كنت الساذج منْ ظن حسن الظن فى البراءة واعتقد فى ابتسام الزمان.. هو الزمان الذى لا يرفع يده من ضرب وتكسر فى متاهة الطريق.. يناور الطيب مثل الشرير بامتلاك الأسى فى ابتلاء وعقاب.. كيد بوحشية وعليك الصبر والاحتساب.. وقفات وترقب وتمهل فى محاولات لمْلمة الشتات لتنسج سبل الحياة.. تأسف فى التكرار!.. تجميع للأعذار!.. بحث عما كان عليك أن تختار وأن تكون؟!.. ولكن لا شىء مما كان.. كان!.. فى الحب والخوف والغدر.. ظننا واكتشفنا غيره.. اعتدنا ولم نعتد؟!.. اشتقنا ولم نكن بحاجة لما كان!.. كل شىء يبقى ولم نحتج غير مرور الليل ليسكن الألم دون أن يمر!.
كنا نخاف.. كنا نقف.. كنا وكنا.. ننتظر بأفراح وحزن وملل.. بمشاعر نألفها وأخرى نمقتها.. أمور عظيمة لا ندرك قيمتها إلا بعد مرور وقت طويل.. تتصحر معه حياتتا ولم يعد بها أشياء مهمة أو ترقى لقيمة تشبع غرورنا.. فتعمد ذاكرتنا المتمردة الملعونة تذكيرنا بها كما لو كانت جزءا منا؟!.. تُعاودنا بعد انتفاء زخم الحياة عنا وفقدنا للكثير ولم يعد لدينا الجديد.. فنتأسى على ما فات.. فالفرص والأحداث فى تضاؤل مع تآكل الأعمار.. ويصبح رصيدك الأكبر ما تأسى عليه؟!.. مدفوعا للتمسك حتى التافه من أمور وأشياء وصور وحكايات؟! .
فالقادم يأخذ منك دون إضافة لقدرك.. وبمرور الوقت لا يصبح الزمان زمانك وكل ما فيه يدفع بك للرحيل بأشكال مختلفة.. إزاحة.. انتحار.. إعدام.. انعزال وتجميد حتى يحين موعد إلقائك بعيدا.. وكل ما تصبح عليه رجاء لعاجل بالصفح عنك أو ترقب لصفع جديد بعد أن قيل كل شىء؟!.
كل غير موجود ولا يحسب لأحد حساب.. بطريقة درامية نواجه مصائرنا.. بشهقة الموت أو بمضجع القلق نتمدد.. لحظات تبتلع لحظات ومعها نودع الحياة.. تتناقض فى أشكالها.. تتفق فى تفاهتها وعدم جدواها.. فما بلغت الدفء وما مزقتك وقضت عليك؟!.
محاولين معرفة مواقعنا من الأشياء وعلى أى مسافة نكون؟!.. بُعد.. قُرب.. رغم علمنا أننا مررنا بكل المواضع وأصابنا الكثير ولم نبلغ المراد أو اللامبالاة!
أكل الحمق منا الكثير عبر سنوات عبث فى أحلام اليقظة والبراءة والغباء.. الغريب أننا لم نكتشف أن مسيرتنا كانت مليئة بالوحدة رغم اشتباكنا بآخرين!.. ربما لم نكن بحاجة لأحد بشكل كافٍ فلم ننتبه للخذلان؟!.. لكن تعاقب الأيام وتناقص قوانا وخلوتنا بأنفسنا وعودتنا المفرطة لوسائدنا وندرة الجميل ورتابة الحياة هى ما جعلتنا نكتشف مدى وحدتنا التى لا نستحقها.
ربما تغيرنا من النقيض للنقيض.. ربما أصابنا الصمت؟!.. ربما نشدنا الهذيان وربما كان حالنا؟!.. لكن المؤسف أنه يأتى فى نهاية أعمارنا، فبدلا من أن نهدأ نزداد حمى وحسرة بحقيقة عبثية المسير!.. فى نهايات مقنعة أو بغير بأسباب نعلم منْ المنتصر والمزيف؟!.. فى حكايات تنتهى دون أثر للسائر وبممنوع السؤال واختفاء الجواب!.. يصبح الجميع فى احتياج دائم ومتواصل لتوضيح الأمر الذى بات حالة أزلية بعجائب ما نحيا!.. ما نرى؟!.. ما نسمع ليصير الجنون مألوفا؟!.. والحيرة مسكونة؟!.. والألم مرافق والدهشة حمق وغباء؟!.. بأنفس تعبت وعقول شاخت من صدمة الحواجز ومن صعب المنال ومشقة الانتظار!.
