كتب منذ شهر العنوان أعلاه، «عن سياسة الحمقى واقتصاد السفهاء!»، كتبه قبل أن نشهد أسوأ أيام البشرية فى الأسواق المالية، ثم أفضل يوم لها عقب ارتداد ترامب عن قراراته الجمركية العقابية.. (بشكل مؤقت ولمدة تسعين يوما).
يقول الدكتور محمود: «فقوة الأسواق ومؤشراتها قد تفيق المسؤولين لتصحيح سياساتهم.. فإن تتراجع أسعار الأسهم ويتدهور أداء السندات والذهب معاً أمر عظيم فى شأن الاقتصاد.
ورغم هذا الارتداد بعد التراجع عن تنفيذ الإجراءات الجمركية العجيبة، لا ينبغي أن نغض الطرف عن معضلات رئيسية فى الاقتصاد العالمي وفى أكبر اقتصاداته تحديداً، ومن أهمها التفاوتات في توزيع الدخول والثروات.
ولن يصلح هذه التفاوتات الإجراءات الشعبوية التعسة أو الارتجالات المضللة في إدارة نظم الحكم.
وتستجيب الأسواق حقاً، سلباً وإيجاباً، للقرارات الاقتصادية وفقاً لطبيعتها فوراً وفي الأجل القصير، لكن يعاني عالمنا من اختلالات نظامية زادتها التوترات الأخيرة عمقاً.
وفي تقديري أن هذه السنة 2025 ستذكر باعتبارها آخر عهدنا «بالنظام الدولي» وترتيباته المتوارثة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية».
يضع الدكتور محمود يده على موطن الداء، يشخص السرطان الذي ضرب الاقتصاد العالمي، يحدثنا عن المربكات، والعشوائيات، وسياسات الإذعان، والاستقواء، والاستفراد بتقرير المقدرات، ولأنه صاحب نظرة كلية للاقتصاد الكونى، يخشى انهيار النظام الاقتصادى العالمى، إذ فجأة ما يغرق الشواطئ جراء تسانومي عاصف لن يبقي ولن يذر..
مغتبط بكون حكيم الاقتصاد العالمي مصري يجري في عروقه ماء النيل، وفخور بما يحققه الدكتور محمود عالميا، صار علما يشار إليه بالبنان، ومرجعا اقتصاديا مقدرا، الوطن الذى يصدر هذه المواهب للعالم، وطن عظيم الإسهام في النظام الدولي الجديد.
راجع تحليلات الدكتور محمود باللغات الحية (وجميعها مترجم إلى العربية) وكثيرا ما يكتب بالعربية مباشرة، ستقف على حروف الاقتصاد العالمى ومستقبليات القلقلة التى شاهت وتشوهت بفعل نزوات (المطور العقارى) الذي يسكن البيت الأبيض، ويحلم بعالم ذي قطب واحد، تقف على قمته الولايات المتحدة منفردة، متفردة، ولا يطاولها أحد، ومن يفكر فى المنافسة سيلقى (جزاء ترامب) ، وهو شبيه بـ»جزاء سنمار».. بل أضل سبيلا .
تحتاج إلى مراجعات معتقداتك الاقتصادية على مراجع الدكتور محمود لتقف على أرضية معلوماتية صلبة، وتحليلات منهجية، وأفكار مرتبة، وتحذيرات صارخة، لعل ساكن البيت الأبيض يفيق من سحرة اكتساحه الانتخابات الأمريكية، ويعقلها، ويفقهها حتى لا يندم في وقت لا ينفع فيه الندم، ولا يجدي البكاء على اللبن المسكوب..
تشخيصا أمينا، الدكتور «محمود محيي الدين» صار مثل زرقاء اليمامة، وزرقاء اليمامة شخصية عربية من أهل اليمامة كانت مضربًا للمثل في حدِّة النظر وجودة البصر، إذ قيل إنها كانت تبصر الأشياء من مسيرة ثلاثة أيام، وبهذه القدرة أنذرت قومها بأن وفود «حسان بن تبع الحميرى» وجموعه قادمة إليهم مستترة بالأشجار تريد غزوهم، ولكنهم اتهموها بالخرف ولم يصدقوها فاجتاحهم الأخير وقضى عليهم.
وهكذا يحذر الدكتور محمود، هل يصدقونه، قبل الطوفان الذي سيجتاح العالم، ويحيل النظام الاقتصادي العالمي هشيما تذروه الرياح.. مثلهم ضرب به الرسول الكريم مثلا في حديث السفينة، «فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا».
الصداقة الطيبة التى تجمعني بالدكتور محمود سبب لكتابة هذه السطور المتواضعة في محبة كبير المقام، ولكن هناك أسبابا عدة للغبطة والفخر بمنجز الدكتور محمود، أولها الاستحقاق الشخصى الذى ظهر جليا فى توليه أرفع المناصب والمواقع في صلب الاقتصاد العالمي.
وثانيها، كونه خبيرا مصريا بارزا، ما يثبت أن مصر غنية بالكفاءات ذات المواصفات الدولية، وقائمة الخبراء المصريين حول العالم إسهاما في النهضة الكونية تضم أسماء تحظى بسمعة دولية طيبة.
وثالثها محبته لمصر، وكونه مصريا فهذا من دواعى الفخر، فضلا عن سجاياه وشمائله، وفيها من الجود والكرم، وآخرها وليس بآخر، ذائقته الأدبية، مثقف من طراز رفيع.
الدكتور محمود صار رقما مصريا مميزا فى سياق المنظمات الدولية، يبحثون عنه كلما شغر منصب دولي، ولولا بعض الاعتبارات الدولية فى سياق المناصب الرئيسة فى الصندوق والبنك الدوليين، لترأس أحدهما، وهو جدير بهذه المناصب الدولية جميعا.
ما يميز محيي الدين دوليا فضلا عن كفاءته وخبراته وما يقدمه من جهود دولية مقدرة في سياق التنمية المستدامة فى مناطق المعاناة تواضعه الجم، وبساطته، وثباته الانفعالي، والتأقلم فى مناخات عدة، ومواهبه الشخصية القيادية التى تجعله محل ثقة المؤسسات الدولية.
وليس خافيا على المحبين عشق الدكتور محمود لمصر وكل ماهو مصرى، قلبه معلق بأغلى اسم فى الوجود، ولا يبارح مصر وهو خارجها، ويحمل همها، ويعيشها لحظة بلحظة، وفى ظهر قيادتها بكل ما يملك من خبرات أملا فى إحداث طفرة تنموية يتمناها لمحبوبته (مصر).
يحتفظ الدكتور محمود بأجندة دولية ترشحه صديقا لقيادات عالمية، رئاسات وملوك وأمراء، وقادة سياسيين وروحيين، ولكنه يحمل في قلبه أجندة مصرية تضم أسماء طيبين، الدكتور محمود لا ينسى أصدقاءه، وحريص على التواصل الحميم، ويعيش بروحه في مصر، متابعا إبداعات المبدعين، ثقافة وفنون ومعارض تشكيلية.
كما عرفته ، قارئ، وناقد، وكاتب كبير، مقالات الدكتور محمود الاقتصادية التى تنشر في كبريات الصحف العالمية والدوريات المتخصصة، وتترجم عربيا، فيها نفس مصرى، يكتب بمداد مصرى من محبرة فرعونية.
تخفي مقالاته المتخصصة فى التنمية، حسا أدبيا رفيعا، واحتفظ بمقالات إنسانية للدكتور محمود في مجلتنا العريقة «المصور» تنم عن قلم أديب سلك طريق الأرقام، ولكنه يحن إلى طريق الأدب الإنساني الرفيع.
من سجايا الدكتور محمود حرصه على القراءة، قارئ مجيد، يدهشني أحيانًا وهو يكلمني من عاصمة إفريقية أو آسيوية وأحيانا من واشنطن ليسأل عن كتاب صدر في مصر حديثا.. أو مقال فاته بين سفراته العديدة، ساعات طيران الدكتور محمود حول العالم تسجل أرقاما قياسية، تقريبا لا يفك حزامه، ولكن في حقيبته دوما رواية أو كتاب لمبدع مصرى يطالع فيه آيات من حب الوطن.