«تعافى قناة السويس عالميًا».. واقع تؤكده الأرقام والإحصائيات الصادرة عن هيئة قناة السويس التى أشارت إلى نمو الإيرادات بنسبة 8.3 فى المائة، ما يعزز التوقعات بعودتها إلى كامل طاقتها مع حلول النصف الأول من 2026، وذلك بعد عامين من التراجع فى حركة الملاحة الدولية حيث بلغت الخسائر خلال الفترة الماضية نحو 10 مليارات دولار، وهو ما يعادل تقريبًا نصف الإيرادات المعتادة للقناة.
حالة التفاؤل بعودة الحياة إلى المجرى الملاحى الأهم عالميًا تزامنت مع التطورات السياسية الأخيرة، خاصة عقب انتهاء المفاوضات بالقاهرة بين وفود الاحتلال وحماس برعاية مصرية وأمريكية، والتى تبعث بإشارات إيجابية تنذر بعودة الأوضاع إلى طبيعتها تدريجيا فى أحد أهم الممرات الملاحية فى العالم.
الدولة المصرية لم تقف مكتوفة الأيدى أمام حالة تراجع الملاحة عبر قناة السويس، حيث اتخذت إجراءات متتالية لإعادة الحياة للقناة مرة أخرى، وشملت هذه الاجراءات أعمال التطوير بانضمام 24 وحدة بحرية مختلفة للأسطول البحرى للقناة حتى أبريل 2025، إلى جانب الإعلان عن إطلاق خدمة جمع وإزالة مخلفات السفن العابرة للقناة، إلى جانب تقديم خدمات ملاحية جديدة شملت الإنقاذ والإسعاف البحرى، ومكافحة التلوث، وصيانة وإصلاح السفن، والتزود بالوقود، وتبديل الأطقم البحرية.
كما أعلنت هيئة قناة السويس عن حوافز وتخفيضات تشجيعية بنسبة 15 فى المائة لسفن الحاويات التى تتجاوز حمولتها الصافية 130 ألف طن خلال الفترة من 15 مايو حتى 31 ديسمبر 2025، كما ارتفعت الحمولات الصافية للسفن بنسبة 6 فى المائة، لتصل إلى 122.5 مليون طن خلال الربع الثانى من عام 2025، مقارنة بـ 115.6 مليون طن خلال الربع الأول من العام ذاته، فى حين عدّلت 661 سفينة مسارها للعبور بالقناة بدلًا من رأس الرجاء الصالح، لترتفع بذلك الإيرادات بنسبة 8.3 فى المائة، لتصل إلى 975.8 مليون دولار خلال الربع الثانى من عام 2025، مقارنة بـ901.2 مليون دولار خلال الربع الأول من العام ذاته.
وتعقيبًا على هذه الخطوات، قال هشام يوسف، خبير النقل البحرى، إن «قناة السويس ستستعيد مكانتها تدريجيا فور استقرار الأوضاع الأمنية فى البحر الأحمر، كما أن الشركات العالمية تتابع التطورات السياسية عن كثب، وكلما اقتربنا من التهدئة، عادت السفن إلى المسار الطبيعى عبر القناة، لا سيما أن قناة السويس ليست مجرد ممر مائى، بل شريان رئيسى للتجارة العالمية، حيث يمر من خلالها أكثر من 12 فى المائة من حركة التجارة الدولية، وأى اضطراب فيها ينعكس مباشرة على تكاليف النقل وأسعار السلع عالميًا.
«يوسف»، أكد أن «أبرز ما يميز قناة السويس أنها تتمتع ببنية تحتية متطورة وقدرات ملاحية عالية بعد مشروع التوسعة الذى نفذته مصر خلال السنوات الماضية، وهو ما يجعلها جاهزة لاستقبال معدلات عبور مرتفعة فور انتهاء الأزمة»، مضيفًا أن «القناة لا تمثل فقط مصدر دخل لمصر، بل هى ركيزة أساسية فى منظومة التجارة العالمية، وعودتها إلى كامل نشاطها ستعنى استقرارًا أكبر فى سلاسل الإمداد العالمية، وانخفاضًا تدريجيًّا فى أسعار الشحن التى ارتفعت بشدة خلال الأشهر الماضية».
من جانبه، أكد الدكتور إسلام جمال الدين، الخبير الاقتصادى، أن «عودة حركة الملاحة إلى طبيعتها فى قناة السويس سيكون لها أثر اقتصادى بالغ على مصر»، مؤكدا أن «عودة حركة الملاحة لطبيعتها مرة أخرى ستساهم فى تحسين إيرادات الدولة من النقد الأجنبى، ورفع تصنيف الاقتصاد المصرى من حيث الاستقرار المالى».
وتابع أن «عودة السفن العالمية إلى القناة سيعمل على تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب، ويعيد الحيوية إلى قطاعات النقل واللوجستيات والتجارة، وهو ما سينعكس بشكل إيجابى على معدلات النمو الاقتصادى خلال الربع الأول من العام المقبل».
«د. جمال الدين»، أوضح أن «كل المؤشرات تشير إلى أن عام 2026 قد يكون عام التعافى الحقيقى لقناة السويس، شريطة أن تنجح المفاوضات السياسية فى تهدئة التوترات الإقليمية، وأن تستمر هيئة القناة فى سياساتها المرنة لجذب السفن العالمية.