نفقد رصيد المقاومة ومعه السعادة من فرط الاستسلام لتجاوز ذواتنا فى علاقات غير متكافئة.. نتهاوى ونحزن على قدر التلاشى الذى ترفضه النفس البشرية.. فلغز النفس فى رفضها الانصهار والذوبان حتى ولو فى علاقات مؤقتة.. تحاول فى محطات فارقة استرجاعها بندم أو تأثر أو انقلاب فى أشكال متطرفة كى تنجح فى استعادتها.. فالنفس لا تموت إلا بموت صاحبها وما مر من أمس لا تغفره رغم محاولات الاختباء والسكون.. بلسان حال نكون دون أن نكون كما سبق!.
فى غفلة ويقظة تتقلب تقلب الجريح منْ كتب له التعاطى على وهم وظن اليقين.. عن مكوث واعتقاد وسلام؟!. بالعناد لحكم الحياة رغم ضعفك.. مدافع عن وجودك بلا عهد أو كلمة أو شارة المرور!.
جال بخاطرك ما جال.. وصال ما صال.. كنت المسابق لنفسك ومنْ ألقى به فى هواجس وزوايا الطريق؟!.. ترى نفسك مرابطا وأنت المهزوم؟!.. مخبوء وظاهر من سترة من زمن قد يغض الطرف عنك على موعد باللقاء.. مستعد لفيض من عراك يقلب المسير.. تقبلْ صفعاته وارضَ بواقعه فى تآلف والتصاق.. فى خروج ودخول وإيقاع صاخب وهدنة وعودة.. فى ترقب وترصد.. بلا دهشة ولا عتاب لأحوال الزمان.. فمحاولاته معهودة وعليك الاستيعاب.. تطلب سلاما ووئاما فى صراخ وحركات بأنك قد أنهيت العقاب فأين الجزاء؟!.. تتنهد طويلا وتمكث كثيرا وقليلا ملوحا طالبا النجاة.. تُصارع الطوفان أو الهلاك.. أيا كان لا تعلم كيف تنجو ولا يعلم غير من نجا مجردا بلا أسباب؟!.. ربما كانت المصارعة للبقاء؟!.. بعيد على أعتاب النجاة؟!.. بموعد ترجاه ألا يتأخر بلسان حال تطهرت من كل الخطايا حتى ما لم أفعل؟!.
أين منى فأنا الغارق بين شقوق الوهن والألم؟!.. غلبت بكل الحروف بكسرها وفتحها؟!.. أتوق لرفع دون معاودة لجر.. لراحة أو لحظات من السعادة الفانية!.. سلاما لروح وإنْ انتهى العمر على غير موعد؟!.. لطف من رب الرحمات.. فأنا منْ ملأت الهواجس فؤادى بروح المجروح المتعب!.. وصرير الأنين لانعتاق!.. لحضور!.. كفانى غيابا وأنا منْ ملأ الوجود حضورا؟!.
صرت الخافت ضوءا وأسير الاختباء.. رغم مطاردتى لشبح الحياة ما وجدت نفسى الضائعة!.. أتقلب وأطارِد وأطارَد تنفلت منى زمام نفسى وأستمر لأعود وأكتشف غير ما كان؟!.. على هاوية أتردد.. وبصفع تلكمنى الحياة فى وجهى فتتغير ملامحى ويتعجب أهل الزمان رغم تشابه الأحوال؟!.. فمن طواحين الزمان الكل ممزق.. بالكاد نتعرف إلى بعضنا خلف أصواتنا الواهنة.. نقول غدا سنكون ويأتى ولا يكون!.. نقول كان لنا ماضٍ رغم أنه لم يكن ما كان غير فى أعين مريضة؟!.. وماذا سجل الزمان وماذا حوى من أحوال العباد؟!.. وما كتب لمصائر العزيمة والإرادة؟!.. أضرار الهالكين وأوجاع الممزقين؟!.. باللهفة نتوق لتغير الحال لحال.. لأرض وأناس وأشياء لكل ما يكوى النفوس برغبات وطموحات فى استفزازات واستهدافات بشر ضعيف يتعثر بالصدود؟!.. تجافيه كل راحة حائرا فى متاهات الوهم!.. يبالغ فى الأمل ويفقده!.. تضيع منه الأشياء دوما!.. يعتلى الثقة ويفقدها!.. يحب اللاتوازن وإذا كان توازنا فهو المشتت بفراغات الهوى!.. مقنع نفسه بأنه المنكر للهزيمة!.. يحمل الحسابات الخاطئة ويرفض النبذ والندم!.. بالإنكار والهروب يمر.. بقلاع الحماية يتحصن.. يتجاهل الألم.. ينجح.. يلهث راكضا من الدوار يعانى!.. يراقص.. يصرخ محاولا عقد صفقات الأمل.. يضحك على أحلامه وجهده الذى لم يوصله لشىء!.. يحاول أن ينسى كل شىء حتى الحنين صار يمقته!.. معلق بأى شىء يهبه شيئا من للحياة للعبور من عتمة وخوف.. يستحضر الإرادة من عقر دارها أن تبقى منه شيئا ولو صار رمادا فى إشكاليات الوجود والعدم!.
دون قدرات خاصة.. دون شىء فريد.. دون جزاء لمجتهد يتنقل بين خانات الحظ المتباعد عسى أن ينجو بمعجزة من ليل طال أمده!.. من استطالة لحزن بلا نهاية.. بلا عناق.. بلا جبر.. بلا منْ يجود!.. يرجو إغلاقا لفوهة الأحزان بقبضة الزمن.. التئاما للجروح وشفاء للمواجع!.
ما زلنا على مفترق الطريق وإن أوشك العمر على النهاية؟!.. نناجى سحائب العطاء علّها بالهنا تجود.. بالنور تحيك ثيابا وارتساما حتى ولو صار مؤقتا!.. باب سحرى يفتح للبهجة نوافذ الدهشة ويدفع احتمالات العبور فوق سنين عجاف من صنوف العسر.. عرجت وغزلت أغانى الصبر.. بلوذ بمهرة الركض بين أنفاس الوجود.. بعاجل لهوف أو بطىء يحقق المراد.. فما عاد من أسى سوى مر البعاد.. ومن مطايا الخيال كان وما كان مما كان!.
كنت الأسير بهلام الأمل المفقود.. خلاص من قيد مدمٍ.. بروح ونفس ضاق بها الفؤاد.. خاب الظن ولا غاب الرجاء بوهم الملاذ.. غفوت واستيقظت بطيف وهمس.. أجول بصارخ بوصل لسير فى أفق قريب.. بأنوار الخطى الواثق الموثوق. أين منى ما كان وكل يتساقط متعجلا ينازلنى النهاية.. وإن كانت فلتكن اللائقة؟!.. دون أقدام تدوسنى.. بساعة ينقضى الأمر كما لم يكن غير انقضاء لمغالبة الأحوال.
فكم كنا فى أيام وليالٍ ذوى هيئة وبهاء؟!.. عدنا نتساءل بذات الألم لما انقلب الحال لحال؟!.. نرجو صياغة المنقلب دون وصفة فى دوائر الحنين!.. رغم التهم والجرم نطل ونطيل النظر لماضٍ رغم المرور ما زلنا نراه!.. نلتقطه فما عدنا نملك سواه.. من صفع وصراخ لمنْ أسقط أسيرا لحياة لا ترحم.
بويلات الزمان امتلأنا.. وهزمنا بتعاقب السنين.. بغروب أوشك الركون بسيف العمر.. خاب الرهان على الأشخاص والأشياء.. عانينا وهزمنا.. صرنا وما عاد من الكثير سوى كثير من الكسر من زمان يقسو بأيام يصعب حملها لنفس لا تعلم أى وجهة تنتمى؟!.. ما زال عليها أن تحيا التوقع دون التوقع؟!
هزمتنا الحياة رغم تمثيلنا كل الأدوار وتناسيها؟!.. امتلكنا الغرور وفرض علينا أن نحيا الأساطير من المجون فصرنا غير الموجودين.. مهما خاننا التقدير بهزيمة نكراء ملفتة أو نصر مبين كان علينا أن ننازع الحياة وتنازعنا كل الأشياء بالقوة والعنفوان رغم الوهن!.. ننزع من قلوبنا الخوف الذى فطرنا عليه.. نتعايش مع ذكرياتنا.. نحيا الواقع المعقد.. نتكبر ونتجبر حتى لا نُسحق؟!.. حارقين كل وثنية من إخلاص وتفانٍ ومن كل عاطفة نتستر وراءها.. بكذب وافتراء نقر بوجودنا؟!.. رافضين تسليم أوراق اعتزال الحياة.. بقلوب لا تنسى ولا تسامح.. بعقول واعية ربما أشعلتها رغبات الانتقام والكره والثأر لكرامتها على ذلك الواقع الغريب!.. نؤدى ذلك الخيال وتلك الخطيئة فرارا من تلاشٍ واستكانة خلف لعنة وابتزاز.
فُرض علينا الوجع بأرواح منهكة.. ننام عنوة ونستيقظ مفزوعين ونعود للمضى بنفس الطريقة مع كل شىء يشاركنا حياتنا؟!.. ننتظر خوفا ونقترب خوفا ونبتعد من شدة الخوف؟!.. صرنا رهن أوزار وتمزق.. نسارع خلف أوهام.. على وداع دائم لأجمل اللحظات وآخر اللحظات.. نرحل مفارقين كل شىء بلا وداع أو وصية بلسان حال كنت غير موجود ولا شىء مما كان.. كان؟!.