رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«الصحة» تتعهد بـ «العلاج المجانى».. ومتخصصون يحذرون من «التخلى عن المرضى».. أزمة تسعيرة «الأمراض النفسية»


16-8-2025 | 16:06

مستشفى العباسية للصحة النفسية

طباعة
تقرير: إيمان النجار

شهدت الأيام القليلة الماضية جدلًا واسعًا بشأن تحريك أسعار الخدمات الطبية بمستشفيات الصحة النفسية، وهو التحريك الذى جاء وفق القرار الوزارى للدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان رقم 220 لعام 2025 والذى ينص على تحريك أسعار الخدمات الطبية التى تقدمها مستشفيات الصحة النفسية.

القرار الذى صدر منتصف مايو الماضى، بدأ العمل باللائحة الجديدة له بداية الشهر الجارى، فى الوقت الذى يوضح فيه المتصلون بالمجال الطبى خطورة تطبيق لائحة الأسعار الجديدة، ليس على المريض النفسى وأسرته فقط، ولكن على المجتمع ككل من تسرب من العلاج وعزوف الأسر عن تحمل مزيد من الأعباء المالية رغما عنها، تؤكد وزارة الصحة أن اللائحة الجديدة تخص العلاج بالقسم الاقتصادى ولا مساس بالقسم المجانى.

وحول اللائحة المالية والإدارية الجديدة المرافقة للقرار الوزارى والخاصة بمستشفيات أمانة الصحة النفسية كشف مصدر مسؤول بوزارة الصحة، أن «القرار بزيادة أسعار الخدمات العلاجية فى مستشفيات الصحة النفسية، يشمل العيادات الخارجية، الإقامة فى الأقسام الداخلية، وخدمات المعامل والأشعة»، موضحًا أنه بالنسبة لزيادة تذكرة الكشف فى العيادات الخارجية من جنيه واحد إلى عشرة جنيهات، «تم رفع سعر تذكرة الكشف فى العيادات الخارجية من جنيه واحد إلى 10 جنيهات، وهذا المبلغ لا يقتصر على الكشف الطبى فقط، بل يشمل قيمة الكشف والعلاج الشهرى بحسب نص المادة 8 من اللائحة، هذه الزيادة رغم أنها تبدو كبيرة نسبيًا 10 أضعاف السعر السابق إلا أنها تظل رمزية مقارنة بتكلفة الخدمات الصحية الشاملة، القيمة الجديدة 10 جنيهات تغطى الكشف الطبى، التشخيص، والأدوية لمدة شهر، مما يعنى أن التكلفة اليومية للعلاج لا تتجاوز 33 قرشاً تقريبًا، وهذا المبلغ مدعوم بشكل كبير من الدولة، حيث تتحمل الدولة الجزء الأكبر من التكلفة الحقيقية للخدمات».

وتابع: تذكرة الكشف فى العيادات المتخصصة تم رفعها من جنيه واحد إلى عشرين جنيهاً، وبالنظر للعيادات المتخصصة تقدم خدمات متقدمة تشمل استشارات من أطباء متخصصين فى مجالات مثل صحة المرأة، مما يتطلب خبرات وتجهيزات متقدمة، والسعر الجديد 20 جنيهًا يظل رمزيًا، كما أنه يساهم فى تغطية جزء من تكاليف التشغيل مع ضمان استمرار تقديم الخدمات.

المصدر ذاته، أضاف: المرضى المؤمن عليهم لا يتحملون أى تكاليف، والمرضى المشمولون بمظلة التأمين الصحى لا يتحملون أى تكاليف إضافية، حيث يغطى التأمين الصحى تكاليف علاجهم بالكامل، مع العلم أن نظام التأمين الصحى فى مصر، الذى يغطى حوالى 69 مليون مواطن، يضمن تقديم الخدمات الطبية دون أعباء مالية على المرضى المؤمن عليهم وهذا يشمل خدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان فى المستشفيات الحكومية، هذا النظام يعزز العدالة الصحية ويضمن وصول الفئات المؤمن عليها إلى الرعاية دون تكلفة إضافية، أيضا العلاج على نفقة الدولة يغطى تكلفة الأدوية التى تُكتب فى العيادات الخارجية والمتخصصة، هذا البرنامج يهدف إلى تخفيف الأعباء المالية عن المرضى غير القادرين، حيث يتم تمويل الأدوية والخدمات العلاجية من ميزانية الدولة، وخلال النصف الأول من عام 2025، أصدرت وزارة الصحة 1.89 مليون قرار علاج على نفقة الدولة بتكلفة 13.2 مليار جنيه، مما يظهر التزام الدولة بدعم الرعاية الصحية.

وتابع: الأسعار الجديدة خاصة بالقسم الاقتصادى ولا تؤثر على القسم المجانى، فالزيادات فى الأسعار تنطبق فقط على القسم الاقتصادى، بينما يظل القسم المجانى دون تغيير، والقسم الاقتصادى يستهدف المرضى القادرين على دفع تكاليف رمزية، بينما يحافظ القسم المجانى على تقديم الخدمات دون أى رسوم، وهذا التقسيم يضمن استمرارية تقديم الخدمات مع تحسين جودتها فى القسم الاقتصادى، دون التأثير على الفئات غير القادرة.

المصدر، ذاته، أشار إلى أنه إذا نظرنا إلى توزيع المرضى بين القسمين المجانى والاقتصادى، فيبلغ عدد المرضى الذين يتلقون الخدمة حاليًا فى مستشفيات الصحة النفسية 3098 مريضًا، منهم 2173 فى القسم المجانى أو على حساب التأمين الصحى، و925 فقط فى القسم الاقتصادى، هذه الأرقام تظهر أن 70 فى المائة من المرضى وعددهم 2173 من إجمالى 3098 يتلقون الخدمات مجانًا أو من خلال التأمين الصحى، بينما يقتصر القسم الاقتصادى على 30فى المائة فقط بواقع 925 مريضًا، هذا يعكس التوازن بين تقديم الخدمات المجانية للغالبية وضمان استدامة الخدمات فى القسم الاقتصادى.

كما أكد أن «القرار لا يؤثر على القسم المجانى أو المرضى المؤمن عليهم، مما يضمن حماية الفئات الأكثر احتياجًا، ولكنه فى نفس الوقت يسهم فى تحقيق التوازن بين الجودة والتكلفة، فالأسعار الجديدة تظل مدعومة بشكل كبير مقارنة بالقطاع الخاص، وتعكس جهود الدولة لتحقيق توازن بين تحسين جودة الخدمات وتخفيف الأعباء المالية عن المواطنين، مع الأخذ فى الاعتبار أنه فى الحالات الطارئة والحالات الخطرة أو حالات الحجز بأقسام قضائية أو المشردين عن طريق الشرطة يتم حجزهم مجانًا».

واختتم قائلاً: قرار زيادة الأسعار يهدف إلي تحسين استدامة الخدمات الصحية وتشير البيانات إلي أن 70 فى المائة من المرضى يتلقون الخدمات مجاناً أو عبر التأمين الصحى، مما يعكس التزام الدولة بالعدالة الإجتماعية.

بدوره، قال الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء سابقًا، وعضو مجلس إدارة بمستشفى العباسية للصحة النفسية سابقًا: اللائحة المالية والإدارية الجديدة الخاصة بمستشفيات أمانة الصحة النفسية رقم 220 لعام 2025 دخلت حيز التطبيق الأسبوع الماضي. لا يوجد وجه مقارنة بينها وبين الأسعار السابقة، ورفع الأسعار بهذا الشكل يعتبر إما تخليًا من الدولة عن دعم قطاع الصحة النفسية، أو أنها لائحة غير مدروسة بشكل كافٍ. فهذه الأسعار الجديدة ينافسها القطاع الخاص، ويقدم أسعارًا أقل منها؛ على سبيل المثال، عندما تبدأ الإقامة فقط بدون علاج وبدون فحوص طبية من 150 جنيهًا فى اليوم إلى 550 جنيهًا فى اليوم، يوجد فى الخاص ما هو أرخص من ذلك.

وأضاف: تطبيق هذه اللائحة يُعد كارثة مجتمعية، لأنها لن تضر المريض النفسى وأسرته فقط، بل تضر المجتمع كله بكل فئاته. فكم من الحوادث، مع احترامنا للمرض النفسى وتقديره، ولكن طبيعة المرض النفسى واشتداد أعراضه وما بها من ضلالات وهلاوس، كانت سببًا فى حوادث عدة نُسبت إلى مرضى نفسيين. فالمريض النفسى له خصوصية، وعدم الاهتمام به سيعود بالضرر على المجتمع ككل. كل الدول، بما فيها مصر، توجهت فى فترة من الفترات للاهتمام بالمريض النفسى ومريض الإدمان نظرًا للتكلفة المرتبطة بعدم علاجه. ففى دول الاتحاد الأوروبى، أُجريت دراسة أوضحت أن التكلفة الضائعة على الدولة من عدم علاج المريض النفسى ومريض الإدمان تساوى 2.5 ضعف تكلفة علاجه. فلو لم يُعالج المريض، سيصبح إنتاجه صفرًا، وبعض الأفراد المحيطين به سيتفرغون لمتابعته ومشكلاته، فتضيع إنتاجيتهم أيضًا، وتزيد المشكلات الاجتماعية، خاصة إذا كان متزوجًا أو له أبناء، مما يؤدى إلى تفكك أسرى، فضلًا عن المشكلات الجنائية والقضائية التى يتعرض لها، وكلها تكلفة على الدولة. وبالتالى، هذه اللائحة غير مدروسة أبعادها بشكل واضح، ومن الواضح أنها وُضعت إما عن عدم اكتراث وعدم فهم كافٍ لطبيعة هذا القطاع وتوابعه، وإما أنه تخلى عن هذا القطاع.

وأكمل: إذا نظرنا لأسعار ما قبل اللائحة نجد أنه فى القسم الاقتصادى، كان السعر يبدأ من 150 جنيهًا فى الشهر شاملة الإقامة والعلاج والفحوص، وقد تحولت نفس الدرجة إلى 150 جنيهًا فى اليوم للإقامة فقط. الفارق كبير جدًا، وهذه هى الدرجة الأقل فى الاقتصادي. درجة أخرى كانت 300 جنيه فى الشهر، تحولت إلى 480 جنيهًا فى اليوم. تذكرة الكشف ارتفعت من جنيه إلى 10 جنيهات، والعيادات التخصصية إلى 20 جنيهًا، وكل الفحوص ارتفعت، منها التحاليل الروتينية التى تُجرى عند دخول المريض، مثل تحاليل الكبد والكلى والسكر وصورة الدم ورسم القلب، وقد ارتفعت أيضًا.

وأضاف «حسين»: هذه اللائحة مرفوضة، فالمرضى لن يذهبوا للمستشفيات. هناك أسر تتردد كل شهر، لا تحضر زيارات متابعة لعبء نفقة المواصلات، فهل ستحضر لدفع الأسعار المذكورة فى اللائحة؟ المرض النفسى مرض مزمن، قابل للانتكاسة، ويحتاج إلى استمرارية فى العلاج والمتابعة.

أغلب الأسر من الأسر الفقيرة، ونسبتهم زادت مع الحالة الاقتصادية الصعبة، والمريض النفسى أحيانًا يمثل عبئًا اقتصاديًا على أهله، وبالتالى قد لا يُعالج. ولم يُذكر فى اللائحة بنود تخص العلاج على نفقة الدولة أو التأمين الصحى، فقط مكتوب أنه حتى 25فى المائة على الأقل مجانى، وتُعطى الأولوية للأسر التى تصرف معاش «تكافل وكرامة» ولأسر الشهداء والحالات التى تُجرى لها أبحاث اجتماعية. ولكى يتم إجراء بحث اجتماعى وإجراءات، فهذه أمور بيروقراطية، وعمليًا من الصعب توفيرها مع حالة المريض النفسى واشتداد مرضه.

تطبيق اللائحة له مخاطر، بحسب «د. أحمد»، فى مقدمتها التسرب من متابعة العلاج بنسبة تصل إلى 80 فى المائة من رواد ونزلاء المستشفيات الحكومية. ووفق بيانات رسمية، فإن ربع سكان مصر لديهم أعراض نفسية، منهم على الأقل 10 فى المائة يحتاجون للمتابعة. فالأرقام كبيرة، واحد من كل أربعة يعانى من أعراض نفسية، أكثرها الاكتئاب والقلق. مع الأخذ فى الاعتبار أن لدينا عجزًا فى عدد أسِرّة المستشفيات الحكومية والخاصة مقارنة بالاحتياج الفعلي. وإذا وجدنا توفرًا فى أسرة القطاع الخاص، فذلك بسبب غلاء سعرها أو لوجود مراكز يديرها غير متخصصين.

من جهته، قال الكابتن مجدى حسن، مدير النشاط الرياضى سابقًا بمستشفى العباسية للصحة النفسية: الأسعار المطبقة باللائحة الجديدة بداية من الشهر الجارى مرتفعة وغير منطقية للمريض النفسى، أولًا لأن المريض النفسى يكون عبئًا اقتصاديًا على أسرته، ليس له دخل، لا يعمل، والمكان الوحيد الذى يحتويه هو المستشفى. بعض أهالى المرضى كانوا يعانون حتى من تكلفة الزيارة وتكلفة الحجز بالأسعار السابقة، ومع هذه الزيادة ستزيد المعاناة، وسيكون مصير المريض النفسى إما الشارع وتفاقم حالته، وإما ارتكابه جرائم نتيجة مرضه. فالمستشفى هو المكان الوحيد الذى يحتويه، فهو بيته وحياته.

كما كشف أن الزيادة بدأت من تذكرة الدخول، والتحاليل الروتينية التى تُجرى لفتح ملف للمريض وقت الدخول، فتبلغ نحو 750 جنيهًا، هذا بجانب أسعار مختلف التحاليل والأشعة التى تتطلبها الحالة فيما بعد. مع مراعاة أن هناك حالات تستوجب الحجز مباشرة دون الدخول فى إجراءات ورقية وانتظار صدور قرار علاج على نفقة الدولة. وإذا كان الرد بأنها تخص العلاج الاقتصادى، فهى مرتفعة أيضًا على المريض الاقتصادى، لأن المريض النفسى يتطلب أسابيع وشهورًا للعلاج، فإذا كانت أقل درجة دخول 4500 جنيه شهريًا، وتقترب من 12 ألف جنيه شهريًا للدرجة الأولى، غير شاملة مصاريف الخدمات الطبية، فكم أسرة تستطيع تحمل هذا المبلغ شهريًا؟! مناشدًا بإعادة النظر فى أسعار هذه اللائحة والحفاظ على نسبة العلاج المجانى الـ60فى المائة، رحمةً بالمريض النفسى وبأسرته.

فى حين قال محمد فؤاد مدير الجمعية المصرية للحق فى الدواء وعضو مجلس إدارة مستستشفى الخانكة سابقاً: الأسعر فى اللائحة صادمة ، وبالنسبة للحديث عن كفالة الدولة للمريض النفسى فإن مصر من أولى الدول فى العالم التى بها مستشفيات صحة نفسية، منها مستشفيات تاريخية وعندما صدر قانون أمانة الصحة النفسية فى مصر أقر بأن 60 فى المائة من الأسرة الموجودة فى الـ16 متستشفى شبه مجانى ويوجد أيضاً العلاج الاقتصادى بالنسبة المتبقية الـ 40 فى المائة حيث كان يدافع عن الشهر مثلا 1100 جنيه فهذا الرقم يمكن تحريكه بنسبه لأنه قادر على الدفع خاصة أنه لن يجد هذا الرقم فى القطاع الخاص كما أنه سيجد وسائل أمان فى المستشفيات الحكومية لا تتوفر فى الخاص.

وأكمل: اللائحة تُعد ضربة لحقوق المرضى النفسيين فاقدى الأهلية فى مصر، فى حين أن كل حكومات العالم تحاول أن تذلل العقبات وتحسن البيئة المحيطة بالمرضى النفسيين. وبحكم أننى كنت عضو مجلس إدارة مستشفى الخانكة، فقد كانت تواجهنا مشكلات كثيرة، منها على سبيل المثال تكلفة وجبة المريض: فطار وغداء وعشاء، ومن المنطقى تحريك أسعار الاقتصادى نسبيًا لضمان وجود فائض لعلاج المريض المجانى، وأيضًا لتوفير مستلزمات أساسية مثل الغيارات للمريض والمفارش للأسرة. وكنا ننظم حملات دعم للمستشفيات، وهذه أمور مقبولة فى إطار نسبة الـ40 فى المائة الاقتصادى، لكن لا يجب التغول على النسبة الأكبر والأهم لعلاج المرضى النفسيين مجانًا.

مضيفًا: نظرًا للمستجدات الاقتصادية، كان مطلب مديرى المستشفيات خلال الخمس سنوات الماضية هو رفع أسعار العلاج الاقتصادى، فكان يجب أن نتحرك فى هذا الجزء، ثم نقيم التجربة، وفى نفس الوقت نطالب بالتحرك لضبط المراكز الخاصة لعلاج الإدمان التى يديرها غير المتخصصين. وتوجد بها أعداد كبيرة، تصل أحيانًا إلى 200 مريض فى المركز الواحد، بواقع أكثر من 20 مريضًا فى العنبر. وكانت هذه المراكز سابقًا موجودة فى مناطق نائية وغير ظاهرة، لكنها حاليًا تتواجد فى أماكن واضحة وظاهرة. أسعارها مبالغ فيها، ومواجهة هذه المراكز لا تكون بالغلق فقط، بل يجب أن يقابل ذلك تحسين خدمة العلاج بأجر، لكن ما حدث هو زيادة مختلف الخطوات من تذكرة الدخول وأسعار التحاليل والأشعة وليس فقط ما يخص العلاج الاقتصادى.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة