هذه التأكيدات، التى أشار إليها رئيس الوزراء قد بدأ الإعداد لها منذ نحو ستة أشهر، وليس لها علاقة بتداعيات الحرب بين إيران وإسرائيل، ولكن كان الهدف منها وفقا لتحركات الحكومة ألا تحدث أزمات فى الكهرباء خلال هذا الصيف كهدف قريب، ولكن الهدف الأكبر هو توفير الغاز المسال المستورد خلال خمس سنوات كفترة انتقالية، حتى يعود الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى إلى معدلاته الطبيعية.
وكما وضح من تصريحات رئيس الوزراء أننا إزاء فترة انتقالية لن تتجاوز خمس سنوات، يزيد خلالها الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى، ويتوقف استيراد الغاز الطبيعى المسال، وينتهى دور مراكب التغييز الثلاثة.
وفيما أكد رئيس الوزراء على الانتظام فى سداد مستحقات الشركاء الأجانب، وتقديم مجموعة من الحوافز لكى يزيد الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى، وتحقيق اكتشافات جديدة، إلا أنه اعترف أن توقف سداد مستحقات الشركاء من قبل هو سبب انخفاض الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى لتوقف الشركاء الأجانب عن ضخ استثمارات وتحقيق اكتشافات جديدة.
وبينما ضرب رئيس الوزراء مثالا بذلك فى حقل «ظهر» الذى تناقص إنتاجه بمعدلات كبيرة إلى عدم سداد مستحقات شركة «إيني» الإيطالية، فإن الدرس المستفاد الذى تدركه الحكومة جيدًا هو ضرورة الانتظام فى سداد مستحقات الشركاء الأجانب، مهما كانت تداعيات الأزمة الاقتصادية.
لكن لا خلاف على أن زيارة رئيس الوزراء لمتابعة تشغيل مراكب التغييز الثلاثة قد حملت رسائل إيجابية بخصوص توفير كامل الوقود لمحطات الكهرباء وللمصانع، لكن الأهم أنها كشفت عن ملحمة وطنية، قام بها قطاع البترول فى إعداد المواقع لمراكب التغييز الثلاثة وربطها بالشبكة القومية للغازات الطبيعية.
وبالفعل، هى ملحمة وطنية تمت فى زمن قياسى، عودنا عليها رجال قطاع البترول لكى ينتظم ضخ الغاز الطبيعى، أيًّا كانت مصادره إلى محطات الكهرباء والمصانع دون تعثر، والحاجة إلى تخفيف الأحمال فى الكهرباء.
وقد كشفت زيارة رئيس الوزراء، أن مراكب التغييز الثلاثة وفقا لشحنات الغاز المسال التى يتم استيرادها، سوف تضخ نحو 2.3 مليار قدم مكعب فى اليوم، وهذا الرقم يعنى ضرورة توفير نحو ما يقرب من 5.2 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعى من مصادر محلية.
ولما كان الإنتاج المحلى الآن من الغاز الطبيعى يصل إلى أقل من 4 مليارات قدم مكعب يوميا، ومع توقف واردات الغاز الطبيعى من إسرائيل التى تصل إلى حوالى مليار قدم مكعب يوميا، فلن يكون متاحا سوى المتوفر من الإنتاج المحلى، وهو أقل من 4 مليارات قدم مكعب يوميا.
ووفقا لخطة الطوارئ، فإنه سوف يتم تعويض واردات الغاز الإسرائيلى التى توقفت والزيادات فى استهلاك الكهرباء بكميات من المازوت الذى يتم استيراده وكميات محدودة من السولار لتشغيل محطات الكهرباء.
وعلى هذا، فإن هذا الصيف، وفقا لتأكيدات رئيس الوزراء، لن يشهد تخفيفًا فى الأحمال، ولكن سوف يشهد زيادة فى الأعباء الدولارية اللازمة لاستيراد الغاز الطبيعى المسال، وكميات كبيرة من المازوت والسولار، بقيمة تصل إلى حوالى مليارى دولار شهريا، بخلاف قيمة واردات الغاز الإسرائيلى التى توقفت مؤقتا، التى تصل قيمتها كل ثلاثة أشهر نحو 800 مليون دولار.
وهنا لا بدّ من وقفة وحرص على عدم تخفيف الأحمال فى الكهرباء، لكن نسأل: وكيف ستتم مواجهة هذه الأعباء الدولارية الضخمة بخلاف سداد مستحقات الشركاء الأجانب؟، هذه الوقفة التى تجعلنا نسأل رئيس الوزراء، وهو يطمئن المصريين على عدم تخفيف الأحمال، لماذا لم يتطرق إلى أى حديث عن برامج أو خطط لترشيد استهلاك الكهرباء، كما أنه لم يتطرق بأية إشارة عن برامج إنتاج الكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة، خلال السنوات الخمس القادمة، حتى يعود الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى إلى معدلات الطبيعية التى لم يذكرها رئيس الوزراء بالأرقام، التى لا يقترب منها المهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية.
هل هذه المعدلات الطبيعية فى إنتاج الغاز الطبيعى هى العودة إلى إنتاج ما بين 6 و7 مليارات قدم مكعب من الغاز الطبيعى يوميا، والإنتاج الحالى يقل عن 4 مليارات قدم مكعب يوميًا.
لا ننكر أن هناك احتمالات كبيرة لتحقيق اكتشافات كبيرة من الغاز الطبيعى فى شرق وغرب البحر المتوسط وفى الصحراء الغربية، لكن ما هو الوقت اللازم لتحقيق ذلك وفقا لأبجديات الصناعة البترولية؟
وهل يمكن تحقيق ذلك وهناك تناقص طبيعى فى الإنتاج وفقا لما يحدث فى كل أنحاء العالم؟
الإجابة عن ذلك تحتاج إلى المزيد من الشفافية، خاصة من جانب الشركاء الأجانب، ومدى تفاعلهم مع الحوافز التى قدمها المهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية.
وأيًّا كانت التساؤلات فهى مشروعة؛ حتى لا تتكرر الظروف التى أدت إلى توقف الشركاء الأجانب عن ضخ استثمارات جديدة، وبالتالى حدوث تناقص كبير فى الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعي.
ليس هذا فقط، لا بد أن تكون هناك رؤى واضحة حول وفرة الطاقة لجذب المزيد من الاستثمارات فى الصناعة والزراعة.
وهنا، أثمن تأكيدات رئيس الوزراء أن استيراد الغاز المسال يصب بشكل أساسى فى توفير الغاز الطبيعى للمصانع، ولا سيما أن ما حدث من عدم توفير الغاز الطبيعى لبعض المصانع عقب وقف واردات الغاز الإسرائيلي، بل ومن قبلها -كان يتم وقف توفير الغاز الطبيعى للمصانع عند كل مأزق.
لذلك، فإن هناك تحذيرات من تكرار وقف ضخ الغاز الطبيعى للمصانع لأى سبب من الأسباب، ليس لما سيؤديه من خفض الإنتاج، ولكن لما له من رسائل سلبية بأنه لا توجد وفرة فى الطاقة لجذب الاستثمار فى الصناعة والزراعة.
وهنا نعود إلى قضية عدم كتابة الإجراءات الحكومية لترشيد استهلاك الكهرباء حتى الآن، جيدًا عن تخفيف الأحمال.
ولقد قرأت عن إجراءات تقليدية لم يتخذ مجلس الوزراء أى قرارات بشأنها حتى الآن.
مثلا، هناك مَن يتحدث عن إغلاق المحال التجارية والمولات فى العاشرة مساء، وها هو شهر يونيو الذى يعد من ذروة أشهر الاستهلاك، ولم تُتخذ أى إجراءات جادة حتى الآن.
وهناك مَن يتساءل: لماذا لا تغلق المحال فى العاشرة مساء أو حتى فى الحادية عشرة مساء، ليستمر السهر الاستهلاكى حتى ساعات متأخرة فى الكافيهات والمطاعم، بينما يتم استسهال وقف ضخ الغاز الطبيعى أو الكهرباء للمصانع ويتم وقف بعضها؟
هل وصل الأمر إلى ذلك بزعم أن هذا يؤثر على أبواب الرزق لدى الكثير من العاملين فى هذه المحال التجارية؟
لكن إذا كانت عوامل القوة القهرية التى تحيط بنا الآن هى التى تحتم إغلاق المحال التجارية والمولات فى الساعة الحادية عشرة مساء كحد أقصى، وهذا لن يؤدى إلى تسريح أى من العاملين بها.
كما قرأت عن ضرورة إغلاق المبانى الحكومية فى الساعة السابعة مساء، وهذا ما يدعو إلى السخرية، وهل تعمل المبانى الحكومية بعد الساعة الرابعة مساء ويستمر تشغيل أجهزة التكييف والإضاءات غير المبررة؟
فى حين أن معظم المبانى الحكومية تقع فى العاصمة الإدارية الآن، وبالتالى يمكن السيطرة على مواعيد إغلاقها.
وكان الأفضل أن يتم منح كافة الأجهزة الحكومية يوم إجازة إضافيًّا، وهذا يؤدى إلى توفير الكثير من الكهرباء.
كما أن من بين إجراءات ترشيد الاستهلاك إطفاء جميع إعلانات الطرق ليلا.
وهنا لا بدّ أن يعلم من يفكر فى ذلك أن معظم إعلانات الطرق تعتمد فى إناراتها على مولدات خاصة تعمل بالديزل والسولار لكل «يونى بول»، بعيدا عن الارتباط بالشبكة القومية للكهرباء.
ومن بين الإجراءات أيضًا تخفيض الإنارة العامة بنسبة 30 فى المائة، فى حين المفروض أن تصل إلى 50 فى المائة، أو تكون الإنارة العامة بالطاقة الشمسية.
والمثير أنه ليس من بين هذه الإجراءات وقف إنارة الأسوار العامة لكل المنشآت والمؤسسات الحكومية فى مختلف أنحاء الجمهورية، وكذلك أسوار المصانع والجامعات وغيرها خلال فترات ذروة الاستهلاك.
تلك بعض الإجراءات التى لو حدثت لترشيد استهلاك الكهرباء خاصة فى أحياء الأغنياء والقادرين لأدت إلى توفير المليارات، وتوفير كميات كبيرة من واردات الغاز الطبيعى، سواء كان مسالا أو من إسرائيل.
هذه الإجراءات لترشيد الاستهلاك لا مفر منها بدلا من استسهال استيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعى المسال، سواء كان الدفع بالكاش أو بالأجل.

