رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

القضية الفلسطينية في 2025.. واقع ميداني معقد وزخم دولي متصاعد

19-12-2025 | 19:50

علم فلسطين على أنقاض غزة

طباعة
محمود غانم

في عام 2025، تقف القضية الفلسطينية عند واحدة من أكثر محطاتها مفصلية منذ عقود، فبينما وضعت حرب الإبادة الإسرائيلية أوزارها في قطاع غزة بعد عامين خلّفا دمارًا غير مسبوق ولم يُبقِ حجرًا على حجر، واصل الاحتلال تصعيده في الضفة الغربية، وسط مخاوف متنامية من تنفيذ مخططاته الرامية إلى ضمها وفرض واقع استيطاني نهائي.

تمر القضية الفلسطينية اليوم بمنعطف بالغ الحساسية؛ إذ ما تزال غزة تنتظر تنفيذًا كاملًا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار، وصولًا إلى انسحاب إسرائيلي شامل وبدء عملية إعادة إعمار تُقدَّر كلفتها بعشرات المليارات من الدولارات، في وقت تبحث فيه الضفة الغربية عمّن يوقف الزحف الاستيطاني ويمنع ابتلاع ما تبقّى من أرضها.

وفي مقابل هذه المخاطر الميدانية، شهد عام 2025 تحولًا ملموسًا في المزاج الدولي تجاه الحق الفلسطيني، تجلّى في تنامي الاعترافات بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك من دول وازنة مثل فرنسا وبريطانيا، بالتوازي مع انزلاق إسرائيل إلى عزلة دولية غير مسبوقة، على خلفية جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في قطاع غزة.

وقد أسهمت حرب غزة في إعادة تشكيل المشهد العالمي للصراع، إذ كشفت كثيرًا من الحقائق وعرّت الروايات الإسرائيلية التي سادت لعقود، بعدما بدأت قطاعات واسعة من الرأي العام الغربي في مراجعة المسلّمات التي طالما حكمت مواقفها من القضية الفلسطينية.

وهكذا، تغادر القضية الفلسطينية عام 2025 وهي محاصَرة بمخاطر وجودية على الأرض، لكنها في المقابل محمولة بزخم سياسي يحافظ على استمرارها وبقائها على أجندة الاهتمام الدولي.

وفي ظل التباين بين الواقع الميداني والزخم الدولي، يكشف خبراء عن قراءاتهم للتحولات التي طرأت على القضية الفلسطينية خلال عام 2025، واستشرافهم لشكل المرحلة المقبلة، في ضوء المعطيات الراهنة.

امتداد لمحطات النضال

ومن جانبه، يرى الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، أن عام 2025 ليس سوى امتدادٍ لمحطات النضال التي خاضها الشعب الفلسطيني في الفترة الأخيرة، والتي انطلقت ذروتها في السابع من أكتوبر 2023.

ويتحدث الرقب من منطلق كونه ثائرًا فلسطينيًا شارك في مسيرة الثورة الفلسطينية، بحسب ما يوضح في حديثه لـ«دار الهلال»، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني يؤمن بأن الحقوق تُنتزع ولا تُمنح، وأن قضيته مرت بمحطات نضالية عديدة على مدار العقود الثمانية الماضية.

ويصف الرقب ما جرى في السابع من أكتوبر بأنه «مغامرة» لم تكن محسوبة من قبل حركة «حماس»، غير أنه يعذرها من منطلق أن الثوار لا ينظرون دائمًا إلى عواقب أفعالهم، مشيرًا إلى أنهم دفعوا ثمن ذلك من أرواحهم، إذ استُشهد جل قيادات الحركة.

وأكد أن عملية السابع من أكتوبر لم تكتمل، ولم تتضح نتائجها حتى الآن، في مقابل ثمن باهظ دفعه الفلسطينيون، لا سيما على صعيد الأرواح، حيث استُشهد أكثر من 70 ألف فلسطيني، فضلًا عن التدمير شبه الكامل لقطاع غزة، إذ لم يبقَ فيه مبنى قائم، وسط مصير غامض في ظل عجز عربي وفلسطيني.

وشدد الرقب على أن الفلسطينيين لا يملكون اليوم رؤية استراتيجية جامعة، رغم كل العواصف والتحديات التي تحيط بهم.

وفي المقابل، يشير السياسي الفلسطيني إلى أن عام 2025 شهد استمرار تنامي الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، حيث تزايدت أعداد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية، إلى جانب تنامي الدعم الشعبي العالمي، في وقت تكشفت فيه أكاذيب الاحتلال وزيف روايته.

ويلفت إلى أن الإعلام الرقمي والمسموع والمرئي لعب دورًا ملحوظًا في تنمية هذا الوعي، من خلال كشف جرائم الاحتلال، في حين عجزت الأذرع الإعلامية الصهيونية عن مجابهة ثورة الشعوب.

وأكد أن إنجازات الشعب الفلسطيني في هذا السياق كانت عديدة، ولم تقتصر على ما سبق، بل شملت أيضًا انتصارات تحققت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودعم حقوق الفلسطينيين، وتحركات محكمة العدل الدولية وغيرها من المحافل الدولية.

وأضاف أن كل ذلك يأتي ترجمةً للثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني، لا سيما في قطاع غزة، الذي دفع ثمن نضالٍ ممتدٍ لأكثر من 200 عام.

ورغم هذا الثمن القاسي، شدد الرقب على أن الشعب الفلسطيني سيواصل طريق نضاله، وسيستأنف اشتباكه مع العدو ما لم يُحل هذا الصراع عبر منح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

وقال إن على الإسرائيليين وحلفائهم الأمريكيين أن يدركوا أنهم لن يتمكنوا من هزيمة الشعب الفلسطيني ولا شعوب المنطقة، مؤكدًا أن على واشنطن أن تعي أن دورها يجب أن يكون حل الصراع لا إدارته.

وخلاصة ما يراه الرقب أن الشعب الفلسطيني سيظل ثائرًا حتى ينتزع كامل حقوقه، ورغم كل الألم والجراح، فلن يرفع الراية البيضاء.

القضية في ظرف حرج

في موازاة ذلك، يؤكد الدكتور خالد الشنيكات، رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، أن المشهد العام للقضية الفلسطينية خلال عام 2025 لا يخلو من الإيجابيات، لكنه في المقابل يحمل العديد من السلبيات الثقيلة.

وعلى صعيد الداخل الفلسطيني، يوضح الشنيكات، في حديثه لـ«دار الهلال»، أن وتيرة الاستيطان تسارعت بشكل لافت، في ظل سيطرة اليمين المتطرف الذي يرفض فكرة الدولة الفلسطينية، بل إن جميع القوى السياسية في إسرائيل، من اليمين واليسار والوسط، وصولًا إلى أقصى اليمين وأقصى اليسار، تتفق على رفض قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأضاف أن إسرائيل نجحت خلال هذه الفترة في تسريع الاستيطان في الضفة الغربية وتقطيع أوصالها وبناء مستوطنات جديدة، ما أدى فعليًا إلى استحالة قيام دولة فلسطينية على الضفة الغربية في ظل الواقع القائم.

وفي محور آخر، أوضح الشنيكات أن الكينونة الفلسطينية التي تأسست بموجب اتفاق أوسلو تحولت من كيان سياسي يسعى إلى تقرير المصير إلى آلية تنسيق أمني تؤدي وظيفة أمنية لضبط الشارع الفلسطيني، والتعاون مع الإسرائيليين في ملفات متعددة، من بينها الاعتقال.

وبالنسبة لإسرائيل، تُعد هذه السلطة أداة مفيدة، وهو ما يقرّه الإعلام العبري، الذي يشير إلى أن السلطة الفلسطينية تلعب دورًا مهمًا في حماية الأمن الإسرائيلي وضبط الأوضاع في الضفة الغربية، وفقًا له.

ولفت إلى أنه في حال عجز الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن تنفيذ مهام معينة، تتدخل قوات الجيش الإسرائيلي مباشرة، وتنفذ عمليات اعتقال وتجريف، كما حدث في مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم وغيرها.

وفي ما يتعلق بالقدس، التي كانت رمزًا للدولة الفلسطينية وعاصمتها، يؤكد الشنيكات أن إسرائيل كثفت خلال العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية اقتحاماتها للمدينة، وتزايد وصول المستوطنين إليها، إلى جانب تكثيف الأعياد والطقوس اليهودية، في محاولة لتكريس ما تسميه «الحق الإسرائيلي» في القدس، والتأكيد على اعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل.

