رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

معادلة الاستقرار فى المنطقة


26-6-2025 | 23:20

.

طباعة
بقلـم: د. غادة جابر

قدر منطقة الشرق الأوسط أن أزماتها لا تُعتبر مجرد أحداث عابرة، بل هى امتدادات لصراعات تاريخية تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية، ومن أبرز هذه الصراعات، المواجهة التى حدثت بين إيران وإسرائيل، وعلى مدار سنوات سابقة كانت التشابكات بين الطرفين خاطفة لحفظ ماء الوجه وحفاظًا على استمرارية تواجدها فى الإقليم كقوة كل منها تستطيع ردع الأخرى، والتى اتخذت فى هذا العام منحنًى خطيرًا بدخول الولايات المتحدة بشكل مباشر،مع استهداف منشآت نووية، وتهديدات مباشرة بإغلاق مضيق هرمز، وهو أحد أهم الشرايين الحيوية فى العالم للطاقة، ومسارات التجارة وارتباطه بالمضايق المرتبطة بالبحر الأحمر، وفى قلب هذه المعادلة المعقدة، تلعب مصر دورًا محوريًا فى الحفاظ على أمن البحر الأحمر، كامتداد استراتيجى للصراع.

استمرارًا لدور مصر الفاعل فى معادلة الاستقرار فى الإقليم، وحفظ أمن البحر الأحمر الذى يُعد الامتداد الغربى لمضيق هرمز وباب المندب، وتحكم مصر فى المدخل الجنوبى لقناة السويس التى هى من أهم الممرات الملاحية العالمية، وقد اتخذت مصر خطوات جادة لحماية هذا الامتداد الاستراتيجي، منها إنشاء وتحديث قاعدة «برنيس» العسكرية على البحر الأحمر، تعتبر مصر أمن البحر الأحمر جزءًا من أمنها القومى المباشر، وتسعى للعب دور الوسيط من أجل السلم والأمن الإقليمى، دون التفريط فى الردع العسكرى.

يعود الصراع الإيرانى - الإسرائيلى إلى عقود طويلة، وتحديدًا منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، حيث تبنت إيران خطابًا صريحًا ضد الكيان الإسرائيلى المُحتل، وأعلنت دعمها لحركات المقاومة مثل حزب الله وحماس، وفى المقابل ترى إسرائيل فى طموحات إيران النووية والعسكرية تهديدًا وجوديًا، يستوجب التعامل معه بسياسة «الردع الاستباقي»، رغم إعلان إيران بأن تخصيب اليورانيوم من أجل الحصول على السلاح النووى السلمى كقوة وسيادة لها الحق فى تأمين أرضها مع الالتزام باتفاقية حظر الانتشار النووى.

وعلى مدار السنوات الماضية، انخرط الطرفان فى حرب ظل شملت اغتيالات لعلماء نوويين وضربات سيبرانية، وغارات جوية فى سوريا والعراق لكن الصراع احتدم لحدة الحرب، والتصعيد العلنى والمفتوح، فكان هجوم إسرائيل على منشأة نطنز النووية الإيرانية فى عملية هجومية مزدوجة شملت هجومًا إلكترونيًا وتفجيرًا داخليًا وسط إيران على منشأة تعد من أهم مواقع تخصيب اليورانيوم.

وفى ترقب حذر حول رد فعل طهران الذى كان غاضبًا ومباشرًا فقد تعهد المسؤولون الإيرانيون بالرد الحاسم، واعتبروا الهجوم تجاوزًا للخطوط الحمراء، وتزامنًا مع ذلك بدأت إيران بتكثيف ضرباتها الجوية والصاروخية بالمسيرات والصواريخ الباليستية التى وصلت إلى قلب إسرائيل وخلّفت دمارًا واضحًا فى منشآتها الحيوية، والفزع الذى نال المستوطنين فى الأراضى المحتلة وعددًا من الإصابات والقتلى، وكأن إيران ردت على ترقب العالم بأنها تستطيع مواجهة إسرائيل ولكن مع رشادة الرد، فلو على إسرائيل لسحقت من مقاومة شعبية أو حركة جهادية، لكن دعم أمريكا المطلق هو الذى يعطل القوى فى التخلُص من هذا الكيان المصطنع المجرم.

ومن ثم طلبت إسرائيل من أمريكا بالتدخل المعلن والقوى بهجمات ضد إيران، وبعد تمهل الولايات المتحدة فى اتخاذ تلك الخطوة التى من شأنها تأجيج الصراع ولا سيما أخذ المنطقة بأكملها للهاوية بما فيها إسرائيل، شنت بالفعل الولايات المتحدة بعد عشرة أيام من الحرب بين إيران وإسرائيل ضربات للمنشآت النووية الإيرانية الثلاث فى منتصف «ليل الأحد» والذى أعلن عن هذه الهجمة الرئيس دونالد ترامب عبر منصة «تروث سوشيال» حيث قال: «موقع فورود النووى انتهى، لقد أكملنا هجومنا الناجح للغاية على المواقع النووية الثلاثة فى إيران، بما فى ذلك فوردو ونطنز وأصفهان».

رغم تهديدات إيران بغلق مضيق هرمز تمت ضربت الولايات المتحدة متحدية النظام الإيرانى وتهديداته رغم أهمية هذا المضيق الدولية للمصالح الاقتصادية، وفى هذا السياق تأتى السيناريوهات المستقبلية لهذا الصراع الأعمى فى ثلاثة محاور وهى: احتواء دبلوماسى يتم عبر وساطة قوى كبرى مثل الصين أو روسيا لإعادة ضبط إيقاع التوتر أو مواجهة محدودة وضربات جوية متبادلة دون حرب شاملة مع تجنب غلق المضيق، إما حرب إقليمية موسعة تشمل إسرائيل وإيران ووكلاء الطرفين فى لبنان وغزة واليمن مع تدخل أمريكى، وغلق مؤقت لمضيقى هرمز وباب المندب.

ما يحدث اليوم بين إيران وإسرائيل ليس مجرد جولة جديدة من التصعيد، بل هو اختبار حقيقى لاستقرار الإقليم كله، وإذا لم تتخذ الأمور المسار التفاوضى والسلمى فقد نكون أمام أزمة طاقة عالمية وحرب إقليمية لا تُحمد عقباها، والرهان فى هذه الحرب على دور القوى الدولية الذى سيحدد إن كانت هذه الأزمة ستنتهى بتفاهمات سياسية أم بانفجار عسكرى سيكون له تبعات تتجاوز الشرق الأوسط وتمتد إلى أمن العالم بأسره.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة