«فلسطين فى قلب مصر».. واقع أكدته ثوابت الأمن القومى المصرى على مدار العقود منذ أربعينيات القرن الماضى، ولم تتوانَ مصر يومًا واحدًا عن دعم القضية الفلسطينية ومساندة الشعب الفلسطينى سياسيا وإنسانيا، والتاريخ والمواقف تشهد وتؤكد ذلك.
وخلال العامين الماضيين، وتحديدا منذ اللحظة الأولى لتجدد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، كانت مصر قيادة وشعبا فى مقدمة الصفوف الداعمة للشعب الفلسطينى الشقيق، متمسكة بثوابتها التاريخية ومواقفها الراسخة تجاه القضية الفلسطينية، وعلى رأسها تقديم الدعم الإنسانى العاجل، وفتح معبر رفح لتوصيل المساعدات إلى القطاع المنكوب، وهو ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى كثيرا، وأن دعم الشعب الفلسطينى فى محنته واجب إنسانى وأخلاقى قبل أن يكون موقفًا سياسيًا، مشددا على ضرورة وقف إطلاق النار الفورى، وحماية المدنيين من القصف والتجويع والحرمان من أبسط الحقوق.
وفى كل جولة تصعيد، تتحرك مصر على كل المحاور والمستويات من التحرك السياسى والدبلوماسى لحقن الدماء وإعادة الهدوء، وكذلك عبر إرسال قوافل الإغاثة، ونقل الجرحى لتلقى العلاج فى المستشفيات المصرية، وتوفير المساعدات العاجلة من غذاء ودواء ومستلزمات معيشية، ومنذ بداية الأزمة الحالية سيرت مصر «آلاف» القوافل من خلال «الهلال الأحمر المصرى» و«صندوق تحيا مصر» و«حياة كريمة»، بالتعاون مع الوزارات المعنية والجهات السيادية والتى شملت آلاف الأطنان من المواد الغذائية، والأدوية، والمستلزمات الطبية، إضافة إلى سيارات إسعاف مجهزة، وخيام، وملابس وأغطية للنازحين، وهو ما كشف عنه تقرير حديث بالأرقام عن حجم المساعدات الإنسانية التى قدمتها مصر بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدنى والتحالفات الخيرية لدعم سكان قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، وما تبعها من حصار خانق أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق.
وحسب التقرير، بلغ عدد الشاحنات التى دخلت قطاع غزة عبر المعابر المصرية منذ بدء الأزمة نحو 35 ألف شاحنة محمّلة بمواد غذائية، وأدوية، ومستلزمات معيشية أساسية، فى وقت واصلت فيه مصر فتح معبر رفح من جانبها رغم القيود والعراقيل التى يفرضها الاحتلال الإسرائيلى.
وأوضح التقرير، أن بنك الطعام المصرى ساهم بشكل كبير فى جهود الإغاثة من خلال تقديم 933 طنًا من المواد الغذائية، بينما قدّم التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى أكثر من 500 شاحنة مساعدات متنوعة، شملت الغذاء والدواء ومستلزمات الإيواء، كما لعب الهلال الأحمر المصرى دورًا أساسيًا فى تنسيق دخول وتوزيع المساعدات، حيث أشرف على توزيع نحو 63 ألف طن من إجمالى المساعدات التى وصلت إلى غزة، فضلًا عن تنظيم القوافل وتسهيل نقل المصابين والجرحى للعلاج فى المستشفيات المصرية.
وحسب الأرقام المعلنة، تجاوز إجمالى المساعدات المقدمة من مصر وأكثر من جهة إنسانية منذ بداية الأزمة 130 ألف طن، ما يؤكد التزام القاهرة التاريخى تجاه دعم الفلسطينيين سياسيًا وإنسانيًا، وحرصها على أن يظل معبر رفح شريان حياة مفتوحًا أمام كل ما يحتاجه سكان القطاع المحاصر.
وفى السياق ذاته، أكدت الدكتورة آمال إمام، المدير التنفيذى للهلال الأحمر المصرى، أن جهود المؤسسة فى دعم الشعب الفلسطينى لم تتوقف منذ السابع من أكتوبر 2023، مشيرة إلى أن الهلال الأحمر المصرى يعد الآلية الوطنية لتنسيق المساعدات إلى قطاع غزة، ويدير منذ بداية الأزمة أكثر من 800 يوم عمل متواصل على الحدود.
وأوضحت أن الهلال الأحمر أطلق مؤخرًا قافلة جديدة تحت اسم «زاد العزة.. من مصر إلى غزة»، تحمل أطنانًا من المساعدات الغذائية المتنوعة، تشمل سلالا غذائية وأطنانًا من الدقيق، استجابةً للاحتياجات الإنسانية الملحّة داخل القطاع، فى إطار دعم الدولة المصرية المستمر لرفع المعاناة عن الأشقاء الفلسطينيين، وتضم شاحنات مساعدات فى اتجاه جنوب القطاع، عبر معبر كرم أبو سالم، وذلك فى إطار جهوده المتواصلة للدفع بمزيد من المساعدات إلى قطاع غزة.
وأفادت «إمام» بأن قافلة «زاد العزة .. من مصر إلى غزة» تضم أكثر من 100 شاحنة تحمل ما يزيد على 1200 طن من المواد الغذائية، تحمل نحو 840 طن دقيق، و 450 طن سلال غذائية متنوعة.
وأضافت أن المشهد الحالى على الحدود يعكس حجم الجاهزية والاستعداد التام من الهلال الأحمر المصرى، رغم التحديات الكبيرة فى تمرير المساعدات، مشيرة إلى أن مصر ظلت الشريان الوحيد المتدفق للدعم الغذائى والعينى فى ظل توقف معظم المساعدات القادمة من الخارج، مشددة على أن القافلة الحالية تركز على الغذاء، خاصة الدقيق وألبان الأطفال، فى ظل نقص حاد فى المواد الغذائية بالقطاع، مؤكدة أن الهلال الأحمر يعمل وفقًا لأولويات الاحتياجات الإنسانية، وبتنسيق كامل مع الجهات المحلية والدولية.
وأوضحت أن هناك تنسيقا بين الهلال الأحمر المصرى والتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى وصندوق «تحيا مصر» والقطاع الخاص والمجتمع المدنى، إلى جانب دور الهلال الأحمر فى استقبال وتصنيف وتكويد المساعدات، ومرافقتها حتى المعابر لتأمين وصولها إلى المستحقين، مؤكدة أن هناك تنسيقًا يجرى حاليًا داخل قطاع غزة لضمان وصول المساعدات إلى مختلف المناطق، معربة عن أملها فى أن تكون هذه القافلة خطوة نحو هدنة تسمح بمرور المزيد من الدعم، كما حدث خلال شهرى يناير وفبراير الماضيين.
وتقول بثينة مصطفى، نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة «حياة كريمة»، إن التحالف الوطنى للعمل الأهلى والتنموى لعب دورًا محوريًا خلال الشهور الماضية فى دعم الأشقاء الفلسطينيين فى قطاع غزة، خاصة فى ظل استمرار الظروف الإنسانية الصعبة التى يمر بها القطاع، موضحة أن التحالف كان حريصًا منذ اللحظة الأولى على إرسال القوافل الإغاثية بشكل منتظم وكميات كبيرة، تضمنت مساعدات غذائية وطبية، وهو ما يعكس عمق الروح التضامنية بين الشعبين المصرى والفلسطينى.
وأشارت إلى أن مؤسسة «حياة كريمة»، كعضو فاعل فى التحالف الوطنى، بدأت فى إرسال الشحنات الإغاثية فور فتح المعابر من قبل الجهات المعنية، مؤكدة أن فرق المؤسسة ترصد الاحتياجات الفعلية من الجانب الفلسطينى ويتم تجهيز الشحنات، موضحة أن المؤسسة منذ بداية الأزمة فى أكتوبر 2023 أرسلت نحو 600 شاحنة مساعدات تجاوزت قيمتها 700 مليون جنيه مصرى، بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية، لافتة إلى أن هذا الدعم لم يكن ماديًا فقط، بل شمل كذلك حملات توعية ومبادرات تطوعية ضخمة على مستوى الجمهورية، كما نظمت المؤسسة حملات قومية للتبرع بالدم، بالإضافة إلى مشاركتها فى غرفة العمليات الخاصة بالأزمة، موضحة أنه يتم العمل حاليًا على تجهيز شحنات مساعدات جديدة بناءً على الاحتياجات الفعلية داخل غزة، موضحة أن المواد الغذائية تأتى على رأس الأولويات فى الدفعة المقبلة.
