رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ليبيا.. بين الميليشيات والفوضى الخلاقة


22-5-2025 | 19:22

.

طباعة
بقلم: د. غادة جابر

الأحداث الأخيرة فى ليبيا الشقيقة أخذتنى للاعتراف هنا فى مقالتى لمجلة «المصوّر» العريقة، بأن الشرق الأوسط لم يسلم، ولم يعد كما كان منذ اندلاع «ثورات الربيع العربى» بل هى ثورات الخراب العربى، وأُقر وأعترف كل الاعتراف وبكل ثقة بأن مصر العظمى هى الدولة التى نجت من هذا المخطط الخبيث، بفضل الله سبحانه وتعالى وحكمة قائدها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وحكمة جيشها، وشعبها الأصيل الذين رفضوا تقسيم مصر، ورفضوا أن يحكم مصر مجموعات أقرب للميليشيات بعيدة كل البعد عن مفهوم الوطن.

 

«الفوضى الخلاقة» مصطلح له جذور، يعود لفلاسفة ومفكرين من الغرب، ولكن لم يُستخدم سياسيًا بشكل مباشر إلا فى فترة إدارة بوش مع غزو العراق الشقيق وبداية محاولة تغيير الأنظمة العربية. تحدثت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية فى عهد الرئيس جورج دبليو بوش عن الفوضى الخلاقة، فى عام 2005 فى مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، وذكرتها فى أكثر من مناسبة خلال زيارتها للشرق الأوسط، وتخللت كلمة الفوضى الخلاقة كلماتها خلال الحديث عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط الكبير.

حكم الرئيس معمر القذافى الذى دام 40 عامًا سقط عام 2011، بعد ثورة الليبيين التى اندلعت فى فبراير 2011، ضمن أحداث الربيع العربي، الأنظمة العربية المعقدة التى استمرت عدة عقود حملت فى طياتها ثبات النظام والأنظمة واستقرار الشعوب، ولكن دون تقدم ملموس وحقيقى، ولكن يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتفِ بذلك، فهى تريد أن تسابق الزمن وتسيطر على العالم، قبل أن تظهر قوى عظمى أخرى مثل الصين وروسيا على سبيل المثال، فخلقت فى الشرق الأوسط الفوضى الخلاقة وتفتيت الأنظمة وانخراط الشعوب فى القتال لبعضهم البعض، لتظهر وتكبر إسرائيل بنواياها الخبيثة فى الوطن العربى، وخلق حروب بالوكالة، وحروب اقتصادية كفيلة بتعطيل بالدول العظمى المناهضة لأمريكا، وهذا ما تمارسة أمريكا الآن فى سياستها الأخيرة مع دول الخليج، هيمنة ومطرقة للصين، وإرسال رسالة لبكين أن واشنطن العملاق الأضخم فى الشرق والغرب.

وعن أحداث ليبيا الأخيرة، من هذا الشهر التى جعلت الشعب الليبى فى خوف وذُعر وتوقف كامل للحياة، تلك الأحداث الدامية والتصعيد الخطير فى العاصمة طرابلس، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين فصائل مسلحة، أبرزها على الساحة الليبية جهاز دعم الاستقرار، بقيادة عبدالغنى الككلى المعروف بـ«بغنيوة»، وقوات موالية لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، أسفرت عن مقتل «الككلى»، مما أثار الفوضى وتدميرا واسعا فى الممتلكات الليبية، ورغم أن «الدبيبة» أعلن عن أنه سيواجه الميليشيات المسلحة، فإنه خرجت مظاهرات شعبية فى طرابلس تطالب برحيل حكومة الدبيبة.

والجدير بالذكر أن حكومة الدبيبة تسيطر على غرب ليبيا وبعد سقوط حكومة القذافى وخروج المساجين، استطاع «الدبيبة» تكوين ميليشيا تحكم غرب ليبيا بعيدة عن الجيش الليبى الذى يرأسه المشير خليفة حفتر فى الشرق الليبى، والأخير قاد قوات الجيش الوطنى الليبى لمحاولة ضم ليبيا وعدم الانشقاق، ولكن الغرب الليبى أجّج الصراع المسلح ضد الجيش الوطنى.

