رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فلسطيـن.. دولة بـ«اعتراف العالم»

25-9-2025 | 16:15
طباعة

«لا يضيع حق وراءه مطالب»، تجسد تلك المقولة المأثورة العقيدة المصرية فى الدفاع عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى فى أرضه، والإصرار على حل الدولتين كضمانة أساسية لاستقرار الشرق الأوسط، وقيادة القاهرة لمسيرة إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ما قبل يونيو 1967، والتصدى لكل المؤامرات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية على مدى عقود متتابعة، وسنوات متتالية، وذروة هذه المكائد هو مخطط التهجير الذى عمدت تل أبيب إلى تنفيذه بجميع الحيل، وكل الخدع فى أعقاب أحداث 7 أكتوبر 2023، من خلال توظيف عملية طوفان الأقصى على المستويات كافة، وبكل المقاييس حتى تفتح الأبواب على مصراعيها أمام تحويل مخطط التهجير الخبيث إلى واقع على الأرض، ولولا يقظة القيادة المصرية لحدث مالا تُحمد عقباه، وذهب حلم الدولة الفلسطينية إلى غير رجعة.

إن القاهرة انتبهت قبل الجميع، ورصدت الدسائس الإسرائيلية مبكرًا، وحذرت قبل من وقوع الخطر بتدمير قطاع غزة وتحويله إلى بيئة غير قابلة للحياة تمهيدًا لتهجير أهله، وفى نفس الوقت واصلت التحركات على الأصعدة كافة، والجبهات جمعاء لإقناع العالم على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى بوضوح تام، ولغة حاسمة أن هذا لن يحدث أبدًا، وستواصل الدولة المصرية مد الأشقاء بالمساعدات الإغاثية لتخفيف المحنة، مع قيادة الوساطة لوقف إطلاق النار، وتهيئة الأجواء لبدء المفاوضات من أجل الوصول إلى حل عادل يحفظ حق الفلسطينيين، وينهى مأساة عمرها تجاوز الـ75 عامًا، وفى كلمة جامعة مانعة للرئيس السيسى خلال قمة القاهرة للسلام فى 21 أكتوبر 2023 قال تصريحًا وليس تلميحًا،: «تقول لكم مصر.. بكلمات ناصحة أمينة: إن حل القضية الفلسطينية، ليس التهجير، وليس إزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخرى، بل إن حلها الوحيد، هو العدل، بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة، فى تقرير المصير، والعيش بكرامة وأمان، فى دولة مستقلة على أرضهم، مثلهم، مثل بقية شعوب الأرض».

وعلى مدار قرابة العامين من الحرب الغاشمة على غزة، لم تتوقف مؤسسات الدولة المصرية عن بذل كل الجهود الممكنة، والقيام بجميع المساعى المستطاعة لصالح القضية الفلسطينية، بل وتحمل ما تنوء بحمله الجبال من مراوغات إسرائيلية، وضغوط أمريكية، وشائعات إخوانية لتمرير مخطط التهجير، عبر كيل الاتهامات للقاهرة من نوعية تزويد الفصائل الفلسطينية بالأسلحة، ثم انحياز المفاوض المصرى للجانب الفلسطينى فى مشاورات الهدنة، وصولًا إلى الافتراء بأن معبر رفح مغلق مما يمنع وصول المساعدات للقطاع المحاصر، وغيرها من قائمة الأباطيل الصهيوإخوانية، وهى طويلة ومتجددة لإشغال القاهرة عن مهمتها المقدسة فى اتجاه حماية القضية الفلسطينية، والتراجع عن تدويل حل الدولتين، وعدم الترويج له فى كل اللقاءات والمحافل والمؤتمرات مع زعماء العالم من العواصم المختلفة والقوى المتنوعة، لكن القيادة المصرية أفسدت كل المؤامرات وأفشلت جميع المخططات الإسرائيلية، فلا سلام ولا استقرار بدون الدولة الفلسطينية المستقلة.

ولم يترك الرئيس السيسى قمة سواء عربية أو إسلامية إلا وطالب بحل الدولتين، ولم يفارق هذا الموقف الصلب فى أى زيارة خارجية له أو خلال استقبال أى زعيم عربى أو أجنبى، ولم يتخلَ عن التحذير المتكرر من خطورة تجاهل المجتمع الدولى للتجويع الممنهج، وجرائم الإبادة التى ترتكبها دولة الاحتلال فى حق أهالى غزة، مع التأكيد مرارًا وتكرارًا بأن ترحيل وتهجير الشعب الفلسطينى هو ظلم لا يمكن أن نشارك فيه، والحرص على ثوابت الموقف المصرى التاريخى الداعم للقضية الفلسطينية والتى لا يمكن أبدًا التنازل عنها بأى شكل من الأشكال، وكما قال الرئيس السيسى فى يناير 2025 خلال مؤتمر صحفى مشترك مع نظيره الكينى ويليام روتو بقصر الاتحادية، إن الحل هو إقامة دولة فلسطينية بحقوق تاريخية على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ومن قمة القاهرة للسلام إلى القمة العربية الإسلامية الاستثنائية فى جدة مرورًا بالقمة العربية غير العادية، فى العاصمة الإدارية الجديدة لبحث تطورات القضية الفلسطينية، ثم القمة العربية الـ34 فى العراق، وصولًا إلى قمة الدوحة بعد العملية الإسرائيلية الفاشلة ضد قيادات حركة حماس، يعلو دائمًا صوت مصر مناديًا الجميع، أنه قد آن الأوان لتبنى إطلاق مسار سياسى جاد وفعال، يُفضى إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، مع جاهزية القاهرة لإعادة إعمار قطاع غزة وفق الخطة المصرية التى حظيت بإجماع عربى، دون تهجير فلسطينى واحد، وذلك خلال 3 سنوات، من أجل قطع الطريق على أى مخططات صهيونية أو محاولات أمريكية لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم تحت أى مسمى.

وقد ترجمت الدبلوماسية المصرية والزيارات المتتابعة واللقاءات المتواصلة للدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية، تلك السياسة الوطنية القاطعة بكافة السبل، وجميع الصور من خلال الطرح المستمر لحل الدولتين كمبدأ ثابت لا يتغير ولا يتبدل، مع الرفض التام لأى حديث من قريب أو بعيد عن التهجير الطوعى أو القسرى، فأرض فلسطين للفلسطينيين وليس أى مكان آخر، بل إن الدبلوماسية الوطنية تحركت فى كل الاتجاهات، ووأدت نيات بعض الدول فى استقبال أهالى قطاع غزة سواء كان هذا الأمر بشكل علنى أو ضمنى تحت ضغوط قوى دولية أو تهديدات إسرائيلية، حتى تتراجع هذه الدول كليًا عن أى تجاوب أو تفاعل مع هذا المخطط الشيطانى.

كما قامت الدولة المصرية بجهود مضنية، وتحملت سخافات كثيرة، وتغاضت عن أخطاء جسيمة من عدة أطراف من أجل توحيد كلمة العرب حول حل الدولتين، والاصطفاف العربى وراء هذا المطلب العادل، واعتباره أساسًا متينًا للأمن القومى العربى، ولعل الكثيرين توقفوا أمام رسائل الرئيس السيسى خلال كلمته فى ذكرى ثورة 30 يونيو العظيمة فى 2025 وخاصة عندما قال: «إن مصرَ، الداعمة دائمًا للسلام، تؤمنُ بأنَّ السلامَ لا يولد بالقصف، ولا يُفرض بالقوة، ولا يتحقق بتطبيع ترفضه الشعوب، فالسلام الحق يُبنى على أسس العدل والإنصاف والتفاهم.. وإن استمرارَ الحربِ والاحتلال، لن يُنتج سلامًا، بل يغذى دوامةَ الكراهيةِ والعنف، ويفتحُ أبوابَ الانتقامِ والمقاومة التى لن تُغلق، فكفى عنفًا وقتلًا وكراهية، وكفى احتلالًا وتهجيرًا وتشريدًا.. وإن السلام فى الشرق الأوسط، لن يتحقق إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».

أما الرأى الشعبى فى مصر، المساند لموقف القيادة السياسية فى التصدى لمخطط التهجير، والداعم لحقوق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة فحدث ولا حرج، وهو ما تجسد فى الوقفات الاحتجاجية الرافضة لمحاولات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، فقد تدفق آلاف المواطنين من جميع محافظات الجمهورية إلى العريش، يرفعون الأعلام، ويحملون اللافتات التى تؤكد أن غزة ليست للبيع، ولا للتهجير، وأن 100 مليون مصرى فى ظهر الرئيس السيسى لحماية القضية الفلسطينية من التصفية، وأن الاقتراب من تراب مصر خط أحمر، فى رسالة حاسمة لكل المتربصين بالسيادة الوطنية، مع ردع المتآمرين على عروبة فلسطين.

وبقناعة تامة، وإنصاف كامل، أقول إن الفضل الأول فى تتابع الاعترافات بالدولة الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة هو من ثمار الدور المصرى فى الدفاع عن القضية الفلسطينية، وحشد التأييد الدولى لها من بريطانيا إلى فرنسا، ومن أستراليا إلى بلجيكا، ومن كندا إلى البرتغال والدنمارك ومالطا وغيرها من الدول التى صوتت لصالح القرار فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم يبقَ خارج مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية سوى الولايات المتحدة الأمريكية التى أدخلت نفسها فى عزلة مع دولة الاحتلال بشكل فج، وسيظل عارًا يلاحق واشنطن لسنوات طويلة، وعقود مديدة.

إن الاعتراف الفرنسى ومن قبله البريطانى خطوة عملت من أجلها القاهرة طيلة ما يزيد على 40 عامًا، وقامت بدور المخرج وكاتب السيناريو له على مدى سنوات كثيرة حتى نصل إلى هذا المشهد، وهو وقوف الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ليلة الإثنين الماضى، على منصة الأمم المتحدة، معلنًا اعتراف بلاده بـ«دولة فلسطين المستقلة»، فى ظل مشاركة قوية من الوفد المصرى الذى ترأسه الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء.

وجاءت كلمة د. مدبولى التى ألقاها نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى، كاشفة للوضع الراهن ومحذرة فى الوقت ذاته من مغبة استمرار «إفلات نتنياهو من العقاب»، وخصوصًا عندما قال د. مدبولى: «إننى أتوجه إليكم باسم مصر التى قادت على مدار أكثر من أربعين عامًا، جهود إرساء السلام العادل والاستقرار فى الشرق الأوسط، لأؤكد اليوم، وأكثر من أى وقت مضى، أنه لا استقرار فى الشرق الأوسط بدون حل عادل وشامل يُلبى الطموح المشروع للشعب الفلسطينى فى قيام دولته المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».

حديث رئيس الوزراء لم يتوقف عند هذا الحد، حيث إنه عاد وقدم وجهة نظر القيادة المصرية فيما يحدث بالمنطقة، لنقلها بمنتهى الصراحة، إن حل الدولتين، ليس مجرد خيار سياسى، أو التزام أخلاقى فحسب، بل هو أيضًا ضرورة أمنية، فالطريق الوحيد لشرق أوسط آمن ومستقر ومزدهر، هو ضمان حق الشعب الفلسطينى فى الحرية والكرامة والاستقلال، كما أن الأمن لن يتحقق لإسرائيل عبر القوة العسكرية ومحاولة فرض الأمر الواقع، فتجاهل الحقوق الفلسطينية لن يجلب سوى المزيد من التصعيد وعدم الاستقرار، كما أن غياب الأفق السياسى سيفتح الباب للمزيد من العنف والتطرف، وهذا ما أثبتته التطورات المتلاحقة التى شهدتها منطقتنا فى العامين الماضيين.

ولأنها مصر، فإن حديث «د. مدبولى» امتد كذلك إلى سيناريوهات «اليوم التالى»، بالتشديد على أن مصر ترفض بصورة حاسمة أى محاولات لتهجير الشعب الفلسطينى وتصفية قضيته وهو ما يرقى إلى جريمة التطهير العرقى. ومن هنا، ستقوم مصر، بمجرد التوصل لوقف إطلاق النار، باستضافة المؤتمر الدولى لإعادة الإعمار فى قطاع غزة لحشد التمويل اللازم للخطة العربية الإسلامية لإعادة الإعمار بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية، بما يضمن بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه.

كما أعرب الرئيس عبدالفتاح السيسى عن ترحيبه بانعقاد مؤتمر حل الدولتين فى نيويورك كفرصة تاريخية يجب اغتنامها لإنهاء عقود من الصراع والمعاناة، وقال الرئيس عبر حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعى، إن «الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وتجسيدها على أرض الواقع ليس حلمًا؛ بل تشبث بحق طال كفاح الشعب الفلسطينى من أجله وساندته جميع شعوب العالم المُحبة للسلام، وهو السبيل الوحيد لتحقيق السلم والأمن والتعاون بشكل دائم بين جميع شعوب المنطقة».

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها

ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.

الاكثر قراءة