يقول الدكتور محمد رفاعى عضو مجلس التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، إن مؤسسات المجتمع المدنى على أهبة الاستعداد لإغاثة أهالى غزة وتقديم المساعدات والمواد الغذائية والتموينية اللازمة، بالإضافة إلى المواد الطبية والإغاثية للمرضى الفلسطينيين فى غزة، موضحا أنه بالنسبة للمساعدات الطبية، فهناك تنسيق مع الهلال الأحمر الفلسطينى بشأن الوضع الحالى وماهية الاحتياجات اللازمة من أجل تجهيزها وتوفيرها وإرسالها داخل الشاحنات المختلفة.
وأوضح «رفاعى» أن مؤسسات المجتمع المدنى تضم داخلها أكثر من 60 مؤسسة بتخصصات مختلفة من صحة وطعام وإغاثة، مشيرا إلى أن جهود إغاثة أهالى غزة تتم وفق مخطط محدد من حيث الجاهزية والتنسيق وتوزيع المهام المختلفة على مؤسسات المجتمع المدنى، حيث إنه من المخطط أن يتم تجهيز أكثر من 1000 قافلة من أجل إدخالها إلى القطاع.
وأشار إلى أنه يتم العمل حاليا على توفير كل الخدمات الصحية لمن يتم استقبالهم داخل المستشفيات المصرية من القطاع من أجل تلقى العلاج، مثل خدمات توفير الأطراف الصناعية وتوفير وحدات للرعاية المركزة للحالات الحرجة، كما يتم العمل على توحيد الجهود بين مؤسسات المجتمع المدنى والدولة المصرية، بالتنسيق مع وزارة التضامن والهلال الأحمر من أجل استمرارية القوافل الإغاثية إلى أهالى القطاع.
ويقول أحمد موسى، الرئيس التنفيذى لمؤسسة صناع الحياة، إن تجهيز المساعدات لقطاع غزة، يتطلب مجهودا كبيرا من مؤسسات التحالف، والتى وصلت لـ10 قوافل، وأكثر من 23 ألف شاحنة، لافتا إلى أن مؤسسة صناع الحياة وحدها بها 5 آلاف متطوع، وأكثر من 200 ألف متطوع فى التحالف يعملون فى تجهيز المساعدات.
وأضاف أن مصر دائمًا جاهزة لإدخال المساعدات، وجارٍ العمل على تجهيز مساعدات أكثر، لمواجهة سياسة التجويع الممنهجة، مؤكدا أن التحالف كان مستعداً طوال الفترات الماضية، ودائما المخازن فى كل الأوقات مليئة بالمساعدات القادمة من كل محافظات مصر، موضحا أن الشباب ساعد فى كل مراحل تجهيز المساعدات والمخازن، وشعار التحالف «على الباب جاهزين»، خاصة أن آلاف الشباب حضروا للمخازن، وموجودون بمجرد إنفاذ المساعدات.
من جانبه، أكد عصام عبدالرحمن، عضو التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، أن التحالف لم يدخر جهدًا منذ اندلاع العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى 7 أكتوبر 2023، فى تنفيذ توجيهات القيادة السياسية المصرية لدعم الأشقاء الفلسطينيين فى ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة، ويواصل إعداد وتسيير قوافل إغاثية عاجلة تشمل مساعدات غذائية وطبية، بهدف تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا لأهالى القطاع، وذلك بالتنسيق الوثيق مع مؤسسات الدولة المصرية ومؤسسات المجتمع المدنى، موضحا أن هناك مخازن استراتيجية ضخمة فى شمال سيناء تحتوى على كميات كبيرة من الأغذية والأدوية، تنتظر فقط فتح المعابر لإدخالها إلى غزة، مشيرًا إلى أن عدد الشاحنات الجاهزة يتجاوز الحصر، فيما يستمر الحصار والعدوان الإسرائيلى فى تعقيد الأوضاع الإنسانية.
وأكد «عبدالرحمن»، أن المعبر لم يغلق من الجانب المصرى، إلا أن التعنت الإسرائيلى يعرقل دخول المساعدات، ما دفع الجهات المصرية إلى استخدام معبر كرم أبو سالم كبديل فى بعض الفترات لضمان استمرار وصول الدعم، مشيرا إلى أن التحالف يعمل على تحديث آليات توزيع المساعدات بشكل مستمر، حيث قرر تقديم وجبات جاهزة بدلاً من المواد الخام نظرًا لندرة وسائل الطهى وانهيار البنية التحتية فى مناطق النزوح، ما يعكس مرونة الاستجابة ووعى التحالف بالواقع الميدانى، كما أن هناك تنسيقًا دائمًا مع مؤسسات الدولة لتحديد الأولويات وتوجيه الموارد إلى المناطق الأشد تضررًا، بهدف تعزيز فاعلية العمل الإغاثى وضمان وصوله إلى المستحقين، مؤكدا أن المجتمع المدنى المصرى، بقيادة التحالف الوطنى للعمل الأهلى، مستمر فى تقديم الدعم الإنسانى المتكامل للشعب الفلسطينى، تجسيدًا للدور التاريخى لمصر فى نصرة القضية الفلسطينية ورفضها لأى محاولات للتهجير أو استمرار العدوان.
وفى سياق متصل، رحب الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى العام، بنجاح الضغوط المصرية فى إدخال 346 شاحنة مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة خلال يومين، معتبراً ذلك انتصاراً للضغوط المصرية وخطوة مهمة نحو تخفيف المعاناة الإنسانية، مؤكداً ضرورة مضاعفة هذه الجهود للتعامل مع الوضع الكارثى فى القطاع.
وقال «مهران»، إن دخول 166 شاحنة مساعدات ومثلها 180 شاحنة فى اليوم التالى عبر معبرى زكيم وكرم أبو سالم يمثل إنجازاً مصرياً مهماً، مؤكداً أن هذا النجاح جاء نتيجة الضغوط المصرية المستمرة والجهود الدبلوماسية التى تبذلها القاهرة لكسر الحصار الإنسانى المفروض على غزة.
وأوضح أستاذ القانون الدولى أن المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة، تنص على ضرورة السماح بمرور المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين المحتاجين، مشيراً إلى أن مصر تقوم بدورها القانونى والإنسانى فى الضغط لتطبيق هذه الالتزامات الدولية، مؤكدا أن الجهود المصرية تأتى فى إطار التزام مصر بمبادئ القانون الدولى الإنسانى، وخاصة مبدأ الحياد الإنسانى الذى يتطلب تقديم المساعدات بناءً على الاحتياج الإنسانى فقط دون اعتبارات سياسية، منوهًا بأن الدور المصرى يعكس التزاماً أخلاقياً وقانونياً بحماية المدنيين وتخفيف معاناتهم.
وشدد الدكتور مهران على أن الوضع فى غزة ما زال كارثياً رغم هذا التطور الإيجابى، مؤكداً أن 346 شاحنة خلال يومين لا تكفى لتلبية احتياجات أكثر من مليونى شخص يعيشون فى ظروف إنسانية مأساوية، لافتا إلى أن الاحتياجات اليومية للقطاع تتطلب دخول مئات الشاحنات بشكل يومى ومستمر لضمان الحد الأدنى من المعيشة الكريمة، داعيا إلى ضرورة استمرار الضغط الدولى والعربى لزيادة كميات المساعدات الداخلة للقطاع، مؤكداً أن القانون الدولى الإنسانى يلزم المجتمع الدولى بضمان وصول المساعدات الكافية للسكان المدنيين المحاصرين، مشيراً إلى أن الفشل فى توفير المساعدات الكافية يجعل المجتمع الدولى شريكاً فى المعاناة الإنسانية.
ويؤكد الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، أن إنفاذ المساعدات المصرية لقطاع غزة دليل على استمرار مصر فى تحمل مسئوليتها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية والأشقاء فى قطاع غزة، خاصة فى ظل الوضع الكارثى والتهديد بالمجاعة التى تسقط يوميا العشرات بل المئات من الفلسطينيين العزل، موضحا أن مصر لم تتوقف عن تحملها الوقوف بجانب القضية الفلسطينية على مدار سنوات، ومصر ظلت ترسل مساعدات إنسانية لقطاع غزة حتى قام الاحتلال الإسرائيلى بهدم معبر رفح من الجانب الفلسطينى.
ولفت «سلامة» إلى أن معبر رفح كان كاشفا عن حجم المساعدات الإنسانية المصرية التى دخلت قطاع غزة والتى بلغت 80 فى المائة من المساعدات المصرية الخالصة، حتى مساعدات الإسقاط الجوى كانت كاشفة عن هذا الأمر، خاصة أن الوضع فى قطاع غزة أصبح لا يجب السكوت عليه بأى شكل من الأشكال.
وأكد أنه يجب أن لا يقتصر الأمر على مصر فقط بل على العالم بأكمله التوجه إلى زيادة المساعدات بكل الوسائل والأشكال، إلى جانب ضرورة الضغط على إسرائيل بعدم الوقوف أمام إمداد الشعب الفلسطينى بمثل هذه المساعدات، لافتا إلى أنّ الأهم فى الفترة الحالية هو بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه.

