رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عدلى منصور.. المستشار الحكيم


4-7-2025 | 17:41

المستشار عدلى منصور

طباعة
تقرير: أشرف التعلبى

فى لحظة فارقة واستثنائية من تاريخ مصر، لمع اسم المستشار عدلى منصور، ليصبح قائدا للمرحلة الانتقالية التى أعقبت ثورة 30 يونيو 2013، ولم يكن ظهوره فى المشهد مجرد اختيار دستورى، بل بدا كأنه اختيار قدرى لرجل تحلّى بثبات القاضى وسمت رجل الدولة، ليتولى المسئولية فى زمن بالغ الدقة والخطورة، وسط مؤامرات داخلية وتحديات خارجية كانت تهدد وحدة الوطن وتنذر بانزلاقه نحو حرب أهلية.

 

وُلد المستشار عدلى منصور فى 23 ديسمبر عام 1945 لأسرة مصرية تنتمى إلى الريف والصعيد؛ فوالده من أبناء محافظة المنوفية، ووالدته من محافظة بنى سويف، ونشأ فى كنف والده، العالم الأزهرى «الشيخ محمود منصور»، الذى كان يعمل بوزارة الأوقاف، قبل أن يرحل عن الدنيا وابنه لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، إلا أن رحيله لم يخلف فراغا فحسب، بل ترك أثرا عميقا، أبرز ما فيه حب اللغة العربية، الذى لاحظه معلموه مبكرا فى مدرسة الحلمية الإعدادية.

تابع دراسته حتى أنهى المرحلة الثانوية، ثم اختار طريق القانون، فالتحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1967، وهو عام الهزيمة القاسية التى هزت وجدان كل المصريين.. ولم تغادر صورة ذلك العام ذاكرته، كما لم تفارقه الأحداث الكبرى التى شكلت وعيه الوطني، من زمن الملكية، مرورا بثورة 23 يوليو، والعدوان الثلاثي، وهزيمة يونيو، ونصر أكتوبر المجيد.. تلك التواريخ لم تكن فقط خلفية معرفية لقاضٍ كبير، بل ساهمت فى تشكيل حكمة رجل الدولة الذى ظهر فى لحظة فارقة من تاريخ مصر.

بعد حصوله على دبلوم الدراسات العُليا فى القانون العام من جامعة القاهرة عام 1969، ثم دبلوم العلوم الإدارية فى العام التالي، بدأ المستشار عدلى منصور مسيرته القضائية بالتعيين مندوبا مساعدا فى مجلس الدولة.

وفى عام 1973، انتدب للعمل مستشارا قانونيًا للهيئة العامة لصندوق تمويل مبانى وزارة الخارجية، ثم واصل مسيرته فى مفاصل الدولة، فعمل مستشارا بالأمانة العامة لمجلس الوزراء عام 1982، قبل أن يرقى إلى درجة مستشار بمجلس الدولة عام 1984.

استمر صعوده القضائى فعُيِّن وكيلا بمجلس الدولة عام 1990، ثم نائبًا لرئيس المجلس فى عام 1992، حتى جاء اليوم المفصلى فى 19 مايو 2013، حين وافقت الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العُليا على تعيينه رئيسا للمحكمة خلفا للمستشار ماهر البحيري، وهو المنصب الذى لم يلبث أن قاده إلى مسئولية وطنية كبرى فى واحدة من أكثر اللحظات حساسية فى تاريخ البلاد.

فى أعقاب عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، ووفقا لخارطة الطريق التى توافقت عليها القوى الوطنية، تولى المستشار عدلى منصور منصب رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة، باعتباره رئيسا للمحكمة الدستورية العُليا، جاء ذلك بعد البيان التاريخى الذى ألقاه الفريق أول عبدالفتاح السيسى –وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك– مساء الأربعاء 3 يوليو 2013، والذى تضمن تعطيل العمل بالدستور مؤقتا، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بإدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية.

ورغم أن المستشار عدلى منصور لم يكن يوما فاعلا فى العمل السياسي، فإنه خاض هذه التجربة الاستثنائية بروح القاضى الرصين، الذى يحتكم إلى الدستور والقانون، فكان حضوره هادئا، وقراراته متزنة، وإدارته للدولة محل احترام من الجميع، فى مرحلة كانت تنذر بالانقسام والفوضى، لولا حسن تقديره.

وكانت فترة حكمه القصيرة مليئة بقرارات مصيرية وضعت أسس المرحلة الانتقالية، من أبرزها إصدار إعلان دستورى تضمن حل مجلس الشورى، وتشكيل «لجنة الخمسين» لتعديل دستور 2012، فى تمهيد لصياغة دستور جديد، وبالفعل تم الاستفتاء عليه فى بداية 2014.

بالإضافة إلى إصدار قانون تنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، المعروف بـ«قانون التظاهر» فى نوفمبر 2013، وتشكيل لجنة قومية لتقصى الحقائق حول أحداث 30 يونيو، وما تلاها فى ديسمبر 2013.

وأيضا إصدار قانون فى يناير 2014 ينظم الانتخابات الرئاسية، ويُحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات من الطعن، وفى فبراير 2014، أصدر قرارا بإنشاء «مجلس الأمن القومي»، برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية شخصيات تنفيذية وتشريعية وأمنية بارزة، ثم أصدر فى مايو 2014 قرارا بتحديد مرتب ومخصصات رئيس الجمهورية ليبلغ إجماليه 42 ألف جنيه شهريا.

وبتلك القرارات، أرسى المستشار عدلى منصور دعائم الدولة الحديثة فى أعقاب أزمة سياسية عاصفة، ومهّد الطريق نحو استعادة مؤسسات الدولة وتوازن السلطات، دون أن يتخلى لحظة عن وقاره القضائى وروحه المستقلة.

وفى 8 يونيو 2014، أسدل الستار على مهمته الوطنية الرفيعة، بتسليمه السلطة إلى الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسى، عقب فوزه فى الانتخابات الرئاسية، وكان أول قرار له بعد توليه المنصب منح الرئيس السيسى، المستشار عدلى منصور «قلادة النيل العظمى»، أرفع وسام فى الدولة المصرية؛ تقديرا لدوره الوطنى ومسئوليته التاريخية.

وقد عبر الرئيس السيسى عن هذا التقدير للمستشار عدلى منصور بقوله: «شخصية مصرية وطنية، تحملت مسئولية مصر فى مرحلة صعبة من تاريخها... وهذا محل احترام وتقدير من كل المصريين ومنى أنا شخصيا».

وعن فترة حكمه، قالت «المصوّر» فى افتتاحية عددها الصادر 28 مايو 2014: إن المستشار عدلى منصور مارس السياسة بروح القاضى العظيم، تحلى بالعدل والموضوعية فى نظر القضية، قضية الوطن، ولولا عدله وموضوعيته لتحللت الدولة المصرية وانهارت تركيبتها الفريدة الصامدة منذ عصور الفراعنة، وكان لصمته أبلغ الأثر فى النفوس بعد سنة قضى فيها المصريون ساعات طويلة يتابعون خطب المعزول الخاوية من المضمون.. وسيقف المؤرخون طويلا أمام عدلى منصور الذى قاد مصر نحو تحولها الديمقراطى الكبير.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة