«صكوك الأضاحى»، التى تطلقها مؤسسات حكومية كوزارة الأوقاف، والأزهر الشريف، وهيئات أهلية كبرى كجمعية الأورمان وبنك الطعام، أصبحت فى السنوات الأخيرة ملاذًا آمنًا للراغبين فى نيل الثواب دون الدخول فى مشقة الشراء والذبح والتوزيع، وهى مبادرة تتيح للمتبرع أن يدفع مبلغًا ثابتًا مقابل أن تقوم الجهة المختصة بشراء وذبح وتوزيع الأضحية وفقًا للضوابط الشرعية والاشتراطات الصحية.
كما تسهم هذه الصكوك فى تحقيق التوازن المجتمعي، بتوجيه اللحوم لمستحقيها فى صورة تليق بكرامتهم، فضلًا عن دعمها لفكرة «التكافل» التى يحتاجها المجتمع الآن أكثر من أى وقت مضى، وقد تحولت «صكوك الأضاحي» فى السنوات الأخيرة، من مجرد فكرة بديلة للذبح الفردي، إلى منظومة متكاملة تنفذها جهات رسمية وخيرية بدقة عالية، و«الصك هو توكيل من المضحى إلى جهة موثوقة مثل وزارة الأوقاف أو الأزهر أو الجمعيات لتتولى نيابةً عنه شراء الأضحية وذبحها وتوزيع لحومها على المستحقين»، وتقوم هذه الجهات بالتعاقد مع مجازر معتمدة، وتختار رؤوس ماشية مطابقة للشروط الشرعية والصحية، ثم تُذبح فى الوقت المحدد شرعًا خلال أيام العيد، وتُوزع اللحوم على الأسر الأكثر احتياجًا فى جميع المحافظات. ويحصل المتبرع على إيصال رسمى بقيمة الصك، وتلتزم الجهة المنفذة بتوثيق عملية الذبح والتوزيع.
وتتنوع أسعار الصكوك حسب نوع الأضحية (عجل ،خروف، جاموس) وجهة التنفيذ، لكنها تظل أقل تكلفة بكثير من الذبح الفردي، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لمن يريد أداء الشعيرة دون مشقة مادية أو لوجستية. كما أنها تضمن عدالة التوزيع وكرامة المستفيد، بعيدًا عن مشاهد الذبح العشوائى أو الإهدار أو الفوضى.
وتشهد هذه الصكوك إقبالًا متزايدًا عامًا بعد عام، خاصة من سكان المدن والمغتربين، ومن يفضلون الاطمئنان إلى أن أضحيتهم تُنفذ وفقًا للضوابط الشرعية، وتصل إلى مستحقيها فى عبوات نظيفة وطرق تحفظ كرامة المحتاج.
وفى هذا السياق، قال مسئول بجمعية الأورمان: رغم ما يشهده السوق من ارتفاعات جنونية فى أسعار اللحوم ورؤوس الماشية، إلا أن مشروع صكوك الأضاحى لا يزال يشهد إقبالًا ملحوظًا من المواطنين عامًا بعد الآخر، فى مشهد يعكس ثقة الناس فى هذا النظام، ووعيهم بقيمته الاقتصادية والاجتماعية والدينية. حيث يتراوح سعر الكيلو من 300 إلى 450جنيها مما جعل البعض يفضلون الاشتراك فى صكوك الأضحية بدلا من شرائها لفرق السعر الكبير.
وخلال العام الماضى فقط، أعلنت وزارة الأوقاف عن توزيع ما يزيد على 2000 طن من لحوم الأضاحى على الأسر الأولى بالرعاية، بتمويل مباشر من مشروع الصكوك. ونجحت الوزارة فى توصيل اللحوم إلى آلاف القرى والمناطق الأكثر فقرًا فى جميع المحافظات، بالتعاون مع وزارتى التضامن والتنمية المحلية.
وبحسب بيانات رسمية، فإن عدد المشاركين فى مشروع صكوك الأضاحى التابع لوزارة الأوقاف وحده تجاوز مليون مضحٍّ خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو رقم يكشف مدى الانتشار المجتمعى لهذه الفكرة. كما أن المؤسسات الأهلية الكبرى، مثل جمعية الأورمان وبنك الطعام المصري، نفذت آلاف الصكوك فى نفس الفترة، مستفيدة من تبرعات الأفراد والشركات.
وتُظهر الإحصائيات أن أسعار الصكوك التى تتراوح ما بين 6 آلاف إلى 10 آلاف جنيه حسب نوع الأضحية، ما زالت فى متناول فئات واسعة مقارنة بالذبح الفردي، الذى تصل تكلفته إلى أضعاف هذا الرقم، مما يدفع الكثيرين إلى اختيار الصك كخيار اقتصادى مضمون. ورغم الغلاء، تشير التقديرات الأولية إلى أن موسم 2025 قد يشهد رقمًا قياسيًا جديدًا فى عدد الصكوك المنفذة، خاصة مع التوسع فى الشراكات بين الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية، واستخدام التكنولوجيا فى التبرع والحجز عبر الإنترنت.
وأرجع محمود العسقلانى رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» إقبال كثير من المصريين على شراء صكوك الأضحية من الجمعيات الخيرية، إلى ضعف القدرة الشرائية لدى بعض المواطنين، وقال: أسعار الأضاحى مرتفعة بسبب الغلاء، ما دعا كثيراً من المصريين، كانوا يضحون فى الأعوام الماضية إلى التوقف عن الأضحية هذا العيد، واستبدل بعضهم الأضحية بالصكوك، لافتاً إلى أن كثيراً من المواطنين اتبعوا سلوك ترشيد الاستهلاك فى سلع كثيرة فى ظل الأوضاع الاقتصادية.
