هذا العام جاء شعار المؤتمر مختلفًا «الأدب والدراما.. الخصوصية الثقافية والمستقبل».. ما دلالة هذا الاختيار؟
..الشعار يعكس قضية مهمة جدًا، وهى العلاقة المفقودة بين الأدب والدراما فى مصر، نحن فى وزارة الثقافة لدينا عدة قطاعات تنشر أعمالا أدبية، سواء كانت قصصا قصيرة أو روايات، وهذا مستمر منذ عشرات السنين، ومع ذلك، نادرا ما نجد هذه الأعمال تحول إلى دراما، سواء فى السينما أو التليفزيون.
ما يحدث الآن هو أن صناع الدراما والسينما يعتمدون على ورش كتابة يديرها شباب قد لا يمتلكون خبرة حقيقية بالمجتمع المصري. كثير منهم من خريجى الجامعات أو المدارس الدولية، ولا يعرفون تفاصيل هذا المجتمع أو نبضه الحقيقي. ونتيجة لذلك، شهدنا خلال العشرين سنة الأخيرة تحولا غريبا فى صورة «البطل الشعبي» و«ابن البلد» فى الأعمال الفنية.
للأسف، أصبحت الشخصيات التى يقتدى بها الشباب اليوم هى مثل «إبراهيم الأبيض» و«عبده موتة»، وأبطال مسلسلات مثل «العتاولة»، وشخصيات مثل «فهد البطل»، التى أصبحت تمثل ما يعرف بالقوة الناعمة فى الوقت الحالي، بمعنى آخر من يقدمون اليوم كرموز مصرية على الساحة الإقليمية والدولية هم نماذج مشوهة لا تعبر عن هوية مصر الثقافية والحضارية.
وصلنا إلى مرحلة نجد فيها أحد الفنانين يظهر فى الخارج بصورة لا تليق بثقافة وتاريخ مصر، سواء من خلال ملابسه أو أغانيه... فهل هذه هى الصورة التى نريد للعالم أن يراها كممثلة لقوة مصر الناعمة؟ هل هذا يعكس حضارة وثقافة عمرها آلاف السنين؟
المسألة تتجاوز الفن، إنها تتعلق بهوية مصر، وصورة المواطن المصرى، والرمز الذى نقدمه للعالم كـ«ابن البلد»، ولهذا فإن شعار المؤتمر هذا العام يأتى فى وقته تماما، ليطرح سؤالا جوهريا كيف نعيد الأدب الحقيقى إلى الدراما؟ وكيف نقدم دراما تحترم الخصوصية الثقافية وتعبر عن المستقبل الذى نريده لمصر؟
ما العلاقة بين أدباء الأقاليم وصناعة الدراما؟ هم ليسوا طرفا إنتاجيا كشركات إنتاج أو مؤسسات إعلامية مثل ماسبيرو؟
هنا دعنا نطرح سؤالا.. من هو صاحب الكلمة فى الأصل؟ إنه الأديب... كيف يكون من حق كل هذه الجهات أن تدلى برأيها فى قضية كبرى مثل حال الدراما، بينما الأدباء أصحاب الكلمة صامتون.. وإلى متى سنظل صامتين.. المجتمع يشهد تحولات وأحيانا انحرافات ونحن كأدباء جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، بل شركاء فى تشكيل وعيه، لأن الكلمة هى الأصل لأى عمل فني، والدراما فى جوهرها تبدأ من النص... فمتى يتقدم صاحب الكلمة وهو الأديب ليأخذ دوره الطبيعى فى هذا المشهد.
