على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، سيعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء اليوم الاثنين بدولة فلسطين وسيدعو إلى حل الدولتين من أجل تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وسلطت قناة "فرانس إنفو" الإخبارية الفرنسية الضوء على هذا الحدث التاريخي، وهو "وعد راسخ" للدبلوماسية الفرنسية، وسيفي به الرئيس إيمانويل ماكرون. لكن يبقى السؤال "لماذا قرر ماكرون أخيرا الاعتراف بدولة فلسطين؟" .. ذكرت "فرانس إنفو" عدة أسباب وراء هذا القرار التاريخي.
ذكرت "فرانس أنفو" أنه في 24 يوليو الماضي، سبق ماكرون الكثيرين بإعلانه عن نيته باتخاذ هذا القرار التاريخي عبر منصة "إكس". وقال "وفاء بالتزامها التاريخي بسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، قررتُ أن تعترف فرنسا بدولة فلسطين. سأُعلن ذلك رسميا خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل".، آملا أن يساهم الاعتراف في تحقيق السلام الراسخ بالشرق الأوسط.
قبل عام من ذلك، وتحديدا في 28 مايو 2024، بدا إيمانويل ماكرون وكأنه يماطل، حسبما ذكرت "فرانس أنفو"، فقد رأى أن "هذا القرار ليس من المحظورات"، إلا أنه ينبغي أن "يأتي في الوقت المناسب".
كما أنه اتخذ موقفًا معاكسا لموقف دول أوروبية أخرى، مثل إسبانيا والنرويج وأيرلندا، التي اعترفت مؤخرا بدولة فلسطين.
لكن مع الوقت، ظهرت أسباب عديدة جعلت الأمور تتغير. وسلطت "فرانس إنفو" الضوء على زيارة ماكرون إلى مصر (في 7 و8 ابريل الماضي وزار خلالها مدينة العريش على بُعد 50 كيلومترا من غزة
ورأى المساعدات الانسانية العالقة)، وخلال مقابلة تليفزيونية أُجريت على متن طائرته لدى عودته من مصر، أرسى ماكرون منهجا جديدا للدبلوماسية الفرنسية، قائلا "علينا أن نتحرك نحو الاعتراف (بالدولة الفلسطينية)، ولذلك سنتحرك خلال الأشهر المقبلة".
ترى "فرانس إنفو" أن هذا الاعتراف بدولة فلسطين هو، قبل كل شيء، محاولة لإلزام رئيس الوزراء الإسرائيلي على وقف هجومه على قطاع غزة. وقد صرح كريستوف لوموان متحدث سابق باسم وزارة الخارجية الفرنسية، في يوليو الماضي لفرانس إنفو، بأن فرنسا تريد مواصلة الضغط على إسرائيل لوقف هذه العمليات، حتى يتم إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة مرة أخرى. وأكدت الرئاسة الفرنسية أنه نظرا إلى الحالة الطارئة هناك بالقطاع، لقد وصلنا تقريبا إلى نقطة اللاعودة"، في إشارة إلى الهجوم الإسرائيلي الأخير ومشاريع الاستيطان في الضفة الغربية.
كذلك، في سنغافورة، في 30 مايو، حاول ماكرون تبرير هذا القرار، معتبرا أن "إقامة دولة فلسطينية لم تكن مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة سياسية". وبالنسبة لقصر الإليزيه، ليس هذا إجراء رمزيا، بل وسيلةً لإرساء أسس لعملية تهدف إلى تحقيق استقرار دائم في المنطقة. كما أن الاعتراف بفلسطين يعني إعادة التأكيد على حل الدولتين، وهو الموقف الدبلوماسي الفرنسي الذي ظل قائما على مدى 40 عاما الماضية.
كذلك، ترى "فرانس إنفو" أن هذا الاعتراف يهدف إلى استعادة مصداقية السلطة الفلسطينية. ففي المقابل، أكد المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا على موقع "إكس"، في يوليو الماضي، أنه "مهما كانت نوايا رئيس الجمهورية، ستُعتبر حماس هذا الاعتراف نصرا رمزيا.
