رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

500 ألف جنيه نفقات «التطوع» تكرار الحج أم التبرع لأعمال الخير؟


5-6-2025 | 20:06

.

طباعة
تقرير: رانيا سالم - محمد زيدان

هل يفضل تكرار الحج أم التبرع فى أعمال الخير؟.. سؤال يطفو على سطح الأحداث مع قدوم كل موسم حج وارتفاع التكاليف، وكذلك ازدياد أعداد الحجيج وتزاحمهم فى المناسك، لهذا يتساءل الجميع عن تكرار الحج أو استغلال تكلفته فى أمور حياتية أكثر فائدة للأمة الإسلامية، والتوسع فى الأعمال الخيرية كبناء المدارس والمستشفيات وتوفير حياة كريمة للفقراء ومحدودى الدخل عبر المؤسسات التنموية.

الحديث الشريف حسم المسألة فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ««الْحَجُّ مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ»، وهو ما اجتمع عليه فقهاء الدين، فالفريضة تسقط بعد المرة الأولى، وتصبح نافلة فى التكرار، وأنه وفقاً لفقه الموازنات على المسلم توجيه تكاليف الحج الباهظة فى بناء وتنمية المجتمع عبر مؤسساته التنموية المجتمعية، التى تدعو الجميع للمشاركة وأن يتفاعل الجميع من أجل نهضة مجتمعه.

«الحج ركن من أركان الإسلام، وهو واجبٌ مرةً واحدةً فى العمر على المستطيع»، بهذه الكلمات بدأ الدكتور محمد عبدالله فايد، أستاذ مساعد بكلية أصول الدين والدعوة بطنطا، حديثه قبل أن يضيف: أما تكرار الحج بعد المرة الأولى يُعد نافلة يثاب عليها المسلم لقول الله تعالى فى سورة البقرة:125 «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِى لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ».

وأضاف «عبدالله»: الله تعالى جعل البيت الحرام مثابة للناس يعودون إليه شوقًا بعد الذهاب عنه، أى أن الله جعله محلًّا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ولا تقضى منه وطرًا ولو ترددت إليه كل عام؛ استجابة من الله تعالى لدعاء إبراهيم عليه السلام فى قوله تعالى بسورة إبراهيم 37 «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ»، فهناك تطمئن الأفئدة وترتاح النفوس وتزول الهموم وتتنزل الرحمات وتغفر الزلات.

وأوضح أن الأحاديث الشريفة تطرقت لفريضة الحج وتكرارها، وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت نبى الله حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذرونى ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».

ويفسر الحديث الشريف، حسبما أكد الأستاذ المساعد بأصول الدين أن «الحج فرض على القادر المستطيع مرة واحدة فى العمر، فمن زاد فتطوع ونافلة فى التقرب إلى الله، وكذلك العمرة مطلوبة فى العمر مرة واحدة, فمن زاد فتطوع ونافلة؛ لذا قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: «الْحَجُّ مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» رواه الإمام أحمد»، مضيفًا: بيّن النبى (صلى الله عليه وسلم) بالسنّة العمليّة أن حجته الوحيدة كانت «حجة الوداع»، مما يشير إلى أن التركيز ينبغى أن يكون على الجوهر لا التكرار؛ لذا فإن من الأولى أن يقدم المسلم مصالح وحاجات الفقراء المعدمين الذين هم فى مسيس الحاجة إلى ما يؤويهم وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِى الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه مسلم.

«عبدالله»، تحدث كذلك عن حكمة الله تعالى فى توجيه عباده إلى فعل الخير، على أساس تقديم الأهم والأصلح، وقال: تكرار الحج والعمرة بعد أداء الحج والعمرة الأولين، يكونان تطوعًا ونافلةً فى التقرب إلى الله، فيقتضى أن يقدم المسلم مصالح وحاجات إخوانه المعدمين الذين هم فى أمس الحاجة إلى ما يؤويهم وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية، وليس لله حاجة فى الطواف ببيته من شخص يترك إخوانه البائسين فريسة للفقر والجهل والمرض؛ لأن المسلمين جميعًا يجب أن يكونوا يدًا واحدةً يتعاونون على البر والتقوى، وإذا تألم عضو من المسلمين يجب على إخوانه أن يتجاوبوا معه ليزيلوا ألمه أو يخففوا عنه، ومن ثم فإن من الأولى بالمسلم ما دام قد وفقه الله وأدى حجة الإسلام مرة، فأولى به أن يوجه ما يفيض عن حاجته إلى أوجه الخير والإنفاق على الفقراء والمساكين, وهذا ما يقتضيه «فقه الموازنات», وهو ما يقوم به المجتهد من موازنة بين الأحكام الاجتهادية، أو هو الموازنات الشرعية بين المصالح والمفاسد، والترجيح بحسب القواعد التى اعتمد عليها فى الاستدلال.

