رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«تركيا تشتعل».. إلى أين يتجه المشهد السياسى؟


2-4-2025 | 16:13

.

طباعة
تقرير: إيمان السعيد

بمجرد اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، وأحد أبرز وجوه المعارضة فى تركيا، انفجرت الاحتجاجات فى الشوارع وسط اتهامات تتراوح بين تأسيس وإدارة منظمة إجرامية، وتلقى رشاوى، إلى الابتزاز والتلاعب فى المناقصات. لم يقتصر الأمر على إبعاده عن منصبه، بل جاء ذلك فى توقيت حساس، قبل أيام فقط من إعلان ترشحه رسميًا للانتخابات الرئاسية عن حزب الشعب الجمهوري. وبينما وُجهت إليه اتهامات بالفساد، التى ينفيها بشدة، اختار الحزب تأكيد ترشحه من داخل زنزانته عبر تصويت رمزى، مما زاد المشهد تعقيدًا. وفى سياق متصل، شملت حملة الاعتقالات أكثر من 100 شخص، ما يسلّط الضوء على التوتر السياسى المتصاعد فى البلاد.

اشتعلت تركيا بالاحتجاجات، التى انطلقت على نطاق ضيّق نسبيًا بالنسبة إلى مدينة يزيد عدد سكانها على 16 مليون نسمة، لكنها امتدت منذ ذلك الحين إلى عشرات المدن الأخرى فى أنحاء البلاد، ووصلت الآن إلى مستوى لم نشهده منذ أكثر من عقد. اتسمت المظاهرات بالسلمية إلى حد كبير، على الرغم من وقوع اشتباكات مع الشرطة التى استخدمت خراطيم المياه والغاز المسيّل للدموع. العديد من المحتجين على اعتقال إمام أوغلو هم من طلاب الجامعات، تجمع طلاب من جامعات مختلفة أمام جامعة إسطنبول بالقرب من منطقة بايزيد، واخترقوا حاجزًا للشرطة وتوجهوا نحو سارخانة، حيث يقع مبنى بلدية إسطنبول الكبرى، كما نُظمت احتجاجات عدة جامعات بإسطنبول قبل أن تمتد إلى الشوارع، ووفقًا لوزير الداخلية التركي، اعتُقل أكثر من 1100 شخص منذ بدء المظاهرات.

أكرم إمام أوغلو من السياسيين القادرين على تجاوز كل هذا والوصول إلى الناخبين، إنه بارع فى التعامل مع وسائل الإعلام، وقد انتُخب عمدة إسطنبول ثلاث مرات، وهو الآن متهم بالاختلاس وتلقى الرشوة وإدارة منظمة إجرامية، وفى حال إدانته، قد يُمنع من الترشح للرئاسة، وقد استأنف بالفعل إدانته السابقة وحكمًا بالسجن لمدة عامين بتهمة إهانة مسؤولى الانتخابات.

أدان الرئيس رجب طيب أردوغان الاحتجاجات، قائلًا: إن حكومته لن «تستسلم» لـ»التخريب» أو «إرهاب الشوارع». قد تكتسب الاحتجاجات زخمًا وتستمر فى الانتشار، مما يمثل تحديًا خطيرًا لأردوغان. وقال أردوغان: «لن نقبل الإخلال بالنظام العام». وقامت السلطات التركية بحظر التجمعات العامة، لكن هذا لم يردع المتظاهرين. كما نفى أردوغان وإدارته مزاعم أن اعتقال إمام أوغلو كان بدوافع سياسية، وأصرّوا على استقلال القضاء التركي. ويقول الرئيس التركى إن حزب الشعب الجمهورى لم يتمكن من الرد على مزاعم الفساد، واتهم رئيس الحزب، أوزغور أوزيل، بإثارة الاضطرابات فى الشوارع. وحثّت المفوضية الأوروبية تركيا على «التمسك بالقيم الديمقراطية» بصفتها دولة عضوًا فى مجلس أوروبا ومرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فى المقابل، تعتزم المعارضة مواصلة الضغط والمظاهرات، لكن بعد عقدين من توليه السلطة، لا يزال أردوغان يتمتع بتأييد واسع، ويبدو عازمًا على الصمود، وسيعوّل على خفوت المظاهرات مع مرور الوقت، وستختبر الأيام والأسابيع القادمة قدرة كلا الجانبين على الصمود.

فى تصريح خاص لـ«المصوّر»، أشار الدكتور كرم سعيد، الخبير فى الشأن التركى، إلى أن الأحداث الأخيرة فى تركيا انعكست بشكل واضح على صورة البلاد على الساحة الدولية، حيث تراجعت مكانتها الذهنية لدى المجتمع الدولى. وظهر ذلك جليًّا فى الانتقادات الإقليمية والدولية التى طالت أوضاع حقوق الإنسان فى تركيا، إلى جانب الإدانات الواسعة لاعتقال أكرم إمام أوغلو، والتشكيك فى التهم الموجهة إليه. وأكد «سعيد» أن العديد من المنظمات الحقوقية اعتبرت هذا التوقيف مسيّسًا، خاصة فى ظل محاولات الحزب الحاكم تحجيم خصومه السياسيين، لا سيما أولئك الذين يحظون بشعبية واسعة داخل تركيا. ويأتى فى مقدمتهم إمام أوغلو، الذى تمكّن خلال السنوات الماضية من تحقيق إنجازات بارزة، سواء على مستوى بلدية إسطنبول، أو من خلال توسيع قاعدته الجماهيرية.

وحول التداعيات الاقتصادية، أوضح «سعيد» أن هذه الاحتجاجات سيكون لها ارتدادات سلبية على الاقتصاد التركى، لا سيما مع تراجع قيمة الليرة فى وقت تحاول فيه البنوك التركية ضخ المزيد من العملة الصعبة لموازنة هذا الانخفاض، وقد أدى ذلك إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة حالة القلق بين المستثمرين المهتمين بالسوق التركى.

أما على صعيد العلاقات الدولية، فقد أشار إلى أن هذه الاحتجاجات قد تعيد تشكيل جانب من السياسة الخارجية لتركيا، خاصة فى علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، الذى كان الأكثر تفاعلًا مع ما يحدث فى الداخل التركى. فقد أصدر مجلس أوروبا بيانًا يدين اعتقال إمام أوغلو، كما أعربت عدة دول أوروبية عن قلقها وانتقدت هذا الإجراء بشدة. فى المقابل، كانت ردود الفعل الأمريكية أقل حدة، حيث لم تتخذ إدارة بايدن موقفًا متشددًا تجاه ما حدث فى تركيا. وفى هذا السياق، قام وزير الخارجية التركى بزيارة إلى واشنطن لمناقشة العلاقات الثنائية، وهو ما يشير إلى أن التأثير الأكبر لهذه الأحداث سيكون على العلاقات التركية-الأوروبية، فى حين أن الولايات المتحدة تتبنى نهجًا أكثر براجماتية فى تعاملها مع أنقرة.

يرى د. طارق وهبى، خبير العلاقات الدولية، فى تصريحاته لـ«المصور»، أن هذه الاضطرابات تأتى فى إطار تحركات استباقية من الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى لم يعد قادرًا على الترشح للانتخابات المقبلة، ويخشى أن تؤدى سيطرة المعارضة على الحكم إلى فتح ملفات قضائية ضده وضد أعضاء حزبه. لذلك، يسعى أردوغان إلى إحباط أى عمل سياسى معارض، مما قد يمهّد الطريق أمام “ولىّ عهد سياسى” جديد يكمل سياسة حزب العدالة والتنمية. كما أن هذه الأحداث لن تؤثر كثيرًا على الوضع الإقليمى لتركيا، إذ لا تزال تحتفظ بدور محورى فى الشرق الأوسط مدعومًا من الولايات المتحدة، التى قد تفضل استمرار أردوغان على خيار المعارضة الذى قد يتعارض مع بعض المصالح الأمريكية.

أما على المستوى الاقتصادى، فيشير «د. وهبى» إلى أن السوق التركية استجابت فورًا للأزمة، حيث تراجعت قيمة الليرة مقابل الدولار وهبطت البورصة بشكل ملحوظ، وهو ما استغله أردوغان لتعزيز خطابه حول وجود «مؤامرة خارجية» تستهدف تركيا. رغم ذلك، تبقى تركيا بيئة استثمارية مهمة بفضل رخص العمالة والبنية التحتية القوية، إلا أن حالة عدم الاستقرار السياسى قد تدفع بعض المستثمرين إلى التريّث فى توسيع استثماراتهم داخل البلاد.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة