تضم القاهرة، عاصمة مصر لأكثر من ألف عام، عددًا كبيرًا من الشوارع والميادين التاريخية التي يعود تاريخها إلى قرون وتعد هذه الأماكن مقصدًا للعديد من السياح، لما تحمله من طابع جمالي وأهمية ثقافية وتاريخية، مما يجعلها من أبرز معالم القاهرة السياحية والتاريخية، ومنها شارع يحيى إبراهيم.
وُلد يحيى إبراهيم عام 1861 ببلدة بهبشين بمحافظة بني سويف، ثم انتقل إلى القاهرة حيث تلقى تعليمه في مدرسة الأقباط الكبرى، قبل أن يلتحق بمدرسة الحقوق ويتخرج فيها عام 1880.
وبعد تخرجه مباشرة عُيِّن مدرسًا بمدرسة الألسن وهو في التاسعة عشرة من عمره فقط، فأثبت كفاءة لافتة وحسن أداء جعل الألسن تتحدث عن نبوغه العلمي.
ثم درس بمدرسة الإدارة «الحقوق» إلى جانب وظيفته السابقة، وتولى تدريس القوانين والترجمة، قبل أن يصبح وكيلاً لمدرسة الحقوق بين عامي 1884 و1888، حيث درس القوانين الرومانية وقانون التجارة وغيرها، ليؤكد قدرته العالية وتميزه الأكاديمي.
وصدر الأمر العالي بتعيينه في المحاكم الأهلية، فتدرج سريعًا في مناصب القضاء، فشغل منصب نائب قاضٍ بمحكمة الإسكندرية الأهلية (1888-1889)، ثم رُقي قاضيًا وانتقل إلى المنصورة، قبل أن يتولى رئاسة محكمة بني سويف (1889-1891)، ثم وكيلاً لمحكمة المنصورة (1891-1892)، وصولًا إلى محكمة الاستئناف الأهلية عام 1893.
وبرز يحيى إبراهيم في القضاء كنموذج للنزاهة والعدل، حتى أصبح نائب مستشار بمحكمة الاستئناف عام 1892، ثم مستشارًا بها، فاكتسب تقدير زملائه لما عُرف عنه من خبرة واسعة وكفاءة كبيرة.
ومع اتساع خبرته، رُشح لرئاسة دائرة محكمة جنايات طنطا عام 1905، وظل يتدرج حتى خلت رئاسة محكمة الاستئناف، فتولاها في 10 فبراير 1907 واستمر فيها ثلاثة عشر عامًا حتى 1919، مقدمًا خلالها أداءً إداريًا وقضائيًا رفيع المستوى.
يحيى إبراهيم وزيرًا
اختاره يوسف وهبة باشا وزيرًا للمعارف في وزارته الأولى (1919-1920)، ثم عاد لتولي المنصب نفسه في وزارة محمد توفيق نسيم الثانية (1922-1923)، وخلال عمله به اهتم بتعليم العمال ومحو أميتهم، فافتتح 22 قسمًا ليليًا لتثقيفهم في مناطق مختلفة من البلاد.
يحيى إبراهيم رئيسًا للوزراء
بعد استقالة حكومة نسيم باشا، ظلت البلاد شهرًا بلا وزارة، قبل أن يُسند تشكيل الحكومة إلى يحيى إبراهيم باشا في 15 مارس 1923، ليتولى رئاسة الوزراء إلى جانب وزارة الداخلية، ثم وزارة العدل بالنيابة، وبسبب خلفيته القانونية الواسعة لُقّب بـ«شيخ القضاة»، كما عُرفت حكومته بـ«وزارة القوانين» لكثرة ما أصدرته من تشريعات.
ومن أبرز إنجازات حكومته
الإفراج عن سعد زغلول بعد أقل من أسبوعين من توليه الحكم، وإلغاء الأحكام العرفية، وإصدار دستور 1923، بالإضافة إلى سن قانون الانتخابات وإجراء أول انتخابات بنزاهة واضحة.
وتولى يحيى إبراهيم رئاسة حزب الاتحاد عام 1925، ثم أصبح عضوًا بمجلس الشيوخ في العام نفسه، كما اضطلع بمهام وزير المالية في وزارة أحمد زيور باشا الثانية (1925-1926)، وتولى أيضًا رئاسة الوزارة والخارجية بالنيابة في فترات لاحقة. وفي 1931 تولى رئاسة مجلس الشيوخ حتى 1934.
وله مؤلفات منها كتاب «القطع المنتخبة» الذي طُبع منه جزآن في مطبعة بولاق عام 1893، وتناول فيه موضوعات تتعلق بالقضاء وتاريخه.
الترقيات والتكريم
نال الرتبة الرابعة سنة 1303هـ، والثالثة سنة 1305هـ، والثانية سنة 1313هـ، ثم رتبة المتمايز عام 1316هـ، ورتبة الميرميران عام 1325هـ. كما حصل على عدة نياشين منها: المجيدي الثاني، العثماني الثالث، المجيدي الثالث، العثماني الثاني، ثم رتبة الباشوية ونياشين النيل الثاني والأول، إضافة إلى الوشاح الأكبر المصري، والوشاح الأكبر من نشان القديس ميخائيل وجورج الذي يمنح لقب «سير».
وفاته
توفي يحيى إبراهيم باشا عام 1936، بعد مسيرة حافلة جعلته واحدًا من أنبل الرجال الذين عرفتهم مصر، مثالًا للنزاهة والعفة والعدل.