رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ماكرون.. «أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدًا» «الجمهورية الفرنسية» تنتفض ضد الإخوان


29-5-2025 | 19:45

.

طباعة
حمدى رزق يكتب:

« التأخر فى المواجهة قد ينتج خطرا نائما يصعب تطويقه لاحقا».. هذا لسان حال المؤسسة الأمنية الفرنسية فى مواجهة خطر التنظيم الدولى للإخوان.

فى انتظار مخرجات اجتماع المجلس الفرنسى الأعلى للدفاع الوطني، يبدو أن حكومة الرئيس «إيمانويل ماكرون» ماضية فى تبنى استراتيجية شاملة لاحتواء تنظيم الإخوان، والاحتواء فى حال فشله.. سيكون الحظر احتمالا!!

 

تقرير حكومى فرنسى نشرته صحيفة «لوفيجارو» كشف عن شبكة واسعة من الجمعيات ومراكز العبادة تقع تحت تأثير (سيطرة) تنظيم الإخوان، ومن أوراق التقرير الفرنسى، التنظيم الإخوانى يسيطر بشكل كامل أو جزئى على أكثر من 200 مركز دينى و280 جمعية فى 55 مقاطعة فرنسية، تعمل فى مجالات التعليم والدين والشباب، وتروج لخطاب «انعزالي»، يهدد الاندماج الاجتماعى ويقوّض قيم الجمهورية. التقرير أعد بطلب مشترك من وزارات الداخلية والخارجية والدفاع، وشاركت فيه الاستخبارات الفرنسية، وهو ما يرفع منسوب القلق السياسى والأمني.

معلوم القانون الفرنسى يتيح للحكومة التحرك ضد الجمعيات المتورطة فى خطاب متطرف، إلا أن الإجراءات الوقائية الدائمة تحتاج لتشريعات جديدة تقرّ فى «الجمعية الوطنية الفرنسية»، وهو ما قد يثير جدلا سياسيا داخل البلاد، خاصة من قبل المعارضة التى تخشى أن تطال هذه الإجراءات العقابية (الجالية المسلمة) بشكل عام.

‏‎باريس فى سياقها الأوروبى تعمل على تعزيز التعاون الأمنى مع شركاء أوروبيين مثل بلجيكا وسويسرا، لضبط التمويل والمراقبة المشتركة للجمعيات المشبوهة (سيما الإخوانية)، وترفع شعار الأمن أولا. وترى الحكومة الفرنسية أن متطلبات الأمن القومى باتت أولوية قصوى، ما يعنى أن النقاش سيستمر حول حدود الحريات فى مواجهة التهديدات الأيديولوجية.

حظر التنظيم

التقارير التى ترد تباعا حول تمدد التنظيم الإخوانى أوروبيا سيما فى فرنسا وألمانيا، تبدو مقولة «أن تأتى متأخرًا خير من ألا تأتى أبدًا» ليست صحيحة فى مطلق الأحوال؛ أحيانا يكون الموعد قد فات فعلا.

أخشى يكون الموعد قد فات الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» فى إعلان حربه على جماعة الإخوان الإرهابية وأذرعها المتغلغلة فى أعماق الجمهورية الفرنسية.

نفرة حكومة ماكرون ضد التنظيم الأقدم عالميا قبلا تمحورت فى إجراءات شكلية لم ترتقِ إلى معالجات جذرية تفضى إلى (حظر التنظيم) كما جرى فى مصر والأردن وعدد من الدول حول العالم.

ماكرون يتبع سياسة الاحتواء الناعم، وبدلا من حظر تنظيم الإخوان توقيا لشروره، يكتفى بإجراءات شكلانيّة، كما فى قرار حظر ارتداء العباءات ذات الصبغة الإسلامية فى المدارس الفرنسية، وهذا كان بمثابة جرس إنذار لطيور الظلام التى تعشش فى أشجار حدائق (قصر الإليزيه).

جماعة الإخوان والجماعات الصديقة لها جهاديا تنتظر الفرصة السانحة للانقضاض على الجمهورية الفرنسية التى تعيش أسوأ كوابيسها التاريخية بانكسارات مروعة فى البلدان الإفريقية الفرانكوفونية، النيجر والجابون فضلا عن مالى وبوركينافاسو. ناهيك عن تضعضع الجبهة الداخلية بفعل الاحتجاجات المستدامة داخليا، ما يشكل خطرا داهما على تقاليد الجمهورية الفرنسية التى غمرت طويلًا.

قرار حظر ارتداء العباءة والقمصان الطويلة فى المؤسسات التعليمية الفرنسية دخل حيز التنفيذ بعد جهد جهيد، واستهلك طاقة الجمهورية الفرنسية فى مساجلات بين مؤسسات إسلامية ذات خلفيات إخوانية، والحكومة الفرنسية، مع تشيير حملة إلكترونية ضد الحكومة الفرنسية عالميا، ووصمها بالعنصرية، وإشانتها بـ«الإسلاموفوبيا».. والإسلاموفوبيا تترجم الخوف أو الكراهية أو التحيز ضد الإسلام والمسلمين.

الحكومة الفرنسية تبرر قراراتها خشية التأثيرات السالبة على قيم الجمهورية، وترى قرار حظر ارتداء العباءة والقمصان الطويلة فى المؤسسات التعليمية فى البلاد لأنّه تصرف يعبّر عن «انتماء دينى فى بيئة دراسية»، فالقرار ترسيخ للعلمانية التى تترجم بـ«حرية تحرير الذات من خلال المدرسة».

الرئيس ماكرون الذى تنبه أخيرا إلى خطر الإخوان، وقرر ما نصه « حظر الرموز الدينية من أى نوع.. ليس لها مكان فى المدارس الفرنسية فى ظل نظام العلمانية، والسلطات الفرنسية «لن تتهاون» فى تطبيق الحظر على العباءات فى المدارس».

ويذكر ماكرون الخارجين على التقاليد الفرنسية بالعلمانية التى هى عنوان الجمهورية الفرنسية رسميا نصا: «المدارس فى بلادنا مجانية وإلزامية لكنها علمانية، لأن هذا هو الشرط الذى يجعل المواطنة ممكنة، وبالتالى لا مكان للرموز الدينية من أى نوع كانت.. وسوف ندافع بقوة عن هذه العلمانية».

الرئيس الفرنسى ماكرون يذهب إلى أبعد مدى فى تحديه للاتجاهات الدينية فى الجمهورية العلمانية، ويهدد: «لن ندع أى شيء يمر»، العبارة التهديدية الماكرونية دخلت على خط ما يسمى فى بعض التحليلات على المراصد الأوروبية، تفكيك القبضة الإخوانية على المجال العام الفرنسى.

تحجيب الجمهورية

تقرير الحال يقول إن باريس إزاء خطة حكومية لتجفيف منابع التطرف والتشدد والخروج على طاعة الجمهورية الفرنسية بفعل جماعات (وراءها تنظيم حسن البنا)، تستهدف تحجيب الجمهورية الفرنسية حسب ما تشير إليه جل تقارير الصحافة الفرنسية.

الحرب المفتوحة بين الحكومة الفرنسية وجماعات الإسلام السياسى دخلت مرحلة كسر العظم، وستشهد جولات أكثر سخونة تاليا.. منها ما يشى به تقرير لوفيجارو الأخير الذى شاركت فى مراجعته على لجنة حكومية الاستخبارات الفرنسية.

المعركة المشتعلة جولة من جولات شاقة تخوضها الحكومة الفرنسية فى مواجهة الإخوان، ليست الأخيرة، والمعلومات تقول إن السلطات الفرنسية تتوفر على تحقيقات واسعة النطاق حول مصادر تمويل جماعة «الإخوان» فى فرنسا، (وفق صحيفة «فيجارو» الفرنسية).

المعلومات التى رشحت عن الحملة الفرنسية على جماعات الإسلام السياسى التى تتدثر بعباءة الخيرية، تقول إن الإدارة العامة للأمن الداخلى الفرنسية رصدت فعليا نحو (20) صندوقا خاصا لتلقى الهبات والتبرعات، تقوم بنشاطات تمويل مشبوهة لأنشطة دينية ممسوسة إخوانيا تستهدف الحريات فى الجمهورية الفرنسية.

