ورغم تحرك الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، والمهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية، والدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة، لتفعيل خطط الطوارئ لتوفير كافة أنواع الوقود البترولى من غاز طبيعى ومازوت وسولار لتشغيل محطات الكهرباء بكفاءة، عقب اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل، فإن الحكومة كانت قد بدأت لتوفير الغاز الطبيعى المسال بكميات كبيرة قبل اندلاع هذه الحرب، لمواجهة فترة ذروة الاستهلاك فى هذا الصيف بخطط متكاملة؛ حتى لا تعود إلى تخفيف الأحمال مرة أخرى.
وبالفعل، كانت وزارة البترول، ممثلة فى الشركة القابضة للغازات الطبيعية، قد تعاقدت على شراء نحو 160 شحنة غاز طبيعى مُسال بقيمة 8 مليارات دولار حتى نهاية عام 2026، وذلك بخلاف كميات المازوت.
وهذا يعنى توفير كامل الوقود بغض النظر عن الحرب التى اندلعت منذ أيام بين إيران وإسرائيل لمحطات الكهرباء هذا الصيف دون الحاجة إلى العودة إلى ظاهرة تخفيف الأحمال عن المنازل، وتخفيض كميات الغاز الطبيعى للمصانع.
وعندما نقول توفير كامل الوقود لتشغيل محطات الكهرباء خلال هذا الصيف، فإنه يشمل أقل من 4 مليارات قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعى من الإنتاج المحلى، وما بين 800 مليون ومليار قدم مكعب يوميا من الغاز الإسرائيلي، ونحو مليارى قدم مكعب يوميا من واردات الغاز الطبيعى المُسال مع اكتمال تشغيل مراكب التغييز الثلاثة بميناء العين السخنة، واستيراد كميات إضافية من المازوت، خاصة مع انخفاض أسعاره فيما قبل الحرب مقارنة بأسعار الغاز الطبيعى المُسال.
لكن مع اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل قررت الأخيرة بدواعى القوة القهرية وقف تشغيل معظم حقول إنتاج الغاز الطبيعى لديها، وفى مقدمتها حقل ليفثيان الذى يضخ واردات الغاز الإسرائيلى إلى مصر يوميا، بما يقرب من نحو مليار قدم مكعب يوميا إلى الشبكة القومية للغاز التى تديرها شركة جاسكو.
ومن الطبيعى، أن يؤثر وقف ضخ نحو مليار قدم مكعب من الغاز الإسرائيلى إلى مصر سلبًا على منظومة توفير الوقود اليومى لمحطات الكهرباء لدواعى القوة القهرية المؤقتة التى لا يمكن بسببها التحرك لاتخاذ أى إجراءات على الجانب الإسرائيلى من قضايا تحكيم أو خلافه، كما هو فى العقود القانونية بين الجانبين المصرى والإسرائيلي.
كما أنه بسبب هذه القوة القهرية تأثرت محطات الكهرباء الإسرائيلية بسبب عدم وفرة الغاز نتيجة الوقف شبه الكامل لحقول الغاز الإسرائيلى، كما تم وقف ضخ الغاز الطبيعى الإسرائيلى إلى الأردن أيضًا.
ورغم أنه لا يمكن التنبؤ بمجريات الحرب بين إيران وإسرائيل وهل ستتصاعد؟ ومتى تتوقف؟ فبالتالى من الصعب التنبؤ بموعد إعادة تشغيل حقول الغاز الإسرائيلية والعودة إلى ضخ واردات الغاز الإسرائيلى بنحو مليار قدم مكعب يوميا إلى شبكة الغاز المصرية.
وإزاء هذه الأحداث، فإن الحكومة لم تقف مكتوفة الأيدى رغم أنها كانت قد استعدت لمواجهة زيادة الاستهلاك من الغاز الطبيعى خلال هذا الصيف بزيادة استيراد شحنات الغاز الطبيعى المُسال، وقررت تفعيل خطة الطوارئ التى يتم تنفيذها بسبب عوامل القوة القهرية، لتعويض واردات الغاز الإسرائيلى التى توقفت مؤقتا بسبب الحرب بين إيران وإسرائيل، وقررت تخفيض كميات الغاز التى يتم ضخها يوميا إلى مصانع الأسمدة والبتروكيماويات، إضافة إلى التوسع فى تشغيل محطات الكهرباء بالمازوت والسولار.
كما تحرك المهندس كريم بدوى لسرعة الانتهاء من ربط مركبى التغييز الثانى والثالث بالشبكة القومية للغازات الطبيعية، لا سيما أنه قد تبين من زيارة الوزير لمتابعة تشغيل مراكب التغييز بميناء العين السخنة، أن مركب تغييز واحدًا هو الذى يعمل بالفعل، وأن العمل كان يجرى لربط المركب الثانى والمركب الثالث بالشبكة القومية خلال الأيام القادمة، لكن القوة القهرية التى أدت إلى وقف ضخ الغاز الإسرائيلى إلى مصر جعلت الوزير يذهب ويشدد على الانتهاء من ربط مركبى التغييز الثانى والثالث بالشبكة القومية خلال الأيام القليلة القادمة، ولا سيما أن هناك اتفاقات على استيراد شحنات من الغاز الطبيعى المسال، وفقا لتوقيتات تشغيل وجاهزية المركب الثانى والمركب الثالث، لربطهما بالشبكة القومية للغازات.
كما علمت أن هناك مراكب تحمل شحنات من الغاز الطبيعى كافية لتشغيل مركب التغييز الأول دون توقف.
وهنا لا بد أن نعلم أن طاقة مركب التغييز الواحد تصل فى اليوم الواحد إلى نحو 750 مليون قدم مكعب فى اليوم، ومن ثم فإن التشغيل السريع للمركب الثانى والمركب الثالث سوف يساهم فى توفير المزيد من الغاز الطبيعى المُسال كوقود لمحطات الكهرباء، ولكن حتى لو عملت مراكب التغييز الثلاثة بكامل الطاقة، فإن هذا يعنى توفير نحو 2.3 مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا.
وهذه الكمية كانت ستساهم بجوار ضخ واردات الغاز الإسرائيلى فى سد العجز فى الاستهلاك اليومى لمحطات الكهرباء؛ حتى لا نعود إلى تخفيف الأحمال هذا الصيف وحتى لا يتم تخفيض كميات الغاز للمصانع.
كما لا بد أن نعلم أن هناك اتفاقا أن يحصل الأردن على كميات من الغاز الطبيعى من مصر، خاصة بعد أن انطلق مركب التغييز الذى كان يتواجد فى ميناء العقبة الأردنية كمركب ثالث فى ميناء العين السخنة.
وحتى لو جاء مركب التغييز الرابع كمركب احتياطي، فإن هذا لن يعوض وقف واردات الغاز الطبيعى الإسرائيلى التى تصل إلى ما يقرب من مليار قدم مكعب يوميًا.
ونقول فى ذلك بالأرقام لأن استهلاك مصر من الغاز الطبيعى خلال الصيف تجاوز 7.5 مليار قدم مكعب يوميًا، منها أقل من 4 مليارات قدم مكعب يوميًا من الإنتاج المحلى، ونحو مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الإسرائيلى، وما يقرب من مليارى قدم مكعب يوميا من استيراد الغاز الطبيعى المُسال، والبقية من المازوت والسولار.
وعلى هذا، فإن تبعات الحرب بين إيران وإسرائيل وما تلاها من وقف تشغيل حقل ليفثيان ووقف صادرات الغاز الإسرائيلى بنحو مليار قدم مكعب يوميًا -سوف تمثل عجزًا يوميًا خلال هذا الصيف، حتى لو اكتمل تشغيل مراكب التغييز الثلاثة لاستيراد الغاز الطبيعى المسال، وما يتبع ذلك من زيادة فاتورة الاستيراد بالمليارات لهذا الغاز الطبيعى المسال، وللكميات الإضافية من استيراد المازوت والسولار والحاجة إلى نحو مليارى دولار شهريا لهذا الغرض.
وإن كان رئيس الوزراء قد طمأن المصريين على وفرة الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء وتشغيل خطة الطوارئ، بزيادة التشغيل بالمازوت والسولار، خاصة أن هناك تأخرا فى تشغيل المركب الثانى والمركب الثالث، فإننا نختلف مع رئيس الوزراء ولا بد أن نعترف بأن هناك عجزًا يصل إلى نحو مليار قدم مكعب يوميًا، رغم العمل بخطة الطوارئ التى سوف يتبعها المزيد من مليارات الدولارات لاستيراد المازوت والسولار، فضلًا عن خسائر المصانع التى تم تخفيض كميات الغاز الطبيعى إليها.
لذلك، فإننى أخاطب رئيس الوزراء، فى ظل ظروف القوة القهرية التى لحقت بنا أيضًا بسبب الحرب بين إيران وإسرائيل، أن يعود إلى المزيد من خطط ترشيد استهلاك الكهرباء وهى كثيرة، ولا يمنع أن تكون هناك عودة محدودة لتخفيف الأحمال ولفترة محدودة حتى نرى عما سوف تسفر عنه هذه الحرب.
وهنا أدعو فى ظل هذه الظروف التى تحتم الاصطفاف الوطنى –كما تعودنا– من الشعب المصرى أن يراعى ظروف هذه القوة القهرية، ولا نستسهل بتبديد المليارات فى المزيد من استيراد الوقود، وأن يكون هناك تحرك شعبى من كافة الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى أن تقوم بمبادرات، كلٌّ فى مكانه، لتخفيف الأحمال بالتنسيق مع السلطات المعنية على مستوى القطاعات فى كل مدينة، وفى كل قرية، وفى كل نادٍ، وفى كل تجمع شعبى، وفى الكافيهات والمولات.
وعندما أدعو إلى هذه المبادرات الشعبية وذلك حتى لا نضع الحكومة فى حرج والتى أكدت أنها لن تعود إلى تخفيف الأحمال، ولكن ظروف القوة القهرية أصبحت تحتم تخفيف الأحمال لأوقات محدودة جدًا يوميًا، وذلك بمبادرات شعبية من الأحزاب تحديدًا.
وعلى سبيل المثال، يمكن فى المدينة أو القرية، أن يتحرك أى حزب للاتفاق مع أهل قطاع معين فى المدينة أو القرية على تخفيف الأحمال فى الوقت الذى يحددونه.
تلك دعوة أرى أنه قد جاء وقتها بسبب ظروف القوة القهرية، مع ضرورة تحرك رئيس الوزراء لخطط قوية قابلة للتنفيذ الفورى فى ترشيد استهلاك الكهرباء، بدلًا من أن نستسهل بتبديد الكثير من المليارات فى استيراد الوقود لمحطات الكهرباء لأهداف استهلاكية فقط.