رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

خطوط مصر الحمراء.. عدالة «الحق»

25-12-2025 | 13:36
طباعة

الالتزام بالحق، والتمسك بالعدل، والتحلى بالصبر، ثلاثية الجمهورية الجديدة فى التعامل مع القضايا المهمة، والملفات الصعبة، فلا تراجع عن عزيمتها الصلبة فى الحفاظ على حقوقها ومصالح شعبها، ولا ميل عن إصرارها المتين فى الوصول إلى مطالبها المشروعة، وفى ذات الوقت لا جنوح عن ضبط النفس خلال مسيرة حماية مقاصدها المستحقة، وتحقيق أهدافها القانونية، لأنها تؤمن عن قناعة، وتدرك عن يقين أنها تمتلك القدرة الشاملة على فرض خطوطها الحمراء، وحراسة مقدرات الوطن بامتياز، والدفاع عن أمنه القومى بجدارة، فى الظروف كافة، والسيناريوهات جمعاء، وعلى كل الجبهات وجميع الاتجاهات.

 

ثبات الموقف المصرى، وقوة عزم القاهرة فى مجابهة الصعاب، وتحدى الأزمات ليس وليد موقف مفاجئ، أو نتاج محنة طارئة، تضطرها إلى الخروج عن دائرة الحرج بالشعارات الرنانة أو التصريحات العنترية كما تفعل بعض الدول للتهرب من التزاماتها والتغطية على نقاط ضعفها وبيع الوهم للرأى العام داخلها، رغم أن الوقائع واضحة، والعيوب ظاهرة، لا يمكن إخفاؤها مهما بالغت فى وضع مساحيق التجميل لتغطية سوء المظهر، وقبح الجوهر، لكن فى الدولة المصرية، وخصوصًا فى الجمهورية الجديدة الأمر مختلف، لأن القيادة السياسية أدركت برؤيتها الثاقبة، وخبرتها المتراكمة ضرورة الاستعداد المبكر لكل السيناريوهات فى القضايا المصيرية، وتدبر أمرها فى الملفات الحتمية، وعملت على تعظيم القدرات فى كل القطاعات، وتنمية المهارات فى جميع المجالات من أجل الارتقاء بالمستوى فى الأداء، والتمكن من إنجاز المهام بكفاءة واقتدار.

ويحسب للجمهورية الجديدة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، مواصلة مسيرة التنمية الشاملة داخليًا، رغم التحديات الهائلة، والعقبات الضخمة، مع تحمل تبعات تنوء بحملها الجبال فى ملفات الأمن القومى المصرى فى قضايا شتى، فعلى المستوى المحلى كانت حملات أهل الشر تتابع لضرب التجربة التنموية قى مهدها، والحيلولة دون استكمالها، تارة بالعمليات الإرهابية ومحاولات إسقاط الدولة ونشر الفوضى ليعودوا من جديد وسط ضبابية المشهد وتشتت الكلمة، وتفكك وحدة الصف، وتارة بهجمة شرسة من الشائعات الهدامة لبث الفرقة بين المصريين، وترويج الإحباط، مع التضخيم من أى تقصير، والتقليل من أى إنجاز، وعلى المستوى الخارجى تلاحقت المؤامرات الصهيونية، وتتابعت المخططات الإخوانية لحصار مصر اقتصادياً، لإغلاق حنفية الاستثمارات الأجنبية، بهدف البلبلة بين المواطنين، ودفعهم للعودة إلى مشاهد ما سُمى بالربيع العربى، لتكبيل حركة التنمية، وتهيئة الأجواء لكى تقبل الدولة المصرية ما يُفرض عليها من إملاءات خارجية فى قضايا الأمن القومى من غزة شرقًا إلى ليبيا غربًا ثم السودان جنوبًا، وصولًا إلى حصتها التاريخية فى مياه نهر النيل، وما خفى كان أعظم.

والأمر المؤكد أن التاريخ سيتوقف كثيرًا أمام هذه المرحلة الفاصلة فى عمر الوطن بالدراسة والتحليل، واستخلاص الدروس والعبر لأن المحن كانت شديدة، والعوائق كانت عسيرة، لكن تمسك القاهرة بعدالة «الحق»، مع التخطيط المحكم، والتقدير الاستراتيجى، والتحصن بالقوة الرشيدة والاتزان الدبلوماسى، جعلها تتخطى العوائق، وتهزم الصعاب، لأن الدول كالأشخاص لا يكفيها امتلاك القوة فقط، بل لا بديل عن تحليها بالحكمة والمعرفة، صحيح وجود القدرة هو العامل الحاسم فى المجابهة والتصدى للمخاطر التى تحيط بها أو تستهدف أمنها، لكن البصيرة والفطنة ضرورية لتحديد الزمان والمكان المناسبين للرد، وعدم الوقوع فى مصائد المتآمرين بليل، والمنتظرين على أحر من الجمر للسقوط فى شباك الحاقدين المنصوبة مع سبق الإصرار والترصد، كما أن الإدراك الجيد فريضة واجبة لتقدير العواقب، ومعرفة موضع القدم عند اتخاذ القرار الصعب، فعقارب الساعة لن تعود للخلف، وكل خطوة حتمًا لابد أن تكون مدروسة بعناية فائقة، ومقدرة بحرص شديد، فمصير الناس والأوطان ليس متروكاً للرهانات الخاسرة، والقرارات العشوائية؛ بحثًا عن شعبية أو جريًا وراء أوهام الانتصارات الوهمية.

ومن الإنصاف أن نرفع القبعة للرئيس السيسى فى سياساته المحسوبة بدقة، والموزونة بإحكام فى مسار حماية محددات الأمن القومى المصرى فى شتى القضايا، وعلى مختلف المستويات، بل وحكمته فى تجسيد المبادئ الوطنية الراسخة وهى التمسك بدولة المؤسسات، وضرورة عدم التدخل فى الشئون الداخلية للعواصم، واحترام سيادة البلدان وحماية مقدرات الشعوب، وهذا معلوم بالضرورة، ومعروف للكافة، فالقاهرة كما أنها لا تقبل بأى حال المساس بسيادتها، أو الاقتراب من حدودها أو الانتقاص من حقوقها التاريخية، فهى تتعامل بنفس الاستراتجية الحاسمة مع الدول الأخرى، وترفض لغة القوة فى الصراعات بين الدول أو حتى بين الأطراف المتصارعة داخليًا، لأن الحلول السياسية بالجلوس على مائدة المفاوضات هى الأنجح، والأقدر على إسدال الستار على الخلافات، بينما الوسائل العسكرية فهى متعددة الخسائر، مدمرة للقدرات، مفتوحة السيناريوهات، وأفضل صور القوة هى التى تتصف بالاتزان والحكمة فى احتواء الأزمات، والسيطرة على المنازعات.

وقد اختبرت إرادة الدولة المصرية منذ 2014 عدة مرات، وتعددت تجارب امتحان قدراتها فى الصبر على المكاره، وتنوعت محاولات دفعها إلى دوامة الحروب، واستنزاف الطاقات، وإبعادها عن طريق بناء حاضرها وتأمين مستقبلها بتسريع خطى التنمية الشاملة، لكن القيادة السياسية أفسدت كل تلك المكائد، وأفشلت جميع هذه الدسائس، ومن أهم هذه المؤامرات السد الإثيوبى الذى استغلت أديس أبابا أحداث 25 يناير فى 2011، وما تبعها من محطات انهيار خلال عام حكم المرشد فى بنائه بطريقة فرض الأمر الواقع، مع تسويق مبررات وحجج ما أنزل الله بها من سلطان، وتتعارض مع كل المواثيق الدولية والقوانين الأممية المنظمة للأنهار العابرة للحدود، ورغم ذلك لم تتراجع القاهرة قيد أنملة عن ثوابتها منذ البداية، وتواصل دعواتها للحوار الجاد من أجل مصلحة جميع دول الحوض، والسعى إلى التعاون المشترك وليس المواجهة كما تردد الادعاءات الإثيوبية الباطلة، والموثقة بالصوت والصورة أمام العالم أجمع.

وفى مطلع هذا الأسبوع، جاءت كلمة الرئيس السيسى كاشفة للموقف المصرى الحاسم من السد الإثيوبى خلال استقباله الوزراء ورؤساء الوفود الإفريقية، إلى جانب ممثلى مفوضية الاتحاد الإفريقى والتجمعات الإقليمية، المشاركين فى أعمال المؤتمر الوزارى الثانى لمنتدى الشراكة «روسيا – إفريقيا»، فقد أكد الرئيس أن مصر تؤمن بأهمية العمل المشترك لتحقيق الاستفادة العادلة والمنصفة من الموارد المشتركة العابرة للحدود، بما فى ذلك الموارد المائية المشتركة، ومن ثم؛ فلا مجال لأى إجراءات أحادية، من شأنها الإضرار بحقوق الدول المتشاطئة فى الأنهار العابرة للحدود، أو تقويض فرص التعاون وتحقيق المنفعة المشتركة.

وخلال حوار تفاعلى أجراه الرئيس السيسى مع المشاركين، وعندما وصل خيط المناقشات إلى العلاقات مع إثيوبيا، أكد الرئيس أن مصر لا تواجه أى إشكالية مع الأشقاء هناك، وأن مطلبها الوحيد هو عدم المساس بحقوقها فى مياه النيل، والتوصل إلى اتفاق قانونى وملزم بشأن السد الإثيوبى. لأن سياسة مصر ثابتة وتقوم على عدم التدخل فى شؤون الدول وعدم زعزعة استقرارها، ومصر، رغم خلافها مع إثيوبيا، لم توجه أبدًا أى تهديد لها، إيمانًا منها بأن الخلافات تُحل عبر الحوار والحلول السياسية، مع التشديد على أهمية البنية الأساسية القوية فى إفريقيا، باعتبارها ركيزة لتحقيق الاستقرار وتقليص النزاعات ودفع عجلة التقدم، لأن ذلك يمنح الشعوب الأمل، وأن الحلول العسكرية لا تمثل مخرجًا للأزمات، بل إن الحلول السياسية هى السبيل الأمثل.

وسبق أن حذر الرئيس السيسى مرارًا وتكرارًا من النهج الإثيوبى فى التعامل مع ملف «السد» دون مراعاة حقوق دولتى المصب ـ مصر والسودان ـ ومنها كلمته فى الجلسة الافتتاحية لأسبوع القاهرة الثامن للمياه خلال أكتوبر الماضى، وتحديدًا عندما قال: «تعلن مصر، وبكل وضوح وحزم، رفضها القاطع، لأى إجراءات أحادية تتخذ على نهر النيل، تتجاهل الأعراف والاتفاقات الدولية، وتهدد مصالح شعوب الحوض، وتقوض أسس العدالة والاستقرار، فالتنمية؛ ليست امتيازًا لدولة بعينها، بل مسئولية جماعية لكافة شعوب النهر، وحق يصان بالتعاون لا بالتفرد»، مضيفًا أن «مصر انتهجت على مدار أربعة عشر عامًا، من التفاوض المضنى مع الجانب الإثيوبى، مسارًا دبلوماسيًا نزيهًا، اتسم بالحكمة والرصانة، وسعت فيه بكل جدية، إلى التوصل لاتفاق قانونى ملزم بشأن السد الإثيوبى، يراعى مصالح الجميع، ويحقق التوازن بين الحقوق والواجبات.. وبلهجة واضحة، وطريقة حاسمة قال الرئيس: «وإذ اختارت مصر طريق الدبلوماسية، ولجأت إلى المؤسسات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، فإنها تؤكد أن هذا الخيار، لم يكن يومًا ضعفًا أو تراجعًا؛ بل تعبير عن قوة الموقف، ونضج الرؤية، وإيمان عميق بأن الحوار هو السبيل الأمثل، والتعاون هو الطريق الأجدى، لتحقيق مصالح جميع دول حوض النيل، دون تعريض أى منها للخطر، إلا أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدى، أمام النهج غير المسئول الذى تتبعه إثيوبيا، وستتخذ كافة التدابير، لحماية مصالحها وأمنها المائى».

وبعدالة «الحق»، وقانونية المطلب المصرى مع امتلاك القدرة الشاملة على حماية أمنها القومى على المستويات كافة تتحرك القاهرة دائمًا بثقة تامة، وترسخ خطوطها الحمراء بثبات مكتمل، من ضمان حقوقها التاريخية فى مياه النيل، مرورًا بالخط الأحمر الذى حدده الرئيس السيسى فى 2020 وهو «سرت والجفرة» فى الأراضى الليبية، وأن تجاوزه بمثابة تهديد مباشر لمصر، وسيواجه برد فعل قاطع، ولم يستطع أحد من الميليشيات أو اللاعبين فى المشهد الليبى تعدى مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية نظرًا لأهمية موقعهما الاستراتيجى وارتباطهما بالحدود المصرية، ثم كانت حرب غزة علامة فارقة للجميع فى فرض لاءات القاهرة، وهى لا للتهجير ولا لتصفية القضية الفلسطينية ولا لظلم الشعب الفلسطينى، وعلى مدى عامين من الحرب الإسرائيلية الغاشمة لإجبار أهل القطاع على الخروج منه، مع ممارسة سياسات الترغيب للدولة المصرية بالحصول على مليارات ضخمة من الدولارات ثم الترهيب بحروب دبلوماسية واقتصادية ضد مصالح القاهرة، لكنها تحملت كل الضغوط، ونجح المفاوض المصرى العبقرى فى جمع قادة العالم لتوقيع وثيقة وقف الحرب فى قمة شرم الشيخ للسلام، وصولاً إلى الخطوط الحمراء الثلاثة فى السودان، بمناسبة زيارة الفريق أول ركن عبّدالفتاح البرهان, رئيس المجلس السيادى الانتقالى السودانى إلى مصر باعتبار الارتباط المباشر بين الأمن القومى للبلدين، وتمثلت هذه الخطوط الحمراء، بداية من الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدرات الشعب الشقيق، ثم الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بها، وصولاً إلى الحرص الكامل على استمرار العمل فى إطار الرباعية الدولية بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار.

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها

ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.

 
 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة