ذكريان رئيسيتان حاضرتان فى ذاكرة النائب محمد عبد العزيز وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب ومؤسس حملة تمرد، الأولى الطوفان البشرى الذى استقبله هو وأعضاء الحملة أمام قصر الاتحادية.. والثانية الاجتماع مع الفريق عبد الفتاح السيسى - وقتها، لإعلان خارطة الطريق المصرية، ليدرك - آنذاك، أن الثورة نجحت فى إسقاط الجماعة الإرهابية.
30 يونيو كانت نقطة الانطلاق للجمهورية الجديدة التى اتخذت مسارات عدة على مدار الـ12 عاماً الماضية، وشهدت تحولا جذريا فى الحياة السياسية والملف الحقوقى والعلاقات الخارجية، وهو ما يسرده لنا النائب محمد عبد العزيز، فى هذا الحوار.. وإلى التفاصيل.
صِف لنا أهم ذكرى لديك من 30 يونيو حتى 3 يوليو 2013؟ وما سبب أهمية هذه الذكريات؟
ذكريان رئيسيتان مهمتان بالنسبة لى فى الأيام الحاسمة من 30 يونيو حتى 3 يوليو، الأولى يوم 30 يونيو الساعة 5 مساءً فى ميدان الحجاز وصولاً لقصر الاتحادية، عندما استقبلنا طوفانا بشريا، منذ اللحظة الأولى للوصول لميدان الحجاز، أنا وزملائى من حملة تمرد يتم حملنا على الأعناق والجميع يهتف وصولاً للاتحادية، ورغم أن المسافة ليست طويلة لكن تم قطعها فى ساعتين من الزمن بسبب كثرة أعداد المتظاهرين.
الذكرى الثانية كانت يوم 3 يوليو، عندما عقدنا مؤتمرا صحفيا حول المتظاهرين الذين خرجوا بالملايين يوم 30 يونيو، واستمرارها 1 و2 و3 يوليو، واستمرار التظاهرات بنفس الأعداد فى كافة الميادين المصرية فى المحافظات المختلفة، فلم نتراجع حتى إسقاط حكم الجماعة الإرهابية، حينما جاءنا اتصال تليفونى من الأمانة العامة لوزارة الدفاع تخبرنا باجتماع مع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسى، من أجل التفاهم حول خارطة الطريق التى يقرها الشعب المصرى بعد هذه الثورة العظيمة.. وهى ذكرى لا يمكن أن تمحى هى الأخرى من الذاكرة.
واستمر الاجتماع لست ساعات انتهى بإعلان خارطة الطريق، وتضمنت إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، واقتراح لجنة لصياغة الدستور، وفى هذا التوقيت أدرك الجميع أن الثورة المصرية نجحت، وأن النظام الإرهابى سقط تماماً.
وأتذكر جملة قالها وقتها الفريق أول عبد الفتاح السيسى فى نهاية اجتماع 3 يوليو؛ حين قال إن قرار إجراء انتخابات رئاسية مبكرة والاستجابة لمطالب الشعب الموجود فى كل الميادين فى كافة المحافظات سيدفع ثمنه أنا وأبنائى فى القوات المسلحة والشرطة المصرية، ولكننا نتعهد بتحمل كافة التبعات من أجل حماية الشعب المصرى، وهو ما شاهده الجميع فى هذا الكم الكبير من التضحيات لشهداء الجيش والشرطة فى مكافحة الإرهاب، الذى استمر لسنوات، نضجت فيها وحدة الشعب والجيش والشرطة، وتصدينا وهزمنا الجماعة والتنظيم الإرهابى.
وبعد مرور 12 عاماً من ثورة 30 يونيو يرى الجميع ويلامس جنى ثمار هذه الثورة العظيمة، وخطوات التنمية فى أماكن عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر شبه جزيرة سيناء، التى شهدت العديد من المشروعات التنموية وهو حلم طالب به المصريون منذ نصر أكتوبر العظيم 1973، وبعد كل هذه السنوات تحققت التنمية على أرض الفيروز.
12 عاماً منذ ثورة 30 يونيو لبناء الجمهورية الجديدة، كيف ترى أعوام البناء للحياة السياسية.. وما مستقبلها؟
على مدار 12 عاماً مصر أخذت خطوات مختلفة فى الإصلاح على عدة مسارات، أبرزها الإصلاح السياسى الذى شهد تطورا كبيرا.. فالتجربة السياسية والحزبية فى مصر تمر بمراحل من النضج على مدار سنوات، وشهدت العديد من إجراءات إصلاحية سياسية واقتصادية واجتماعية، يحتاج إليها الشعب المصرى وهو أمر مطلوب ومهم.
ونحن نقف حالياً فى خطوة أفضل كثيراً من الفترة التى أعقبت ثورة 30 يونيو، فالآن هناك استقرار سياسى واضح، ولأول مرة منذ فترة طويلة لدينا مجلسان للنواب، انتهت مدتهما دون حل أو قانون غير دستورى، فكلما كانت المجالس النيابية تستكمل مدتها، يعكس بناء ديمقراطيا سليما، يمكن البناء عليه للأمام.
وهناك تجربة متميزة ومختلفة متعلقة بتمكين الشباب، وفى تمثيل المرأة لدينا 25 فى المائة من المقاعد فى مجلس النواب للمرأة وفقاً لنص الدستور، وهناك تعددية حزبية، فعدد الأحزاب الممثلة أسفل القبة البرلمانية منذ 2015 وحتى الآن هو عدد أكبر كثيرا من الأحزاب التى تمثل قبل هذه المجالس.
فهناك تطور كبير فى شكل الحياة السياسية ليس فقط فى جانب التمثيل النيابى، ولكن فى عقد مؤتمرات الشباب من 2016 وحتى الآن، ولجنة العفو الرئاسى التى أشرف بالانتماء إليها، والدعوة لإطلاق الحوار الوطنى.
كل ما سبق يؤكد على أن الحياة السياسية فى مصر تتطور وتنضج وتنتهج مسارات للأمام.. فالتجارب السياسية لا تنضج بنقر «زر» كأمر مباشر، بل عملية ممارسة تنضج مع الزمن، ولذلك نقول إن الخطوات التى اتخذت على مدار 12 عاماً هى خطوات كبيرة جداً.
وفى السنوات القادمة وفقاً لرؤية مصر 2030، والخطط التى وضعت من أجل الإصلاح السياسى، وهو ما نراه فى برنامج الحكومة الحالى، والسير بخطوات أكثر نضجاً وتمثيلاً للديموقراطية فى السنوات القادمة، فالإصلاح السياسى المصرى تسرى عليه القاعدة أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وبالفعل تم أخذ خطوات متعددة، فنحن على الطريق الصحيح حتى وإن كانت هناك تحديات أو عثرات نقع فيها، لكنه أمر صحى وطبيعى يحدث فى كل بلدان العالم.
وكيف ترى استقطاب الأحزاب الجديدة لشرائح الشباب.. بل ونجد هذه الفئة تقود الحياة السياسية؟
بالنسبة للتجربة الحزبية.. اللافت أن هناك توجها واضحا عند أحزاب كثيرة فى الحياة السياسية تعمل على التمثيل الشبابى داخلها فى المناصب القيادية بشكل أكبر من قبل، ومنذ سنوات كثيرة كان قيادات الأحزاب متوسط أعمارهم مرتفعة بشكل كبير، الآن هناك توجه واضح لمجموعة كبيرة من الأحزاب، نجد لديها فى عدد كبير من المناصب القيادية يتولاها الشباب، وهى نقلة كبيرة لم تكن موجودة قبل ذلك، وهذه النقلة هى أحد إنجازات ثورة 30 يونيو بشكل واضح.
ومما يعزز ذلك، هو توجه دولة ما بعد 30 يونيو، عندما أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى، عام الشباب، ودعا لمؤتمر الشباب ومنتدى الشباب العالمى، كل هذه الخطوات ساهمت فى أن تلفت نظر الأحزاب، إلى أهمية وجود الشباب داخل هياكلها، وذلك لأن الشباب هم منْ لديهم طاقة لطرح الأفكار الإبداعية والحركة على الأرض وهم أكثر اتصالا بالجماهير.. وبالتالى فمن مصلحة الأحزاب أن تعتمد على قيادات شابة لتزيد الحركة والانتشار والتأثير فى الجماهير، وأن يكون لديها أكبر عدد من الأنصار والمشاركين فى العمليات الانتخابية.. فتمكين الشباب جزء مهم من ضمانات الأحزاب سواء جديدا أو قديما، فأى حزب لم يمكّن الشباب، سيخسر كثيرا من القاعدة الجماهيرية.
ونشير هنا، إلى أن الأحزاب عليها التوجه إلى الشباب بخطاب جاذب، لاستقطاب نماذج شابة داخل هذه الكيانات، وهى خطوة تُحسب لثورة 30 يونيو فى المقام الأول.
وماذا عن تنسيقية شباب الأحزاب ككيان سياسى يجمع كافة التيارات والأيديولوجيات السياسية الشابة؟
تجربة شبابية واعدة، الهدف منها أن تكون منصة للحوار، تجمع أحزابا وتيارات سياسية مختلفة، وهو أمر يزيد من نضج الحياة السياسية، وأشرف بالانتماء إليها. فتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين كانت رائدة فى هذا المجال، بدأت من اللحظة الأولى، وهو مبكراً جداً، للاهتمام بالتمكين السياسى للشباب، ولم يكن هناك توجه أو كيان يجمع هذا الكم من الشباب وتدريبه وتأهيله، والعمل على أن يكون هؤلاء الشباب قادرين على تولى المسئولية ومن اتجاهات سياسية وحزبية مستقلة ومتنوعة قبل تنسيقية الشباب.
الفصل التشريعى الثانى كان به تمثيل شبابى كبير.. كيف يمكننا تقييم التجربة الشبابية أسفل القبة البرلمانية بغرفتيه، النواب والشيوخ؟
تجربة الشباب البرلمانية فى الغرفتين التشريعية شيوخا ونوابا كانت جيدة جداً، وساهمت فى عدد من الأمور، فهى أعطت مثالا ونموذجا للشباب بأنه يمكن أن يكون هناك عمل سياسى منظم قادر على أن يقوم بتوصيل أفكار شباب إلى السلطات العامة سواء التنفيذية أو التشريعية، من خلال العمل السياسى السلمى الشرعى الدستورى، وهى نقطة مهمة جداً وجود هذا النموذج من الشباب فى هذه الفترة بعد ثورتين، فالحراك السياسى الذى كان فيه عدد كبير من الاحتجاجات والعمل السياسى الذى شهد تصاعدا للصوت الاحتجاجى، كان لابد من تحويل هذا الحراك لنماذج قادرة على طرح أفكار يمكن تطبيقها، وهو ما نجحت التجربة الشبابية البرلمانية فى تحقيقه.
ماذا تتوقع بشأن الانتخابات البرلمانية القادمة 2025 لغرفتى الشيوخ والنواب؟
الانتخابات البرلمانية المقبلة، ستكون أكثر نضجاً من الانتخابات السابقة، لآن الحياة السياسية تنضج بالممارسة، وكلما كان هناك ممارسة ديمقراطية كان هناك تحسن فى الأداء الديمقراطى من دورة برلمانية إلى أخرى، ولذلك متوقع أن نكون أمام انتخابات بها ممارسة ديمقراطية مهمة، يكون فيها أعداد غفيرة من الحضور الجماهيرى وعدد كبير من المتنافسين.. فعندما يشارك الجمهور تكون الممارسة الديمقراطية أكثر نضجاً، ولذلك الحضور الشعبى فى استفتاء تعديل الدستور 2014 وفى انتخابات الرئاسة 2018، وتعديل دستورى فى 2019، وانتخابات مجلسى الشيوخ والنواب 2020، وانتخابات الرئاسة 2024، وجميعها كان الحضور الجماهيرى قويا جداً، وكان يمثل ردا عمليا التقطته كاميرات العالم، أن الشعب المصرى على قلب رجل واحد، وأن الجميع يلتف حول فكرة الدولة الوطنية.
وفى الانتخابات البرلمانية 2025 سيعطى المصريون، للمنطقة وللعالم درساً، بأن مصر لديها ممارسة ديمقراطية وتنافس سياسى وحزبى كبير، وهو بالفعل أمر مطلوب.
ذكرت أن الحوار الوطنى أحدث مساحة مشتركة فى الحياة السياسية المصرية.. ما رؤيتك لمستقبل منصة الحوار الوطنى؟
ما يهمنى أن يستمر عمل منصة الحوار الوطنى، كمنصة حوارية وطنية، نجحت بجدارة لتُجمّع كافة التيارات والأحزاب على طاولة واحدة، طاولة الوطن، تحت شعارات عدة مساحات مشتركة، وتوافق واختلاف لا يفسد للوطن قضية، وهى ليست مصطلحات أو شعارات تُردد؛ ولكنها واقع حقيقى عايشناه جميعاً ولمسنا تأثيره بوضوح، فالجميع رأى عبر جلسات مطولة بدأت من الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من الليل، الجميع يطرح أفكاره بشكل منظم، الجميع يتحدث ويناقش ويطرح أفكارا وحلولا، وهو أمر أحدث فارقاً كبيراً داخل الأوساط السياسية، فلأول مرة على مدار التاريخ المصرى يجلس الجميع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين على طاولة واحدة، ليحدث توافق بين الجميع، وهو فى حد ذاته نجاح.
30 يونيو كان لها تأثير كبير على الملف الحقوقى.. ما حجم هذا التغيير وتداعياته مستقبلياً؟
الخطوات التى اتُخذت بعد 30 يونيو فى مجال حقوق الإنسان خطوات غير مسبوقة وضخمة جداً، وسابقة للزمن، هذه الخطوات لم تتخذ إلا بإرادة سياسية واضحة، وأعطى هنا مجموعة من الأمثلة عبر التاريخ فى التسعين عاماً الأخيرة، فكانت مصر تُحكم بقانون الطوارئ، سواء الأحكام العرفية أو حالة الطوارئ، من 2021 تم إلغاء حالة الطوارئ لأول مرة، وفى التاريخ الحديث هذه أول أربع سنوات متصلة لم يتم فيها فرض قانون الطوارئ، وهى خطوة كبيرة، فالجميع يسير وفقاً للإجراءات الجنائية الأصلية دون أى استثناء، وهى خطوة كبيرة جداً.
الأمر الثانى أنه كان هناك بناء مؤسسى لفكرة حقوق الإنسان، فهناك وحدة لحقوق الإنسان فى كل وزارة وكل محافظة وهى خطوة مميزة، لأن وجود وحدة تتلقى الشكاوى المعنية بحقوق الإنسان فى كل محافظة وكل وزارة، هى خطوة شديدة الأهمية تجعل المواطن لديه الوعى بحقوقه وقدرته على تقديم الشكاوى فى هذا المجال.
وتم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وكان لديها تأثير كبير فى تعزيز مسيرة حقوق الإنسان، عبر السنوات الماضية، فمبادئ حقوق الإنسان الذى تم تطبيقها على الجانب السياسى ومنها تفعيل لجنة العفو الرئاسى، والتى على أساسها تم خروج عدد كبير من السجناء، وعودتهم للحياة العامة من خلال لجنة الدمج والتأهيل، وإطلاق الحوار الوطنى.
على الجانب الاجتماعى والاقتصادى شاهدنا جميعا كيف أحدثت مبادرة حياة كريمة رفع الوضع الاجتماعى لكثير من القرى، وهى تمثيل للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بل وأحد روافد حقوق الإنسان فى العهد الدولى للحقوق الاجتماعية والاقتصادية.. فعدد كبير جداً وهم الأغلبية الساحقة من أهلنا فى الريف ليس لديهم صرف صحى أو مياه شرب نظيفة، فكان من المهم أن تتخذ خطوات جادة لإعطاء هذه الحقوق، وهو ما أحدثته مبادرة حياة كريمة، حتى أن البنك الدولى صنفها كإحدى أهم المبادرات التنموية الأكبر فى العالم، لأنها خدمت أكثر من 60 مليون مواطن.
ونؤكد هنا، أن من أهم المكتسبات التى جاءت نتيجة 30 يونيو هى تعزيز مسيرة حقوق الإنسان، وكانت بإرادة سياسية بدأها وأطلقها الرئيس السيسى.
وهنا أيضا يجب الإشارة إلى أن 30 يونيو بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى أعادت مصر لمكانتها الطبيعية للأمة العربية والمنطقة بأكملها، والقدرة على التأثير فى الشرق الأوسط.. فمصر رمانة الميزان لتحقيق السلام والاستقرار، وكل دول العالم تعى أهمية الدور المصرى من أجل حفظ الهدوء الإقليمى.
بعد 10 سنوات من الآن.. كيف ترى الجمهورية المصرية الجديدة؟
الجمهورية الجديدة تسير على الطريق الصحيح نحو الإصلاح والتنمية.
ولهذا أتوقع أن يكون عام 2025 انطلاقة إلى المستقبل، فالقادم سيكون سنوات حصاد وتنمية نتيجة للجهود والأثمان الغالية التى دُفعت من أجل الحفاظ على أمن واستقرار هذه الدولة.