«العسقلانى»، أضاف: مع القفزات المتتالية فى أسعار اللحوم ورؤوس الماشية، لم يعد ذبح الأضحية بشكل فردى خيارًا متاحًا للجميع، بل تحوّل إلى عبء مالى ثقيل على الكثير من الأسر، خاصة فى المدن والمناطق الحضرية، وبرزت صكوك الأضاحى كبديل اقتصادى أكثر جدوى، لا يحقق فقط المقصد الشرعي، بل يوفر المال والجهد فى آنٍ واحد. فعلى سبيل المثال، تتراوح تكلفة شراء عجل متوسط الحجم فى السوق المحلى هذا العام ما بين 55 ألفا إلى 70 ألف جنيه، بينما لا تتجاوز تكلفة صك العجل الكامل فى بعض الجهات من 9 آلاف إلى 10 آلاف جنيه، أى بفارق قد يصل إلى 80 فى المائة، وهو فارق ضخم يجعل الصك خيارًا أكثر منطقية للغالبية.
وتابع: بخلاف السعر، هناك اعتبارات أخرى تميل بكفة الصك، أبرزها أن التكلفة الإجمالية تشمل الذبح والتجهيز والتغليف والتوزيع، دون الحاجة لأى مجهود من المضحي. كما أن الذبح يتم فى مجازر مرخصة، وتحت إشراف بيطري، وهو ما يضمن السلامة الشرعية والصحية، بعكس ما يتم فى الذبح الفردي، فالمضحى قد يواجه تحديات متعددة، مثل العثور على مكان آمن للذبح، وضمان النظافة، وتحمل تكاليف الجزار والنقل والتوزيع، فضلًا عن احتمالية التبذير أو عدم وصول اللحوم إلى مستحقيها بالفعل.
«لا تبدو صكوك الأضاحى فقط خيارًا شرعيًا وتنظيميًا، بل أيضًا حلًا عمليًا فى وقت تتداخل فيه التكاليف والضغوط الحياتية. إنها ببساطة وسيلة تجمع بين العبادة والعقل، وتمنح المضحى راحة الضمير وراحة الجيب»، هذاما أكده أحمد عبد المعز. وقال كريم المهدي، موظف بشركة المياه والصرف الصحي: «أنا بشتغل موظف بسيط، وسعر الأضحية بقى صعب جدًا على. لما سمعت عن صكوك الأضاحى من وزارة الأوقاف السنة اللى فاتت، حسّيت إنها فرصة عظيمة. دفعت المبلغ بسهولة، وهم قاموا بكل حاجة: الشراء، والذبح، والتوزيع. حسّيت إنى شاركت فى الخير من غير ما أشيل هم التفاصيل ولا الزحمة ولا الغلاء».
بينما فضل خيرى حسن أنيس، شراء أضحيته بنفسه والوقوف عليها أثناء التوزيع، وقال: «تربينا ونحن صغار على توزيع الأضحية بأنفسنا كما علمنى أبى وكذلك أعلم أبنائي، وبرغم ارتفاع الأسعار أحاول على قدر استطاعتى الحفاظ على هذه العادة».
ومن ناحية أخرى الدكتور صبرى الجندى، الخبير فى الإدارة المحلية: الأضحية سُنّة مؤكدة، وهى من شعائر الإسلام التى يتقرب بها المسلمون إلى الله، ويُسنّ توزيع لحم الأضحية إلى ثلاثة أقسام: ثلث لأهل البيت، وثلث للأقارب والجيران، وثلث للفقراء والمحتاجين. وتعكس هذه الشعيرة معانى الرحمة والتكافل الاجتماعى بين أفراد المجتمع، وهى غير ملزمة شرعاً، لكنها محببة ومؤكدة.
وأكمل: فى السنوات الأخيرة، ظهرت مبادرات خيرية لتيسير هذه الشعيرة على غير القادرين، من خلال صكوك الأضاحى التى تتيح للمتبرع أن يوكل الجمعيات والمؤسسات الخيرية المعروفة، مثل «الأورمان» و»مؤسسة مصر الخير» و»جمعية مصطفى محمود»، فى شراء الأضاحى وذبحها وتوزيعها على المستحقين، مما يخفف العبء على المواطنين ويوصل الخير لمستحقيه.
«الجندى»، أشار إلى أنه «مع أهمية هذه الجهود، يظل من الضرورى تعزيز الشفافية والإفصاح فيما يتعلق بمصادر التبرعات، وتكلفة شراء الأضاحي، وآليات التوزيع، لضمان ثقة الجمهور واستدامة المشاركة. فالبعض قد يتردد فى التبرع بسبب قلة المعلومات المتاحة حول حجم التبرعات، وسُبل صرفها، ومعايير اختيار المستحقين، مما يبرز الحاجة إلى قاعدة بيانات موحدة وتنسيق فعّال ربما بالتعاون مع التحالف الوطنى للعمل الأهلى لتجنب الازدواجية فى التوزيع، وتحقيق العدالة فى الوصول إلى الأسر الأولى بالرعاية، ولعل تحقيق المزيد من الوضوح فى هذه المبادرات، لا سيما فيما يتعلق بصكوك الأضاحى وزكاة المال، سيساهم فى توسيع نطاق الثقة والمشاركة المجتمعية، ويدعم الجهود الوطنية فى ترسيخ العدالة الاجتماعية».