رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

التهديدات الـ«ترامبية» تغير قواعد اللعبة الاقتصادية.. مصر ملاذ آمن للمستثمرين العرب والأجانب


26-6-2025 | 23:25

.

طباعة
بقلـم: د. وفاء على

حالة من الترقب تصل إلى مرحلة التوتر يعيشها المستثمرون حول العالم بسبب الحروب الدائرة فى مناطق مختلفة من العالم والجميع يتساءل متى تنتهى المعارك الجيوسياسية الصفرية وتأثيرها على أجندة الاقتصادات فى العالم، ومن يتقدم ومن يتراجع، خصوصًا بعد صدور تقرير الاونكتاد الذى يقول: الاستثمارات المباشرة فى العالم تعيش تحت الضغط، ومع ذلك تقدمت القارة الإفريقية، وعلى رأسها مصر كما تراجعت أوروبا وعزف المستثمرون عن الأسواق الأمريكية بعد حالة التناقص والتباين الأمريكية، وقرارات ترامب التى احتارت معها الأسواق وأصحاب القرار الاستثمارى، فهناك حزمة من التهديدات الترامبية تغير قواعد اللعبة الاقتصادية وخريطة الاستثمارات المباشرة على مستوى العالم.

 

خاصة بعد ما شاهدنا أن هناك حالة انخفاض للاستثمارات المباشرة فى الاقتصادات المتقدمة إلى 22 فى المائة فقد أثرت التوترات الجيوسياسية وتأثيرها على أجندة الاستثمارات المباشرة فى العالم كله فى عام 2024 بحوالى 11 فى المائة، أما القارة الإفريقية فقد شهدت زيادة فى الاستثمارات فى العام الماضى 2024 بنسبة 75 فى المائة ولولا حجم التأثير السياسى على الملف الاقتصادى فى العالم لزادت الاستثمارات المباشرة فى إفريقيا ومصر تحديدا ومصر خاضت تجربة فريدة كملاذ جيد وآمن للاستثمار المباشر.

فلا ينكر أحد أن هنالك اهتماما عالميا من قبل جموع المستثمرين العرب والأجانب للاستثمار فى مصر، ولا شك أن برامج الإصلاح الاقتصادى ذات البعد الاجتماعى المطبق حاليًا أعطت شهادة ثقة للمستثمرين، وأن الدولة المصرية جادة نحو أهدافها للوصول إلى اقتصاد قوى قادر على المنافسة والنمو لما تتمتع به مصر من مزايا متعددة، أولها المناخ الاستثمارى الجاذب للاستثمار محليًا وعالميًا وعربيًا والذى تتمتع به مصر ومعه تتنوع الفرص الاستثمارية واختلاف الأنشطة الاقتصادية، كذلك تنوع فرص التمويل، وثانيها تمتع مصر بجهاز مصرفى قوى وأسواق مالية وبورصة صاعدة ومؤشرات إيجابية لمعدلات النمو الاقتصادى مع وجود أجندة استثمارية مدروسة ومتميزة وضعت وفقًا لدراسات عن طبيعة المناطق والثروات الموجودة، سواء طبيعية أو بشرية، ولاشك أن أداء القطاع المصرفى، وخصوصًا البنك المركزى من خلال السياسات النقدية والقواعد التى تنظم وتتحكم فى الاقتصاد وإعادة ثقة المستثمرين.

ولذلك كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن الاستثمار وأهميته وحاجة الدولة إليه لتنمية روافدها الاقتصادية وتداول الجميع الأقاويل عن كيفية جلبها وتأثيرها المباشر وغير المباشر، مما يدفعنا إلى الحديث عن هذا الأمر الذى جعل العالم يتطاحن فى محاولة منه إلى جذب أكبر رقم من الاستثمارات بما لديه من محفزات، ولكن ليس الأمر فى تكدس الأموال، ولكن فى العملية الإنتاجية فمن المعروف أن الاستثمار مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد ويعتبر الاستثمار من أكثر الأمور التى ترفع من شأن الدول وتسهم فى زيادة الإنتاج و زيادة التنمية الاقتصادية، ما يساعد على خفض نسبة البطالة بشكل كبير مع زيادة الدخل القومى.

ماهية الاستثمار

الاستثمار يحمل أهمية كبيرة بالاقتصاد فعند زيادة الاستثمار ينمو اقتصاد البلد ويزيد من قدرة الدولة على التصدير للخارج بشكل واضح ويتنوع أشكال الاستثمار.

منها ما يرتبط بالدولة وهو ما يخص البنية التحتية للبلد مثل إنفاق بعض المبالغ على شق الطرق - الصرف الصحى وتوصيل المياه بجوار القيام ببعض المشروعات التى تتعلق بالقطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة ودعمها بشكل كبير أو استثمار الأفراد عن طريق تشغيل أموالهم فى إقامة بعض المشروعات الصغيرة.

الاقتصاد المصرى الجديد

يستطيع الاقتصاد المصرى بما يتميز به من تجاوز للتحديات الاقتصادية أن يتيح للدولة المصرية فرصة للعديد من الاستثمارات طويلة الأجل، حيث يتشارك الجميع فى تحقيق قدرة الاقتصاد المصرى على تسجيل معدلات نمو اقتصادية حقيقية وسط تراجع الاقتصاد العالمى، حيث تعتبر القوى العاملة والمقدرة بــــ 30 مليون عامل الأكبر فى المنطقة على مدى عقود، وقد كان لمصر سمعتها الطيبة باعتبارها المصدر الإقليمى الرئيسى للعمال المتعلمين المهرة، وقد قامت الدولة المصرية مع ارتفاع الطلب المحلى على العمالة الماهرة وزيادة عدد الشباب الباحثين عن فرص عمل بشكل أكبر، حيث يتم تدريب العمال على برنامج وطنى جديد للتدريب الصناعى بجامعات عالمية تكميلية وبمدارس فنية ويهدف ذلك البرنامج إلى تدريب العاملين لشغل حوالى 500000 فرصة عمل جديدة فى مجال التصنيع.

السوق الاستهلاكية الكبيرة

وقد برزت مصر باعتبارها سوقًا استهلاكية ذات أهمية كبيرة فى المنطقة كما يعزز ذلك وصول العشرات من العلامات التجارية العالمية وتوسيع مبيعات التجزئة فى العامين الماضيين، ويعزى ذلك جزئيا إلى الحجم الهائل من سكان مصر التى صنفت على أنها من أكثر الدول سكانًا فى إفريقيا والشرق الأوسط.

ويدفعنا الأمر إلى قراءة مشاهد الاستثمار وعلاقته بالناتج القومى والنشاط الاقتصادى، حيث كونه يشكل أحد الأجزاء المؤثرة فى عناصر الناتج القومى، والذى يحفز بدوره الطلب على السلع الإنتاجية، فضلا عن أن التقلبات التى تطرأ على الدخل والاستثمار وتؤثر بالتالى على عناصر الاستخدام، فضلًا عن أن النمو الاقتصادى فى مدة زمنية معينة يعتمد على الاستثمارات الحقيقية فى مدة سابقة وكافية لهذه الاستثمارات، ما يعنى أن الاستثمار يعد وسيلة مهمة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، نظرًا لامتداد تأثيره إلى النشاط الاقتصادى المستقبلى.

إن الاستثمار عملية اقتصادية تستخدم لمواجهة الزيادة فى الطلب الكلى نتيجة الزيادة فى عدد السكان وتحسن الدخل والمستوى المعيشى لهم وتلبية رغباته وصولًا إلى امتلاك السلع، وهذا يتطلب مزيدًا من الجهد لتحقيق مزيد من الاستثمارات لسد الحاجة المتزايدة فى الطلب الكلى.

فلاشك أن الاستثمار يؤدى دوره فى تنشيط الاقتصاد القومى فلولاه لبقيت المدخرات «مكدسة» فى البنوك ويصبح سعر الفائدة صفرا، ويختل التوازن فى الاقتصاد القومى، إذ يزداد الطلب على السلع الاستهلاكية دون إنتاج مقابل لها إضافة إلى تأثيره على الدخل القومى الذى هو تابع للاستثمار والعلاقة طردية بينهما.

لاشك أن الحكومة المصرية تكثف جهودها بشكل متزايد لتنشيط وعودة الاستثمارات الأجنبية إلى السوق المصرية، خصوصًا بعد انتهاج سياسة مرونة سعر الصرف الأخيرة، والتى قامت الدولة من أجلها بإجراءات توفير الدولار فى البنوك واعتماد سعر الصرف المرن ولقد قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى، «إن مصر تحتاج إلى استثمارات 100 مليار دولار على مدى 5 سنوات لسد الفجوة الاستيرادية والتى تصل إلى 30 مليار دولار سنويًا، لافتًا النظر إلى استعداد الدولة لتقديم كل التسهيلات اللازمة فى هذا الشأن».

وبعد استعراض أنواع الاستثمار ومحفزات جلب الاستثمار لمصر يأتى السؤال الأهم: ما القطاعات التى تحتاج إلى الاستثمارات وجدواها الفاعلة فى المرحلة القادمة، ويأتى فى مقدمتها بلاشك - القطاع الخدمى الذى يسابق قطاع التصنيع، حيث لا يحتاج إلى أى مدخلات سوى العمالة والطاقة ونحن نمتلك بالفعل أمرين هما الطاقة والعمالة الوفيرة، ولدينا طاقة قادرة على تغطية أى توسعات استثمارية جديدة.

-القطاع اللوجستى وإدارة الموانئ والسياحة تأتى فى المرتبة الثانية، حيت إن هذه القطاعات لا تتطلب مدخلات بالعملة الصعبة، وعلى العكس هذه القطاعات توفر الدولار للسوق المصرية.

وبنظرة متفحصة بعين المحلليين، نجد أن تقرير ميزان المدفوعات الأخير تقول إن قطاع السياحة أسهم فى الأداء الفعال لجذب الاستثمارات.

أما عن- قطاع الصناعة المرتبط بالطاقة فهو يمتلك ميزة نسبية كبيرة فى ظل تحرك الدولة لزيادة صادراتها استغلالا لموقعها الجغرافى، ودورها كمركز إقليمى للطاقة، وهذا ما يتعلق باستثمارات الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة وحركة الاستثمارات فيه جاذبة بالفعل، ويأتى بعده وبقوة قطاع الأسمدة المصرى الذى يشهد فى المرحلة القادمة افتتاح أكبر مجمع فى الشرق الأوسط.

ومما لا شك فيه أن قطاع السياحة من القطاعات التى توليها الدولة أولوية فى الاهتمام لأنه يستحق بجدارة أن يوضع على أولويات السياسة الاقتصادية فى مصر، وذلك لما يتمتع به هذا القطاع من قدرة على التأثير فى الناتج القومى، وتحقيق أهدافنا نحو التنمية المستدامة، فهذا القطاع تحديدًا يؤثر على زيادة القيمة المضافة، ما يجعله مفتاح زيادة العمالة المباشرة، وغير مباشرة لإنفاق السائحين، بالإضافة إلى إقامة مزيد من فرص العمل، السياحة كمصدر تسهم من مصادر العملة الأجنبية التى تدعم ميزان المدفوعات.

إن مسؤولية المشروعات الضخمة التى تعمل عليها مصر فى الوقت الحالى تنظر للأجيال القادمة بعين الاعتبار بجانب الأجيال الحالية، وتسعى مصر بمشروعاتها أن تكون فى مصاف أهم الاقتصادات العالمية، حيث تشير التوقعات إلى أن مصر ضمن أهم 30 اقتصادًا فى العالم بحلول عام 2030 ولذلك فإن خريطة الاستثمار فى مصر تتطلب مزيدا من التنوع والمرونة ويأتى على رأسها -الاستثمار الصناعى الذى يسهم فى زيادة معدلات النمو والارتفاع بالصادرات، فالاستثمار الصناعى المصرى يحتاج إلى مزيد من التدفقات الاستثمارية لتوسيع قاعدة المجمعات الصناعية التى أعطتها الدولة أولوية قصوى على الحيز الجغرافى لجمهورية مصر العربية، وتأتى مشروعات التصنيع الغذائى لتأخذ دورها فى أهمية وجود تدفقات استثمارية لازمة للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتى.

إذن فإن قطاع التصنيع الغذائى يحتاج قوة دافعة من الاستثمارات من أجل النطاق المحلى، وكذلك الذهاب بها إلى التصدير، حيث جاء تقرير وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الانكتاد) الذى قال إن مصر تعتبر من أكبر الدول الإفريقية فى جذب تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر الواردة إلى مصر، وخصوصًا قطاعات الأنشطة العقارية والصناعات الغذائية والبترول والبحث عن الغاز والطاقة المتجددة.

فالحكومة تتحرك بشكل تكتيكى أكثر سرعة من قبل لتعزيز الطلب المحلى وزيادة الاستثمارات فى البلاد، وكذلك إزالة معوقات الاستثمار.

فى حين أن ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجبنى المباشر فى مصر يؤكد أن صمود الاقتصاد المصرى أمام التحديات المحلية والإقليمية والعالمية كان لافتًا للنظر.

وقد اهتمت مصر بالاستثمار فى التنمية المستدامة وقد نظرت إلى رغبة المستثمرين فى التأكد من أهمية الأصول التى تغطى قدرتها على تحمل المخاطرة، ولقد استقبلت مصر استثمارات مباشرة تقدر بـ 46 مليار دولار عام 2024، ما جعل تقرير الانكتاد يتحدث عنها وعن تجربتها الفريدة والاستقرار السياسى، ولا ننسى أن السياسات الحمائية ألقت بظلالها على ضعف الاستثمارات المباشرة عالميا..

وأختم القول بأن الشراكة أو الاستثمار هو تحالف تم تأسيسه للقيام بمهمة متفق عليها بين الحكومة المحلية والاستثمار الأجنبى، ولا شك أن تدفق الاستثمارات يؤثر بشكل مباشر على النمو الاقتصادى للبلد المضيف من خلال نقل التقنيات والمعرفة الجديدة، وتكوين الموارد البشرية والاندماج فى الأسواق العالمية وزيادة المنافسة وتطوير أداء الشركات وإعادة تنظيمها.. نحتاج إلى زيادة كم الاستثمارات فى المرحلة القادمة، خصوصًا لسد الفجوة التمويلية والقفز بمعدلات التنمية ودعم النشاط الاقتصادى.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة