بات التعليم على رأس أولويات دول العالم المتقدم، بدونه لن تتحقق التنمية الشاملة، فهو أحد الحقوق الأصيلة للإنسان، لتنمية الثقة وبناء الأمة وترسيخ الهوية الثقافية والتاريخية.. ليس هذا فحسب، بل إنه فى الحقيقة، أمر ضرورى للحد من الفقر والجهل فى المجتمع، لذا فإن الدولة المصرية تحمل تطوير التعليم على عاتقها، كونه شأناً بالغ الأهمية، فهو إحدى أهم ركائز التقدم والتطور، فعملت وما زالت تعمل على تحسين جودة التعليم لضمان تحقيق نتائج إيجابية وتنمية مستدامة.. ولهذا وإعلاء لرفع القيمة المضافة للتعليم، أصدر وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف قراراً بتدشين مسابقة مخصصة لفئة «معلمى الحصة»، مع مد ورفع سن المتقدمين إلى 45 عاما.
فى البداية، أكد محمد عبد الله، وكيل النقابة العامة للمهن التعليمية، أن النقابة تثمن قرار محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم، والمهندس حاتم نبيل رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، برفع الحد الأقصى لسن المتقدمين فى مسابقة شغل وظائف «معلم مساعد» إلى 45 عامًا، لاستيعاب معلمى الحصة الأكفاء الذين عملوا لسنوات، بنظام الحصة، وساهموا بشكل مباشر فى تقليل فجوة عجز المعلمين، واكتسبوا خبرات مطلوبة تحتاجها المدارس.
وأوضح أن التطوير فى آلية اختيارات المسابقة الجديدة، التى سيتم الإعلان عنها خلال شهر يونيو المقبل، ولن يطلب منهم أداء اختبار اللغة الإنجليزية فى حالة عدم التقدم لوظيفة معلم مساعد لمادة اللغة الإنجليزية، مما يسهم فى تخفيف أعباء الاختبارات على المتقدمين.
وأكد «عبدالله» أن تقدير المعلم معنويا، يساهم بشكل كبير فى رفع مستوى بذل مزيد من الجهد لتعليم أبنائنا الطلاب، وأن قرار تخصيص المسابقة، حصريًا لمن سبق لهم العمل كمعلمى حصة لدى الوزارة ومسجلين فى قاعدة البيانات الخاصة بذلك، يمنح هؤلاء المعلمين ميزة يستحقونها، بعد سنوات من الاجتهاد، والاستفادة من الخبرات المتراكمة لديهم.
وأوضح أن معلمى الحصة الذين استمروا فى العمل على مدى الأعوام السابقة، يمتلكون خبرات مهنية وتعليمية ناضجة، مما ينعكس على جودة التدريس والانضباط داخل الفصول.
ونبه وكيل نقابة المعلمين، إلى أن القرار لا يعد نهجا يبتعد عن اختيار الشباب كما يدعى البعض، ولكنه يحقق عدالة اجتماعية مطلوبة لفئة من المعلمين بذلوا جهودا كبيرة واكتسبوا خبرات مهمة على مدى سنوات عملهم، خاصة أن كل المسابقات الماضية كانت متاحة لشباب الخريجين.
فى حين أشار د. عاصم حجازى، أستاذ علم النفس التربوى المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة، إلى أن الجانب الإيجابى لهذا القرار يتمثل فى قصر المسابقة على منْ قدموا خدمة جليلة للعملية التعليمية نتيجة عملهم بالحصة وبمقابل زهيد من أجل سد العجز.
كما أن مد السن مهم لاستيعاب أكبر عدد ممن كانوا بالفعل يعملون بالحصة وتخطوا سن التعيين، وهذه نقطة إيجابية تأتى من منطلق «رد الجميل» أولا، ومن باب أنهم بالفعل التحقوا بالعمل وتعاملوا مع الطلاب ومارسوا التدريس تحت إشراف معلمى وموجهى التربية والتعليم، وهذا لا ينفى أنهم يجب أن يخضعوا إلى تدريبات مكثفة لضمان تنميتهم مهنيا قبل وأثناء التعيين خاصة فى السنوات الأولى.
أما عن جوانب الضعف فى عملية تعيين المعلمين عموما، فيجب الانتباه إلى أن المعلم هو أحد أهم العناصر فى المنظومة التعليمية، ولذلك يجب أن تخضع عملية الاختيار والتعيين والتأهيل لمعايير صارمة، ولا ينبغى أبدا أن يكون التعامل مع تعيين المعلمين من باب «الضرورات تبيح المحظورات»، فيتم التغاضى عن بعض الشروط الواجب توافرها فى المعلم، وبالتالى الاستعانة ببعض المعلمين للعمل بالحصة ممن يفتقدون كثيرا من الشروط، ثم يتم تعيينهم بعد ذلك من خلال مسابقات خاصة، حيث إن الاستمرار فى سياسة التعيين بهذا الشكل يقوض كل الجهود التى تبذل لتطوير التعليم، وعليه يجب أن يتم تعيين المعلمين وفقا لسياسة واضحة وجدول زمنى محدد، وأن يتم دائما انتقاء أفضل العناصر للقيام بهذه المهمة من خريجى كليات التربية أو من حديثى التخرج، ممن حصلوا على المؤهل التربوى المطلوب.
وطالب «حجازى» بخضوع المقبولين لتدريبات مكثفة قبل التعيين تجريها وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع الجامعات والأكاديمية العسكرية المصرية، مشدداً على ضرورة القضاء نهائيا على نظام العمل بالحصة مستقبلا، وأن يتم التعيين بشكل دوري، لأن العمل بالحصة قد ينتج عنه بعض السلبيات التى تؤثر على جودة الأداء، ومنها عدم الشعور بالانتماء للكيان التعليمي، وعدم تحمل المسئولية والشعور بضعف القدرة على السيطرة أو اتخاذ قرارات تربوية حازمة وعدم تطبيق لائحة الانضباط المدرسى خشية الوقوع فى مشكلات ينتج عنها الاستغناء عن هذا المعلم، بالإضافة إلى ضعف الحافز المادي.
وجميع هذه السلبيات وغيرها لا تتسبب فقط فى ضعف الأداء التدريسي، وإنما تتعدى ذلك إلى شيوع حالة من عدم الرضا والطبقية فى المدارس نتيجة وجود معلمين معينين يحصلون على كل الامتيازات، وآخرين غير معينين يتحملون الأعباء ولا يحصلون على أى امتيازات، وقد يتسبب ذلك أيضا فى وجود مشكلات تتعلق بالنظام المدرسى بين الطلاب والمعلمين خاصة فى المراحل الدراسية الأعلى، حيث يدرك الطلاب الفرق بين معلم الحصة والمعلم المعين.. وهذا يؤكد أن الاستعانة بمعلم لا يشعر بالأمان الوظيفى والمادى يضر العملية التعليمية ولا ينفعها، وبالتالى يجب العمل على وجود خطة واضحة للتعيين أو التعاقد المميز مع المعلمين بمكافآت مجزية حفاظا على الجهود التى بُذلت وتبذل لتطوير منظومة التعليم.
بينما ترى الدكتورة ايلارية عاطف زكي، خبير المناهج وطرق التدريس، أن مسابقة تعيين معلمى الحصة تأخرت كثيرا.. فهو حق رُد إليهم بعد سنوات من تحمل مشقة التدريس فى ظروف صعبة من ارتفاع الكثافة وتأخر المستحقات المالية والاستغناء عن البعض بعد قضاء شهور داخل المدارس وتحمل أعباء التدريس فى غياب تام لمستحقاتهم المادية والمعنوية، إلا أن القرار تضمن رفع سن الملتحقين إلى 45 عاما، أعطى الفرصة للكثير منهم للتعيين على درجة معلم مساعد طبقا لقانون الكادر رقم 155 لسنة 2007، بالإضافة إلى أن فرصة تعيينهم ستعطيهم الحق فى الترقى والحصول على كافة مستحقاتهم المادية والاجتماعية من تأمينات ومعاشات وإجازات.. هذا بالإضافة إلى سد العجز الكبير فى أعداد المعلمين وتعزيز العمل داخل المدارس بعناصر شابة تضخ دماء جديدة بمنظومة التعليم، دماء لديها من الشغف والحماس ما يكفى للنهوض بالعملية التعليمية لضمان جودة الأداء الوظيفى للعاملين بالمدارس الحكومية.
ومع ارتفاع أعداد المدارس لتخفيض الكثافات داخل الفصول، فإن قرار تعيين المعلمين الجدد سيتيح الفرص التعليمية لكثير من الطلاب، حيث ستتوافر البيئة التعليمية الجاذبة للطلاب، ويتوفر مناخ تعليمى يحقق أهداف التنمية لمصر فى 2030.
واتفقت مع كل هذه الآراء، داليا الحزاوي، مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر والخبيرة الأسرية والتربوية، مشيدة بقرار رفع الحد الأقصى لسن المتقدمين للمسابقة إلى 45 عامًا، واصفة القرار بأنه خطوة رائعة تعكس تقدير الوزارة لمجهودات معلمى الحصة الذين تحملوا الكثير من التحديات والضغوط، حيث كان تعاقدهم مؤقت بدون أى ضمانات وظيفية كاملة، لا استقرار مادى أو مهني، بالرغم من أهمية وجودهم لسد العجز فى الكوادر التعليمية بالمدارس فى جميع المحافظات.
من جانب آخر طرحت منى أبو غالي، مؤسس ائتلاف تحيا مصر بالتعليم ومؤسس حوار مجتمعى تربوي، تساؤلات بشأن موضوع معلمى الحصة، وما تم التصريح به عن مسابقة لهم دون معرفة، هل هناك شروط معينة للتقديم؟ غير أنهم يكونوا مسجلين على موقع الوزارة.. مؤكدة أن تفاصيل المسابقة ينقصها الوضوح، هل مطلوب مواد معينة، هل مطلوب مؤهل معين، خاصة أن أغلب معلمى الحصة يحملون مؤهلات غير كليات التربية.. هذا فضلا عن أمور غير واضحة ويتساءل عنها الجميع.
وأثنت أبو غالي، على فكرة رفع سن المتقدمين إلى 45 سنة، خصوصًا لأن أغلب الشباب يتجاهلون مهنة التدريس لقلة العائد المادي، وأضافت أنها تتمنى بالفعل أن تكون مسابقة حقيقية يستفيد منها الجميع، وليس فقط للتهدئة العامة للأحداث الأخيرة التى تتعرض لها الوزارة من انتقادات.
وبيَّن الدكتور خالد عبده، نقيب المعلمين بالمنيل ومصر القديمة، ومدير عام التعليم الفنى بمديرية التربية والتعليم، أن القرار جاء فى الوقت المناسب لسدّ العجز الصارخ فى جميع التخصصات، ويغطى الأعداد الكبيرة التى سيتم خروجها على المعاش فى 2025، خاصة أنهم ظلوا فترة طويلة دون تعيينات. فقد سجل عدد المعلمين فى المدارس الحكومية حتى العام الدراسى 2023-2024 طبقا لأحدث البيانات 809 آلاف معلم، وبإضافة 50 ألف مُعلم بالحصة تعاقدت معهم وزارة التعليم خلال العام الدراسى الحالى 2024- 2025، و37 ألف مُعلم تم تعيينهم من خلال مسابقة الـ30 ألف معلم، يصبح العدد الإجمالى 896 ألف معلم فقط.
وأوضح د. خالد أن المرحلة العمرية المحددة ممتازة لأنها أصبحت نادرة، غير أنهم يمتازون بخبرة جيدة، لأن الخريجين تغير تفكيرهم ويحصلون عليها كشهادة فقط، ولا يحبذون العمل بالتدريس.
وأضاف أن العجز أصبح فى جميع التخصصات، فهناك تخصصات يصل العجز بها لـ80 فى المائة وأخرى 50 فى المائة أو 40 فى المائة، حتى فى التربية الفنية والرياضية المعلم الواحد يذهب لـ5 مدارس ليغطى العجز، غير أن هذا القرار نكافئ به هؤلاء المعلمين، لأنهم حقيقة أنقذوا مواقف على مدار العشر سنوات الأخيرة، لأنه بالأرقام يخرج كل شهر من 4 آلاف لـ5 آلاف معلم على المعاش، أى ما يقرب من 40 ألفًا لـ50 ألفًا سنويًّا ما يسبب عجزًا كبيرًا، وهذا القرار خطوة جيدة ومهمة لحل الأزمة.