والجدير بالذكر أن السلاح الخاص بالجيش الليبى بعد تفكيكه، كان يملأ الشوارع بعد الثورة الليبية فى عام 2011، مما ساهم فى تكوين عصابات وميليشيات مسلحة فى الداخل الليبى، ومحاولة كل منها السيطرة على الحكم فى ليبيا، إلى أن وصل عدد الميليشيات فى عام 2016، إلى 300 ميليشيا، وكان عدد قطع السلاح فى الشوارع الليبية وصل إلى 20 مليون قطعة سلاح، بين أسلحة خفيفة بنادق ورشاشات، وأسلحة ثقيلة صواريخ وحاملات طائرات ودبابات.

وتستمر ليبيا فى هذا السياق السياسى المعقد والانقسام الداخلى، مما جعل تدخل أطراف خارجية أمرا محتوما، وكل منها يخدم مصالحه الخاصة دون النظر للشأن الليبى، ولكن يبرز الدور المصرى كما عاهدناه دائما فى سياساته مع دول الجوار والدول الشقيقة بعدم التدخل فى الشأن الداخلى للدول، مع الحفاظ على الأمن القومى المصرى والأمن القومى العربي، وأن مصر تدعم دولة المؤسسات ودولة النظام من أجل الاستقرار والحفاظ على مقدرات الدول وأمن الشعوب.

ونعود لمقتل «غنيوة» الذى أسفر عنه اشتباكات عنيفة فى منتصف مايو الجارى، استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى وغلق المدارس وتوقف الحياة فى طرابلس، واعتبر الكثيرون هذا الحدث خطوة أولى لانهيار الفصائل المسلحة، وتعمقت الأزمة بخروج مظاهرات ضد الدبيبة تطالب برحيله، واستقالة ثلاثة وزراء من هذه الحكومة المنفصلة، وهنا فسر البعض هذا الانقلاب بأنه بداية انهيار حكومة الدبيبة.

فى ظل هذه الظروف يواجه الليبيون تحديات كبيرة فى تحقيق الاستقرار السياسى والأمنى، مع استمرار الجهود لإيجاد حلول سلمية تنهى الانقسام وتعيد بناء مؤسسات الدولة، وفى النهاية الخاسر هو الشعب الليبى ومقدرات وخيرات ليبيا التاريخية التى تذهب لعصابات ودول لها مطامع فى ليبيا.

وختاماً أود أن أتحدث عن تجربة شخصية لى مررت بها أثناء مداخلتى عبر «الزووم» لإحدى القنوات الليبية، كنت أتحدث عن دور مصر الرائد فى محاولتها لحل الأزمة الليبية، وإذا بى فوجئت بالضيف والذى ظهر بصفته الأكاديمى والباحث السياسى الليبى، يهاجم دولتنا العظيمة مصر كذبًا، وأن مصر هاجمت التيار الإخوانى الذى يحمل الشعار الإسلامى لحماية النظام، وكان ردى بثقة على جهله العلمى والتاريخى والثقافى، بأن الدولة يا سيد تتمثل فى ثلاث أضلاع، وهى الأرض والشعب والسيادة، ونحن فى مصر لا تفترق الثلاث أضلاع، فمن كره وطرد ورفض حكم الإخوان الإرهابى هو الشعب المصرى بمساندة جيشه العظيم، واختار قيادة من النسيج الوطنى الحُر تعرف معنى وقيمة الدولة المصرية ذات السيادة.

حفظ الله مصر من الشرور والفتن والتفرقة، قوتنا فى اتحادنا وتماسك جبهتنا الداخلية، وحفظ الله الشعب الليبى، ويُكتب له النصر الحقيقى بعيدا عن الإرهاب والعصابات والتسليح، وأن يعود الأمن والاستقرار لليبيا الشقيقة.

الاكثر قراءة