ما أعظم الحديث عن يوم الشهداء، وما أجمل الكلام عن تضحيات الأبطال، وما أحسن السرد فى سيرة أخلص الرجال، وما أجل الحكى فى مسيرة أنبل المحاربين، وما أحسن الرواية عن بطولات أشرف المقاتلين، لأن سجل بطولاتهم الخالدة، ودفتر تضحياتهم الباقية ستظل موطنا للفخر جيلا بعد جيل، ومبعثا للعزة بتعاقب السنين، فقد جادوا بأرواحهم الطاهرة، وقدموا دماءهم الزكية عن طيب خاطر من أجل الحفاظ على الوطن آمنا مستقرا، محفوظ المكانة، مصون السيادة، قوى الهيبة، شعارهم الثابت فى كل مراحل النضال الوطنى «النصر أو الشهادة»، ومنهجهم الدائم «الفداء والتضحية»، ونشيدهم المتوارث «فدائى فدائى .. أهديكى يا مصر دمائى»، ومن حقهم علينا استكمال المشوار، والبقاء على العهد لتظل راية مصر عالية خفاقة مهما كثرت المؤامرات الهدامة، وتعددت المخططات المدمرة، فعلينا أن نكون جميعا على قدر التحدى خصوصا فى هذه المرحلة الصعبة، وتلك الحقبة الفارقة فى عمر وطننا الغالى، وأمتنا العربية الحبيبة.
«تعظيم سلام» لأرواح شهدائنا الأبرار فى يوم الأبطال من قديم الزمان وحتى اليوم، فهم خير قدوة، وأفضل مثال على عزيمة المصريين التى لا تلين، وإرادتهم التى لا تنكسر فى الدفاع عن تراب الوطن، وصون مقدراته فى البر والبحر والجو، والوقوف بالمرصاد لكل متآمر على الأمن القومى المصرى سواء كان عدوا خارجيا أو تنظيما إرهابيا يدار من خارج الحدود، فلا تردد فى خوض غمار المعارك، ولا تراجع عن درء المخاطر، ولا بديل عن حماية الحدود، وتحصين الثغور، والقضاء على الأعادى حتى لو كان المقابل التضحية بالنفس، إنهم مشاعل الوطنية وبريق ضياء الوطن، فهم كما وصفهم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الندوة التثقيفية الـ 41 للقوات المسلحة فى ذكرى «يوم الشهيد» بأنهم أصحاب العطاء، الذين قدموا المثل والقدوة فى التضحية، من أجل بقاء هذا الوطن، والحفاظ على مقدرات شعبنا العظيم، وهم رجال صنعوا المستحيل، وحققوا لمصر دائما فى الماضى والحاضر صمودا، أكد وحدة الشعب المصرى، وجعله أكثر صلابة.
إن سيرتهم العظيمة أطول من أعمارهم القصيرة، فهم دليل قاطع، على أن حب الأوطان ليس شعارات ترفع، أو عبارات تنطق، وإنما تضحيات حقيقية، وبطولات خالدة، ومن المعلوم بالضرورة أن تضحيات هؤلاء الأبطال ضد الإرهاب، واستئصال شأفته، وكتابة شهادة وفاته هى وقود معركة التنمية والبناء التى قادتها الدولة المصرية خلال السنوات الـ 11 الأخيرة فى كل المجالات وجميع القطاعات، «ولولاهم ما كنا هنا»، وما كانت تلك الإنجازات تحققت فى الجمهورية الجديدة، فقد مهدوا لنا طريق الاستقرار والأمان، الذى نواصل فيه اليوم مسيرة البناء والتنمية، وبفضل تضحياتهم استطاعت مصر، أن تواجه التحديات، وتمضى قدما فى تنفيذ المشروعات القومية، التى أصبحت شاهدة، على صلابة هـذا الوطـن وعزيمـة شـعبه، كما أكد الرئيس السيسى خلال كلمته بالندوة التثقيفية، ودائما هم حاضرون فى نجاحات الوطن رغم الغياب الجسدى، وإنا على آثارهم مهتدون.
