين الطاقة، والاعتماد على مشروعات الطاقة المتجددة بدرجة أكبر مع مشاركة القطاع الخاص للاستثمار».
خطة الكهرباء العاجلة تبعها تحديث استراتيجية الطاقة، التى تم اعتمادها من مجلس الوزراء، أو كما أوضح المتحدث الإعلامى لوزارة الكهرباء: «فى اجتماع المجلس الأعلى للطاقة خلال شهر أغسطس 2024 تمت مناقشة تحديث استراتيجية الطاقة من أجل زيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة والتخزين ليتم اعتمادها وإقرارها من مجلس الوزراء فى أكتوبر 2024».
تحديث استراتيجية الطاقة قام على ركيزتين أساسيتين، هما التعاقد على مشروعات إنتاج من الطاقات الجديدة والمتجددة ومشروعات بطاريات تخزين الطاقة، بغرض الحد من الاعتماد على الوقود الأحفورى وتقليل الاعتماد على النقد الأجنبى اللازم لشراء الوقود.
ومن المتوقع أن يصل حجم القدرات المتوقع دخولها من الطاقات المتجددة وبطاريات التخزين وضمها إلى الشبكة الكهربائية الكلية فى 2029 إلى 22815 ميجاوات وفقا لاستراتيجية الطاقة الجديدة، منها 14634 ميجاوات لطاقة الرياح و8181 ميجاوات للطاقة الشمسية و3320 ميجاوات لبطاريات التخزين.
وأوضح متحدث الوزارة، أن جميع مشروعات الطاقات الجديدة والمتجددة التى يتم تنفيذها أو جارٍ التعاقد عليها، تتم من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، ففى طاقة الرياح هناك مشروعات بنحو 2450 ميجاوات تحت التنفيذ و10300 ميجاوات جارٍ التعاقد عليها، وفى الطاقة الشمسية 500 ميجاوات لا تزال تحت التنفيذ، و5800 ما بين إجراء التعاقد عليها أو تم التعاقد بالفعل.
الطاقات الجديدة والمتجددة ينضم إليها الهيدروجين الأخضر كأحد عناصر الطاقة النظيفة، وهنا قال منصور عبدالغني: إنه “تم توقيع 26 مذكرة تفاهم معيارية لمشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر مع الشركات العالمية فى مجال إنتاج الهيدروجين، ومصر تصر على أن تكون أحد اللاعبين الرئيسيين فى سوق الهيدروجين الأخضر».
وتابع المتحدث الرسمى لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، قائلاً: «نجحت مصر على هامش مؤتمر المناخ COP27 فى افتتاح أول مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالعالم بقدرة 100 ميجاوات، بشراكة بين (شركة أوراسكوم، سكاتك نرويجية Scatec وشركة فرتيجلوب Fertiglobe بمشاركة صندوق مصر السيادى، كما تم توقيع 12 اتفاقية إطارية لمشروعات إنتاج الهيدروجين، وافتتاح مشروع تطوير وتنفيذ تقنية مزج الهيدروجين بالغاز الطبيعى بمحطة توليد الكهرباء بشرم الشيخ، بالشراكة بين General Electric، وجارٍ التعاون مع شركة سيمنس فى هذا الأمر، وتم توقيع مذكرة تفاهم بين الاتحاد الأوروبى وجمهورية مصر العربية بشأن الشراكة الاستراتيجية فى مجال الهيدروجين الأخضر».
وتستهدف مصر فى عام 2040 أن تكون واحدة من الدول الرائدة عالمياً فى اقتصاد الهيدروجين منخفض الكربون، لاستهداف من 5 إلى 8 فى المائة من السوق العالمية القابلة للتداول.. وأضاف «عبدالغني» قائلاً: «لتحقيق هذا الهدف قامت وزارتا الكهرباء والبترول والثروة المعدنية، بالتعاون مع البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية EBRD بإعداد الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون.. وفى يناير 2024 صدر قانون حوافز الهيدروجين الأخضر، متضمناً حوافز ضريبية وغير ضريبية لتحفيز مستثمرى الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وكذلك سلاسل القيمة المتعلقة بهذه المشروعات.. وفى فبراير فى العام ذاته، وافق المجلس الأعلى للطاقة على الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون، التى تعد وثيقة وطنية تعكس اهتمام مصر بالدخول بقوة فى هذا المجال».
ففى محطات المحولات على جهد 500 كيلوفولت، تمت إضافة 38,375 ميجا فولت أمبير، بزيادة 390 فى المائة على 2014، وعلى جهد 220 كيلوفولت تمت إضافة 41,072 ميجا فولت أمبير بزيادة 102 فى المائة، وفى محطات محولات على جهد 66 كيلوفولت بزيادة 26,649 ميجا فولت بزيادة 60 فى المائة.
وفى خطوط الربط على جهد 500 كيلوفولت تمت إضافة أطوال 5610 بزيادة 182 فى المائة، وعلى جهد 220 كيلوفولت تمت إضافة أطوال 5402 كم بزيادة 31 فى المائة، وعلى جهد 66 كيلوفولت تمت إضافة أطوال 2632 بزيادة 14 فى المائة.
