رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. سعد السيد.. عميد الكيميائيين فى الوطن العربى: مصر ولادة بالنوابغ.. وهجرة الباحثين خطر


22-9-2025 | 12:15

د. سعد السيد.. عميد الكيميائيين فى الوطن العربى

طباعة
حوار: محمد السويدى عدسة: ناجى فرح

من قرية المسلمية فى مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، شق الدكتور سعد السيد عميد كلية العلوم الأسبق بجامعة عين شمس، وعميد الكيميائيين فى مصر والعالم العربى والعالم الثالث، طريقه نحو العالمية بأبحاثه العلمية المتميزة فى مجال الكيمياء التحليلية والبيئية، والتى صارت دستور عمل فى عدد من مشاريع مصر القومية، لعل أبرزها اختبار المياه الجوفية والتربة فى أرض المتحف المصرى الكبير والخط الثالث لمترو الأنفاق، ومشروع بحر البقر وتحويل 4.6 مليون متر مكعب منه مياه الصرف به إلى مياه صالحة لرى نصف مليون فدان فى سيناء ، كما اعتمدت البحرية الأمريكية على أبحاثه فى الكشف على المخدرات بين جنود المارينز.

الدكتور سعد السيد الحاصل على جميع جوائز الدولة وفى مقدمتها « النيل»، وجائزة دول العالم الثالث، ودكتوراه العلوم «دى اس سي» أعلى درجة علمية فى العالم، والمُحكم فى جوائز نوبل ونكروما وجوائز دولية وعربية أخرى، أبدى قلقه الشديد من هجرة النابهين والنابغين من شباب العلماء المصريين للخارج، مطالبا بإنشاء مدينة علوم متكاملة تحتويهم فى مشاريع قومية ضخمة، يشرف عليها رئيس الجمهورية بنفسه فى مجالات المياه والغذاء والدواء، وإلى نص الحوار:

بداية.. كيف ترى حاضر ومستقبل البحث العلمى فى مصر؟

أؤكد بداية أن مصر ولادة دائما وأبداً بالنوابغ والموهوبين فى كافة فروع العلم، الكيمياء والفيزياء والرياضيات والجيولوجيا وعلوم الحياة والطب والهندسة والزراعة، وبمقدور شباب العلماء المصريين منافسة نظرائهم الأجانب، متى توفرت لهم الإمكانات المادية والبحثية، لكن فى الوقت نفسه أنا قلِق للغاية من هجرة النابهين وأصحاب العقول الذكية، وهم بمثابة «كريمة المجتمع»، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشون فيها، وعدم قدرتهم على توفير نفقات السكن والزواج والمعيشة، فالعالم لا يملك إلا عقله وفكره، ولو انصرف بعقله نحو هموم الحياة المعيشية، فلن تأخذ منه بحوثا وأفكارا تطبيقية.

بماذا تنصح إذن لإيقاف نزيف هجرة العقول النابغة؟

لست ضد التعلم بالخارج، وكما قال الرسول الكريم «اطلبوا العلم ولو فى الصين»، لا مانع من السفر والتسلح بالعلم والمعرفة، ولكن فى الوقت نفسه لابد من الاستفادة بعلمائنا بالخارج، وعودتهم للوطن لنقل علومهم وخبراتهم للآخرين، مثلما فعل الصينيون من قبل، فقد تعلموا فى أمريكا، ثم عادوا إلى وطنهم وصنعوا القنبلتين الذرية والهيدروجينية، وكذلك أبو القنبلة الذرية الإسلامية فى باكستان، عبد القدير خان، فقد تعلم تخصيب اليورانيوم فى أحد مصانع تركيز اليورانيوم بهولندا، وعندما شعر أنه أصبح قادرا على خدمة بلده، أوعز للهولنديين أنه معروض عليه منصب كبير فى مصنع نسيج بباكستان، وتمكن من العودة وإقناع الرئيس الباكستانى بمشروعه النووي، وهو ما تحقق بدعم مالى سعودي، تحت زعم القنبلة الذرية الإسلامية.

من هنا أطالب برعاية ومتابعة مباشرة من رئيس الجمهورية لمشاريع البحث العلمى الضخمة، وإنشاء مدينة علوم متكاملة، تتوافر فيها كل سبل المعيشة وإمكانات البحث العلمى الكبيرة لشباب العلماء والباحثين، وتحسين دخولهم المادية والمعيشية، والتركيز فى تلك المدينة على المشاريع القومية العملاقة فى مجالات المياه والغذاء والدواء، لا سيما أننا فى حاجة ماسة لكل قطرة ماء، وبالتالى باتت الحاجة ضرورية لتقنيات متقدمة ورخيصة لتحلية مياه البحرين الأحمر والمتوسط ومياه الصرف الزراعى والصناعى والآدمى وتحويلها إلى مياه شرب عذبة أو مياه صالحة للري.

فى نفس السياق، أطالب بزيادة ميزانية البحث العلمى وميزانية الأبحاث بمعامل الكليات العملية وفى مقدمتها معامل كليات العلوم.

خلال مسيرتك، ألم يُعرض عليك من قبل الهجرة والبقاء بالخارج؟

نعم، حدث ذلك ثلاث مرات، مرتين بالولايات المتحدة الأمريكية، خلال الفترتين من 1970 – 1972، ومن 1980 – 1982، البقاء والعمل أستاذا فى جامعة ديلاور الأمريكية، بعد أن وجدوا مجمل أبحاثى يتخطى العشرة أبحاث فى السنة الواحدة، وهو رقم غير مسبوق فى إنتاج الباحثين عندهم، ورفضت العرض فى المرتين، وقد تكرر العرض ذاته أثناء عملى فى جامعة قطر خلال الفترة من 1984 – 1989، حيث طالبونى بالاستمرار هناك، فاعتذرت أيضا، فأنا لا أطيق العمل والبقاء خارج مصر لفترات طويلة، تمسكى بها كما السمكة التى لا تعيش لو خرجت من الماء.

ما الدولة التى تحتل المرتبة الأولى فى الكيمياء على مستوى العالم؟

فيما مضى قبل وأثناء الحرب العالمية وحتى بعدها، كانت ألمانيا الدولة رقم واحد فى العالم فى الكيمياء، وللعالم الألمانى فريتز هابر الحاصل على نوبل فى الكيمياء عام 1918، دور كبير فى هذه المكانة لألمانيا فى تلك الفترة، بعد ابتكاره طريقة من عدة خطوات لإنتاج حمض النيتريك من الماء والهواء، بعد أن قطعت دول الحلفاء كل الطرق عليها لشراء نترات الصوديوم من شيلى، وهى النترات التى يستخرج منها حمض النيتريك المستخدم فى تصنيع المفرقعات، ولا تزال طريقة «هابر» مستخدمة حتى الآن فى كل دول العالم، بما فيها مصر، فى شركة كيما للأسمدة والكيماويات ومصانع الأسمدة فى العامرية وطلخا والسويس والعين السخنة، والآن فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتربع على عرش الكيمياء عالميا.

ماذا عن تصنيف مصر فى الكيمياء إفريقيا وعربيا؟

بلا شك، مصر الأولى عربيا وإفريقيا فى الكيمياء وكل التخصصات العلمية، وقد كشفت دراسة إحصائية، وجود مصريين على 9500 بحث سعودي، ما يدل على تصدر مصر للساحة العلمية عربيا وإفريقيا.

حدثنا عن ظروف حصولك على أعلى درجة علمية فى العالم «دى اس سى»؟

حصلت على درجة دكتوراه العلوم والمعروفة بـ« دى اس سى» عام 1991، وهى درجة علمية فريدة على مستوى العالم، لم يحصل عليها إلا قلة من العلماء فى تاريخ الجامعات المصرية فى الكيمياء التحليلية والبيئية، وقد قام بفحص أبحاثى لنيل هذه الدرجة، ثلاثة من كبار العلماء المتخصصين حول العالم، أحدهم البروفيسور جى دى توماس الأستاذ بجامعة ويلز وزميل الجمعية الملكية البريطانية، والبروفيسور تى وست الأستاذ بجامعة إبردين ببريطانيا، والبروفيسور ج. نانكولاس الأستاذ بجامعة نيويورك، ولولا ظروف السفر والتدريس خارج مصر، لحصلت عليها فى منتصف الثمانينيات، وأنا السادس فى تاريخ قسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة عين شمس، ضمن تسعة حصلوا على نفس الدرجة بالقسم، والتاسع فى تاريخ الكلية الممتد لـ 75 سنة، الذى يحصل على هذه الدرجة العلمية.