الحديث السابق اتفق معه الدكتور عبدالفتاح محمد خضر، أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم بجامعه الأزهر، وقال: الآية الكريمة واضحة ومحددة «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، وهو ما يعنى أن المستطيع إلى الحج يجب عليه أن يحج، والحج يكون مرة واحدة وتُعرف بحج الفريضة، وما يزيد عن هذه المرة تُعد نافلة.

ودلل أستاذ التفسير على ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بإمكانه الحج أكثر من مرة، ولكنه حج مرة واحد وهى الحجة التى عُرفت بحجة الوداع، والحكمة من ذلك أن نبى الأمة أراد أن يلقن المسلمين درساً عملياً، كان النبى فى مقدمة من يطبقها وهى أن المسلمين لديهم من المهام الجسام تدفعه للحج مرة واحدة، على أن يوجه أموال حج النافلة إلى بناء الأمة، فاليتيم أولى بأموال حج النافلة، وكذلك المريض والفقير، والمكروب والمتعثر، فأموال حج النافلة يجب أن تُصرف فى أبواب الخير.

واستند «خضر» إلى فقه الموازنات الذى يوازن بين المصلحة والمفسدة والمصلحة الأفضل منها، فالمصلحة أن أحج، والمصلحة التى هى أفضل منها ليس فقط أن أعطى البائس والفقراء والمحتاج، ولكن المشاركة فى بناء الأمة ومؤسساتها الصحية والتعليمية لتكون أمة قوية، ويدعو الأمة الإسلامية وفقاً لفقه الواقع أن يتعلموا فقه الحج قبل أن يتعلموا فريضة الحج، فهناك فرق كبير بينهما، ففى فقه الحج من توجه للحج وفى الطريق وجد عاريا أو حافيا أو مريضا أو محتاجا وهى حج نافلة، فعليه الرجوع عن الحج وستر هؤلاء كما صنع بعض السلف الصالح.

الدكتور مصطفى زمزم، رئيس مجلس أمناء مؤسسة صناع الخير للتنمية وعضو مجلس أمناء التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى وسفير المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» قال إن: هناك العديد من أوجه الخير التى يمكن لمن أدى فريضة الحج مرة واحدة أن يوجه إليها نفقاته بدلاً من تكرار الحج للمرة الثانية أو الثالثة، إذا رغب فى تحقيق أثر أوسع يعود بالنفع المباشر على الأسر الأولى بالرعاية.

«زمزم»، أكد أن هذا الطرح لا ينتقص من قيمة الحج ولا من روحانيته، بل يفتح باباً للتفكر فى أولوية احتياجات المجتمع، لافتا إلى أن مصر تشهد الآن وجود كيان قوى وفاعل قادر على إحداث تغيير حقيقى فى حياة الفئات الأكثر احتياجاً، وهو التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، يمكن للجميع المشاركة فيه ودفع الأموال الباهظة لحج النافلة فيه من أجل النهوض بالأمة.

وأوضح أن «من أهم دوافع تأسيس التحالف هو تعظيم الاستفادة من إمكانيات المجتمع المدنى المصرى، وتوجيهها بما يدعم جهود الدولة لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة، لا تترك أحداً خلف الركب، كما أن التحالف يعمل على تحسين مستوى معيشة المواطنين، وتلبية احتياجات الجيل الحالى دون المساس بحقوق الأجيال القادمة، ومن هذا المنطلق حدد التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى أربعة نطاقات عمل رئيسية، يسعى من خلالها إلى تحقيق أهدافه فى دعم جهود الدولة نحو تحقيق التنمية المستدامة، ويأتى فى مقدمة هذه المحاور تلبية الاحتياجات الغذائية، وتوفير الأمن الغذائى للفئات الأكثر احتياجاً، والخدمات الطبية، و إنشاء وإدارة منشآت طبية متخصصة تقدم خدمات علاجية عالية الجودة بالمجان، و تعزيز شبكات الأمان الاجتماعى، وفى مقدمتها تقديم الدعم النقدى المباشر للفئات الأولى بالرعاية.

وأضاف: أنه «من خلال هذه المحاور الأربعة، نجح التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى فى أن تكون تدخلاته ذات تأثير مباشر وفعال، بل وأصبحت خدماته مكملة ومتكاملة مع جهود الدولة، فى سعيها نحو الارتقاء بجميع شرائح المجتمع المصرى دون استثناء، ولهذا يدعو الجميع أن يدرك من يختار توجيه نفقاته بين الحج التطوعى ودعم الأسر الأولى بالرعاية، وأن مساهمته تعد ركيزة أساسية فى توسيع مظلة الحماية الاجتماعية، بما يضمن شمول جميع الفئات المستحقة دون إقصاء أو استثناء، ويعزز من قدرة الدولة والمجتمع المدنى على بناء منظومة حماية شاملة وعادلة.

«زمزم»، أشار إلى أن العمل الأهلى فى مصر خلال السنوات الإحدى عشرة الأخيرة شهد تحولاً جذرياً نحو الاحتراف والاستدامة، متخطياً مرحلة العمل الموسمى أو العشوائى، ليصبح شريكاً أساسياً فى مسار التنمية الوطنية، وقد تطلب هذا التحول الاعتماد بشكل أكبر على مفردات أساسية فى مقدمتها تمكين الشباب من خلال العمل التطوعى، وأوضح أن المفاجأة الإيجابية أن شباب مصر أبدى تعطشاً حقيقياً للتطوع والمشاركة، ورغبة صادقة فى العطاء وخدمة مجتمعه، فقد رأينا آلاف الشباب يتدفقون بحماس إلى قرى «حياة كريمة» مشاركين فى أنشطة المبادرة من تنظيم وتوزيع وتنسيق، بروح من المسئولية والانتماء، وقد تجلى هذا الزخم الشبابى بشكل واضح فى القرى التى افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى بنفسه، لتكون رسالة قوية إلى العالم بأن شباب مصر يقف داعماً ومؤمناً بقيادته السياسية، ويعمل بكل إخلاص على تغيير الواقع نحو مستقبل أفضل.

واختتم حديثه: لا تكتمل الحياة الكريمة إلا بوجود وعى مجتمعى حقيقى، وهو ما يتم العمل عليه من خلال جلسات ولقاءات التوعية التى تنظم بانتظام، وتتناول أهم القضايا الحياتية والمجتمعية التى تمس واقع المواطنين بشكل مباشر، نحن فى مؤسسة صناع الخير، نؤمن بأن النجاح الحقيقى يبدأ بالدراسة المتأنية والتخطيط الدقيق، لذلك لم نطلق أى مبادرة إلا بعد دراسة شاملة لأهدافها، وآليات تنفيذها، والعائد المجتمعى المنتظر منها، ومدى قدرتها على إحداث تغيير فعلى فى حياة أهلنا على أرض الواقع.

بدوره قال فتحى المزين، رئيس مجلس أمناء مؤسسة حلقة وصل: لا خلاف على أهمية التبرع والعمل الخيرى، لكن الحج ركن من أركان الإسلام، وله منزلة عظيمة لا تقارن، نعم، أديت الفريضة من قبل، لكن تكرار الحج نافلة عظيمة، ووسيلة لتجديد الإيمان، والتقرب إلى الله، والتوبة، والدعاء، والتأمل فى المعانى الروحية العميقة، من فضل الله علينا أن أبواب الخير متعددة، وليس علينا أن نختار باباً ونغلق الباقى، هناك من يستطيع أن يحج ويقدم الصدقات، ويكفل الأيتام، ويساهم فى التنمية، ولم يحرم أحد من تكرار الحج إن كان قادراً عليه، ولا يوجد نص يلزم بتحويل المال إلى جهة أخرى طالما الحج مشروع شرعاً، ثم إن فى الحج نفعاً ليس فقط فردياً، بل روحياً للأمة، عندما يرى المسلمون بعضهم البعض من مشارق الأرض ومغاربها، يشعرون بالوحدة، ويتبادلون القيم، ويعودون بأثر كبير على أنفسهم وأسرهم، الخير كثير وكل ييسر لما خلق له، فكما نشجع الناس على الصدقة، لا ينبغى أن نثنيهم عن عبادة عظيمة إن رغبوا فى أدائها بإخلاص.

 

وأضاف «المزين»: أعلم أن كثيرين يدعون إلى توجيه تكلفة تكرار الحج للأعمال الخيرية، وهذا باب عظيم من أبواب الخير لا ينكر، ولكن فى الوقت نفسه، لا ينبغى أن نقلل من فضل تكرار الحج والعمرة، فهى شعائر تعبدية محببة إلى الله، وقد قال النبى محمد صلى الله عليه وسلم «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، تكرار الحج ليس ترفاً روحياً، بل هو تجديد للعهد مع الله، وتطهير للنفس، وفرصة للتوبة، والدعاء، والانقطاع عن الدنيا، كثيرون يعودون من الحج بنفوسٍ جديدة، وهمم مرفوعة، وأحياناً تتحول حياتهم بالكامل، فلماذا نحرم الناس من هذه النعمة؟.

وأوضح: علينا أن ننتبه لأمر مهم، الله سبحانه وتعالى وسع لنا أبواب الخير، ولم يغلق أحدها لحساب الآخر، من لديه القدرة، يمكنه أن يحج وأن يتصدق فى الوقت نفسه، كما أن التبرع ليس حكراً على الفقراء فقط، أحياناً أتبرع، لكن أظل بحاجة لإصلاح حالى مع الله، واستشعار القرب منه، وهو ما أجده فى هذه الرحلة المباركة، وفى النهاية، أقول لمن يريد أن يتصدق، نعم، تصدق وشارك فى مبادرات الخير، ولمن يريد أن يكرر الحج، نعم، امض إلى بيت الله الحرام، وقلبك عامر بالنية الخالصة، واسأل الله أن يتقبل منك، ويجعلك سبباً فى الخير بعد عودتك، المهم أن يكون كل منا صادقاً مع نفسه ومع الله.

 
    كلمات البحث
  • الحج
  • أعمال
  • الخير
  • التبرع
  • المناسك

أخبار الساعة

الاكثر قراءة