نعم، شهداؤنا لا يغيبون عن الأذهان، ولا يمكن أن يطوى النسيان ذكراهم العطرة، فقد سطروا ببطولاتهم صفحات ناصعة، وكتبوا بدمائهم الزكية قصصا رائعة، يشار إليها بالبنان فى ملحمة العزة والكرامة، ومنهم أيقونة الشهداء الجنرال الذهبى الفريق عبدالمنعم رياض، الذى خلدت القوات المسلحة يوم استشهاده ليكون «يوم الشهيد»، فقد نال شرف الشهادة على خط المواجهة، وفى الصفوف الأمامية تأكيدا على تلاحم القائد مع جنوده فى الميدان يوم 9 مارس 1969 خلال حرب الاستنزاف ضد العدو الإسرائيلى، وكرسالة واضحة لجيش الاحتلال على أن تحرير الأرض فريضة، والثأر للهزيمة قادم لا محالة، وواقع بلا جدال.
وسار على الدرب المقدس فى الذود عن حمى الوطن ثلة من مقاتلينا البواسل لا حصر لهم، ولا مساحة تكفى لسرد بطولاتهم العظيمة، وإنجازاتهم المضيئة، فها هو أسد الصاعقة البطل إبراهيم الرفاعى الذى بث الرعب والهلع فى قلوب الإسرائيليين من خلال المجموعة «39 قتال» عن طريق عمليات خاطفة ساحقة بالدخول إلى عمق العدو والعودة بعد تكبيده خسائر ضخمة، وصل عددها لأكثر من 40 عملية قادها بنفسه، ومنها عملية الثأر لدماء الفريق عبدالمنعم رياض، فى اليوم الأربعين لاستشهاده، ومن النقطة نفسها التى أطلق العدو مدفعيته عليه، فقد عبر الرفاعى القناة واحتل برجاله موقع المعدية 6، وأباد كل من كان فى الموقع من الضباط والجنود البالغ عددهم 44 عسكريا إسرائيليا، ثم نال الشهادة فى 19 أكتوبر 1973 التى كان يتمناه طوال حياته بعد أن اكتحلت عيناه بمشاهد النصر المبين على العدو الغاشم.
صحيح سجل بطولات شهداء حرب العاشر من رمضان زاخر، وحصر رجالنا البواسل الذين سجلوا أسماءهم بأحرف من نور عصى على العد، لأن جنودنا هزموا المستحيل، وتفوقوا على أنفسهم، وغيروا النظريات العسكرية عالميا من فرط شجاعتهم، وقوة إرادتهم، لكن الأمر المؤكد، والواقع الموثق بالصوت والصورة والفيديو أن أرض مصر المقدسة لم ولن تنضب أبدا من الأبطال، وأن سلسال المقاتلين الأشداء سيظل متصلا أبد الدهر، وهذا ما جسدته الحرب على الإرهاب خلال قرابة ثمانى سنوات من 2014 حتى نهاية 2022، والثمن كان باهظا، والتضحيات كانت وستظل غالية، لأنها من دماء أبنائنا فى القوات المسلحة والشرطة والمواطنين الأبرياء، فقد دفعت مصر 3 آلاف شهيد و13 ألف مصاب من أبناء الجيش والشرطة ثمنا لحمايتها من موجة الإرهاب الكبيرة التى طالت البلاد خلال تلك الفترة الصعبة.
وهنا نذكر، بإجلال كامل واحترام تام، بعض شهدائنا الأبرار، ومنهم العقيد أحمد منسى قائد الشهداء فى «ملحمة البرث» ورفاقه الذين لقنوا 150 عنصرا من تنظيم «داعش» الإرهابى درسا قاسيا رغم الهجوم على كمين البرث فجرا باستخدام 12 سيارة كروز مدججة بالأسلحة المختلفة مثل قذائف «آر بى جي وهاون»، إلى جانب المفخخات والقنابل اليدوية، وعلى مدار نحو 4 ساعات متواصلة من الصمود، أظهر الضباط والجنود صلابة قطعت الطريق على العناصر الإرهابية من السيطرة على الموقع أو التمكن من أسر أى جندى كما كان مخططا من هذه العملية الحقيرة، واستشهد أبطال البرث وهم ممسكون بأسلحتهم بعد أن قتلوا عشرات من الإرهابيين، ثم اصطادت مقاتلات سلاح الجو 40 آخرين، ومن هرب تم استهدافه فى عمليات التمشيط من القوات المسلحة وقوات الداخلية فيما بعد.
كما سطر رجال الشرطة بطولات مشرفة، وتضحيات شامخة خلال جولات المعركة مع التنظيمات الإرهابية، ومن هؤلاء البطل اللواء نبيل فراج فى مواجهة الإرهاب بكرداسة، والشهيد المقدم محمد مبروك الذى اغتالته الجماعة الإرهابية فى 18 نوفمبر 2013، لأنه كان مشرفا على مجموعة من أهم القضايا ضد الجماعة الإرهابية، مثل تخابر قياداتها مع دول أجنبية، بجانب إعداده لتحريات هروب المعزول محمد مرسى وقيادات الجماعة من سجن وادى النطرون، والشهيد النقيب عمر القاضى أحد الأبطال الذين رووا بدمائهم أرض سيناء، فى هجوم العناصر الإرهابية على كمين «البطل 14» بالعريش.
ومن المؤكد أنه من حق أسر الشهداء علينا أن نكون جميعا سندهم، شعبا وحكومة، صحيح أن القوات المسلحة ووزارة الداخلية بتوجيهات رئاسية تقدمان كل الدعم لهؤلاء الصابرين على فقد أعز الناس، لكن من الضرورى نشر هذه الثقافة بين المصريين، تقديرا وعرفانا لأرواح شهدائنا الأبرار، وتعظيما لمصاب أسرهم الكرام، فهم لم يفقدوا أبناءهم فحسب؛ بل قدموا للوطن أغلى ما يملكون، ومصر لا تنسى أبناءها الأوفياء، كما قال الرئيس السيسى خلال الندوة التثقيفية، وهنا أجدنى مدفوعا للإشادة بالعزيمة الصلبة التى يتحلى بها أقارب الشهداء، وبالشجاعة التى يتحصنون بها، ففى كل المناسبات لا نسمع ولا نرى منهم سواء الأب أو الأم مرورا بالأخوة ووصولا إلى الزوجة والأبناء إلا الكلمة الطيبة فى رثاء الغالين، والتعهد باستكمال المسيرة كل فى مجاله حتى تظل مصر واحة للأمن والأمان، مرفوعة الهامة، مرتفعة الراية، فلهم منا جميعا كل التحية والتقدير.
والقول الفصل، إن مصر شعبها جيشها، فالكل على قلب رجل واحد فى حماية أمنها القومى، والجميع فى حالة اصطفاف بقوة فى ظهر القيادة السياسية إدراكا لضرورة صلابة الجبهة الداخلية، ومدى أهمية مسئولية الشعب المصرى الأصيل وحسن تقديره للأمور، خاصة خلال الظروف الاستثنائية والتحديات الإقليمية الراهنة، فها هى الوقائع المتكررة خلال السنوات الأخيرة تؤكد أن الدولة التى تتعرض بنيتها للاختراق، ويصاب مفهوم الدولة الوطنية فيها بجرح من الصعب أن يلتئم أو تعود لسابق عهدها، وما يحدث فى سوريا وليبيا واليمن والسودان ليس ببعيد، ولا عاصم لأى بلد من صناع المؤامرات الهدامة، ومدبرى المخططات المدمرة إلا بقوة الوعى، وحسن الفهم، والعض بالنواجذ على وحدة الصف الوطنى.
حمى الله مصر وشعبها وقيادتها
ومؤسساتها الوطنية من كل سوء

