«من يملك الوعى، يملك القوة، ومن يملك القوة يحمى مصر إلى الأبد».. تلخص هذه العبارة الذهبية رسائل الندوة التثقيفية الـ 42 التى نظمتها القوات المسلحة احتفالا بانتصارات أكتوبر المجيدة، وعلى مدى أكثر من ثلاث ساعات تتابعت فقرات هذا الحفل الرائع فى تنظيمه، البديع فى اختياراته، المتكامل فى رسالته التى تؤكد أن إرادة الشعب هى صانعة المجد فى كل المراحل، وجميع المواقف، طالما أن الوعى الصحيح حاضر، والفهم السليم قائم، والاصطفاف الوطنى متماسك، لأن الحروب لا تنتهى، والمعركة مستمرة بمفردات متعددة، وأشكال متنوعة من السياسة إلى الاقتصاد، ومن ساحات الإعلام إلى فضاءات السوشيال ميديا، ولم تعد المؤامرة مقصورة على الصراعات العسكرية فقط، وهنا يكون الوعى الصائب هو السلاح النافع ضد التحديات كافة، والمهددات جمعاء.
حروب تزييف الوعى متجددة الأسلحة، متغيرة الآليات، متعددة المخططات، واستهداف استقرار الدول غايتها، ونشر الفوضى هدفها، وتخريب البلدان غرضها، فلم تعد القوى الكارهة، ولا العواصم الحاقدة، ولا الأجهزة الاستخباراتية المعادية تركز على الأساليب التقليدية والطرق المعروفة فى صراعها مع خصومها، بل تتبنى أدوات مستحدثة، وتستخدم منصات عصرية تتناسب مع الطفرات التكنولوجية فائقة السرعة، خطيرة التأثير، شديدة التدمير، وقد وجد صناع المؤامرات فى الخارج والداخل ضالتهم فى مواقع التواصل الاجتماعى، فعملوا بخبث وخططوا بدهاء لاستغلالها أسوأ استغلال لهدم البلدان بالقضاء على المؤسسات الوطنية، ونشر الشائعات المضللة بين المواطنين ليل نهار لفصل عرى التماسك الوطنى من أجل فتح الأبواب على مصراعيها للسيطرة على مقدرات شعوبها، والنيل من هيبتها، والسير بها فى طريق اللاعودة، والدوران فى حلقة مفرغة بين أصحاب المصلحة فى الخارج، والمستفيدين فى الداخل، وما أخطره من مصير مجهول، ومستقبل مظلم.
الوعى ضرورة قومية، رسالة واضحة أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى مرارًا وتكرارًا خلال فعاليات الندوة التثقيفية، بل إنه توقف عندها بتركيز شديد، وتلخيص دقيق فى موضعين، خلال حديث من القلب إلى القلب وليس خطابا مكتوبا، الأول: عندما تحدث فى مداخلة لعدة دقائق بعد عرض فقرة بعنوان «الإعلام والفن فى بناء الوعى»، مؤكدا أن الكلمة مهمة جدا، فهى ممكن أن تكون نورًا يهتدى به الناس، وتدخل صاحبها الجنة، ويمكن أن تكون نارا تضر البلاد والعباد، وتقود قائلها إلى النار، وأظن ـ وليس كل الظن إثم ـ أن الرئيس السيسى هنا كان يريد أن ينبه الجميع، سواء أهل الصحافة والميديا وحتى المواطنين العاديين من رواد السوشيال ميديا حول خطورة الكلام «عمال على بطال» فى كل الملفات وجميع الموضوعات بغض النظر عن مدى امتلاك المعرفة السليمة وافتقاد المعلومة الصحيحة، وهو ما دفع الرئيس إلى الحديث المبكر لكل المصريين، سواء فى قاعة الاحتفال أو عبر الشاشات ومنصات السوشيال ميديا ثم صفحات الصحف، للتحذير من حالة السيولة الكلامية فى قضايا شتى بدون وعى بشأن مؤامرات الأشرار الذين يحاولون تدمير الوطن بلا وازع دينى أو تأنيب ضمير.
أما الموضع الثانى الذى عاد فيه الرئيس السيسى للتأكيد على أهمية الوعى الشعبى لهزيمة كل التحديات، واستكمال مسيرة الإنجازات فى معركة البناء ومسيرة التنمية عندما ألقى كلمته التى استمرت قرابة 40 دقيقة، عنوانها المكاشفة والمصارحة، كما عودنا الرئيس، على مدى أكثر من 10 سنوات، لا إخفاء لمعلومة، ولا تجميل للصورة، بل دائما يشرح الأمور للمصريين جميعا حتى يكونوا على بينة من أمرهم، ويعلموا أن دفة القيادة لا تحيد عن مصالح الشعب، وحماية الأمن القومى المصرى مهما كانت الضغوط شديدة، والصعوبات قاسية.
