رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مطلوب استراتيجية عربية موحدة ضد جماعة الإرهاب


3-5-2025 | 14:58

.

طباعة
بقلم: حلمى النمنم

جربت الدول العربية عدة سياسات فى التعامل مع جماعة حسن البنا، وحققت كل سياسة فى كل بلد طبقت فيه بعض النتائج المرجوة، مؤقتا أو مرحليا، ومع كل بادرة ضعف داخل الدولة أو التعرض لأزمة ما أو مواجهة عدو خارجى، كان الوجه القبيح للجماعة ينكشف تماما، تسقط ورقة التوت عنهم، واتضح أنهم استفادوا من السياسة المتبعة وتعايشوا معها مؤقتا والتجهز للفتك بالدولة مع أى فرصة تسنح.

فى سنوات الخمسينيات وبعد محاولة الجماعة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية، أكتوبر سنة 1954، رأت بعض الدول أن تمد يدها للجماعة وتسمح لجمعياتهم بالانتشار وتطبع كتبهم ومنشوراتهم، تستقبلهم المنتديات العلمية والثقافية، فعلت تلك الدول ذلك عن تصور أن أنجح طريقة للتعامل مع الجماعة هو إبعادهم التام عن مجال العمل السياسى، والدفع بهم إلى العمل فى المجال الدينى، أو مجال الدعوة وفق مصطلحات الجماعة، دعنا الآن من رغبة البعض وقتها فى المكيدة السياسية، فى كل دولة عربية مؤسسات دينية عريقة، بعضها يعود إلى صدر الإسلام، وهناك فى كل دولة كذلك دار إفتاء، حسب مسمى كل دولة، ومن ثم فإن إقحام الجماعة على ذلك المجال لم يكن قرارًا صائباً ولا كانت هناك حاجة لهم به، مع ذلك مرت السنوات وإذا بهم فى ذلك المجال الدعوى يدسون أفكار التشدد ودفعوا بمقولات العنف وتكفير الحاكم والمحكوم معا، وهكذا ثبت أن عملهم فى المجال الدعوى فقط سلم لهم الشباب الصغار ليجعلوا منهم كوادر لهم تكره الدولة وتحمل لها العداء، وتسلطوا على الأسر يجمعون الأموال باسم التبرعات لأعمال الخير ومجالات الدعوة، لتتحول إلى ملايين الدولارات تُكدس فى البنوك الأجنبية، يموّلون منها عمليات الإرهاب، ويخربون اقتصاد الدولة التى سمحت لهم بالعمل الدعوى، ومع لحظة الضعف أو المرور بأزمة يتبين عداؤهم الشديد وكراهيتهم للدول التى فتحت ذراعيها لهم.

حين غزا صدام حسين الكويت فى أغسطس سنة 1990، وقام باحتلالها وألغى وجودها بأن ضمها إلى العراق وجعلها المحافظة رقم 19، وكان الخطر محدقا بعدد آخر من دول الخليج، كانت شهية صدام مفتوحة لقضم دول الجوار وكانت هذه الدول تحتوى الجماعة بالعمل الدعوى، لكن مع غزو صدام تكشّفت الحقيقة أنهم مع احتلال هذه الدول كلها وإسقاطها، كانت المفاجأة صاعقة وصادمة لهذه الدول والشعوب الآمنة.

لكن الذى يعرف تاريخ الجماعة وحكاية حسن البنا شخصيا مع الملك فاروق لم يندهش مما جرى، ذلك أن مصر الملكية، سمحت طوال الثلاثينيات وحتى نهاية الأربعينيات لحسن البنا بالعمل بحرية، باعتبار أنه يعمل فى المجال الدعوى، واعتبروا ذلك شيئا إيجابيا، رغم أن مصر بها الأزهر الشريف وبها دار الإفتاء وأيضا وزارة الأوقاف. ومنذ عهد الملك فؤاد بدأ تحويل الأزهر إلى جامعة بالمعنى الحديث، أى كليات متخصصة وليس فقط الدراسة داخل الجامع، باختصار لم تكن مصر بحاجة إلى عمل حسن البنا الدعوى، لكن كان يستفاد منه فى الهتاف السياسى للملك فاروق فى بعض المناسبات، تحدث البنا عن دوره هو وإخوانه فى مظاهرات الاحتفاء بعودة الملك فاروق من لندن بعد وفاة والده الملك فؤاد الأول سنة 1936، كما كان يستخدم هو وجماعته من قبل بعض الحكومات، قاد مظاهرة سنة 1947 تهتف لحكومة النقراشى ضد الوفد الذى كان يعارضها.

وهناك تجربة التوظيف السياسى للجماعة بمنحها عدة مقاعد فى البرلمان وربما اختيار عدد من الوزراء لهم، يدخلون البرلمان تحت مسميات غير اسم الجماعة الحقيقى، والكل يفهم ويعرف أن الاسم هو غطاء لهم، الجماعة من جانبها لا تخفى ذلك، بل تكشفه للرأى العام، ولسان حالهم أننا على استعداد للمشاركة تحت أى مسمى، وأن الدولة تريدهم لكن لا تجرؤ على أن تعلن ذلك مباشرة للرأى العام، وفى النهاية يكسبون بذلك حظوة ومكانًا ودورًا فى الدولة يمكنهم من تمرير أفكارهم ودعواتهم، وتوفير فرص الصعود داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها لكوادرهم، بما يعنى المزيد من اختراق أجهزة الدولة، أما فى الشارع ولدى الرأى العام فهم «الضحايا» المجبرون على إخفاء اسمهم وهويتهم الحقيقية، يكسبون من الناحيتين.

وجهة نظر الدولة هنا أنها تنزع السمّ من الجماعة وتردعهم عن ممارسة العنف أو اللجوء إليه، وتتصور الدولة أنها بذلك انتزعت اعترافا بمشروعية النظام من الجماعة والدليل أنهم شاركوا فى مسيرته.. وأنه إذا حدث أى تلاعب منهم تسهل السيطرة عليهم، فضلا عن أن المواقع التى يشغلونها فى الدولة تعنى أمام الرأى العام أنهم شركاء للنظام، فلا تقبل المزايدة منهم على الدولة.

هذه العملية المعقدة والمثقلة بالحسابات كانت قائمة فى أكثر من دولة، لكن تحديدا المملكة الأردنية، خاصة زمن الملك الراحل حسين الذى اشتهر عنه قدرته على ترويض الجماعة، واستمر الحال فى زمن الملك عبدالله الثانى، وكانت الجماعة بعد فشلها فى مصر سنة 2013 تذكر تجربتها فى الأردن دليلا على أنهم يمكن أن يكونوا شركاء سياسيين، وما جرى فى المملكة الأردنية الأسبوعين الأخيرين أثبت أن الجماعة تبقى هى دائمًا تعشق العمل فى الظلام، حيث يمكن لها القفز على الدولة ومؤسساتها.

هناك نموذج آخر وهو محاولة إدماجهم فى العملية السياسية، ليصبحوا جزءا من النظام، وترك الأجهزة الأمنية تتابع أى خروج على القانون ودون الدخول فى تفاصيل كثيرة، حدث ذلك فى مصر زمن الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك.. وكانت النتيجة أن الجناح البرلمانى والسياسى للجماعة، محمى بحصانة البرلمان حاول تجييش الرأى العام ضد المؤسسات الأمنية وضد القانون والنظام، ومع هشاشة الوضع السياسى فى يناير 2011، كشفوا عن الوجه الحقيقى لهم يوم 28 يناير 2011، حيث انطلقوا يحرقون ويدمرون كل مؤسسات الدولة وقتل رجالها.

فى كل هذه السياسات والتجارب كانت الجماعة قادرة على توظيف ظروف كل دولة عربية بما يخدم أهدافها فى الدول العربية التى تستهدفها، مثلا بعد محاولة تنظيم سيد قطب سنة 65 لقلب نظام الحكم فى مصر باغتيال قيادات الدولة بدءا بالرئيس عبد الناصر وتفجير القناطر الخيرية لإغراق الدلتا فيفشل عبد الناصر، حدث أن مُنعت طباعة كتب سيد قطب فى مصر، لكن كانت تُطبع فى الأردن وتُهرب إلى مصر، بالتأكيد لم يكن للأردن رسميا يد فى عملية التهريب، بل هم كوادر الجماعة هناك وهنا.

وفى التنظيم الذى ضُبط فى الأردن الأسبوع قبل الماضى، استفادت الجماعة من ضعف الدولة اللبنانية فى الجنوب بعد أحداث السابع من أكتوبر ودخول «حزب الله» على خط الهجمات فتدربوا هناك على تصنيع السلاح واستعماله، تحت مسمى «المقاومة» والحق أن الجماعة كانت بارعة فى استغلال هذه الثغرات بين الدول العربية، أو حتى فى العالم الخارجي، هل ننسى عرب أفغانستان أو «الأفغان العرب» سنة 1979، التى عملت الجماعة فيها سمسارًا، دربت وجندت آلاف الشباب من أنحاء العالم العربى مقابل 500 دولار شهريا، وخزنت السلاح، وحققت مكاسب، قدّرتها المخابرات البريطانية بمبلغ ستين مليار دولار من جراء صفقات السلاح وتوريد «المجاهدين» إلى هناك؟

المؤسف أن الجماعة طوال هذا التاريخ وظّفت بعض الآراء لكُتاب ومفكرين عرب لصالحها، مثل مقولة أن أفضل وسيلة للتعامل مع الجماعة هى «شد وارخِ»، أى التهاون معهم بدرجة ما والشدة بدرجة ما وفق اللحظة وما تفرضه، هناك كُتاب مصريون رددوا ذلك كثيرا، حتى وقت قريب ومن وسط هؤلاء ظهر فريق يقول: «نرفض أفكار سيد قطب لكن لا نهاجم أفكار حسن البنا»، ولذا نجد انتقادًا حاداً لفكرة التكفير لدى قطب، لكن نجد صمتا تاما عن أفكار حسن البنا، وهى أكثر خطورة على المجتمع والدولة من أفكار قطب، ذلك أن آراء قطب وأفكاره واضحة ومكشوفة، لا لف ولا دوران فيها، التكفير واضح والدعوة للعنف مكشوفة، لكن البنا يدسّ السم فى العسل، فى إحدى رسائله يخاطب المواطن المصرى ويطالبه بألا يتعامل إلا مع البقال المسلم والصيدلى المسلم والطبيب والمهندس المسلم، وهذا كلام فى ظاهره بسيط وهيّن، لكنه يعنى خلق حالة من الطائفية فى المجتمع، ورفض التعدد والتنوع، فضلا عن بناء حالة من الكراهية والاستنفار تجاه طوائف المجتمع وبين أبنائه.. ولا ننسى أن حسن البنا هو مَن أسس التنظيم الخاص وأرسى قواعد العمل الإرهابى، وكان هو مَن وقف خلف اغتيال أحمد ماهر رئيس وزراء مصر، والمستشار أحمد الخازندار، والنقراشى باشا رئيس الوزراء، وبعد الاغتيال أطلق بحق كل منهم حملة دعائية تجعل عملية الاغتيال بطولة، بل واجبا دينيا كان يجب القيام به.

من واقع كل ذلك آن الأوان لتبنّى سياسة عربية موحدة تجاه جماعة حسن البنا وكل جماعات الإرهاب التى خرجت من معطفها، بعد ثورة 30 يونيو 2013 اتخذت مصر والسعودية والإمارات موقفا موحدا من إدانة الجماعة وعدم السماح لها بالعمل أو التحرك ضد أى دولة شقيقة، هذه السياسة أدت إلى إنقاذ الدول الثلاث من براثن الجماعة، ونجحت إلى حد كبير فى إضعاف قدراتها، وبعد ما جرى فى الأردن بات ملحا تبنى موقف عربى موحد يمنع تلاعب الجماعة، ومحاولة استغلال القضايا الكبرى للقفز على كل دولة بمفردها.

صحيح أن الأجهزة الأمنية فى هذه الدول تحقق نجاحا فى كشف محاولات العبث وتتبعها، كما رأينا فى الأردن، وقبل ذلك فى مصر وفى تونس، ومعظم الدول العربية، لكن هناك دورًا آخر، وهو محاولة سدّ الثغرات التى تنفذ منها الجماعة لتتآمر على دولة شقيقة.

المملكة الأردنية لم تعلن كافة التفاصيل عن الخلايا الثلاث التى ضُبطت، ولكن المعلن حتى الآن أن المتهمين تلقوا تدريبات عسكرية فى جنوب لبنان وأن بعض قطع الأسلحة التى بحوزتهم جاءتهم عبر شركاء لهم فى دولة ثالثة، عربية أيضا. ورصدت الأجهزة الأردنية أن بعض المتهمين قابلوا شريكًا لهم من دولة عربية رابعة وجرى اللقاء وبعض الترتيبات فى دولة عربية خامسة، وهكذا...

وحتى هذه اللحظة، لم يكشف النقاب عن التمويل من أين جاءهم، الأسلحة والذخائر التى وُجدت بحوزتهم، المخازن تحت الأرض المجهزة بخرسانة خاصة لتخزين الأسلحة والذخائر، تحتاج إلى ملايين الدولارات، هذه قدرات دول وجيوش نظامية، فمن أين لهم بكل هذا المال؟، ومن تحديدا هم خبراء الأسلحة والذخائر الذين خططوا وأشرفوا على بناء تلك المخازن؟، فضلا عن تصميمها واختيار مواقعها، خارج العاصمة، أى بعيداً عن أعين رجال الأمن، هكذا تصوروا.

هذا كله جهد دول واقتصاد ضخم، لا يُعقل أن المتهمين الستة عشر الذين ضُبطوا يمكنهم القيام وحدهم بكل ذلك.

التعاون بين الأردن ولبنان فى هذا الجانب كشف الكثير والكثير، والدليل أن الجيش اللبنانى ألقى القبض على عدد من الأشخاص داخل لبنان تورطوا فى هذا النشاط.

التعاون العربى مهم ومفيد للجميع، والخطر الحقيقى هو أن الجماعة فى مرحلة الضعف هذه لا تتوقف عن التآمر، والتآمر هنا ليس بهدف إسقاط الأنظمة وبناء أخرى بديلة، هم غير قادرين على ذلك، ولكنهم يمكن أن يستنزفوا الدول ويفتحوا الباب لحروب أهلية أو عمليات إرهابية، وهم كذلك لا يمانعون فى أن يعملوا مرتزقة ضد الدول العربية لصالح دول أخرى أو حتى لصالح إسرائيل.. الخلايا التى ضُبطت فى الأردن لو تُركت تعمل فإنها كانت ستقدم ذريعة ومبررًا لإسرائيل باجتياح الضفة وتهديد المملكة الأردنية وأمنها القومى بشكل مباشر.

هل يمكن أن تتبنى الدول العربية، عبر جامعة الدول وهيئاتها المختلفة أو عبر أى وسيلة أخرى، استراتيجية عامة تواجه جماعات الإرهاب وتدمير المجتمعات من داخلها؟

المصلحة العربية العامة ومصلحة كل دولة أن يتحقق ذلك.

 
 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة