يعيش العالم لحظة مفصلية قد تعيد رسم خريطة الصراعات فى الشرق الأوسط، ورغم إعلان ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، إلا أن الخروقات المتبادلة من كلا الطرفين، أظهرت هشاشة هذا الاتفاق، وأعادت إشعال التوتر من جديد على عدة جبهات.
«المصور» تحدثت إلى الدكتور ريتشارد تشاسدى، الأستاذ المحاضر فى قسم العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، للوقوف على أبعاد القرار الأمريكى، ورد الفعل الإيرانى، وإمكانية العودة إلى المسار الدبلوماسى وسط تصاعد المواجهات.
بداية، كيف يمكن فهم التحول السريع فى موقف الرئيس ترامب وصولاً إلى التهدئة بعد تنفيذ «عملية مطرقة منتصف الليل» ضد منشآت إيران النووية؟؟
أظن أن ذلك يتمحور حول تباين تقييمات الاستخبارات. وأعتقد أن الاختلافات فى تقييم أجهزة الاستخبارات، الذى عبّر عنه مكتب مديرية الاستخبارات الوطنية الأمريكية بقيادة تولسى غابارد، مقارنة بتقييم الرئيس ترامب نفسه وتقييمات الاستخبارات الإسرائيلية، وهذا فى رأيى الشخصى كان يحتاج إلى توضيح إضافى من إدارة ترامب.. فى الوقت نفسه، لا يعدّ اختلاف التقييمات الاستخباراتية حول مجموعة واسعة من القضايا أمرًا غير مألوف، فقد حدث كثيرًا من قبل. لكن الأكيد أن هذا ينطبق بشكل خاص على قدرة إيران على تطوير الأسلحة النووية، وربما رأت إدارة ترامب أن هذا هو الوقت المناسب للتصدى لذلك.
لكن البعض يرى أن العملية ضد إيران لم تحقق أهدافها الاستراتيجية بالكامل، بينما يراها آخرون ضربة دقيقة. كيف تقيّم الموقف فى ضوء المعطيات الحالية؟
لا توجد إجابة واضحة لهذا السؤال، لأن ذلك يعتمد على تعريف مصطلح «ناجحة». فبمعنى آخر، هناك تعريفات متنوعة للنجاح تتضمن أهدافًا قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وهذا يجعل من الصعب التوصل إلى استنتاج قاطع بشأن عملية «مطرقة منتصف الليل». كما أنه لتحديد ذلك من عدمه، نحتاج إلى معرفة مدى الضرر الذى ألحقته قنابل «جى بى يو 57» بالمواقع النووية ومجمّع فوردو. ويُعتقد أن هناك ضررًا كبيرًا، على الرغم من أن هناك تقارير تثبت أن الإيرانيين، بعد أن توقعوا هجومًا مشابهًا لعملية مطرقة منتصف الليل، قاموا بتوزيع مخازن اليورانيوم المخصب على مواقع أخرى، وربما يعملون الآن على تجميع قنبلة نووية لتفجيرها أو حتى لإعلان حالة القوة النووية. وفى الحالتين، لن تكون عاقبة الأمر خيرًا، فبجانب الأضرار المعروفة، سيطلق ذلك سباق تسلح نووى فى المنطقة.
فى رأيك هل من المحتمل أن تلجأ طهران مستقبلًا إلى خيارات غير تقليدية كالعمليات السيبرانية أو الهجمات بالوكلاء؟
لدى الإيرانيين بدائل عدة. أحدها هو الهجوم الإلكترونى ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كليهما، حيث عرفنا قدراتهما منذ أيام فيروس «ستوكسنت» وفيروس «شمعون» الإيرانى الذى استهدف منشآت أرامكو فى المملكة العربية السعودية. ومن وجهة نظرى، من المتوقع أن يزداد بشكل عام خطر الإرهاب ضد الأصول العسكرية والمدنية الأمريكية. على سبيل المثال، قد يتم حشد الميليشيات الشيعية الموالية فى دول أخرى مثل كتائب حزب الله، وهناك أيضًا الجانب الحوثى الذى يشمل مضيق هرمز وتهديد الإيرانيين أنفسهم بإغلاقه. كما يمكن أن يكون هناك تركيز جديد على الهجمات الإرهابية ضد الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات أو فروعها للتأثير على الاقتصاد الأمريكى أو الحصول على فدية أو كليهما. وقد يلجأ الإيرانيون أيضًا إلى إطلاق رؤوس حربية كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية على صواريخ بالستية أو طائرات مسيرة تجاه إسرائيل.
على المستوى الداخلى الأمريكى، كيف أثرت قرارات ترامب الأخيرة على قاعدته الانتخابية، خاصة مع تعارض هذه التحركات مع وعوده بالانعزال عن الصراعات الخارجية؟
فى الواقع، هناك جزء كبير من مجتمع MAGA، وهم الداعمون لفكرة ترامب «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، منزعجون من تصرفات ترامب فى ضوء وعوده ببقاء أمريكا خارج الصراعات الدولية. ويعود هذا «المسار الانعزالي» للتفكير الأمريكى بشأن السياسة الخارجية إلى الخطاب الوداعى لجورج واشنطن، عندما قال للأمريكيين وهو يفكر فى أوروبا: «احذروا من تشابكات السياسة الخارجية». وقد أيد هذا الشعار السيناتور هنرى كابوت لودج من ماساتشوستس فى حقبة الحرب العالمية الأولى، وبعد ذلك من قبل آخرين. لكن فى الوقت نفسه، يمكن النظر إلى أن عملية «مطرقة منتصف الليل» ليست عملية حربية فى حد ذاتها، بل هى عمل من أعمال الدبلوماسية القسرية. وحتى إنه فى حالة حدوث ضربات تكميلية أخرى كجزء من مهمة حرمان إيران من الأسلحة النووية، فإن انطباعى أن الدعم العام لترامب لن يتضاءل فى مجتمع MAGA.
وهل نصل إلى حوار فعلى بين واشنطن وطهران؟
لا يوجد ما يمنع المفاوضات، وربما يكون من العدل القول إن الجهود الدبلوماسية من خلال أطراف ثالثة لا تزال مستمرة بعد «عملية مطرقة منتصف الليل»، التى تشمل الولايات المتحدة وإيران. بالإضافة إلى ذلك، من شبه المؤكد أن هناك مجموعة من الأنشطة الدبلوماسية الموازية بين إدارة ترامب وحلفائها فى الشرق الأوسط والأوروبيين. والأمر المهم هنا أيضًا هو أنه، نظرًا لأن مجالات القضايا فى السياسة الدولية مترابطة، فإن الآثار المترتبة على «عملية مطرقة منتصف الليل» قد توفر فرصًا جديدة لتحسين الظروف الإنسانية فى غزة، حيث يمكن لقادة الدول الأمريكية والشرق أوسطية استخدام هذه القضية كوسيلة ضغط فى المفاوضات.