التحقيقات على نطاق واسع حول هذه الصناديق الإخوانية بدأت منذ خريف 2021، بعد صدور قانون «مكافحة الانفصالية» الذى ينص على احترام مبادئ الجمهورية.

التحقيقات كشفت مبكرا أن هذه الصناديق أنشئت عام 2008، تهدف إلى جمع تمويلات خاصة، نظرا لأن صناديق الهبات لم تكن موضع رقابة دقيقة من السلطات، وقامت جماعة «الإخوان» باستغلالها لتمويل أنشطتها المختلفة بعيداً عن الأضواء وعبر آلية معقدة ومبهمة، أقرب لعمليات غسيل الأموال التى تغرق المصارف المالية الأوروبية.

السلطات الأمنية الفرنسية رصدت فى تواريخ سابقة حوالى (10) شبكات تسيطر عليها جماعة «الإخوان»، وتمتد من مدينة «ليل» فى الشمال وحتى مدينة «مارسيليا» فى الجنوب، مرورا بالمنطقة الباريسية ومنطقة «بوردو».

* أخونة أوروبا

مجددا العبارة التهديدية الأخيرة للرئيس الفرنسى ماكرون «لكننا لن ندع أى شيء يمر»، تشكل استراتيجية فرنسية مرتبطة باستراتيجية أوروبية على صعيد القارة العجوز. فضلا عن كونها خطة فرنسية ضد ما اصطلح على تسميته «أخونة أوروبا» والذى تعمل عليه منظمات ومؤسسات إخوانية عابرة للحدود تتخذ من الخيرية دثارا للإخفاء، كما العباءات تماما.

التقارير الأوروبية فى هذا السياق التحذيرى تصدر تباعا وبحسب دراسة لـ«المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات»، سعت الجماعة (الإخوان) لاستخدام المنظمات غير الحكومية فى أوروبا، وهى جمعيات غير ربحية، مثل الجمعيات الخيرية والمساجد وغيرها من المؤسسات، بهدف الترويج لأفكارها المتطرفة، والقيام بأعمال العنف والتطرف، واستندت الدراسة إلى إعلان السلطات الألمانية حظر جماعة (أنصار الدولية) فى 6 مايو 2021، بسبب تورطها فى تمويل منظمات إرهابية كـ(هيئة تحرير الشام) فى سوريا، و(حركة الشباب الصومالية).

وأشارت الدراسة إلى أهم القيادات الإخوانية التى تدير خلايا التنظيم فى أوروبا، خاصة فى بريطانيا وألمانيا وفرنسا والسويد وسويسرا، وهم: (إبراهيم الزيات، رشيدة النقزي، سمير فلاح، أحمد الراوي، أنس التكريتي، أحمد جاب الله، أبو بكر عمر، عمر الأصفر، فؤاد العلوي، مصطفى الخراقي، محمد الخلفي، شكيب بن مخلوف، عماد البراني، محمد كرموص).

وعن الهيكل التنظيمى للإخوان فى أوروبا، بينت الدراسة أن استراتيجية الجماعة اعتمدت على الانتشار فى أوروبا على منحى عكسي، مقارنة بنشاطها فى الدول العربية، بمعنى أن عملية التوغل فى الدول الأوروبية تحدث من خلال مؤسسات خيرية ومنظمات اجتماعية ومدنية، وليست تحت هيكل تنظيمى موحد أو ثابت أو إطار سياسى وتنظيمي، كما هو الحال هنا فى مصر (على سبيل المثال).

الباحثون والسلطات التى تراقب نشاط الإخوان فى تلك الدول تواجه صعوبات فى رسم حدود فاصلة لتلك المؤسسات، والتأكد من انتمائها تنظيميا للإخوان، وبالتالى يختلف الهيكل التنظيمى للإخوان فى أوروبا من دولة إلى أخرى.

الملامح المشتركة بين هذه الجمعيات والمؤسسات والمراكز تتعلق بالأهداف التى تسعى كافة المنظمات والمؤسسات التابعة للتنظيم حول العالم لتحقيقها، والمواقف التى يتم تمريرها من خلال تلك المؤسسات، وكذلك علاقتها بنشاط الجماعة الأم فى مصر أو فى بعض الدول العربية، فضلا عن المعلومات التى تتكشف من حين إلى آخر بخصوص التعاون بينها وبين أذرع الإخوان فى العالم. (والفقرة الأخيرة نقلا عن تقرير حديث ومهم لموقع حفريات، وهى صحيفة إلكترونية ثقافية تصدر عن مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي).

العبارة التهديدية الأخيرة للرئيس الفرنسى ماكرون «لكننا لن ندع أى شيء يمر» لم تُطلق هكذا على عناتها فى الفضاء الإلكتروني، وليست من قبيل الكلام الساكت، إزاء استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب الدينى.

الثابت أنه وبالرغم من تشديد الإجراءات لمواجهة التنظيم داخل المجتمعات الأوروبية منذ عام 2021، فى ضوء استراتيجية شاملة أقرها الاتحاد الأوروبى لمواجهة الإرهاب والتطرف، إلّا أن الجماعة لا تزال تمثل خطرا محدقا على المجتمعات الأوروبية بوجه عام، وتتوالى التحذيرات الأمنية والاستخباراتية من مغبة التوغل الإخوانى داخل دول الاتحاد الأوروبى (مركز التحركات العاصمة الانجليزية لندن التى أصبحت موئلا لطيور الظلام الهاربة من مصر بعد ثورة 30 يونيو)، ومن دول الخليج العربى على صدى الانتفاضة الشعبية المصرية ضد الإخوان، فضلا عن قيادات النهضة التونسية التى نكش أعشاشها الرئيس التونسى «قيس سعيد» الذى يواجه تحديا إخوانيا صارخا فى وجهه.

فى هذا السياق، قدم «تشارلى ويمرز» عضو البرلمان الأوروبى ورئيس مجموعة عمل كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) تقريرا حول الحرية الدينية بالبرلمان، عبارة عن طلب إحاطة إلى مجلس الاتحاد الأوروبي، دعا فيه إلى وقف تمويل التنظيمات الموالية لجماعة «الإخوان» على أراضى القارة العجوز، فى خطوة جديدة تستهدف تضييق الخناق على الجماعة الإرهابية وتجفيف منابع تمويلها.

وحذر «ويمرز»، فى إحاطته البرلمانية المنشورة على الموقع الرسمى للبرلمان الأوروبي، من تغلغل شبكات «الإخوان» فى جميع الهيئات الأوروبية، مؤكدًا أن أيديولوجيتها «متطرفة وخطيرة»، وأنشطتها تضر بالأمن القومى للدول الأعضاء وبالتماسك الاجتماعى للدول الأوروبية، فضلًا عن تعارض أفكارها مع القيم الأوروبية والحقوق الأساسية الديمقراطية.

النائب السويدى استند فى طلبه إلى البرلمان الأوروبى إلى التقرير البحثى الذى أصدرته كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) فى البرلمان الأوروبي، تحت عنوان «شبكة الشبكات: الإخوان فى أوروبا»، والتقرير يتضمن بعض النتائج المقلقة للغاية أوروبيا فيما يتعلق بتمويل الاتحاد الأوروبى للمنظمات المرتبطة بالإخوان.

التقرير يحذر من أن «الهدف النهائى لجماعة الإخوان هو إقامة دولة إسلامية على أساس تطبيق تفسيرها المنغلق للشريعة الإسلامية».. مقصدهم «دولة الخلافة التى فشلوا فى إقامتها فى القاهرة التى استهدفتها الجماعة الإرهابية منذ العام 1992 لإقامة قاعدة دولة الخلافة بحسب تقرير منشور (لكاتب هذه السطور)، فى قراءة لتقرير أمير التنظيم الإرهابى فى هذا التوقيت «مصطفى مشهور» قدمه إلى أفرع التنظيم الدولى فى اجتماعهم الأول فى اسطنبول التركية.

النائب السويدى «ويمرز» يلفت النظر إلى أن الإخوان ليست منظمة واحدة مركزية، لكنها شبكة من الفروع المختلفة مستقلة رسميًا عن بعضها البعض، ومرتبطة بأنماط أيديولوجية متطرفة وخطيرة، ومنظمات جامعة وروابط فردية تسعى لتقويض الأمن القومى والتماسك الاجتماعى للمجتمعات الأوروبية.

ووجه «ويمرز» فى طلب الإحاطة ثلاثة أسئلة لمجلس الاتحاد الأوروبى حول أنشطة تنظيم الإخوان وعلاقته بمؤسسات التكتل فى ضوء أولويات الرئاسة الفرنسية للمجلس، والتى تشمل تعزيز قيم التسامح ومكافحة التطرف.

وأول هذه الأسئلة: «هل المجلس على علم بتمويل التكتل الأوروبى للمنظمات التابعة لجماعة الإخوان، بما فى ذلك «الإغاثة الإسلامية»، و»منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية» - أو ما يعرف اختصارا بـ(FEMYSO)؟».

أما السؤال الثاني: «هل سيتخذ المجلس خطوات لوقف هذه التمويلات، بالنظر إلى أن الأجهزة الأمنية والتحقيقات البرلمانية فى العديد من الدول الأعضاء قد قدرت مرارًا وتكرارًا أن المنظمات التابعة للإخوان قد ألحقت الضرر بالأمن والتماسك الاجتماعى للدول الأعضاء؟».

كما تضمن الطلب سؤالًا ثالثا حول رأى المجلس فى أن المنتمين لجماعات الإسلام السياسى «اللاعنفيين» يشكلون تهديدًا نظاميًا للقيم الأوروبية، فى إشارة إلى ورقة «اللاعنف» والصورة الزائفة التى تحاول جماعة الإخوان تصديرها فى محاولة لكسب الدعم الشعبى لها فى أوروبا.

الإسلام الإخوانى

يلزم العودة إلى الحالة الفرنسية التى تعانى أخونة مريعة، فى فرنسا يستمر التناقض الواضح ما بين وجهين للإسلام فى فرنسا «الإسلام العائلي» المُنفتح على الحياة الفرنسية وقيمها، والإسلام الذى تُروّج له الجمعيات الدينية وجماعات موالية لتنظيم الإخوان الإرهابى وتيارات الإسلام السياسي.

المفوضية الأوروبية للمُساواة فى بروكسل، نشرت مؤخرا، مقاطع فيديو تُظهر نشطاء شباب ينتمون لجمعية «مُنتدى المنظمات الشبابية والطلابية فى أوروبا»، وهم يرتدون قمصانا تحمل شعار جمعيتهم التى تدعمها جماعة الإخوان المسلمين.

ويظهر فى الفيديو مسئولون أوروبيون يُروّجون بشكل غير مباشر للفكر الإخوانى من بوابة الديمقراطية ومحاربة ما أسموه «الصور النمطية والتمييز والكراهية التى يقع ضحاياها من الشباب المسلمين فى أوروبا».

مزاعم «مُنتدى المنظمات الشبابية والطلابية فى أوروبا»، الذى يُعرّف نفسه بأنّه شبكة أوروبية تضم 33 منظمة عضو فى 20 دولة أوروبية، وبأنّها «صوت الشباب المسلم فى أوروبا»، وتتخذ من مصطلح «الإسلاموفوبيا» شعارا لها مُبتعدة عن قيم العلمانية للمُجتمع الأوروبى والفرنسى بشكل خاص.

تستقطب الجمعية «المنتدى» أنصارا فى المجتمعات الأوروبية حتى أن رئيس المُنتدى الهولندى «هاند تانر» صرّح قبلا على “قناة الجزيرة“ بأنّ «باريس هى حاليا عاصمة التحيز الغربي.. وأكبر صادرات فرنسا هى العنصرية فقط»، وهذا الصراخ مقصود ومستهدف، إذ يكفى اليوم وصف أى سياسى بالعنصرية لتشويه سمعته ومكانته إعلاميا ووضعه فى موقف الدفاع، حتى وإن لم يكن يوجد أى دليل على هذه المزاعم.