هل سيكون هذا الحضور للأدباء من خلال التنسيق مع الجهات الإعلامية أو الإنتاجية؟ هل سنشهد مخرجات حقيقية لهذا الدور كأن يقترح مثلا مجموعة موضوعات أو روايات تصلح للمعالجة الدرامية؟
المؤتمر سيعالج هذه القضية.. فإلى جانب الفعاليات البحثية فى مؤتمر أدباء مصر، ستكون هناك أوراق بحثية تناقش هذه العلاقة بين الأدب والدراما من عدة زوايا، وسيصدر عن المؤتمر كتاب أبحاث، يتضمن الدراسات التى تناولت تحولات الدراما خلال العقدين الأخيرين، وتأثير الأدب عليها أو العكس.
ولا ننسى أن الدراما ليست فقط مسلسلات أو أعمالا تليفزيونية، كما يختزل معناها اليوم، الدراما موجودة فى كل أشكال الإبداع، فى القصيدة، فى الموسيقى، فى المشهد الروائي، وفى المسرح بطبيعة الحال، فكل نص أدبى يحمل داخله شحنة درامية ما... لذلك من غير المستغرب على الإطلاق أن يكون للأدباء دور رئيسى فى مناقشة واقع الدراما، بل الواقع أن صوتهم تأخر كثيرا... نحن الآن فقط نبدأ فى استعادة موقعنا الطبيعى كمبدعين من المفترض أن نكون فى قلب هذا النقاش لا على هامشه.
هل شعار المؤتمر كان مقترحًا من وزارة الثقافة فى إطار خطة مجلس الوزراء لتطوير المحتوى الدرامي؟
فى الحقيقة هذا العنوان لم يأت من وزارة الثقافة ولا من مجلس وزراء، بل هو نابع من إحساس الأدباء أنفسهم بالمسؤولية تجاه ما تمر به الدراما المصرية والمجتمع عمومًا.. حين تقدمت للترشح لمنصب الأمين العام للمؤتمر كان هذا أحد محاور برنامجى الانتخابي، وقد عرض البرنامج أمام أعضاء الأمانة العامة تمامًا، كما عرض برنامج زميلى المنافس، وبفضل الله الأعضاء انتصروا للقضية التى طرحتها ومنحونى ثقتهم على هذا الأساس.
بعد انتخابى شُكلت لجنة الأبحاث داخل الأمانة، وبدأت فى العمل على وضع عنوان المؤتمر، وهذه اللجنة اقترحت عشرة عناوين تم جمعها من أعضاء الأمانة العامة، بعضهم من اقتراح اللجنة وبعضها من الزملاء داخل الأمانة.
ثم تم عرض كل العناوين على التصويت أمام 36 عضوا من أعضاء الأمانة العامة، وهم أصحاب الحق فى التصويت، وجاء هذا العنوان فى الصدارة، حيث حصل على أغلبية الأصوات.
وحتى الصياغة النهائية للعنوان لم تكن كما طرحت فى البداية بل مرت بمناقشات ومراجعات وتعديلات من الزملاء.. إذن لا توجد أى توجيهات من أى جهة رسمية.
ما حدث هو تحرك من داخل مؤتمر أدباء مصر، إدراكا منا أن الكلمة يجب أن يكون لها حضور فى هذه اللحظة وأن للأدباء دورا لا يمكن تجاهله فى مناقشة حال الدراما والمحتوى الثقافى فى مصر.
ما المقصود بمنصة وطنية تدعم توجه المجتمع؟ وهل هى مجرد فترة انعقاد المؤتمر ولا فيه نية لتأسيس كيان أو آلية تواصل مستمرة مع الجهات المسؤولة؟
عندما قلنا «منصة وطنية تدعم توجه المجتمع» لم نكن نقصد مجرد فترة انعقاد المؤتمر، ولا مجرد شعار يرفع لمرة واحدة وينتهى بانتهاء الفعاليات.. ما نقصده بـ«المنصة الوطنية» هو أن يتحول مؤتمر أدباء مصر إلى كيان دائم التأثير، يراقب ويتفاعل مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية بشكل مستمر، ليس وقت المؤتمر، وهذا يتحقق بأكتر من صورة، منها وجود منصة إلكترونية دائمة، توثق المناقشات والتوصيات، وتفتح باب الحوار مع الجمهور والجهات المعنية، وتخصيص محور ثابت فى كل دورة من دورات المؤتمر لمتابعة التحولات فى المجتمع، خصوصا فى مجالات مثل الدراما... وأقترح أيضا إعداد «مدونة سلوك» للأدباء أنفسهم، يكتبونها هم بأنفسهم، وتكون بمثابة ميثاق أخلاقى وفنى يعكس دورهم ومسؤوليتهم تجاه المجتمع.