أما في ما يتعلق بقطاع غزة، فيشير الشنيكات إلى أنه، وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، لا يزال الإسرائيليون يحتفظون بنحو 53% من مساحة القطاع، فضلًا عن التدمير الواسع لبنية المجتمع الفلسطيني؛ فقد دُمّرت المنازل، وتحول القطاع إلى ما يشبه منطقة منكوبة، كما جرى تدمير مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها المؤسسات الصحية والتعليمية والاقتصادية، بشكل شبه كامل.

وأوضح أن الشعب الفلسطيني، بعد حرب قاسية تجاوزت فيها إسرائيل كل الخطوط الحمراء المتعلقة بحياة الإنسان، يعيش واقعًا مأساويًا جعل قطاع غزة منطقة شبه معزولة، تسيطر إسرائيل على مفاصلها كافة، وتمنع أو تقيّد وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية، بما في ذلك الخيام ومواد إعادة الإعمار.

وأضاف أن مسألة دخول قوات دولية، وفق مخرجات مؤتمر شرم الشيخ، لا تزال محل مناورة إسرائيلية، مشيرًا إلى أن السياسة الإسرائيلية قد تفضل الإبقاء على وضع قطاع غزة على حاله: مسلوب الإرادة ومدمرًا، بما يمنع إعادة الإعمار، خشية أن يؤدي ذلك إلى تمكين حركة «حماس» والفصائل الفلسطينية من إعادة بناء قدراتها.

الاحتلال يتوسع

وفي السياق الإقليمي، يقول الشنيكات إن إسرائيل تمددت حتى جنوب سوريا، وهي منخرطة في مفاوضات، حيث صرّح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن جنوب سوريا يجب أن يكون منطقة خالية من السلاح، مع تولي إسرائيل ما تسميه «حماية الدروز».

أما في جنوب لبنان، فأوضح أن إسرائيل تسيطر على نقاط محددة، وتنفذ توغلات وعمليات عسكرية خاطفة، تشمل عمليات اختطاف، كما لوحظ خلال الفترة الأخيرة.

انتصار عالمي

وعلى صعيد الرأي العام العالمي، يرى الشنيكات أن إسرائيل تعرضت لضربة حقيقية على المستوى الإعلامي، حيث أسهمت وسائل الإعلام المختلفة، من خلال القصص ومقاطع الفيديو التي توثق ما يجري في قطاع غزة، في نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم، وكشف الجرائم بشكل متواصل، ما انعكس على الرأي العام العالمي وبدأ يضغط بدوره على الحكومات الغربية.

وأشار إلى أن هذا الضغط دفع بعض الحكومات الغربية إلى تبني مواقف أكثر قربًا من القضية الفلسطينية، وتجلت هذه المواقف في اعترافات بالدولة الفلسطينية، كما في الموقفين الأسترالي والفرنسي، إلى جانب الدعم الإسباني البارز للقضية.

إلا أن الشنيكات يؤكد أن هذه المواقف، رغم أهميتها الرمزية، لا تُحدث تغييرًا حقيقيًا على أرض الواقع، إذ تواصل إسرائيل فرض نفسها لاعبًا أساسيًا في المنطقة، من خلال ربط دولها باتفاقات الطاقة، والضغط على دول عربية أخرى لتوسيع نطاق «اتفاقات أبراهام» لتشمل دولًا إضافية.

وأوضح أن إسرائيل تخوض معارك متعددة في آن واحد؛ فهي تقاتل على الأرض، وتسعى إلى تغيير الوقائع، وتعمل على تغيير العقائد داخل المجتمعات، ليس العربية فحسب، بل أيضًا داخل المجتمعات الدولية والغربية، مستشهدًا بقول نتنياهو إن «المعارك لا تُخاض بالسلاح فقط، بل على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها».

ويخلص الشنيكات إلى أن القضية الفلسطينية دخلت طورًا معقدًا وصعبًا وخطيرًا، مرجحًا أن تشهد السنة المقبلة مزيدًا من التعقيد، على الأقل في ضوء المشهد القائم حاليًا.

أخبار الساعة