قيام إيران بتقديم شكوى ضد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسى، إلى مجلس الأمن وإلى الأمين العام للأمم المتحدة ضد نهجه فيما يتعلق بالأنشطة النووية الإيرانية، وموقفه المتخاذل ضد تهديدات إسرائيل وعدوانها على المنشآت النووية السلمية -أثار الكثير من التساؤلات حول الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومدى استقلاليتها، وخضوعها للضغوط من قِبل الدول الكبرى، والدور الذى تلعبه فى الصراعات الدائرة فى العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم العدوان الحالى الإسرائيلى على إيران، ومن هو مديرها الحالى رافائيل جروسى؟
ربما تكون الشكوى الإيرانية ضد جروسى، كواحد من أصحاب المناصب الرفيعة الدولية، من بين الشكاوى المهمة التى تطرح قضية الكيل بمكيالين، ووهم الحيادية فى المنظمات الدولية.
مندوب إيران الدائم فى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيروانى، قال فى شكوى إيران التى قدمها: إن تصريحات جروسى قبيل العدوان الإسرائيلى على إيران تعد انتهاكا صارخًا وجسيمًا لمبدأ الحياد المنصوص عليه ضمن مسئوليات منصبه، وإنها تتنافى كليًّا مع الواجبات والالتزامات القانونية المنصوص عليها فى النظام الأساسى للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأشار أمير سعيد إلى أن رد فعل جروسى خلال المؤتمر الصحفى الذى أعقب اجتماع مجلس المحافظين فى 9 يونيو الجارى لم يراعِ القانون الدولى وقرارات المؤتمر العام للوكالة، التى تحظر أى تهديد أو استخدام للقوة ضد المنشآت النووية المخصصة لأغراض سلمية، حيث تعمد تجاهل تهديدات إسرائيل العلنية بضرب المنشآت الإيرانية النووية الخاضعة للضمانات، بل والإشارة إلى مخاوف إسرائيل المزعومة، والتى قال عنها «إنها تستحق النظر».
أوضح «جروسى» أن تقرير الوكالة الأخير أشار إلى أن إيران تخصب اليورانيوم بمستويات تفوق ما هو معتاد فى الدول غير المالكة للسلاح النووى (60 فى المائة)، وهى بذلك تكون مخالفة لاتفاقية حظر انتشار السلاح النووى، كما أنها تحتفظ بكميات هائلة من اليورانيوم.
وهو التقرير الذى اعتمدت عليه مجموعة الترويكا الأوروبية لإصدار قرار من مجلس محافظى الوكالة ضد إيران يتهمها بعدم الامتثال لالتزاماتها بالضمانات النووية، ولأول مرة منذ 20 عاما حصل مشروع القرار على تأييد 19 من المجلس مقابل رفض ثلاثة، وامتناع 11 عن التصويت، وذلك يوم 12 يونيو الجارى.
وأشار القرار إلى عدم تعاون إيران بشكل كامل وسريع مع الوكالة بشأن أنشطة نووية غير معلنة فى عدة مواقع، وأنه يتعين إحالة الموضوع إلى مجلس الأمن، وصبيحة هذا القرار قامت إسرائيل بالعدوان على إيران، وهو ما اعتبرته إيران مخططًا شارك فيه رافائيل جروسى لمنح إسرائيل مبررًا لعدوانها.
وطالبت إيران الوكالة بإدانة الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية، والتى تخضع للمراقبة المستمرة من قِبل الوكالة الدولية، ولكن مجلس المحافظين فشل فى إصدار القرار بسبب مجموعة دول الترويكا الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية، التى ترفض إدانة إسرائيل والضغوط التى مارستها على أعضاء المجلس، حتى لا يصدر قرار يدينها.