ماذا عن «مدونة السلوك»؟ وهل هى فرض وصاية مثلا على الدراما؟
مدونة السلوك الإبداعى والدرامى هى بمثابة مجموعة مبادئ وأخلاقيات يتفق عليها الأدباء وصناع الدراما لتنظيم المحتوى الفنى بما يحترم قيم وتقاليد المجتمع المصرى ويعكس صورته الحقيقية بعيدا عن المبالغات أو الصور السلبية، الهدف منها ليس فرض رقابة أو وصاية، بل توفير إطار أخلاقى وفنى يساعد على تقديم أعمال درامية تحافظ على الهوية الثقافية وتعزز القيم الاجتماعية، مثل احترام الجار وحسن التعامل، تماما كما كانت تظهر فى أفلام الزمن الجميل.. بعد متابعة وتحليل الأعمال، خاصة فى مواسم مثل دراما رمضان تناقش هذه المبادئ داخل المؤتمر وترفع كتوصيات للجهات المنتجة والإعلامية لتراعى فى الإنتاج المستقبلي، بحيث يكون للدراسات الأدبية والإبداعية دور فعال فى تحسين جودة ومضمون الدراما المصرية بما يخدم المجتمع.
كل سنة نتحدث عن نفس المشكلة المتعلقة بالدعم المالى لمؤتمر أدباء مصر.. ونرى محاولات من هنا وهناك لإقناع محافظين لاستضافة المؤتمر.. ونلاحظ تنقل المؤتمر بين عدة محافظات قبل انعقاده.. كيف ستتم معالجة هذه المشكلة؟
المؤتمر نفسه له ميزانية مستقلة، وهذه الميزانية تأتى من وزارة الثقافة وتصل إلى حوالى 4 ملايين جنيه.. لذلك نحن لا نعتمد بشكل أساسى على دعم المحافظات لتغطية نفقات المؤتمر.
لكن الهدف من الشراكة مع المحافظة فى استضافة المؤتمر ليس لتغطية كل التكاليف، بل من باب التعاون، حيث نقدم للمحافظة خدمة ثقافية، وتصبح المحافظة التى تستضيف المؤتمر عاصمة الثقافة المصرية لمدة عام كامل، ما يعنى أن جميع قطاعات الوزارة تنقل أنشطتها الثقافية والفنية إلى هذه المحافظة طوال العام، ما يوفر لها نشاطا ثقافيا مكثفا مجانيا يمكن للمحافظة استثماره سياحيا أو تجاريا أو اجتماعيا.
إضافة إلى ذلك يستضيف المؤتمر صحفيين وقنوات تليفزيونية يغطون أنشطة وإنجازات المحافظة خلال فترة انعقاد المؤتمر، ما يسهم فى إبراز جهود المحافظة إعلاميا على نطاق واسع.
نحن نطلب من المحافظة المساعدة فى تغطية تكاليف الإقامة والإعاشة للأعضاء والزائرين أثناء فترة انعقاد المؤتمر، وهذا طلب معقول مقارنة بما تحصل عليه المحافظة من فوائد كبيرة على مدار العام، ولكن فى حالة رفض المحافظة فإن ذلك لن يمنعنا من إقامة المؤتمر، فنحن قادرون على تنظيمه بميزانية المؤتمر.
ما المحافظة التى تخططون لاستضافتها للمؤتمر؟
نطمح فى البداية إلى اختيار محافظة تتمتع باهتمام خاص بالفنون والثقافة، مثل شرم الشيخ أو الغردقة أو الإسكندرية.. يأتى هذا الاختيار نظرا لاستضافة هذه المدن لمهرجانات ومؤتمرات كبرى، ومؤتمر هذا العام سيتناول قضية الدراما.. فإقامة المؤتمر فى مثل هذه المحافظات تضمن حضورا إعلاميا قويا وتأثيرا أكبر للمؤتمر.
فى بعض الأحيان يُنظر إلى المؤتمر على أنه مجرد نزهة للأدباء، ويقال إن توصيات الدورات السابقة لم تنفذ، وربما حتى الأدباء أنفسهم غير مدركين بها.. فما تعليقكم على هذا الرأي؟
بخصوص مسألة عدم تنفيذ التوصيات يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحًا جزئيا، لكن الواقع أكبر وأعمق من ذلك.. دعنى أشير إلى بعض الإنجازات التى جاءت نتيجة لتوصيات المؤتمر: أولا رفض التطبيع، وهذه التوصية ثابتة منذ الدورة الأولى للمؤتمر، وهى ليست فقط توصية أدبية، بل تعبر عن موقف وطنى وشعبى واسع.
مشروع النشر الخاص بهيئة قصور الثقافة.. أصبح اليوم من أعرق وأكبر مشروعات النشر فى مصر، منافسا دور النشر الكبرى من حيث الجودة والأسعار، وهذا نتاج توصيات المؤتمر.
مجلة الثقافة الجديدة ومجلة قطر الندى للأطفال.. كلاهما ثمرة لتوصيات المؤتمر ويمثلان منصات ثقافية مهمة.
المسابقة الأدبية المركزية.. هذه المسابقة التى أنتجت عددا كبيرا من المواهب الأدبية فى مختلف المجالات مثل الشعر والقصة والرواية والنقد، هى أيضا إحدى توصيات المؤتمر، وقد أثمرت عن جيل جديد من الأدباء.
بالتالى المؤتمر ليس مجرد نزهة، بل هو منصة فاعلة فى صناعة الثقافة والأدب ويدعم المبدعين بشكل حقيقى.
وعلاوة على ذلك هناك توجه هذا العام لتفعيل دور الأدباء بشكل أكبر، عبر إنشاء مدونة سلوك أخلاقي، ومنصة وطنية تدعم الأدباء، وتنظيم ورش كتابة متخصصة فى السيناريو بإشراف خبراء كتابة السياريو فى مصر.. وهذه الورش تهدف إلى إشغال الأدباء بفاعلية واستثمار وقتهم فى تطوير مهاراتهم.
هناك رأى يرى أن وزارة الثقافة لا تعتبر المؤتمر ضمن أولوياتها.. ما تعليقكم على هذا؟
فى الحقيقة ما حدث هذا العام كان مختلفا إلى حد كبير.. لأول مرة يصدر وزير الثقافة بيان تهنئة للأمانة العامة عقب فوزها، وهذا يعد تقديرا ودعما غير مسبوق من الوزارة للمؤتمر.. وبشكل عام الوزارة تتابع وتدعم المؤتمر رغم أن الأمور قد تختلف من وقت لآخر، ونحن نثمن هذه المتابعة والتعاون ونسعى لتعزيز العلاقة لما فيه صالح الأدب والثقافة فى مصر.
لكن للأسف فى هيئة قصور الثقافة التى تعد الراعى الرسمى للمؤتمر، الأمور مختلفة إلى حد كبير.. حتى اللحظة التى أتحدث فيها الآن، هناك تقصير من جانب قيادات هيئة قصور الثقافة ولا يتواصل معنا أحد.
من الشخصية المرشحة لرئاسة الدورة الجديدة من المؤتمر؟
تم الاتفاق فى الأمانة العامة على اسم الكاتب والشاعر مدحت العدل ليكون رئيساً للدورة الجديدة التى نعد لها.