أما على مستوى مراكز التحكم، فتم تطوير وإنشاء 7 مراكز للتحكم، مركزين للتحكم الإقليمى بصعيد مصر بمدن سمالوط ونجع حمادي، و4 مراكز تحكم إقليمية أخرى بالقاهرة والدلتا والإسكندرية والقناة، بجانب مركز التحكم القومى فى الكهرباء بالعاصمة الإدارية الجديدة.
ولفت متحدث وزارة الكهرباء، إلى مقدار الزيادة فى جهود محطات المحولات أو فى خطوط الربط وعدد مراكز التحكم التى تم تطويرها أو تحسينها لتصل إلى 7 مراكز للتحكم؛ ويكشف عن حجم التطوير والتحسين الذى شهدته شبكة النقل الكهربائية حيث ارتفعت لمعدلات غير مسبوقة قبل 2014، بما يضمن ضمان تحسين جودة واستمرارية التغذية الكهربائية والتشغيل الآمن والاقتصادى للشبكة.
واستكمل قائلاً: إن التطوير فى شبكة النقل من أجل تغطية كافة الأحمال الكهربائية المطلوبة للمشروعات التنموية على مستوى الجمهورية، وخاصة فى مدن الصعيد والمحافظات الحدودية؛ فالطاقة الكهربائية بها، من العناصر الحاسمة فى مشروعات استصلاح الأراضى لزيادة الرقعة الزراعية وتنمية الثروة الحيوانية والسمكية ومشروعات الإسكان والتنمية العمرانية والاقتصادية والاجتماعية.
مشروعات الربط المصرية متعددة، منها الذى لا يزال فى مرحلة التنفيذ، كالربط السودانى، الذى انتهت المرحلة الأولى منه بقدرة 80 ميجاوات، ويتم استكمال المرحلة الثانية بنحو 300 ميجاوات، ويمكن أن تُرفع القدرة المنقولة إلى الجانب السودانى فى حال الرغبة حتى 2000 ميجاوات بمزيد من الاستثمارات فى خط الربط.
وهناك الربط المصرى السعودى لتبادل 3000 ميجاوات ولكنه لايزال تحت التنفيذ، فالمشروع يتكون من ثلاث محطات تحويل جهد فائق - بدر، المدينة المنورة، تبوك - خطوط هوائية جهد 50 ك.ف تصل أطوالها إلى نحو 1350 كم وكابلات بحرية جهد 500 ك.ف بطول 22 كم.
وعن مشروع الربط المصرى السعودى، قال منصور عبدالغني: «تتم المتابعة المستمرة لمشروع الربط المصرى - السعودى لتذليل كافة العقبات لقيام المقاول باستلام بعض المسارات المستعصية، خاصة أبراج عبور القناة، حيث تم التواصل مع الجهات المعنية - هيئة قناة السويس وشركة أنابيب البترول وشركة جاسكو ووزارة الطيران المدني، وهو الأمر الذى انعكس بشكل واضح فى زيادة معدلات التنفيذ، لتصل إلى 55.5 فى المائة، لإنهاء المشروع فى الموعد المحدد».
على مستوى القارة الأوروبية، هناك عدد من المشاريع للربط الكهربائى، منها الربط المصرى - اليوناني، فتم عقد عدد من اللقاءات على المستويين الوزارى والفنى لتذليل كافة الصعوبات، حيث تم إدراج المشروع فى قائمة المشروعات ذات الاهتمام المشترك PCI للاتحاد الأوروبي، والآن جارٍ العمل للبدء الفوري، وذلك عن طريق التعاقد مع استشارى عالمى لإجراء الدراسات الخاصة بالمشروع.
أما الربط المصرى الإيطالي، وعلق منصور عبدالغني، قائلاً: «جارٍ التعاون مع الجانب الإيطالى لدراسة مقترح الربط الكهربائى معهم.. وفى أكتوبر 2023 تمت مخاطبة وزارة الخارجية لمخاطبة روما بمذكرة تفاهم مقترحة بين مصر وإيطاليا فى مجال الربط الكهربائي، وذلك فى إطار حكومى G2G بهدف الوصول للصيغة النهائية من قبل الجانبين، ومن ثم البدء فى اتخاذ الإجراءات للحصول على الموافقات اللازمة تمهيدًا لتوقيعها بين القاهرة وروما».
وتابع: «تتم الاستفادة من مشروعات الربط الحالية مع كل من الأردن وليبيا، ويجرى حالياً إجراء الدراسات اللازمة لتدعيم ورفع جهد الربط الكهربائى القائمة بين كلتا الدولتين».
وأخيراً نأتى إلى ملف الطاقة النووية، الذى يعد من أهم المشروعات التى تولى منظومة الكهرباء المصرية اهتماماً كبيراً لها، وتتم متابعة خطوات التنفيذ الفعلية لها بشكل دوري.. واستكمل المتحدث الرسمى لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، قوله: «تتم متابعة كافة أنشطة المشروع النووى بالضبعة للتأكد من تنفيذ البرنامج الزمنى والالتزام بتشغيل الوحدة الأولى تجارياً فى سبتمبر 2028م، وتشغيل الوحدات الأربع للمحطة النووية بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات، لتبلغ مساهمة الطاقة النووية بنسبة 13 فى المائة من إجمالى الطاقة الكهربائية المولدة فى خطة العام 2029/2030 المقبل».