يتألف مجلس المحافظين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية من 35 عضوا، 13 يتم انتخابهم من خلال المجلس، و11 عضوا يختارهم المؤتمر العام الذى يتألف من جميع الدول الأعضاء وفقا لتقسيم محدد على القارات والمناطق، بعضهم يستمرون فى عملهم عامين، ويجتمع المؤتمر العام مرة واحدة سنويًا، ويقوم مجلس المحافظين أو الحكماء بانتخاب مدير عام الوكالة لأربع سنوات.
المندوب الإيرانى الدائم فى الأمم المتحدة هاجم خضوع المجلس للضغوط، وشدد على أن مثل هذا التقاعس فى تحديد المسئولية والامتناع عن الإدانة يُعد انتهاكًا لالتزام الوكالة بحماية نظام الضمانات الشاملة، ويقوّض الأسس الجوهرية لنظام عدم انتشار السلاح النووى العالمي.
وأوضح أمير سعيد إيروانى أن استمرار صمت المدير العام وتقاعسه عن مواجهة هذه الانتهاكات، والذى يتعارض مع مسئوليات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتزاماتها بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة -اعتبره بمثابة تواطؤ من خلال الامتناع عن الفعل، إزاء اعتداءات لم يسبق لها مثيل فى تاريخ الوكالة، هذه الوكالة التى تم إنشاؤها عام 1957 كمنظمة مستقلة تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة ووفق نظام خاص.
وقد تم إنشاؤها من أجل دعم استخدام الطاقة النووية فى المجالات السلمية وتبادل المعرفة، والعمل على تحقيق الأمن والسلام فى العالم، من خلال تنفيذ اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية من خلال عمليات المراقبة والتفتيش، ويعمل بها 2500 موظف من المتخصصين فى المجال النووى والعلوم المتقاطعة معه، ومقرها الدائم فى فيينا، ولها بعض المكاتب خارجها.
أما المدير العام للوكالة فيتم انتخابه من قِبل مجلس المحافظين لمدة 4 سنوات، ورافائيل جروسى الأرجنتينى هو سادس مدير للوكالة على مدى تاريخها، وهو أول مدير من أمريكا الجنوبية تولى هذا المنصب، ومضى عليه فى موقعه 6 سنوات منذ عام 2019، ولا يوجد فى نظام الوكالة ما يمنع تكرار انتخاب المدير العام، ثانى مدير للوكالة السويدى سيجفارد إكلوند الذى قضى عشرين عاما فى منصبه من أوائل الستينيات حتى أوائل الثمانينيات، على الرغم من أن بعض هؤلاء المديرين قد تعرضوا لضغوطات كبيرة تخص قضايا مصيرية فى ذاك الوقت، وتعرض بعضهم للهجوم الشديد من دول كبرى، إلا أنه لم يكن بمثل أداء جروسى.
بعد أن أعطى الضوء الأخضر لأمريكا وإسرائيل وحلفائهم بتقريره عن مخالفات إيران، أدلى جروسى بتصريحات لشبكة «سى إن إن» الأمريكية، قال فيها: «لم نلمس أى جهود ممنهجة من إيران للحصول على السلاح النووي»، مما استدعى رد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، قال: «هذا الاعتراف جاء متأخرًا، واتهم جروسى بإخفاء هذه الحقيقة فى تقريرها المنحاز الذى تحول إلى أداة بيد الترويكا الأوروبية وأمريكا لإصدار قرار ضد إيران بذريعة عدم التزامها بتعهداتها، ثم أصبح هذا القرار ذريعة للكيان الصهيونى، المثير للحروب والإبادة الجماعية؛ حتى يشن حربًا ضد إيران، ويهاجم منشآتها النووية السلمية.
واليوم بعد أن قامت إسرائيل بالعدوان على إيران، وموت المئات من الأبرياء، وقيام أمريكا بضربتها ضد المفاعلات النووية الإيرانية الثلاثة –لا أحد يستطيع توقع ماذا بعد، فهل يستطيع جروسى أن ينام هادئًا؟