ماذا عن أبرز الأوسمة والجوائز المحلية والدولية التى حصلت عليها؟

حظيت ولله الحمد بمزيد من الجوائز والتكريم داخل مصر وخارجها، البداية كانت عام 1975 بجائزة الدولة التشجيعية، وفى سبتمبر 1977، حصلت على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وقد سلمنى الوسام حينها نائبه الرئيس الراحل حسنى مبارك، وكان عمرى حينها 34 سنة، وفى عام 1979، منحتنى الجمعية الملكية البريطانية للكيمياء جائزتها لاستخدامى المحسات الكهروكيميائية فى تحليل الأدوية، كما منحتنى الجمعية الكيميائية الأمريكية ميداليتها الذهبية عام 1982 بسبب أبحاثى فى استخدام الإنزيمات فى التحاليل الطبية، وفى عام 1986، حصلت على جائزة أكاديمية العلوم لدول العالم الثالث بإيطاليا كأفضل عالم كيمياء على مستوى دول العالم الثالث، وأول عربى وإفريقى يحصل على هذه الجائزة، وأقيم حفل تسلمى الجائزة بالصين لكونها كبرى دول العالم الثالث بحضور الرئيس الصيني، ورئيس أكاديمية العلوم لدول العالم الثالث وأكثر من 500 عالم حول العالم، وقامت الصحف المصرية والعربية والأجنبية بنشر خبر تسلمى للجائزة على صدر صفحاتها الرئيسية حينذاك، وفى عام 1999 حصلت على جائزة الدولة التقديرية، كأول عالم كيمياء فى تاريخ جامعة عين شمس يحصل على هذه الجائزة، وفى عام 2008، حصلت على جائزة النيل «مبارك سابقا»، وهى أهم جوائز الدولة، لأصبح أول أستاذ كيمياء فى الجامعات المصرية يحصل عليها، وقد حصل عليها فى مجال الفيزياء عام 1999 المرحوم د. نايل بركات عميد الكلية الأسبق، وجاء بعد ذلك عام 2020 الأستاذ الدكتور حسن طلعت «أمد الله فى عمره» رئيس قسم الفيزياء الأسبق، هذا فضلا عن مزيد من التكريمات والميداليات بالمؤتمرات العلمية المحلية والدولية والجامعات المصرية والمراكز البحثية ونقابة العلميين والجمعيات العلمية.

هل تحلم بجائزة نوبل؟

راضٍ وسعيد بما حصلت عليه من جوائز وتكريمات داخل مصر وخارجها محلية ودولية، وأعلم أنه لشرف عظيم الحصول على جائزة نوبل، لكن أعلم تماما، أن السياسة تتحكم بقدر ما فى الحصول على الجائزة، كما أن الإمكانات البحثية تقف عائقا، وقد شاركت ثلاث مرات من خلال لجنة نوبل فى التصويت على مرشحى جائزة نوبل فى الكيمياء، كما أننى عضو لجنة تحكيم جائزة نكروما بالاتحاد الإفريقى وجائزة أكاديمية العلوم بإيطاليا منذ سنوات طويلة، فضلا عن عضويتى الحالية، والمستمرة منذ فترة بعيدة، ضمن خمسة علماء فى لجنة تحكيم ومنح جوائز النيل والدولة التقديرية.

ما حقيقة قيامك بوضع امتحان الثانوية العامة فى الكيمياء فى إحدى الفترات؟

نعم، قمت بوضع امتحان الكيمياء للثانوية العامة عدة سنوات فى فترة التسعينيات بطلب رسمى من وزارة التربية والتعليم فى ذلك الوقت.

كم عدد البحوث العلمية التى أنجزتها وكذلك الكتب التى قمت بتأليفها؟

لى 300 بحث منشورة فى كبرى المجلات والدوريات العلمية العالمية، وقد تحول كثير منها إلى مشاريع تطبيقية محليا ودوليا، أذكر منها أبحاث المستشعرات للكشف على سرطان الكبد والثدى والمثانة، وبحوث مستشعرات الكشف على المخدرات، وقد استعانت بها البحرية الأمريكية فى تصنيع جهاز للكشف على المخدرات فى بول وعرق جنود المارينز، وقد أشاروا إلى أن هذا التطبيق تم من خلال بحث لعالم مصرى اسمه «سعد السيد حسن»، وبحث آخر تم تطبيقه بالاشتراك مع مستشفى كليفلاند أوهايو ومستشفى جون هوكنز وجامعة نورث كارولينا للكشف عن البكتريا الضارة فى مهبل السيدات الحوامل، وتم تصنيع جهاز يستخدم لهذا الغرض. وبسبب الإنتاج الغزير من البحوث، تم اختيارى فى السنوات الخمس الأخيرة ضمن أفضل 2 فى المائة من العلماء حول العالم وفق تصنيف جامعة ستانفورد الأمريكية، كما تم تصنيفى فى تصنيف الصفوة الدولى من بين أفضل 0.05 فى المائة وبترتيب 306 من بين جميع علماء العالم. كما قمت بتأليف 20 كتابا، عدد منها بالمشاركة مع علماء أجانب، وكثير من هذه الكتب يجرى تدريسه فى عدد من الجامعات الأجنبية وتستخدم كمراجع للباحثين، وقد قمت بالإشراف على أكثر من 180 رسالة ماجستير ودكتوراه.

هل لنا التعرف على أبرز إسهاماتك فى المشاريع القومية؟

الحمد لله لى مساهمات كثيرة فى عدد من المشاريع القومية، أذكر منها مشروع بحر البقر وتحويل مياه الصرف به (4.6 مليون متر مكعب فى اليوم) إلى مياه صالحة لرى نصف مليون فدان فى سيناء، وهو من أضخم مشروعات معالجة المياه المستمرة حتى الآن حول العالم، كذلك مشروعا المتحف المصرى الكبير والخط الثالث من مترو الأنفاق، وذلك للكشف عن طبيعة المياه الجوفية والتربة فى مناطق الإنشاء، والمساهمة أيضا فى وضع قانون البيئة رقم 9 لسنة 2009، والمشاركة فى وضع الخطة القومية لإدارة المخلفات الخطرة والخطة القومية لإدارة الملوثات العضوية الثابتة، هذا إلى جانب مشروع الكيمياء الخضراء لبعض مصانع الإسكندرية والاسماعيلية وعرب مساعد. وإنشاء المعمل المرجعى بشبرا الخيمة والمعمل المركزى فى قنا، وهما تابعان للشركة القابضة للمياه والصرف الصحي، وتحسين آلية وكفاء العمل بمحطات المياه على مستوى الجمهورية؛ حيث توليت تدريب العاملين وتحديث المعامل، وقد شهد بذلك الأستاذ الدكتور عبد القوى خليفة وزير المرافق ومحافظ القاهرة ورئيس الشركة القابضة لمياة الشرب والصرف الصحى، كما قمت بدراسة طبيعة ونوعية مياه الصرف فى مدن القناة الثلاث، لإنشاء محطات سرابيوم بالإسماعيلية، وعتاقة بالسويس، والجميل فى بورسعيد، وإنشاء وتجهيز المعمل المرجعى لجهاز شئون البيئة ومقره كلية العلوم جامعة عين شمس، ليصبح أول معمل مرجعى فى الجامعات المصرية معتمدا دوليا، وتمثيل مصر فى كل من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وتوقيعى اتفاقية الأمم المتحدة عن نقل المخلفات عبر الحدود (اتفاقية بازل) فى أزمير بتركيا نيابة عن جمهورية مصر، فضلا عن كونى استشاريا لعدد من الوزارات، فى مقدمتها وزارة البيئة، وكثير من المشروعات تعرض علىّ لإبداء الرأى الفنى والعلمى فيها.

منْ السبب فى محبتك للكيمياء والتخصص فيها؟

لا أنكر حبى وولعى الشديد بالتفاعلات الكيميائية والقراءة فيها منذ الصغر، بدءا بمدرستى الحكماء الابتدائية، وأحمد عرابى الإعدادية بالزقازيق، لكن تبقى المحطة المهمة فى حياتى بمعمل الكيمياء فى مدرسة الزقازيق الثانوية، من خلال مدرس الكيمياء البارع، الأستاذ «عبد المسيح»، وما زلت أذكره بالخير حتى الآن، رغم مرور 66 سنة على حصولى الثانوية العامة عام 1959، فقد كان سببا رئيسيا فى تعلقى بالكيمياء.

الشخصية الثانية التى تأثرت بها، كانت فى كلية العلوم جامعة عين شمس، وهو الدكتور وليم إبراهيم عوض، أحد رواد علم الكيمياء فى مصر ومن العلماء الأوائل الذين حصلوا على درجة دكتوراه العلوم «دى اس سى» عام 1959، فلا أنسى أفضاله ووقوفه بجانبى حتى التحقت بقسم الكيمياء التطبيقية فى السنة الثالثة من الكلية، ثم حصولى على الماجستير والدكتوراه تحت إشرافه، وكان من أوائل المهنئين لى بعد فوزى بجائزة أكاديمية العلوم لدول العالم الثالث عام 1986 ببرقية من ثلاث كلمات (بك تفتخر الأمم).

أخبار الساعة

الاكثر قراءة