رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. محمود مالك.. شيخ الطريقة العلوانية: الصوفيون فى «ظهر الدولة»


4-9-2025 | 19:50

الدكتور مهندس محمود مالك علوان.. شيخ الطريقة العلوانية الخلوتية

طباعة
حوار: صلاح البيلى

فى حوار استثنائى، يأخذنا الدكتور مهندس محمود مالك علوان، شيخ الطريقة العلوانية الخلوتية، فى رحلة عبر الزمن والفكر، ليكشف كيف ينسج التصوف خيوطه بين الدين والحياة اليومية، بين مقامات آل البيت وحب الوطن، وبين الأخلاق والقيادة الواعية. من موالد النبى إلى احتفالات الصالحين، ومن تجربة جده الشيخ محمد علوان فى البرلمان إلى رؤية الدولة لرعاية المساجد والمقامات، يضع لنا نموذجًا حيًا للصوفى الذى يعيش قيم الدين والولاء الوطنى والعمل الجاد، مؤكدًا أن حب الوطن يتجسد فى العمل والتطوير والتنسيق مع مؤسسات الدولة، وأن الدين، فى جوهره، هو مظلة تحمى الإنسان والمجتمع معًا. فى هذا الحوار، نكتشف كيف تتلاقى الروحانية مع الواقعية، والتقوى مع التنمية، فى رؤية شابة وواعية للتصوف والقيادة المجتمعية.

 
 

سألت الدكتور علون: ما قضيتك كشيخ طريقة صوفية؟

قال: قضيتنا الحقيقية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، النظرية والتطبيق، فالقرآن الكريم رسالة السماء إلى الأرض، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- هو التطبيق العملى للرسالة، ثم من بعده كان نجوم آل البيت والصحابة، والتابعين، وتابعى التابعين، وعباد الله الصالحين، كلهم مثال تطبيقى على نهج سيدنا رسول الله، ومنهم تعلمنا أن (الله، الوطن، المواطن) هى مظلة من الخالق، ثم مظلة الوطن، ولا تعارض بين مصلحة الوطن ومصلحة المواطن، وكلاهما يؤثر على بعضهما بعضا، وهى ثلاثية متكاملة، وليست متعارضة، فالفرد يتقدم شخصيا، فيتقدم مجتمعه، والمجتمع يحقق رفاهية المواطن، وربنا سبحانه وتعالى منَّ علينا بالاختلاف كى نتكامل، وليس لنتناحر، إنها سنة كونية، لا أحد يعمل وحده، كما الحال فى مؤسسة الأسرة المكونة من رجل وامرأة، ودعاوى المساواة بين الطرفين ظلم لهما معا، العدالة فى العلاقة بخلاف المساواة.

كيف ترى مفهوم الدولة فى سنة النبى وموقفكم منها خاصة أن مصر عامرة بمقامات آل البيت؟

سيدنا رسول الله عاش الإسلام فى حياته فى ثلاث بيئات مختلفة، البيئة الأولى فى مكة وسط أفراد ينكرون دعوته، ووصل بهم الحال لتعذيب وقتل أصحابه، واضطر أصحابه إلى الهجرة مرتين للحبشة هربا من القتل، أى أن سيدنا النبى عاش فى مجتمع كافر وجحد دعوته، وناقم عليه، وضيق عليه، وفرض عليه المجاعة، ومع ذلك لم يستحل سيدنا رسول الله المجتمع المكي، ولم يخلق مبررا لقتلهم، ولم يكوّن جماعات قتل، ولا اختطاف، وهذا مثال عملى لنا على الحياة فى مجتمع غير مؤمن بنا.

والرسالة الثانية عندما عاش صحابة سيدنا النبى فى مجتمع مسيحى فى الحبشة، وكان ملكها النجاشى مسيحيا، وعاملهم بكل كرم، واستقبلهم، وهم عاشوا مسالمين، ولم يسببوا خللا للمجتمع.

والتطبيق الثالث حين منَّ الله على سيدنا رسول الله بالنصر وإقامة الدولة فى المدينة المنورة، وكانت له الغلبة، فأسس الرسول مجتمعا مدنيا، مع جميع أتباع الأديان من يهود ونصارى، ومع أبناء القبائل المختلفة، وفى حالات الحرب، وحين تقع الخيانة من الداخل لابد من وقفها واستئصال شأفتها، وهذا ما فعله الرسول مع اليهود، وهذا ما يفعله كل مجتمع مع مَن يخونون الأمانة، وقبل ذلك سأله قوم من اليهود عن مسألة فى دينهم، فقال لهم سيدنا ما معناه: عندكم شريعتكم، هذا هو الدين.

ما رسالة الدين وهدفه فى المجتمع؟

نحن نؤمن بأن الدين للحياة، الله منَّ علينا بدينه كى يسهّل علينا حياتنا، ولم يأت كى يقيّدنا بل أتى لحياتنا وحمايتنا، وعلى حسب قماشة المجتمع، جمهوري، ملكي، أهلا وسهلا، فالدين لحفظ الحقوق والحريات والواجبات.

متى تقع الأزمة ويحدث الخلل؟

الأزمة تحدث حين نقدم حقوقنا على واجباتنا، وعندما نقدم حرياتنا على مسئولياتنا، هذا ما يفصل علاقتك بالله والوطن، فالعلاقة متوازنة، والدين حين حماك من المجتمع، حما المجتمع منك، فلا تنظر للدين على أنه قيد صارم، بل مظلة حماية للجميع، وتخيل أنك تعيش مع مليون إنسان، أو مليار إنسان، فالقضية أن الدين للحياة.

أنت شيخ من مشايخ الصوفية.. كيف ترى دورهم المجتمعى اليوم؟

الصوفيون على مدار تاريخهم كانوا فى ظهر الدولة، والتصوف تزكية وتوعية، وهو النهج التطبيقى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الطرق الصوفية لا تنشغل بالسياسة، ولكننا نعمل لسلام المجتمع، وهناك محددات للمجتمع، بمعنى أنه لو لم توجد دولة لن يوجد وطن.

ونحن نفرق بين الدولة والحكومة، فالحكومات تتغير، بحسب دستور كل بلد، ولكن الدولة ومؤسساتها ثابتة، فالحفاظ على مؤسسات الدولة نهج الصوفية، ونحن كمؤمنين حبنا للوطن هو ميثاق لنبض القلب، مع حكمة العقل، والعمل باليد، لينصهر فى مؤسسات الدولة، فحبى لمصر، إن لم يتفق مع العقل والحكمة، قد يكون حبا مضرا، فالحب يجب أن يكون منضبطا وحكيما ومتفقا مع وجداني، ولا بد أن يكون حبنا للوطن يتضافر معه عمل وإعمار وتنمية مستدامة.

كل ذلك يتم بالتعاون مع مؤسسات الدولة وليس فى معزل عنها، فالفطرة السليمة تقول إن كل ما نقوم به لا بد أن يتم بالتنسيق مع مؤسسات الدولة، كى تستفيد منه البلاد والعباد، فنحن نعيش فى دولة لها منظومة، وهذا ما تعلمناه من سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم، فى منظومة مكة لم يخرج عليها سيدنا النبى ولم يفرض عليها الإرهاب، وفى منظومة الحبشة، تعايش معها الصحابة، وفى المدينة المنورة كان سيدنا النبى هو الذى يدير المنظومة، فاحتوى الجميع.

كيف فهمت حرص الدولة على تطوير مساجد ومقامات آل البيت؟

حرص الدولة على توقير آل البيت بتطوير مساجدهم ومقاماتهم فى مصر أمر يدل على المحبة الخالصة من الدولة لآل بيت النبي، وتلك من تجليات هذه المحبة الحقيقية، والطفرة التى حدثت تدل على تقدير حقيقى واضح، وهناك إدراك حقيقى لتوقير آل البيت والصالحين، هناك اهتمام، واستقطاع من موازنة الدولة، والحمد لله أن ذلك يجرى فى سياق منظومة تطوير كاملة للبلد، وعلى كل مستوى، ولا شك أن ذلك سيطور من مداخل السياحة الدينية.

كيف ترى احتفالنا رسميا وشعبيا بمولد النبى وموالد الأولياء؟

احتفالنا بمولد رسول الله، وموالد آل البيت والصالحين أمن قومي، فهو تجسيد حى لبعد من مفاهيم المواطنة، كما أنه من منظور تراثى مهم جدا لتواصل الأجيال، واستمرار نقل العادات والتقاليد المتوارثة من جيل إلى جيل، وكما أن لدينا ذكريات وحنينا فى ذاكرتنا عن تلك الاحتفالات، كذلك نحن نساهم فى تكوين ذاكرة دينية جميلة لأطفالنا، وللأسف البعض غير مدرك لذلك، ويهاجم الموالد، هم لا يدركون أهميتها لأمننا القومي. ومن أهم مقاصد الدين إدخال البهجة على الناس، والفرحة بمولد النبى مطلوبة، وتحقق أريحية للناس والمجتمع فى ظل ما يعانيه الناس.

هل كنتم كطرق صوفية تتوقعون قيام الدولة بتطوير مساجد ومقامات آل البيت فى ظل التحديات الإقليمية والعالمية الشديدة؟

نعم هو أمر لم يكن فى الحسبان، ولكنه ينم عن رؤية واضحة، دينية، وقومية، وسياحية، واقتصادية، الموضوع له أبعاد متعددة، نعم نحب الصالحين، كأمر أساسي، ولكن لا مانع من منتجات وآثار ثانوية أخرى، كمن يؤسس لكوبرى فى منطقة لفك أزمة مرور، ثم أصبح أسفله موقف سيارات، وأكشاك لبيع الورد، وأناس وقفوا فى الظل، فالمصداقية والرؤية تمنحنا البركة، وهى المنتجات الثانوية.

كيف ترى موقف البعض من الدولة لسماحها لـ(طائفة البهرة) بدعم تطوير مساجد ومقامات آل البيت.. هل هم على حق أم أنهم على ضغينة وسوء نية؟

أنا مواطن، والدولة كيان كبير جدا، فمصر بينها وبين الكيان الصهيونى اتفاقية سلام، جميل، فهل معنى ذلك أننى مضطر لعمل علاقة مع الكيان؟.. بالطبع لا، فلا بد أن نفرق بين دور الدولة التى تبحث عن مصادر تمويل بالكيفية التى تراها وبما لا تمسّ السيادة ولا العقيدة، ولا يصح لى كمواطن التدخل فى تلك المنظومة، وكل منظومة لها كبير عند رؤية شاملة وكاملة. وقد رأينا أن تمويل (البهرة) لم يؤثر لا فى السيادة، ولا العقيدة، ولم يخترق منهجية الأزهر، فأهلا وسهلا به، وكما تفعل (اليونسكو) التابعة للأمم المتحدة، تمول مشروعات تطوير إسلامية، وهم غير مسلمين، فهل نمتنع عن قبول التمويل لأنهم ليسوا منا؟ مؤسسة أو منظمة ما تمول بشروطى فما المانع، ولا يحق للبعض أن يعترض، بالعكس هذا جهد محمود، والرسالة هنا أن الدولة تعى ما تقوم به، فلا يجب أن ننشغل بما لم نحط به علما، ومن ينشغل بذلك لن يؤدى دوره المنوط به، وسوف يكون مقصرا فيما هو مسئول عنه.

ما آخر رسالة توجهها لمريديك وللناس كافة؟

نحن بحاجة لنهج رسول الله وأخلاقه فى حياتنا ومعاملاتنا، من المسجد إلى المعمل، من الدعاء للمعمار والتنمية، نهج النبى الصادق الأمين لا بد أن ينعكس على عملك بالإخلاص وإتقان العمل، ومنظومة النجاح هي: (علم بلا عمل هباء، وعمل بلا علم حمق، وعمل بلا تقوى فعل شيطانى)، لا بد من علم وعمل وتقوى، وخشية الله مع محبته، ومن اعتاد التقوى والإخلاص خلصه الله لنفسه، وهذا بحاجة لذكر، والدين جاء لتسيير وإحياء الدنيا، والذكر قرآن وتسبيح، وهندسة وفيزياء وعلم، وتدبر وإدراك، والنهج هو السلوك، وهذا نهج سيدنا النبي، الدين للدنيا ولسعادة الناس.

الاكثر قراءة