من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، جاءت تحركات دولية بتصنيف كيانات وتنظيمات تابعة لتنظيم الإخوان كجماعات إرهابية، خلال الفترة الماضية، في خطوة أكد مراقبون أنها تمثل حصارًا دوليًا مطبقًا على التنظيم قد يجعله يقترب من نهايته خلال سنوات قليلة.
في عام 2025، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية عدة خطوات لحظر وحصار تنظيم الإخوان، ففي 24 نوفمبر الماضي، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمرا تنفيذيًا يبدأ الإجراءات الرسمية لتصنيف فروع محددة من جماعة الإخوان كمنظمات إرهابية أجنبية، وهي فروع التنظيم في مصر ولبنان والأردن، وذلك لمواجهة "الشبكة العابرة للقارات للإخوان التي تغذي الإرهاب"، حسبما أكد بيان البيت الأبيض آنذاك.
وفي ديسمبر الجاري، أعلنت ولاية فلوريدا الأمريكية، عن تصنيف تنظيم الإخوان ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير"، كمنظمتين إرهابيتين أجنبيتين، وهي الخطوة ذاتها التي اتخذتها ولاية تكساس في نوفمبر الماضي، أعلن حاكم تكساس جريج آبوت، تصنيف الإخوان ومجلس (كير) كـ"منظمات إرهابية أجنبية" و"منظمات إجرامية عابرة للحدود".
وفي ديسمبر الجاري، أعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، عن قرار وضع جماعة الإخوان تحت مراجعة دقيقة تمهيدًا لإدراجها على لوائح الإرهاب، كما تدرس الحكومة والبرلمان في ألمانيا، مشروعًا لتصنيف الإخوان كمنظمة محظورة هناك، بعد تقارير أمنية أكدت ازدياد نشاط الجماعة داخل المراكز الثقافية ودور العبادة، وطلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حكومته بوضع مقترحات لمواجهة نفوذ جماعة الإخوان وانتشار الإسلام السياسي.
نهاية التنظيم خلال 3 سنوات
ويقول منير أديب، خبير شئون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي، إن القرارات التي اتخذتها بعض الدول ضد أفراد التنظيم أو بوضع التنظيم نفسه على قوائم التنظيمات الإرهابية، سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأمريكية، لها أهمية كبيرة وتداعيات مستقبلية واضحة، موضحا أن هذه القرارات تمثل المسمار الأخير في نعش تنظيم الإخوان.
وأوضح أديب، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن وضع الإخوان على قوائم الإرهاب، يفقد التنظيم الملاذات الآمنة التي كان يعتمد عليها في أوروبا والولايات المتحدة، مما يجعله غير قادر على التواجد في هذه الدول كما كان سابقًا، مضيفا أن التنظيم يفتقد أيضًا ما يمكن تسميته “المحفظة المالية”، وهي الموارد التي كان يعتمد عليها في تمويل نشاطاته حول العالم، وغالبًا ما كانت موجودة في بعض الدول الأوروبية التي كانت تمثل الدول العصب أو المركزية لإنفاق التنظيم على أفرعه في كل دول العالم.
وأضاف أن وضع التنظيم على قوائم الإرهاب، فقد هذه القوة المالية والدعم، وهو مؤشر على أن التنظيم يقترب جدًا من حالة الانهيار، وأنه بات قاب قوسين أو أدنى من الموت الحقيقي، مشيرا إلى أن التنظيم عمره سبع وتسعون عامًا، وشاخت أفكاره وخلاياه، ما يجعلنا أمام حالة موت سريري للتنظيم.
وأشار إلى أن أن تنظيم الإخوان يمتد في أكثر من خمس وثمانين دولة حول العالم، لكنه اليوم يشبه جسدًا كبيرًا على أجهزة التنفس الاصطناعي، غير قادر على الحركة أو المبادرة، مضيفا أن التنظيم قد ينتهي خلال أقل من ثلاث سنوات، أي قبل أن يبلغ مئة عام من عمره، نتيجة القرارات الأخيرة التي تتخذها بعض الدول لتجفيف منابع التنظيم، وجهود تفكيك أفكاره في العديد من العواصم العربية والإسلامية.
ولفت إلى أن تغير الموقف الأوروبي والأمريكي تجاه التنظيم في الفترة الأخيرة جاء متأخرًا مقارنة بعمر التنظيم الطويل الذي يبلغ سبع وتسعين عامًا، حيث كان من المفترض أن يتم وضع الإخوان على قوائم الإرهاب منذ عقود، إلا أن أوروبا والولايات المتحدة تأخرتا، ولكن كما يقول المثل، “أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا”، مشيرا إلى أن التأخر لدى واشنطن يعود إلى أنها كانت تستخدم التنظيم في الماضي لأغراض معينة وتحقيق مصالح لها في الشرق الأوسط.
وأكد أن الظروف تغيرت، وأصبحت الحاجة ملحة لوضعه على قوائم الإرهاب لضمان تفكيكه ومواجهة نشاطاته، وبات التنظيم عبئا على واشنطن وحلفاؤها، ولذلك عندما أدركت ذلك بدأت في اتخاذ خطوات ضده.
عوامل وتداعيات
ويقول عمرو فاروق، الباحث في شؤون الجماعات الأصولية وقضايا الأمن الإقليمي، إن تلك الإجراءات التي تبحث دول أوروبا اتخاذها تجاه جماعة الإخوان، تضع الجماعة في موقف المحاصر والملاحقة على أكثر من مستوى، موضحا أن منها مستوى المصادر والمؤسسات المالية، إذ تمتلك جماعة الإخوان اقتصادًا ضخمًا، حتى وإن كان شبه رسمي، والعديد من هذه المؤسسات مرتبطة بالجاليات المسلمة في الغرب، وتشترك مع مؤسسات رسمية أو تجارية مستقلة في هذه الدول.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن ذلك سيضع هذه المؤسسات تحت المراقبة والمتابعة القانونية سيقلل من قدرتها على التوسع، سواء في بناء مراكز إسلامية، وجمعيات أهلية ومدنية، أو حتى مؤسسات إعلامية وسياسية، مثل مراكز الدراسات والمنصات الإعلامية التي يستخدمونها ضد الدولة المصرية، مضيفا أن القرارات أصبحت نافذة بشأن تصنيف الجماعة على قوائم الإرهاب، خاصة إذا اتبعت الولايات المتحدة خطوة تصنيف عدد من فروع الجماعة، فمن المتوقع أن تصدر بعض الدول الأوروبية قرارات مشابهة مباشرة، مثل تصنيف فروع الإخوان في إسبانيا والسويد.
وأشار إلى أن ما يحدث الآن محاولات للتتبع القانوني والقضائي للنشاطات، مثلما يحدث بالفعل في السويد بالنسبة للمدارس التابعة للجماعة، مما يعرقل توسعها في هذه المؤسسات، سواء مدارس خاصة أو مؤسسات تابعة للجاليات العربية، مضيفا أنه بموجب تلك الإجراءات سيتم وضع عدد من القيادات الفاعلة داخل هذه المؤسسات وعلى مستوى التنظيم الدولي تحت قائمة المراقبة، وربما يتم تصنيف بعضهم على قوائم الإرهاب أو تتبعهم ثم تصنيفهم مثلما حدث مع يوسف ندا، ومؤسسة التقوى وتقييد نشاطها.
ولفت إلى أن ذلك يعني صعوبة كبيرة لهم في التصرف بأموالهم وإدارة المؤسسات التابعة للإخوان، أو تنظيم أنشطة جديدة تخص التنظيم الدولي كاجتماعات أو بناء مؤسسات بديلة، إذ ستكون كل هذه الأنشطة تحت مراقبة الدولة والقانون، وخاصة حال صدور قرار تصنيف مباشر، وليس تتبع أو مراقبة، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات تزيد من رقابة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأوروبية على الجماعة، بحيث يصبح أي نشاط لها تحت طائلة القانون، وليس مجرد تتبع بسيط.
وأكد فاروق أن تلك الإجراءات ستؤثر على العلاقات المباشرة بين الإخوان ودوائر صنع القرار أو القوى السياسية في الغرب، حيث قدم الإخوان أنفسهم على أنهم يمثلون المسلمين في الغرب على مدار السنوات الماضية، لكن هذه الإجراءات ستقلل من دعم هذه المؤسسات لهم على مستوى البرلمانات والأحزاب السياسية، وكذلك ستتوقف فكرة التمدد في المجتمعات الموازية، إذ بدأت بعض الدول الأوروبية تدرك مشكلة ظهور “جيتوهات” داخل مدنها، مما سيعوق حركة الجماعة وانتشارها في التجمعات داخل هذه المدن أو الولايات الأوروبية بشكل مباشر.