وبجمل قليلة الكلمات، كثيرة المعانى، عظيمة الدلالات، تجسد الحقائق وتدحض الأكاذيب، بدأ الرئيس السيسى حديثه بتوضيح الدور المصرى المشرف فى إنقاذ غزة من جولات العدوان الإسرائيلى على مدى عامين كاملين من نهر المساعدات الذى يقارب 80 فى المائة من إجمالى المساعدات التى دخلت القطاع وصولا إلى قيادة المفاوضات لوقف إطلاق النار إلى أن كلل الله تلك الجهود المتواصلة بتوقيع وثيقة إيقاف الحرب فى مدينة السلام شرم الشيخ، ثم تستعد مصر لاستضافة مؤتمر إعادة إعمار غزة لإصلاح ما هدم، وبناء ما دمر، فهناك أكثر من 200 ألف منزل ومنشأة تم تدميرها من المدارس إلى المستشفيات، ولم تعد هناك بنية تحتية لأى قطاع، ولم تتوقف الجهود المصرية عند هذا الحد، بل إن الدولة المصرية ستكون فى طليعة المبادرين لتعمير قطاع غزة من خلال رقم معتبر يعكس المسئولية والتقدير لأشقائنا فى غزة، وبهذا التوجيه الرئاسى تسبق القاهرة الجميع فى إعادة إعمار غزة بالأفعال وليس الأقوال والشعارات.
ويحضرنى هنا، الإشارة الرئاسية إلى حكمة مصر فى التعامل مع تلك الحرب الغاشمة على قطاع غزة، والتحلى بالصبر وحسن تقدير الموقف لعدم توريط البلاد فى مغامرة غير محسوبة العواقب، مع محاصرة دولة الاحتلال وإجبارها على وقف العدوان، وإفساد مؤامرة حكومة المتطرفين الإسرائيلية لتفجير المنطقة، وتفويت الفرصة على المتآمرين من أهل الشر على الدولة المصرية ومسيرتها فى التنمية خلال السنوات العشر الأخيرة، وهنا قال الرئيس بالنص مع الحزم: «متصورين إن مصر تاخد إجراء وتحارب علشان اللى بيحدث فى غزة؟!.. مطلوب إن مصر صاحبة الـ 110 ملايين وفيه 10 ملايين ضيف.. ومقدرات ومستقبل الدولة ومستقبل شبابها نضيعه علشان يعنى فكرة أو وجهة نظر موجودة.. شوفوا اليوم اللى تحصل فيه حرب يأخر البلد شهور وسنين.. الساعة الوحدة تأخر البلد سنين.. مش اليوم والشهر والسنة.. الساعة الواحدة فقط».
الوعى مهمة الدولة والشعب معا، هذه الحقيقة دائما يجسدها الرئيس السيسى خلال أحاديثه للمواطنين، فالقيادة السياسية لا يحركها إلا صالح الوطن، والتوجيهات الرئاسية للحكومة كلها تدور فى فلك الاهتمام بالمواطن فى المقام الأول، لكن فى ذات الوقت، على المصريين أن يكونوا على دراية بحجم الأزمات العالمية، والتحديات الاقتصادية، فكما أوضح الرئيس، الحرب ليست بالسلاح، لكنها بالمعرفة والاقتصاد والعلم والوعى والإرادة وبالثقة والتحمل، ورغم أن الناس ربما تجد الظروف صعبة، ولكن هناك رغبة جادة من الدولة لتجاوز هذه الأوضاع، والحروب لها صور مختلفة وما نحن فيه هو حرب لتغيير واقعنا الاقتصادى وأحوالنا، والتحدى كبير جدا، وعلينا أن نجتهد، ونعبر ظروفنا الصعبة، ويتحسن اقتصادنا، مع إدراك بعد هام وهو كما قال الرئيس السيسى: «عمرى ما فكرت أخدكم وأدخل بيكم فى الحيط فى أصعب الأوقات وكل حاجة بتدرس بدل المرة 100 مرة»، فلا تخبط ولا تسرع، بل إن التخطيط السليم مسار إجبارى فى كل المشروعات، وجميع القرارات.
الوعى أساس صناعة القرار ومفتاح المستقبل ، قاعدة رسخها الرئيس السيسى خلال سنوات حكمه، ولا يكل ولا يمل من تكرار التأكيد عليها حتى تظل حاضرة فى العقول، ماثلة فى الأذهان، وحجر عثرة فى مواجهة صناع الأكاذيب ومروجى الشائعات من أهل الشر ومن لف لفهم الخبيث، ويحرص الرئيس على إطلاع الشعب باستمرار على خلفيات أى قرار مع رهانه الدائم على وعى المصريين فى كل مرة لإفساد محاولات الجماعة الإرهابية وأذرعها الإعلامية فى الوقيعة بين الدولة والمواطنين، وخلال الندوة التثقيفية لم يتحرج الرئيس من الحديث عن تحريك أسعار الوقود حتى يعلم الجميع أن الغاية والوسيلة هى الصالح العام، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى بما فيها شعبية الرئيس، فهو يقدم مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية كحاكم، فهو واحد منا ويشعر بمعاناتنا من الضغوط المعيشية، لكنه يريد لمصر أن تواصل طريقها لتكون فى المكانة اللائقة لها بين الأمم، فقد قال الرئيس السيسى: «الدولة تتحمل أعباء ضخمة فى دعم الوقود.. الجنيه اللى بنحطه فى الوقود مش جنيه واحد.. ده جنيه عليه فوائد وأقساط سداد»، وتقديرا للشعب وتحمله الكبير، أضاف الرئيس: «أنا مقدر رد فعلكم.. نتيجة اللى بنعمله والتحمل اللى بتتحملوه وبقول متشكر لكم وأنا عارف أن مصر بخير.. الأمل فى بكرة أفضل».
الوعى ليس ترفا، ولا قاصرًا على فئة النخبة والساسة، بل هو واجب وطنى، والتزام شعبى، فالوعى لم يعد مجرد فكرة غامضة يتحدث عنها الباحثون، ولا نظرية يخوض فيها المحللون، بل الوقائع المتتابعة، والمشاهد المتسارعة حولنا فى دول شتى، وعواصم مختلفة تقطع بأن المواطنين لابد أن يكونوا جنود الوطن فى التصدى لمعارك تزييف الوعى، ومؤامرات هدم البلدان من الداخل، وأحداث ما سمى بالربيع العربى مازالت محفورة فى الذاكرة لدى هذا الجيل، فقد دمرت دولا عربية بشكل كامل، وأخرجت عواصمها من المعادلة الإقليمية والدولية، واستباحت سيادتها قوى كثيرة، وسيطرت على قرارها كيانات عديدة، ودمرت جيوشها إلى غير رجعة فى المستقبل القريب، وبفضل الله، ووعى الشعب المصرى أفلتت مصر من هذه المصيدة بثورة 30 يونيو العظيمة التى أنهت حكم المرشد، وأسقطت المؤامرة على هوية الوطن.
وقناعتى الراسخة أن جهاد المصريين فى تلك الثورة الوطنية بامتياز هو الذى جعل الرئيس السيسى واثقًا بلا حدود، متيقن بلا شكوك فى وعى المواطنين على مساندة معركة التنمية بطول وعرض البلاد، وتحمل قرارات الإصلاح الاقتصادى الصعبة عن طيب خاطر، يقف الشعب صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا لدعم قيادته السياسية فى كل خطواتها المدروسة لتحسين الاقتصاد الوطنى، وعودة القاهرة لمكانتها الإقليمية والدولية، وهو تحقق رؤيا العين رغم التضحيات والصعوبات، فالدولة تحتاج إلى همة من حديد لا تلين أبدًا فى مشوارها التنموى، وبالفعل والقول لم يخذل المصريون قائدهم أبدا، فهم السند دائما، والداعم باستمرار.
«خليك واعى»، نصيحة أهمس بها فى أذن كل مصرى شريف، وكل مواطن مكافح من أجل بناء هذا الوطن العظيم، خصوصًا أننا على بعد أيام من الانتخابات البرلمانية، مارس حقك الدستورى كاملا، وعليك بتحرى أسماء المرشحين بوعى تام، انتخب الأصلح بعيدا عن القبلية والعصبية، لا تنخدع فى الشعارات الرنانة، عليك بمسايرة سياسة الدولة فى تجديد الدماء، وتمكين الشباب، لا تلق بالا لصناع الشائعات، ولا تهتم بمروجى أكذوبة المقاطعة، كن إيجابيًا فى ساحة المعركة مهما اختلفت المسميات، ومهما تعددت المواقع، ومهما اختلفت الميادين.
حمى الله مصر وشعبها وقيادتها
ومؤسساتها الوطنية من كل سوء