انطلاقاً من إيمانها بأهمية تنويع مصادر الدخل القومي وتنمية بيئة الأعمال وإيجاد فرص عمل جديدة وجذب الاستثمارات الاجنبية، انتهجت سلطنة عُمان استراتيجية توطين المشروعات في المناطق الصناعية، وشهد عام 1983 إنشاء أول منطقة صناعية تمثلت في منطقة الرسيل بمحافظة مسقط التي تم افتتاحها رسميا في عام 1985 ليتوالى بعد ذلك إنشاء العديد من المناطق الصناعية التي توزعت في عدد من محافظات ومناطق السلطنة .
ونتيجة لنجاح التجربة فقد تم إنشاء المؤسسة العامة للمناطق الصناعية بموجب المرسوم السلطاني رقم 4/ 93 بهدف إدارة وتشغيل وتنمية المناطق الصناعية التي يتجاوز عددها تسع مناطق وهي الرسيل وصحار وريسوت ونزوى وصور والبريمي والمضيبي، إضافة الى منطقة صناعة تقنية المعلومات واحة المعرفة مسقط والمتخصصة في الصناعة المعرفية وكذلك المنطقة الحرة بالمزيونة .
وتواصل الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، استراتيجية تطوير مدن صناعية جديدة، ضمن خطتها لزيادة عدد المنشآت الصناعية وتوطين الاستثمارات في القطاع الصناعي وزيادة الناتج المحلي للقطاع وتوفير المزيد من فرص العمل أمام الشباب العُماني.
تشمل المدن الصناعية التي بدأت الهيئة تطويرها بالتعاون مع المؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن": مدينة محاس الصناعية بولاية خصب في محافظة مسندم، والتي شهدت في أكتوبر الماضي توقيع اتفاقية إنشاء الطرق والبنى الأساسية، ومدينة المضيبي الصناعية التي شهدت في الربع الأخير من العام الماضي توقيع اتفاقية توطين أول المشروعات فيها، كما تم طرح مناقصة إنشاء البنية الأساسية للمرحلة الأولى من المدينة أمام الشركات المتخصصة في سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية للمشاركة من خلال ائتلاف عُماني سعودي.
يأتي تطوير المدن الجديدة وسط نشاط ملحوظ تشهده المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة التي شهدت العام الماضي ارتفاع عدد التراخيص الصناعية إلى 183 ترخيصًا صناعيًا حتى نهاية عام 2024 في مختلف مناطق سلطنة عُمان، وتصدرت المدن الصناعية النصيب الأكبر من هذا الإنجاز بعدد 125 ترخيصًا وبنسبة 68% من إجمالي التراخيص في كافة المناطق التي تشرف عليها الهيئة.
ويعكس هذا النمو الاهتمام الذي يحظى به القطاع الصناعي في سلطنة عُمان والحوافز التي تقدمها الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة للاستثمار في القطاع.
وتُتيح المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة والمدن الصناعية فرصا عديدة للاستثمار في القطاع الصناعي بما يعزز التنمية الصناعية ويُسهم في تحقيق أهداف الاستراتيجية الصناعية 2040 التي اعتمدها مجلس الوزراء العام الماضي بهدف الدفع بالتنويع الاقتصادي وتحسين مستوى منتجات الصناعات العُمانية وتكوين قاعدة صناعات تحويلية حديثة قائمة على التكنولوجيا.
وتشتهر المناطق التي تشرف عليها الهيئة بإمكانياتها الداعمة للقطاع الصناعي مثل الأراضي المجهزة للاستثمار، والمساحات المتنوعة التي تستوعب الصناعات الثقيلة والمتوسطة والصناعات الخفيفة، بالإضافة إلى البنية الأساسية الداعمة لذلك، وتوفر الغاز في العديد من المناطق، والحوافز الاستثمارية، والإعفاءات الضريبية والجمركية والتسهيلات الأخرى، وارتباط المناطق بشبكة الموانئ والمطارات التي تسهل لها تصدير منتجاتها واستيراد مدخلات الإنتاج.
وشهدت السنوات الماضية نموًا في حجم الاستثمار الصناعي في المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة والمدن الصناعية؛ الأمر الذي انعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني وساهم في زيادة القيمة المحلية المضافة للصناعات المحلية وارتفاع فرص العمل المتاحة للشباب العُماني في القطاع الصناعي.
تعد مدينة المضيبي الصناعية، التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن" من المشروعات الاستراتيجية والوطنية ضمن رؤية "مدائن 2040 "لإنشاء مدن أعمال ذات مواصفات قياسية بالشراكة مع القطاع الخاص، وبما يتماشى مع رؤية عُمان 2040.
ونجحت مدينة المضيبي الصناعية خلال الربع الأخير من العام 2024 في توطين (5) مشروعات صناعية تقام على مساحة تتجاوز الـ (49) ألف متر مربع، وبإجمالي حجم استثمارات تصل إلى (5.8) مليون ريال عُماني بعد الإعلان الرسمي عن بدء استقبال طلبات الاستثمار في مدينة المضيبي الصناعية في أكتوبر من العام الماضي.
المؤكد أن خطط الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة تركز على زيادة حجم الاستثمار في القطاع الصناعي بما يُسهم في تعزيز القيمة المضافة للصناعات المحلية واستغلال المواد الخام المحلية في تأسيس صناعات استثمارية جديدة توفر المزيد من فرص العمل للشباب العُماني، كما تركز على تشجيع الابتكار في القطاع الصناعي واستخدام التكنولوجيا في مختلف الصناعات القائمة في المناطق التي تشرف عليها، مع الاهتمام باستدامة القطاع الصناعي من خلال المحافظة على البيئة والحد من الانبعاثات.
تسعى المؤسسة العامة للمناطق الصناعية إلى تحقيق حزمة من الأهداف الإستراتيجية والمرتكزات التنموية تتمثل في جذب الاستثمارات الأجنبية للاستثمار بالسلطنة و توطين رأس المال الوطني وحفز القطاع الخاص للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والشاملة وإدخال التكنولوجيا الحديثة واكتساب العاملين المهارة الفنية اللازمة لتطوير إنتاجهم .
كما تسعى إلى إيجاد فرص عمل جديدة للحد من مشكلة نقص فرص العمل وتشجيع الصادرات وتنمية التجارة الدولية وتشجيع إقامة الصناعات التصديرية وتنشيط القطاعات الاقتصادية العاملة بالسلطنة مثل قطاع النقل والقطاع المصرفي والقطاع السياحي وغيرها من القطاعات.
واستقطب القطاع الصناعي في سلطنة عُمان خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 35 مشروعًا صناعيًّا جديدًا بحجم استثمارات يقارب 800 مليون ريال عُماني في مختلف المناطق الصناعية والحرة. كما ارتفعت الصادرات السلعية غير النفطية بنهاية الربع الأول من العام الجاري بنسبة 45 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها عام 2023م حيث بلغت مليونين و338 ألف ريال عُماني والتي تشكل 36 بالمائة من إجمالي الصادرات.
الرسيل الصناعية آفاق عُمان الواعدة
تمكنت مدينة الرسيل الصناعية، التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن" خلال عام 2024 من توقيع 17 عقدًا لإقامة مشروعات على مساحة إجمالية تتجاوز الـ235 ألف متر مربع، وبإجمالي حجم استثمارات بلغ أكثر من 49 مليون ريال عُماني، تتنوع أنشطة هذه المشروعات بين الصناعية واللوجستية والخدمية.
ولا شك أن إجمالي حجم الاستثمارات التراكمي في المدينة تخطى بنهاية عام 2024 حاجز الـ767 مليون ريال عُماني، بينما تبلغ المساحة الإجمالية للمدينة ما يقارب 11 مليون متر مربع، فضلاً عن أن أنشطة المشروعات في المدينة الصناعية تشمل المواد الكيميائية، والمواد الكهربائية، ومواد البناء، وكوابل الألياف البصرية، والمواد الغذائية، والمنسوجات والملابس الجاهزة، والقرطاسيات، والأصباغ، والمرشحات، والأثاث، وغيرها..
تعكف "مدائن" حاليًّا على تنفيذ عدد من المشروعات الحيوية في مدينة الرسيل الصناعية، ومن أبرزها: مشروع إنشاء البنية الأساسية لمجمع مدائن الريادي بالتعاون مع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمساحة تفوق 60 ألف متر مربع؛ إذ يتم حاليًّا مراجعة التصاميم التفصيلية للمشروع بهدف إيجاد منطقة متكاملة الخدمات يتم فيها تقسيم الأراضي إلى ورش صناعية بمساحة 500 متر مربع لكل ورشة، وتخصص لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومشروع الأعمال الاستشارية لتحسينات البنية الأساسية في مدينة الرسيل الصناعية لمعالجة تجمعات مياه الأمطار في العديد من المناطق بالمدينة؛ إذ يشمل المشروع إنشاء طرق جديدة للوصول إلى بعض الأراضي المؤجرة بالإضافة إلى بعض التحسينات الأخرى.
وثمة عدد من المشروعات المستقبلية المعتمدة التي سيبدأ العمل على دراسة تنفيذها قريبًا مثل مشروع إعادة بناء المنطقة التجارية لتضم محلات أكثر لاستقطاب العديد من المشروعات التي يحتاجها المستثمرون ورواد المدينة الصناعية، وأيضًا إنشاء مشروع متكامل يخدم الأمن الغذائي بالتعاون مع وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، بالإضافة إلى مشروع إعادة تدوير واستخدام مياه الصرف الصحي في عمليات التبريد والتصنيع داخل مدينة الرسيل الصناعية، وقد انتهت "مدائن" خلال عام 2024 من مشروع تجميل مدخل المدينة الصناعية بطابع عصري.
إجمالاً يمكن القول ...أن مدينة الرسيل الصناعية منذ تأسيسها في عام 1983، تواصل توفير بيئة أعمال ملائمة للاستثمار ودعم التوجهات الحكومية الرامية إلى التنويع الاقتصادي بما يتماشى مع "رؤية عُمان 2040"، ويعد مركز الخدمات "مسار" في المدينة نافذة استثمارية بنظام موحد لتيسير وتبسيط إجراءات حصول المستثمر على جميع الموافقات والتصاريح والتراخيص اللازمة لمشروعه الاستثماري في محطة واحدة من أجل تشكيل منظومة من الخدمات المتكاملة التي يحتاجها المستثمر لتكوين وإيجاد قيمة مضافة لبيئة أعمال جاذبة للاستثمارات في سلطنة عُمان.