في إطار جهود سلطنة عمان الحثيثة للاستفادة من مواردها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي لتكون لاعباً رئيسياً في تحول الطاقة العالمي نحو المصادر المتجددة وتعزيزا لريادتها في الطاقة النظيفة ،تم اطلاق أول ممر تجاري عالمي لتصدير الهيدروجين المسال نحو أوروبا، لتأتي هذه الشراكات الدولية كخطوة تاريخية استراتيجية تتماشى مع أهداف رؤية عُمان 2040 الطموحة لتنويع الاقتصاد الوطني وبناء مستقبل مستدام، حيث أبرمت السلطنة مؤخرا اتفاقيات محورية مع مملكة هولندا لترسيخ مكانتها كمركز عالمي للطاقة النظيفة، وتحديداً في مجال الهيدروجين الأخضر المسال.
وسينطلق هذا الممر من ميناء الدقم العُماني الواعد، ليصل إلى ميناء أمستردام ومنه إلى مراكز صناعية ولوجستية رئيسية في أوروبا، ويعكس هذا المشروع الضخم الثقة العالمية في قدرات السلطنة ويمثل حجر الزاوية في استراتيجيتها الوطنية للهيدروجين الأخضر.
وتظهر هذه الاتفاقية بوضوح الجهود المنظمة والمشاريع الطموحة التي تقودها سلطنة عُمان في هذا المجال وتُجسد هذه المشاريع العملاقة التوجهات الاستراتيجية لسلطنة عُمان نحو تنويع اقتصادها .
وستعمل مجموعة أوكيو على تطوير محطة الهيدروجين المُسال والمنشآت المرتبطة بها، بما في ذلك مرافق التخزين والتصدير في حين سيعزز النمو المتسارع لمشاريع الهيدروجين الأخضر في الدقم جاهزية الممر وقدرته على الإسهام في تحقيق المستهدفات الوطنية، وتوظيف البنية الأساسية المتكاملة التي توفرها المنطقة الاقتصادية الخاصة، والموقع الاستراتيجي للميناء.
وتسعى اتفاقية التطوير المشتركة إلى أن تعتمد عمليات النقل البحري ضمن هذا الممر على سفن متخصِّصة مجهّزَة بتقنيات متقدِّمة تقوم بتطويرها شركة «إيكولوج» لضمان نقل الهيدروجين المُسال بكفاءة عالية. وأما في الجانب الأوروبي، فسيرتكز الممر على إنشاء محطات تحويل الهيدروجين المُسال إلى حالته الغازية في ميناء أمستردام، ليتم بعدها تزويد القطاعات الصناعية في هولندا وألمانيا باحتياجاتها من الهيدروجين عبر شبكات أنابيب الغاز، وخطوط السكك الحديدية، والممرات المائية.
الهيدروجين الأخضر بديلا عن النفط
يُعد تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر ركيزة أساسية ضمن خطط السلطنة لتقليل الاعتماد على النفط والغاز، وبناء اقتصاد معرفي ومستدام وفقاً لمحاور رؤية عُمان 2040 , ويمثل الريادة في الطاقة المتجددة عن طريق الاستثمارو بشكل كبير في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويمثل الهيدروجين الأخضر المنتج من هذه المصادر النظيفة امتداداً طبيعياً لهذه الجهود، وخطوة متقدمة نحو تحقيق أهدافها في مجال الحياد الكربوني ، بالإضافة الى بناء القدرات الوطنية وتطوير البنية التحتية .،و جذب الاستثمارات الأجنبية ،فهذه المشاريع القائمة في محافظتي الوسطى وظفار، والتي تشهد مشاركة واسعة من شركات عالمية كبرى، تبرهن على نجاح السلطنة في توفير بيئة استثمارية جاذبة تدعم تحقيق أهدافها التنموية. كما تستعد السلطنة لطرح مزيد من الفرص الاستثمارية عبر جولات مزايدة قادمة ، وتمثل كذلك تكامل منظومة الطاقة من خلال مد الجهود لتشمل تطوير البنية التحتية الداعمة، مثل الشراكة لتطوير الدقم كمركز إقليمي متكامل لتخزين وتداول منتجات الطاقة منخفضة الكربون، ودراسة شبكات نقل الهيدروجين، مما يعزز تكامل سلسلة القيمة بأكملها.

وتتولى مؤسسات وطنية رائدة مثل شركة هيدروجين عُمان (هايدروم) مهمة تنسيق وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين، بينما تعمل مجموعة الطاقة الحكومية (أوكيو) على تطوير البنية التحتية الحيوية كمحطات الإسالة والتخزين والتصدير في الدقم، بدعم من القدرات اللوجستية لميناء الدقم والمنطقة الاقتصادية الخاصة.
تحقيق مستهدفات رؤية عُمان 2040
يؤكد إطلاق هذا الممر العالمي لتصدير الهيدروجين الأخضر، المقترن بالاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والمشاريع الإنتاجية، على أن سلطنة عُمان تمضي بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف رؤية عُمان 2040، لتصبح مورداً عالمياً موثوقاً للطاقة النظيفة، وشريكاً فاعلاً في بناء مستقبل طاقة مستدام للعالم. مما يُعزِّز مكانة سلطنة عُمان على خريطة تدفقات الطاقة العالمية، ويدفع بعجلة التحول في قطاع الطاقة بما يعود بالنفع المستدام على اقتصاد سلطنة عُمان والأجيال القادمة، كما يعتبرعاملًا مهمًّا في زيادة الثقة ولَفت أنظار العالم، وجذب الكفاءات والخبرات العالمية، وتوفير التمويل الدولي، والمواءمة بين الأهداف الاستراتيجية والاستثمارات، فضلًا عن تيسير الوصول إلى المواهب العالمية والتواصل معها.
وقد آمنت سلطنة عمان بأهمية إيجاد مستقبل طاقة مستدام بالشراكة مع العالم، وذلك تماشياً مع رويتها وأهدافها الاستراتيجية في قطاع الطاقة، واعتمدت استراتيجية وطنية للتحول في الطاقة والمحافظة على البيئة، لتقليل الانبعاثات دون التأثير على النمو الاقتصادي وإمدادات الطاقة عالميا، كما وضعت خارطة طريق لتحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2050، مكنها من بناء الأسس الرئيسية لقطاع الهيدروجين الأخضر في وقت قياسي، وبات أحد جوانب الاستثمارات المهمة في الطاقة الخضراء في سلطنة عمان، من خلال تخصيص مساحات من المواقع المناسبة لإنتاج الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والتي تزيد عن 50,000 كم²، والفرص والحوافز التي تم إطلاق جزء منها ،والتي نستهدف من خلالها إلى إنتاج أكثر من مليون طن من الهيدروجين بحلول عام 2030م، وما يقارب 8 ملايين طن بحلول عام 2050م باستثمارات متوقعة تصل إلى 140 مليار دولار، كما إن السلطنة باشرت بوضع الضوابط لاستكشاف وإنتاج الهيدروجين الجيولوجي.