وبالنسبة للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية، يتجاهل إيمانويل ماكرون الشروط التي وضعها لهذا الاعتراف، وخاصةً إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة. في المقابل، يعتقد الرئيس الفرنسي أن السلطة الفلسطينية على وشك الوفاء بهذه الشروط .
وأرسل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رسالة إلى ماكرون في 10 يونيو، جدد فيها التزامه بمواصلة إصلاح السلطة الفلسطينية، وأكد عزمه على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال عام، تحت "إشراف" دولي. كما دعا في هذه الرسالة إلى الإفراج الفوري عن جميع الرهائن والمعتقلين. كما أعرب عن ترحيبه لنزع سلاح حماس وعدم استمرارها في إدارة غزة. وفي بيان، رحب الإليزيه بهذه "الالتزامات الملموسة وغير المسبوقة، التي تُظهر رغبة حقيقية في المضي قدمًا نحو تنفيذ حل الدولتين". وأوضح الإليزيه أنه لإيجاد بديل لحماس، "يجب علينا استعادة مصداقية السلطة الفلسطينية".
من ناحية أخرى، ترى "فرانس إنفو" أن ماكرون يريد من خلال هذه الخطوة التاريخية أن يكون قائدا على الساحة الدولية. وأوضحت أن الاعتراف بدولة فلسطين يعني الالتزام بمعايير الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وقد اعترفت ما لا يقل عن 148 دولة بوجود دولة فلسطينية، من بينها روسيا، وغالبية الدول الأفريقية (عام 1988)، ودول أمريكا اللاتينية (عام 2011). وانضمت إليها دول أخرى بعد هجمات 7 أكتوبر وما تبعها من دمار لقطاع غزة من بينها سلوفينيا وإسبانيا والنرويج وأيرلندا.
لكن فرنسا أصبحت الان أول دولة من مجموعة الدول السبع الكبرى التي تتخذ خطوة الاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما يسمح لإيمانويل ماكرون بإبراز قيادته، إذ سارت كندا والمملكة المتحدة على خطى الرئيس الفرنسي، كما اتخذتا خطوات نحو الاعتراف. كما حذت بلجيكا وأستراليا حذوهما. ومن المتوقع أيضًا أن تنضم البرتغال ولوكسمبورج إلى فرنسا في مؤتمر اليوم الاثنين.
وفي 12 سبتمبر، اعتمدت 142 دولة بالجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يؤيد إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين. ورحب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بهذا قائلا "اليوم، بقيادة فرنسا والمملكة العربية السعودية، اعتمدت 142 دولة إعلان نيويورك بشأن تنفيذ حل الدولتين .. معا، نرسم مسارا لا رجعة فيه نحو السلام في الشرق الأوسط".
بالإضافة إلى ذلك، ترى "فرانس إنفو " أن هذا الاعتراف يأتي استجابة للرأي العام في فرنسا، ورغم أن هذا القرار قد يكون مدفوعا باعتبارات دبلوماسية، إلا أنه ينطوي أيضا على دوافع فرنسية خفية.
وأوضح الدبلوماسي ماكسيم لوفيفر، أستاذ العلاقات الدولية "هذا القرار مسألة تتعلق بالسياسة الداخلية".
ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة "إيفوب" في 18 سبتمبر، يعتقد 29% من المشاركين في الاستطلاع أن على فرنسا الاعتراف بدولة فلسطينية فورا ودون قيد أو شرط. في المقابل، يُؤيد 38% الاعتراف بعد إطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين في غزة واستسلام حماس. ولا يزال 33% من المشاركين يعارضون هذه الفكرة على المدى القصير.
وخلال المؤتمر المرتقب مساء اليوم حول "التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين" برئاسة سعودية، فرنسية مشتركة، بنيويورك، سيعلن الرئيس الفرنسي عن اعتراف بلاده بدولة فلسطين، ليتبعه بعد ذلك، الدول التي أعلنت أيضا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وتسعى فرنسا إلى اتخاذ كل الاجراءات الممكنة للحفاظ على حل الدولتين، وتعتبر أن هذا الاعتراف يندرج في إطار خطة سلام شاملة للمنطقة، تهدف إلى تلبية تطلعات الإسرائيليين والفلسطينيين معا إلى الأمن والسلام، حسبما أكد الرئيس الفرنسي.