فى تقرير حديث لمركز «جلوبال ووتش أناليز» الفرنسى للدراسات الجيوسياسية، بعنوان «شبكة الشبكات: الإخوان المسلمون فى أوروبا»، يُحذّر من أن الأمر الأكثر إزعاجا اليوم فى واقع تغلغل الإخوان فى المُجتمع السياسى الأوروبي، هو أن مُعدّى التقارير المُحابية للإسلام السياسي، والتى يطلبها البرلمان الأوروبي، هم غالبا «أكاديميون قديرون»، ولكن، خوفا من وصفهم بأنهم أفراد يمينيون متطرفون، أو بدافع الحاجة إلى الشعور بأنهم إلى جانب المسلمين العاديين وسائر الطبقات الشعبية، فإنهم ينغمسون فى الترويج للانحرافات الفكرية للإخوان !!

ويتساءل التقرير: «لماذا يجب على أوروبا أن تُرحّب بأعداء الديمقراطية والقيم الغربية بأذرع مفتوحة؟».. وهو تحليل يُشاركه أيضا النائب البرتغالى السابق «باولو كاساكا» الذى كان من أوائل من استنكروا هذا الرضا عن الإسلام السياسى فى بروكسل فى المؤسسات والوكالات الأوروبية، ويقول مُستغربا إن بعض الأصوات تذهب إلى حدّ استنكار «التمثيل الناقص للتيارات الإسلامية والسلفية فى الساحة السياسية الأوروبية».

ويرى أنّه «ليس بالضرورة أن يكون ممثلو الإسلام السياسى هم منْ يقولون مثل هذه العبارات فى الجمعيات الدينية، ولكنّها أيضا تصدر عن الموظفين المدنيين والمتخصصين والباحثين المسيحيين وحتى اليهود»!!

مُحذّرا من أنّه «بالتأكيد، يوجد بين هؤلاء بلا شك أشخاص فاسدون، يشتركون فى المصالح مع جماعة الإخوان، لكنّهم لا يمثلون إلا أقل من 5 فى المائة، فيما البقية هم مُجرّد أغبياء مُفيدون للإخوان، يُروّجون لأفكارهم دون تفكير أو دراية».

تقرير فرنسى وصف داعمى الإخوان فى أوروبا بـ«هؤلاء البُلهاء الأوروبيون»، والثابت أنهم ليسوا بلهاء ولكنهم يخدمون فى بلاط الخلافة الإخوانية، ويصدرون تقارير لصناع القرار فى أوروبا جميعها تخدم على الأهداف الإخوانية الخفية للسيطرة والتمكين من مفاصل القارة العجوز.

على سبيل المثال، وكالة الاتحاد الأوروبى للحقوق الأساسية، التى تأسست فى عام 2007 ومقرها فى فيينا، والتى تُقدّم «مشورة مستقلة قائمة على الأدلة لصانعى القرار الأوروبيين»، تتعاون مع مُنتدى المنظمات الشبابية والطلابية فى أوروبا تحت مظلة الإخوان بحجة تسليط الضوء على التنوّع الثقافى فى أوروبا.

وعلاوة على ذلك، يتلقى المُنتدى أيضا إعانات من مجلس أوروبا فى إطار مؤسسة الشباب الأوروبية، حيث شاركوا معا فى تقرير بعنوان «مكافحة الإسلاموفوبيا من خلال العمل بين الثقافات والأديان».

وأصدرت دائرة البحوث البرلمانية الأوروبية، التى تُقدّم «مجموعة كاملة من الخدمات البحثية لأعضاء البرلمان الأوروبي»، تقريرا عن «المساواة ومكافحة العنصرية» ورهاب الأجانب، وذلك بالتعاون مع مركز الفكر التركى والمُنتدى الأوروبى للمرأة المسلمة، وهو هيكل آخر مرتبط بالإخوان المسلمين.

وفيما يتم تمويل مركز الفكر التركى من الحكومة التركية، فإنّ الرئيسة الأولى للمنتدى الأوروبى للمرأة المسلمة، نورا جاب الله، هى زوجة أحمد جاب الله زعيم المسلمين فى فرنسا ونائبة رئيس المجلس الأوروبى للفتوى والبحوث الذى أسسه داعية الإخوان الراحل يوسف القرضاوى.

كما أنّه ليس من قبيل المُصادفة أن تكون الرئيسة السابقة لمُنتدى المنظمات الشبابية والطلابية فى أوروبا، هى ابنة راشد الغنوشي، زعيم جماعة الإخوان المسلمين التونسية، وفقا لما تحدث عنه.

الشبكات التمويلية

مجددا نعود إلى عبارة الرئيس الفرنسى ماكرون «لكننا لن ندع أى شيء يمر»، وبحسب دراسة موقع «حفريات» تنقسم جماعة الإخوان خارج مصر إلى (67) فرعا حول العالم، يضعها التنظيم الدولى تحت تقسيم جغرافى إلى (7) مناطق، أهمها على الإطلاق فى الوقت الراهن أوروبا باعتبارها الملاذ الآمن لنشاط التنظيم، وينقسم الهيكل التنظيمى للإخوان فى أوروبا كالتالي: التنظيم الدولى الذى أسسه مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة عام 1982، بعد هروبه من مصر إلى ألمانيا، والمنظمات والمؤسسات التابعة للإخوان، التى تأسست فى الدول الأوروبية تحت غطاء القانون لكنّها تعمل وفق أهداف التنظيم وعلى تحقيق أجندته الخاصة، وبحسب المعلومات المتاحة فى هذا الصدد، تُعدّ أبرز تلك المؤسسات؛ الرابطة الإسلامية فى بريطانيا، المجلس الإسلامى البريطاني، الهيئة الدينية الإسلامية فى النمسا، التجمع الإسلامى فى ألمانيا، منظمة (رؤيا) الألمانية، منظمة المرأة المسلمة فى ألمانيا، المجلس الإسلامى فى برلين، المركز الإسلامى فى ميونيخ.

وسلطت الدراسة العميقة الضوء على الشبكات المالية للإخوان، موضحة أن التقديرات تؤكد أن «الإمبراطورية المالية» لجماعة الإخوان فى أوروبا، تتنوع ما بين البنوك والاستثمارات المالية المصرفية والشركات فى مختلف القطاعات، والتجارة الحلال، و»الأوف شور»، (شركات يتم تأسيسها فى دولة أخرى غير الدولة التى تمارس فيها جماعة الإخوان نشاطها)، وتُعدّ أحد أهم الروافد التمويلية لجماعة الإخوان.

ورصدت تقارير أوروبية مجموعة من الاستثمارات التابعة لجماعة الإخوان داخل أوروبا بالإضافة إلى تجارة «الحلال» و»الأوف شور»، منها على سبيل المثال: بنك التقوى، وبنك أكيدا الدولي، ومؤسسة أوروبا، وشركة «Stahel Hardmeyer AG in Nachlassliquidation» وشركة «World Media Services Ltd»، وشركة «Jordan Company Secretaries Limited»، وشركة BS Altena AG.

وأكد المركز الذى أعد الدراسة (المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات) أنّه رغم نفى علاقتها بالإخوان، إلّا أن شبكات التنظيم داخل أوروبا تخضع فى إداراتها بشكل كامل لمكتب الإرشاد، وتنفذ الأوامر والتعليمات الصادرة من قمة الهرم التنظيمي، ويُعدّ منصب الأمين العام للتنظيم الدولى هو المشرف والمنسق لآليّة عمل الإخوان داخل الدول الغربية بشكل كامل.

وأظهرت حالة الصراع الأخيرة داخل الإخوان حقيقة حاولت الجماعة إنكارها على مدى العقود الماضية، حول علاقة التنظيم الدولى بالجماعة، المُصنفة «إرهابية» فى عدة دول عربية وأوروبية منذ عام 2014، وأثبتت مدى ارتباط هؤلاء بتنظيم الإخوان فى الداخل المصري، وأنّهم جميعا يدورون فى فلك التنظيم نفسه، لذلك يجب أن تراجع دول أوروبا، خاصة الدول الداعمة للتنظيم، مواقفها بشأن الإخوان.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة