منذ ستة عقود مضت، ظلت مئات الآلاف من العقارات فى مختلف ربوع ومحافظات مصر، أسيرة عقود إيجارية قديمة، تحكم العلاقة بين المالك والمستأجر بقيم مالية زهيدة لا تعكس قيمة الموقع الجغرافى أو تكاليف الصيانة، حتى أصبح هذا الملف الأكثر تعقيداً وحساسية، بل واعتبرته الحكومات السابقة مسألة «أمن قومى» لا يمكن الاقتراب منها، ولكن اليوم، يقف هذا الملف على أعتاب مرحلة حاسمة، بعد صدور القانون الجديد الذى انتظره ملاك ما يقرب من ثلاثة ملايين وحدة سكنية، يقطنها حالياً نحو مليون وستمائة ألف أسرة، ومع بدء العد التنازلى لخمسة أعوام للتجارى وسبعة للسكنى قبل فض هذا الاشتباك التاريخى، تتحرك أجهزة الدولة لوضع خطط التنفيذ لما يمكن اعتباره «ساعة الصفر» بين الملاك والمستأجرين.
داخل أروقة الحكومة، بدأ الإعداد الفعلى للخطوات التى تسبق لحظة التنفيذ، سواء من خلال إتاحة خيار إخلاء الوحدات أو تحرير القيمة الإيجارية لتواكب موقعها ومستواها، مع وضع معايير واضحة تضمن التدرج والعدالة.. وفى قلب هذه التحضيرات، تترقب وزارة التنمية المحلية توجيهات رئيس مجلس الوزراء بشأن آلية تشكيل لجان حصر الوحدات السكنية والإدارية المشمولة بالقانون الجديد، وتحديد مهامها، تمهيداً لإخطار المحافظات فور صدور القرارات المنظمة، لبدء العمل الميدانى على أرض الواقع ضمن الأطر القانونية المحددة.
من جهتها، أدلت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، بتصريحات مهمة فى هذا الصدد، حول خطوات الحكومة لتطبيق قانون الإيجار القديم، أكدت خلالها التزام الدولة بحماية حقوق المستأجرين وتوفير بدائل مناسبة قبل تنفيذ أى قرارات إخلاء، وجاءت أبرز تصريحاتها أن الحكومة لن تتخلى عن أصحاب عقود الإيجار القديم، وأن أى إجراءات إخلاء ستتم بعد توفير بدائل سكنية ملائمة.
وفى نفس السياق، أكد الدكتور خالد قاسم المتحدث الرسمى لوزارة التنمية المحلية أن هذا القانون يسرى على الأماكن المؤجرة لغرض السكن، والأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكن، وفقًا لأحكام القانونين رقمى 49 لسنة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، و136 لسنة 1981 بشأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وأوضح أن لجان الحصر ستشكل بقرار من المحافظ المختص فى نطاق كل محافظة، تختص بتقسيم المناطق التى بها أماكن مؤجرة لغرض السكن والخاضعة لأحكام هذا القانون إلى مناطق متميزة ومتوسطة واقتصادية.
وفى الإطار ذاته، أكد اللواء الدكتور رضا فرحات محافظ القليوبية الأسبق وخبير الإدارة المحلية، أن هذا القانون يحمى حقوق المواطنين، وأن الحصر الكامل الذى ستجريه لجان المحافظات سيكون الأساس لوضع الضوابط والاشتراطات الخاصة باستحقاق الوحدات البديلة، مؤكداً أن الدولة لن تقوم بإخلاء أى مستأجر من وحدته قبل توفير بديل مناسب.
وأشار إلى أن هناك تنسيقا بين وزارتى التنمية المحلية والإسكان، بتوفير أراضٍ ووحدات سكنية بديلة داخل المحافظات والمدن الجديدة، إلى جانب إتاحة برامج للتمويل العقارى بأسعار فائدة مناسبة لفئات الدخل المنخفض والمتوسط، لافتاً إلى أن زيادة المدة فى قانون الإيجار القديم تهدف إلى تمكين تنفيذ مشروعات تطويرية وتأهيلية للوحدات غير الجاهزة، موضحًا أن القانون يمنح المستأجرين خيار التملك أو الاستمرار فى الإيجار وفقًا لما يلائم حالتهم الاجتماعية.
أما بخصوص الوحدات التجارية مثل الصيدليات والعيادات الطبية، أكد «فرحات» أن الغالبية العظمى من هذه الحالات ستُحل بالتراضى بين المؤجر والمستأجر بعد تحرير القيمة الإيجارية، نظرًا لأن هذه الوحدات تحقق عوائد وأرباحًا نسبية، مما يسهل الوصول إلى اتفاق عادل للطرفين.
وتطرق أحمد حسن، صاحب محل ملابس بنطاق محافظة الجيزة، قائلاً: «أنا فاتح المحل ده من 20 سنة، وهو مصدر رزقى الوحيد»، متمنياً أن يتم تحرير القيم الإيجارية للوحدات التجارية أو حدوث اتفاق بالتراضى بين المالك والمستأجر، متسائلاً: «إذا لم يحدث تراضٍ.. ماذا نفعل؟!»، هل سيتم تحديد إيجار جديد باهظ الثمن لن أقدر على سداده مما يضطرنى لإغلاق المحل؟، مضيفاً: «المحل مش مجرد شغل، ده أنا عملت فيه اسم وسمعة وسط الزباين»، مؤكداً أنه مع أى قانون ينظم السوق العقارية، ولكن بشرط وجود ضمانات للتجار الصغار أنهم لن يتضرروا من هذا التغيير القانونى - على حد تعبيره.
أما محمد عبدالرحمن، صاحب عقار قديم فى القاهرة، فقال إن القانون الجديد سيعيد الحق لأصحابه، لأن المالك منذ سنوات طويلة لا يستفيد من أملاكه، ولكن الآن، ومع توفير بدائل للمستأجرين، الكل سيستفيد، والمناطق سترى تطويرا حقيقيا.»
واتفق معه حسن على، موظف حكومى، وأحد قاطنى الإيجار القديم منذ 25 سنة، فعلق قائلاً: «أنا لست ضد التطوير، ولكن أخشى عدم إيجاد بديل مناسب لسكنى الحالى، خصوصًا أن راتبى زهيد، ولن أقدر على سداد إيجار جديد عالى التكلفة.»
وهنا استكملت أميرة محمود من الجيزة، الحديث قائلة: «القانون يحتوى على جوانب إيجابية، خاصة للمالك، لكن يجب وضع ضمانات أكثر للمستأجرين الضعاف، حتى لا يتضرر من القانون المستحدث، فقد يجد نفسه «ملقى فى الشارع»، مضيفة: «أنا عايشة فى الشقة دى منذ أكتر من 20 سنة، وفيها كل ذكرياتى أنا وأولادى»، مرحبة بفكرة توفير القانون الجديد لسكن بديل، ولكن هناك حالة قلق عامة من آليات التنفيذ، متسائلة: «يا ترى البديل هيكون قريبا من مكان شغلى ومدارس أولادى؟ وهل الإيجار الجديد هيتناسب مع دخلى ولا لأ؟»، مشيرة إلى أنها ليست ضد التطوير ولا رد الحقوق، ولكن لابد من ضمانات واضحة يطمئن المستأجر، وتأكيد الحكومة على فكرة توفر بديل مناسب لكل الحالات قبل الإخلاء.
