قبل عشر سنوات، انطلقت فى مصر واحدة من أضخم مبادرات الحماية الاجتماعية، لتتحول من مجرد فكرة إلى منظومة متكاملة تحت عنوان «تكافل وكرامة»، مدفوعة بإرادة سياسية واضحة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، ودعم متواصل من حكومات متعاقبة، بدءًا من دولة رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب، والراحل المهندس شريف إسماعيل، وصولًا إلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى.
لم يكن البرنامج مجرد وسيلة لتقديم الدعم النقدى للأسر الأكثر احتياجًا، بل أصبح نموذجًا استراتيجيًا يُحتذى به فى إعادة بناء منظومة العدالة الاجتماعية، من خلال استهداف دقيق، وتطبيق مشروطيات صحية وتعليمية، وتمكين اقتصادى حقيقي، وبينما بلغ عدد المستفيدين منه نحو 7.7 مليون أسرة منذ انطلاقه، فإن الدولة لا تزال تمضى بخطى ثابتة نحو تعزيز هذه المنظومة، عبر تشريعات جديدة وتمويل مستدام، ومنصات دولية للحوار وتبادل الخبرات، بما يعكس تحولًا نوعيًا فى مفهوم الحماية الاجتماعية فى مصر.
بدأ البرنامج بفكرة من الدكتورة غادة والي، حين كانت تتولى منصب وزيرة التضامن الاجتماعى، والتى تحملت عبء بناء البرنامج ولحظات ميلاده حتى قبل توليها الوزارة، وصولًا إلى الدكتورة مايا مرسى، ليظل «تكافل وكرامة» تحت قيادتهن عنوانًا للعناية بأكثر الأسر احتياجًا فى ربوع الجمهورية.
الدكتور على المصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق، كان له دور كبير فى هذا البرنامج، الذى شهد فى عهده تطبيق النموذج التجريبى على أول 400 أسرة فى منطقة عين الصيرة، فضلًا عن فريق وزارة التضامن الاجتماعى الذى رسم الخطوات الأولى لهذا المشروع، من أول أسرة تسلمت كارت «تكافل وكرامة»، وصولًا إلى التوسع التدريجى والمرحلى ليشمل أول مليون أسرة، ثم التوسع فى محافظات الجمهورية كافة، وأول تغيير لبطاقات «تكافل وكرامة» إلى بطاقات «ميزة» لتحقيق الشمول المالى.
وزيرة التضامن الدكتورة مايا مرسى أكدت، أن ما تحقق فى مجال الحماية الاجتماعية خلال السنوات العشر الأخيرة يعادل عشرات أضعاف ما أنفقته الدولة المصرية على هذه البرامج منذ الخمسينيات، حيث استفادت 7.7 مليون أسرة من برنامج الدعم النقدى المشروط «تكافل وكرامة»، كما بلغ عدد أبناء هذه الأسر نحو 5.5 مليون طالب وطالبة فى مراحل التعليم المختلفة، مشيرةً إلى أنه فى الوقت نفسه تم تخارج 3 ملايين أسرة، ويستفيد منه حاليًا نحو 4.7 مليون أسرة.
ولفتت الوزيرة إلى أنه تم رفع موازنة البرنامج لتصل إلى 54 مليار جنيه، حيث بدأت 4.7 مليون أسرة فى شهر إبريل صرف الدعم النقدى بالزيادة المقدرة بـ25فى المائة بشكل دائم، منوهةً إلى أن نسبة الالتزام بالمشروطية التعليمية بلغت 81فى المائة من إجمالى الطلاب أبناء الأسر المستفيدة، بحضور لا يقل عن 80فى المائة من أيام الدراسة.
وتضمنت الفئات المستفيدة من البرنامج، بحسب «د. مايا»، الأسر والأفراد تحت خط الفقر، الأرامل والمطلقات والمهجورات، سواء بأطفال أو دون أطفال، الأطفال فى مراحل العمر المختلفة من حديثى الولادة حتى التعليم الجامعي، المسنين من سن 65 عامًا فأكثر، ذوى الإعاقة، أيتام الأسر البديلة والمؤسسات، الفتيات اللاتى بلغن 50 عامًا دون زواج أو عمل، فئات العمالة غير المنتظمة، المتعرضين للحوادث والكوارث، والأسر التى تقع فوق خط الفقر مباشرة.
كما أكدت وزيرة التضامن، وجود تكامل فى حزمة الخدمات الاجتماعية المقدمة للمستفيدين، مثل: الإعفاء من المصروفات الدراسية، فصول محو الأمية، بطاقة الخدمات المتكاملة لذوى الإعاقة، خدمات برنامج «الألف يوم الأولى فى حياة الطفل»، رفع الوعى والتنمية المجتمعية، المبادرات الرئاسية «100 مليون صحة – بداية»، التمكين الاقتصادى (خدمات مصرفية وغير مصرفية)، السلع التموينية والخبز، التأمين الصحى الشامل، العلاج على نفقة الدولة، والرعاية الصحية لغير القادرين والتأمين الصحى العام.
وفيما يخص قانون الضمان الاجتماعى رقم 12 لسنة 2025 الذى صدق عليه رئيس الجمهورية مؤخرًا، أشارت الوزيرة إلى أنه يسعى إلى استدامة قدرة الدولة على دعم الفئات الأكثر احتياجًا، من خلال إنشاء صندوق «تكافل وكرامة» وتحديد مصادر تمويله، فضلًا عن حوكمة الدعم وإجراء تحقق من المستفيدين على 3 مستويات سنويًا (الإدارة المختصة، المديرية، والوزارة) للتأكد من الاستحقاق.
كما يهدف القانون، بحسب الوزيرة، إلى أن يكون الدعم من موازنة الدولة وليس من خلال قروض أو منح مؤقتة، مع التدرج فى قطع الدعم حال عدم الالتزام بالمشروطية، وضمان جودة الاستهداف ومنع تسرب الدعم لغير مستحقيه، من خلال نصوص قانونية صريحة بعقوبات، مشددة على أن «تكافل وكرامة» يُعد نموذجًا ناجحًا للتحول الاستراتيجى فى سياسات الحماية الاجتماعية، وأحدث تأثيرات ملموسة فى حياة المواطنين.
وشهد البرنامج خلال عام 2025 زيادة فى الدعم بنسبة 25فى المائة، بالإضافة إلى صرف منحة استثنائية للمستفيدين، وتقديم حزمة تمكين اقتصادى ومشروعات متناهية الصغر. ومن المقرر خلال السنوات المقبلة استحداث برامج تمكينية تساعد الأسر على العمل المُدرّ للدخل، والادخار، والإقراض متناهى الصغر، بقيمة 10 مليارات جنيه لتمكين أسر «تكافل وكرامة» اقتصاديًا.
كذلك، تبنت مصر استحداث منصة دولية رفيعة المستوى للحماية الاجتماعية تستضيفها سنويًا بالتعاون مع البنك الدولى، لتكون ملتقى عالميًا يحتفى بالإنجازات المتميزة فى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعى، ومنارة للابتكار وتبادل الخبرات الناجحة والدروس المستفادة وأحدث الاستراتيجيات.
من جانبه، قال رأفت شفيق، مساعد وزيرة التضامن الاجتماعى للحماية الاجتماعية ومدير برنامج «تكافل وكرامة»، إن البرنامج يُعد أحد أهم برامج الحماية الاجتماعية فى مصر والمنطقة العربية، وأصبح نموذجًا يُحتذى به فى دعم الفئات الأولى بالرعاية من خلال سياسات واضحة تعكس التوجه الاستراتيجى للدولة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية.
وأوضح «شفيق» لـ«المصور» أن «تكافل وكرامة» انطلق فى يناير 2015 برؤية جديدة لإدارة الدعم النقدى على أسس علمية وموضوعية، مستفيدًا من الإرادة السياسية القوية والاهتمام المتواصل من القيادة السياسية، فضلًا عن البنية المؤسسية المتطورة داخل وزارة التضامن الاجتماعى بقيادة الوزيرة نيفين القباج، التى أولت أهميةً كبيرةً لتحقيق الشفافية والحوكمة فى كل مراحل البرنامج.
وأضاف، أن «البرنامج اعتمد منذ البداية على منظومة حديثة تقوم على الاستهداف الجغرافى باستخدام خرائط الفقر، إلى جانب الاستهداف النوعى الذى يركز على المرأة والأسر الأكثر هشاشة»، مشيرًا إلى أن البرنامج يرتكز على مشروطية التعليم والصحة كاستثمار حقيقى فى رأس المال البشرى.
كما أشار إلى أن الوزارة قامت بميكنة جميع خطوات البرنامج لتفادى التحيز البشرى وضمان المساواة فى الوصول إلى الدعم، مع تكامل المنظومة مع برامج أخرى تشمل التأمين الصحى، والدعم التموينى، والإعفاء من مصروفات التعليم، بالإضافة إلى الربط بمبادرة «حياة كريمة»، مما يعزز الحماية الشاملة للمواطنين.
وأوضح أن عدد الأسر المستفيدة منذ انطلاق البرنامج وحتى الآن بلغ نحو 7.7 مليون أسرة، أى ما يعادل 30فى المائة من إجمالى الأسر المصرية، مؤكدًا أن أكثر من 3 ملايين أسرة خرجت من البرنامج إما لتحسن أوضاعها أو لعدم استيفاء شروط الاستحقاق، ويبلغ عدد المستفيدين حاليًا نحو 4.7 مليون أسرة، بما يعادل أكثر من 17 مليون مواطن، لافتًا إلى أن الوزارة تعمل على تحديث قاعدة البيانات دوريًا لضمان توجيه الموارد للفئات الأكثر احتياجًا.
وحول مخصصات البرنامج، أشار «شفيق» إلى أن «تكافل وكرامة» شهد زيادات متتالية تعكس التزام الدولة، إذ ارتفعت من 5 مليارات جنيه عام 2014 إلى 54 مليار جنيه فى موازنة 2025، كما ارتفع متوسط قيمة الدعم النقدى من 450 جنيهًا إلى 900 جنيه شهريًا، وقد تصل إلى 3000 جنيه لبعض الأسر، حسب أوضاعها وظروفها. وأوضح أن الوزارة تطبق مبدأ «التخارج الإيجابى» بحيث تحصل الأسرة على الدعم لثلاث سنوات، ثم يُجرى تقييم شامل لوضعها، بما يحقق العدالة ويوفر الفرصة لأسر جديدة للاستفادة، مشيرًا إلى أن نحو 450 ألف أسرة خرجت من البرنامج فى الفترة من يوليو 2024 وحتى مايو 2025، مقابل دخول 650 ألف أسرة جديدة.
وفيما يتعلق بضمان الشفافية، أكد «شفيق» أن الوزارة أنشأت قاعدة بيانات مركزية مميكنة تعتمد على الرقم القومى، وتربط المستفيدين بقواعد البيانات القومية للتحقق من الاستحقاق، موضحًا أن تطوير نحو 3000 مكتب تضامن اجتماعى وتزويدها بالبنية التحتية ساهم فى تحسين الخدمة، كما تم توفير خطوط هاتف مجانية للتواصل مع المستفيدين، فضلًا عن توفير آليات لتلقى الشكاوى والرد عليها بفاعلية.
وشدد على أن البرنامج لم يقتصر على الدعم النقدى، بل امتد إلى التمكين الاقتصادي، موضحًا أن الوزارة كثّفت جهودها مؤخرًا لدعم المستفيدين بمشروعات صغيرة ومتناهية الصغر تضمن لهم دخلًا مستدامًا، حيث استفاد أكثر من 1.2 مليون شخص من هذه البرامج، وتسعى الوزارة إلى تعزيز هذه الجهود من خلال صندوق دعم الصناعات الريفية، الذى يمثل الذراع التمويلية للأنشطة الإنتاجية، إلى جانب تقديم خدمات غير مالية مثل التدريب، والإرشاد، وبناء القدرات، بما يضمن استدامة المشروع ونجاحه.

